الملتقى العربي الألماني الخامس للتعليم والتدريب المهني 20 – 21 نوفمبر 2013

الدول العربية وألمانيا تشدد على التعاون التقني والافادة من الخبرات
نظام التعليم والتدريب المزدوج مفتاح فرص العمل والانتعاش الاقتصادي

أجمع الملتقى العربي الألماني الخامس للتعليم والتدريب المهني الذي عقد ما بين 20 و 21 نوفمبر الماضي في قاعة “دي بي بي فوروم” في برلين على أهمية “النظام التعليمي المزدوج” المتبع في ألمانيا الذي يجمع بين التدريب العملي في الشركات والمصانع والتعليم النظري في المدارس، مثبتاً فعاليته في تأمين فرص العمل للشباب من جهة، وفي تخريج قوى عاملة مؤهلة في المهن المختلفة من جهة أخرى.

وانعقد الملتقى على مدى يومين بين غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية ومؤسسة “أيموف” التابعة لوزارة التعليم الإتحادية والإتحاد الألماني للتعليم “ديداكتا” بحضور نحو 300 خبير ورجل أعمال وباحث من العالم العربي وألمانيا. وتهتم مؤسسة “أيموف” بشكل أساسي بالتعريف بنظام التعليم الفني الألماني المزدوج في الخارج، وتتعاون في هذا الصدد مع الاتحاد الألماني لقطاع التعليم.
ويلعب التعليم والتدريب المهني دوراً جوهرياً في تطوير المجتمع ونمو الاقتصاد الألماني، وتأهيل الأجيال الناشئة لتحقيق نمو ناجح وطويل الأمد. ونظراً إلى أن أكثر من نصف عدد سكان الدول العربية تحت سن الـ 25 عاماً، تواجه الدول العربية تحديات تأهيل وتوفير فرص العمل للأجيال الشابة. ويستدعي هذا الأمر الاطلاع على التجربة الألمانية الناجحة في هذا المجال، حيث يمكن للمؤسسات والشركات العربية العاملة في قطاع التعليم تعزيز صلات التعاون مع المؤسسات والشركات الألمانية، والاستفادة من خبراتها.

ميلفا: تعزيز التعاون

ورحّب مدير “أيموف” ماركوس ميلفا في افتتاح الملتقى الخامس بالحضور ونوّه بالمسابقة الدولية التي جرت العام الماضي للمرة الأولى في بلد عربي هو الإمارات حيث أظهر المشاركون فيها من أكثر من خمسيين دولة في العالم معارفهم وقدراتهم المهنية. وبعد أن شدد على أهمية في رفع مستوى برامج التدريب والتعليم المهنيين دعا إلى تعزيز التعاون الألماني ـ العربي في هذا المجال معلناً دعم مؤسسته لكل خطوة تسير في هذا الاتجاه.

المخلافي: مستعدون للمساعدة

وحضّ الأمين العام للغرفة عبد العزيز المخلافي المسؤولين عن التعليم المهني  في الدول العربية على مواصلة الاستثمار فيه لما يؤمنه من عائد مادي وبشري كبير على اقتصاد البلاد واليد العاملة فيها. وقال إن 60 في المئة من سكان العالم العربي البالغ عددهم 360 مليون نسمة دون الـ 25 سنة، لافتاً إلى كونه تحدٍ كبير يفرض تأمين فرص العمل بصورة مستدامة وضمان الانتعاش الاقتصادي. ولفت انتباه الحضور إلى أن الملتقى سيساهم في شرح نظام التدريب المهني الألماني المزدوج في ألمانيا وبحث إمكانات تطبيقه في العالم العربي مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الخاصة بكل بلد. وأكد أن الغرفة على استعداد لتقديم كل الدعم والمساعدة الممكنين لتسهيل التواصل بين مسؤولي التعليم المزدوج في الدول العربية وألمانيا للوصول إلى تعاون مشترك.

ريكه: مفتاح الانتعاش

وتحدث المدير العام للتعاون الأوروبي والدولي في وزارة التعليم والبحوث الاتحادية، فولكر ريكه عن الصدى الايجابي لنظام التعليم المزدوج الألماني في أوروبا وفي العديد من دول العالم، الأمر الذي دفع بالرئيس الأميركي باراك أوباما إلى اعتباره نظاماً ناجحاً وتمنى تطبيقه في الولايات المتحدة. واعتبر ريكه التعليم مفتاحاً للتقدم العلمي والثقافي وتأمين فرص العمل، ما يقود في النهاية إلى ارساء انتعاش اقتصادي داخلي وإلى بناء جسور من التعاون بين الدول.

شبكشي: رفع المستوى

وعرض عميد السلك الدبلوماسي العربي سفير المملكة العربية السعودية البروفسور أسامة بن عبد المجيد شبكشي في كلمته نظام التدريب المهني في بلده فقال إنه يستمر ثلاث سنوات يعادَل في نهايتها بالشهادة الثانوية. وأضاف أن دول مجلس التعاون الخليجي تخصص أموالاً كبيرة لتحسين برامح التعليم ومستوى الشهادات الصادرة، مشيراً إلى أن بلاده ودولة الإمارات العربية المتحدة تتعاونان في هذا المجال مع مؤسسات تعليمية ألمانية، ملمحاً إلى أهمية مشاريع التعاون العلمي المُشتركة ومنها الجامعة الألمانية في القاهرة والجامعة الاردنية ـ الألمانية في عمّان، والجامعة التقنية في عُمان. وشدد بدوره على أهمية تعزيز التعاون في مجال التدريب والتعليم المهنيين.

فتيناكيس: المطلوب إصلاحات

وألقى البروفسور فاسيليوس فتيناكيس، رئيس مؤسسة “ديداكتا” المسؤولة عن التدريب والتعليم في قطاع الصناعة الألمانية، كلمة أشار فيها إلى أهمية التعاون مع الدول العربية في هذا المجال من خلال الغرفة. وبعد أن حضً على أهمية متابعة القدرات والامكانات بين الجانبين وتقويتها لفت إلى أن الجديد في التعليم المزدوج هو استخدام العوامل النفسية والعائلية المحيطة بالتلاميذ لمساعدتهم على تخطي المصاعب التي ستنشأ خلال دراستهم العملية والنظرية، الأمر الذي يفرض إدخال إصلاح نوعي على برامج التعليم منذ الصفوف الأولى.

تومان: اهتمام بالمزدوج

وانتهت الجلسة الافتتاحية بكلمة للمديرة العامّة لإدارة عولمة نظام التعليم المزدوج التابع للمعهد الاتحادي للتعليم والتدريب الألماني BiBB، برغيت تومان، فلفتت فيها إلى الزيارات التي قامت بها إلى عدد من الدول العربية في هذا المجال مثل مصر وفلسطين والبحرين والإمارات، ما يعكس اهتمام هذه البلدان بنظام التعليم المزدوج في ألمانيا والرغبة في التعاون واكتساب الخبرة الألمانية.  ولاحظت تومان أن اهتمام الدول بنظام التعليم والتدريب الألماني بدأ في التعاظم منذ عام 2010، وكذلك اهتمام الدول الأوروبية على خلفية البطالة المتزايدة فيها منذ عام 2008، خصوصاً بين الشباب على خلفية الأزمة المالية والإقتصادية العالمية التي أثّرت على الإقتصاد العالمي إبتداءاً من العام 2008م. ودعت إلى اعتماد نموذج يساعد على مواجهة تحديات التخصص المهني في مختلف المجالات.

وأجمعت كلمات المتحدثّين على ما يوفره هذا النظام للأجيال الجديدة من فرص عمل في الشركات والمصانع التي يتدربون فيها، الأمر الذي يساهم مساهمة فعالة في تأمين أيدي عاملة مؤهلة، وفي خفض البطالة بين الشباب بصورة خاصة. وقدّم بعضهم أمثلة حية عن ذلك من خلال المقارنة بين الحجم المنخفض للبطالة في ألمانيا حالياً، وحجمها المرتفع جداً في الدول الأوروبية الأخرى على خلفية أزمة اليورو.

ثلاث جلسات عمل

وشهد الملتقى ثلاث جلسات عمل جرى فيها بحث حاضر التعاون العربي ـ الألماني في مجال التعليم والتدريب المهني وآفاقه، والتعليم والتثقيف منذ الصغر كركيزة للاقتصاد والبحث العلمي، والنظام التعليمي الألماني المزدوج كنموذج يقتدى به في الدول العربية والعالم. وناقشت الجلسة الختامية المبادرات والمشاريع القائمة في الدول العربية في مجالي التعليم والتدريب.
تحدث في الجلسة الأولى، التي أدارها الخبير ميشائيل شميدت، السفير الألماني للعلاقات الدولية في مجال التعليم، الدكتور هاينريش كرافت قائلاً إن تدويل الجامعات خطوة أساسية اتخذتها الحكومة الألمانية لمواجهة تحديات العولمة والجمع بين الاقتصاد والعلوم والتعليم، بما في ذلك التطوير والابتكار. وأشار إلى وجود ستة مراكز دولية آخرها افتتح في القاهرة عام 2013 مشدداً على تلبية احتياجات سوق العمل للقوى العاملة المؤهلة مهنياً.

وأوضح الدكتور صالح العمر نائب رئيس المؤسسة العامة للتدريب المهني في المملكة السعودية أن بلده يصرف على التعليم 12 في المئة زيادة على المتوسط الذي حددته المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية  بفضل الدخل الكبير من النفط. وقال إن السعودية سترفع عدد تلامذة التدريب المهني من 110 آلاف حالياً إلى 300 ألف عام 2020، ما يتطلب تأمين زيادة سنوية في عدد المدرسين تبلغ ألفي مدرس ومدرّب.

وتحدث الدكتور ميشائيل كليس المسؤول عن مدرسة التدريب التقني في الرياض عن تأهيل ألف شخص حالياً مشيراً إلى أن الحكومة السعودية تستثمر مبالغ كبيرة في مجال تأهيل مدرسين ضمن برنامج يستمر ثلاث سنوات يعتمد على التعليم العملي والنظري المزدوج.
واستعرض الدكتور المهندس جلال عثمان مدير مشروع التعليم العالي في مصر التحديات الناجمة عن التزايد الكبير في عدد السكان وارتفاع الطلب على الوظائف وفرص العمل، لافتاً إلى أن دولاً عربية عديدة تستثمر كثيراً في الطاقات المتجددة، وأن السعودية تسعى إلى انتاج 52 غيغاواط في البلاد من الطاقة المتجددة حتى عام 2032، الأمر الذي سيوفر مجالات عمل عديدة.
وعرض أنطونيوس ياكس العامل في المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي GIZ “رؤية 2030” لتطوير البحرين ومدى مساهمة مؤسسته في هذا المشروع. واضاف ان العمل يجري على إنشاء 125 مركزاً وطنياً في البلاد تحدد الكفاءات المطلوبة لممارسة بعض الأعمال المهنية بالتعاون الوثيق مع الشركات العاملة في البلاد لتلبية احتياجات الاقتصاد والسوق إلى العاملين المؤهلين.

التعليم والصناعة

وعقدت الجلسة الثانية تحت عنوان “التعليم والتدريس أساس للصناعة والبحوث” تحت إدارة يوخن رنغر، المدير الاقليمي للمنطقة العربية في مؤسسة التعاون الاقتصادي الألمانية (GIZ)، فشدد على العلاقة القوية بين التعليم والتطور الاقتصادي.
وركّز البروفسور فاسيليوس فتيناكيس في مداخلته على حاجة التعليم إلى إصلاح داعياً إلى التحول من التعليم السلبي إلى التعليم الحيوي، مطالباً بادخال الطفل منذ سنيه الأولى في عملية الخلق والابتكار، وتعميق خبراته في المدرسة وفي البيت أيضاً، وتعلميه كيفية التعلم ومنطق معالجة الأمور والتركيز على نقاط قوته.
وعرض ديفيد براون مدير المعهد التقني للخدمات الكهربائية في جيزان التابع لشركة الكهرباء السعودية نشاط المعهد، فقال إنه لا يهدف للربح وأقيم بتعاون حكومي ـ خاص. كما استعرض هيكلية التدريب المهني في المملكة التي أنشأت 181 مدرسة تقنية حتى الآن بهدف سعْودة فرص العمل والوظائف. وأضاف أن الدولة تضمن إيجاد عمل للخريجين الذين يحصلون على شهادة دبلوم في الهندسة العملية.

واستعرض البروفسور راينر فورسلين عميد جامعة العلوم التطبيقية في إسلينغن بألمانيا عمل جامعته ونظام التعليم الألماني مبيناً الفروقات بين الجامعات وبين المدارس التقنية ونظامها المزدوج ومشدداً على أفضليات الأخيرة، خاصة اشتراط أن يكون للمدرس في التعليم المزدوج خبرة خمس سنوات في القطاع الصناعي. وبعد أن شدد على تطوير تكنولوجية الاتصالات والمعلومات قال إن العلاقة بين الشركات والجامعات أصبحت أكثر أهمية من ذي قبل.

ألمانيا والتعليم المزدوج

وبحثت الجلسة الثالثة التي عقدت تحت إدارة ناديا ريناوي، مديرة المكتب الدولي للمنطقة الحرة في إمارة رأس الخيمة في الإمارات، خصائص التعليم المزدوج في ألمانيا. وتحدثت كريستيانه شومّر المسؤولة عن التعاون الدولي في قسم برامج التعليم في الاتحاد الأوروبي عن ورقة العمل الاستراتيجي للحكومة الألمانية الخاصة بالتعاون الدولي في المجال التقني المهني وتقديم المعونة اللازمة في هذا المجال. وأشارت إلى برنامج من ثلاث سنوات لتدريب ممرضات في تونس.

وقام ألكسندر ليغوفسكي، مدير مكتب الإعلام والعلاقات الدولية في اتحاد الحرفيين الألمان، بتقديم عمل المركز التقني للاتحاد لتعزيز التعليم المزدوج في البلاد والإعلام عنه وعرض أفضلياته والدعاية له وسبل تطويره.
وقدّم حاجي بن فقير البلوشي، مدير عام التدريب المهني في وزارة القوى العاملة في عُمان “رؤية 2020” لبلده قائلا إن السلطنة قطعت شوطاً كبيراً في مجال التدريب المهني منذ عام 1968 وحتى اليوم، مشيراً إلى مشاركة بلده العام الفائت في الدورة الدولية لأفضل المهنيين في العالم التي جرت في لايبزغ. وقال إن نظام التدريب المهني العماني يستند إلى ثلاثة مداميك: سنتا دبلوم، برنامج تعليمي وفترة تدريب قصيرة.

وتحدث الدكتور غيرت لوزه من جامعة بريمن فرأى ضرورة التعامل بصورة أكبر مع متطلبات السوق المتنامية ملاحظاً أن نظام التعليم المزدوج الألماني هو الأنسب لضمان تدريب مهني في مكان العمل المنشود.

الجلسة الختامية

وعالجت الجلسة الختامية المشاريع والمبادرات في العالم العربي فعرضت لمياء الارياني وكيلة وزارة التعليم الفني والتدريب المهني لشؤون تعليم الفتيات في اليمن وضع الفقر والمرأة العاملة، فقالت إن موضع المرأة في التعليم المهني صعب ويجري بذل مساع كبيرة لتجاوز قيود المجتمع وتقاليده. ولفتت إلى إن الوزارة قررت إنشاء قطاع خاص يهتم بالتدريب المهني، واتخذت عدة تدابير لتمكين النساء من الحصول على تدريب مهني تبعاً لحاجات السوق.

وتحدث المفتش العام في وزارة التعليم والتدريب المهني في الجزائر نوار بوروبة فشدد على اجراء إصلاحات في نظام التدريب المهني في بلده وجعله جزءا لا يتجزأ من النظام التعليمي. ورأى أن على بلده مكافحة البطالة بين الشباب والعمل على تأمين التخصصات لهم وتلبية حاجات سوق العمل معرباّ عن الرغبة في تطوير العلاقات القائمة بين الجزائر وألمانيا التي سمحت أخيراً بتأهيل 425 شاباً جزائرياً ضمن مشروع مشترك.

وعرض البروفسور علي مجذوب الأمين العام لاتحاد مجالس التدريب المهني العربية أسباب التحديات التي تواجه التدريب المهني في العالم العربي فاشار إلى تفضيل القسم الأكبر من المجتمع التعليم الأكاديمي للحصول على فرصة عمل. ونبّه إلى أن بعض الدول العربية نقلت نظام التدريب المهني الغربي نقلاً ميكانيكياً دون أخذ خصائص السوق المحلية وحاجاتها بعين الاعتبار. وحضّ على تقديم صورة إيجابية عن العمل المهني وتعزيز التعاون مع ألمانيا.

وكان الدكتور يان أيبن المدير المسؤول في الهيئة الألمانية للتدريب قد قدّم نموذجاً للتعاون الألماني مع الدول الأخرى وفرص التعاون مع العالم العربي.

برنامج الملتقى