تراجع مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني خلال شهر أكتوبر بشكل طفيف حيث سجل مؤشر ifo لمناخ الاعمال مستوى 84.3 نقطة بعد ان كان عند مستوى 84.4 نقطة في الشهر السابق. وبالرغم من ان الشركات كانت أقل رضا عن مستوى اعمالها الحالية الا ان توقعاتها لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة تحسنت مع استمرار القلق من مواجهة الاقتصاد الألماني لشتاء صعب نتيجة ازمة امدادات الطاقة.  واعتبر رئيس معهد ifo، Clemens Fuest انه بالرغم من ثبات مؤشر مناخ الاعمال النسبي فان ذلك لا يعني ان خطر حصول ركود اقتصادي قد تراجع.

     في قطاع الصناعة، انخفض المؤشر مرة أخرى من مستوى (-14.3 نقطة) في شهر سبتمبر الى مستوى (-15.9 نقطة) في أكتوبر، ويعود هذا الانخفاض الى توقعات شركات القطاع الأكثر تشاؤمًا بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة، بينما كان تقييمها أفضل لمستوى الاعمال في الوقت الحالي حيث ما تزال دفاتر الطلبات ممتلئة، حتى مع تراجع الطلبات الجديدة. كما ما يزال استخدام القدرات الصناعية في مستوى 84.6 في المئة والذي يعد أعلى من المتوسط طويل الأجل البالغ 83.6 في المئة.

     في قطاع الخدمات، تعافى مناخ الأعمال قليلاً بعد التراجع الكبير في الشهر الماضي، حيث وصل المؤشر خلال أكتوبر الى مستوى (-8.6 نقطة) مرتفعا من مستوى (-8.9 نقطة) المسجل في شهر سبتمبر. وكانت شركات قطاع الخدمات أقل تشاؤما بشأن الاعمال في الأشهر المقبلة. بينما كانت هذه الشركات اقل رضا عن مستوى الاعمال الحالي.

     في قطاع التجارة، ارتفع مؤشر الاعمال من مستوى (-32.3 نقطة) في سبتمبر الى مستوى (- 31.9 نقطة) في أكتوبر، وكان هذا بسبب التقييمات الأفضل قليلاً لشركات القطاع لوضع الاعمال الحالي. ومع ذلك، لا تزال التوقعات بخصوص مستوى الاعمال في الأشهر القادمة سلبية، لا سيما في مجال البيع بالتجزئة. اما في قطاع البناء فقد انخفض مؤشر وضع الأعمال إلى أدنى مستوى له منذ يناير 2016م، حيث وصل الى مستوى (- 24 نقطة). كما استمرت التوقعات الخاصة بمستقبل الاعمال خلال الفترة القادمة في الاتجاه السلبي.

     على العكس من ذلك تحسن مناخ الاعمال بين المصدرين الألمان إلى حد ما، حيث ارتفع مؤشر ifo لأعمال التصدير في شهر أكتوبر الى مستوى (- 5.3 نقطة) بعد ان كان المؤشر قد سجل مستوى (- 6 نقاط) في سبتمبر الماضي. وبالرغم من هذا التحسن في مناخ الاعمال لا يزال الوضع صعبًا بالنسبة للمصدرين الألمان، خصوصا ان ارتفاع مستوى عدم اليقين الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع معدلات التضخم تؤدي إلى إحجام العملاء الدوليين عن تقديم طلبات جديدة. في الوقت الحالي تتوقع شركات صناعة المشروبات ومصنعي الأجهزة الإلكترونية نموًا كبيرًا في الصادرات. بينما تراجعت توقعات مصنعي السيارات حول نمو الصادرات. كما تتوقع القطاعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الصناعات الكيميائية وصناعة الزجاج وصناعة المعادن تراجع اعمال التصدير وهو كذلك ما تتوقعه شركات صناعة الأغذية.

     من جهة أخرى اظهر تقرير الخريف عن الاقتصاد الألماني الصادر عن الحكومة الاتحادية ان ألمانيا تنزلق إلى الركود بسبب أزمة الطاقة.  حيث تتوقع الحكومة ان يبلغ معدل النمو الاقتصادي للعام الجاري 2022م نحو 1.4 في المئة فقط، بينما من المرجح أن يتقلص الاقتصاد بنسبة 0.4 في المئة في العام المقبل 2023م، قبل ان يعود الى النمو مرة أخرى في العام 2024م، وبنسبة 2.3 في المئة. وعلق وزير الاقتصاد الاتحادي Robert Habeck على التقرير بالقول “إننا نواجه حاليًا أزمة طاقة حادة تتحول بشكل متزايد إلى أزمة اقتصادية واجتماعية”. سبب هذه الأزمة هو الحرب الروسية على أوكرانيا، وايقاف روسيا إمدادات الغاز الى ألمانيا وعدد أخر من الدول الأوروبية والذي نتج عنها ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، أدى أيضا إلى تباطؤ الإنتاج الصناعي. كما اعتبر Habeck ان ارتفاع معدلات التضخم وفقدان القوة الشرائية للمواطنين يترك بصماته على معدلات الاستهلاك والذي، وفقًا لوزير الاقتصاد، سينخفض ​​بنسبة واحد في المئة في العام المقبل 2023م.  وتتوقع الحكومة الاتحادية ان يبلغ معدل تضخم لمجمل العام الحالي 2022م، 8 في المئة، ومعدل 7 في المئة في العام 2023م.

     في سياق متصل اظهر تقرير البنك المركزي الألماني (Bundesbank) عن تطورات الاقتصاد لشهر أكتوبر، ان الاقتصاد الألماني على وشك الانكماش، وهو ما يعني انخفاضًا واضحًا وواسع النطاق وطويل الأمد في الناتج المحلي الاجمالي. ووفقًا للتقرير، فإن التضخم المرتفع باستمرار وعدم اليقين بشأن إمدادات الطاقة وارتفاع تكاليفها لها تأثير كبير في الوقت الحالي على الاقتصاد الألماني. حيث ان الغموض السائد حول تأمين إمدادات الغاز في الأشهر المقبلة بسبب توقف إمدادات الغاز الروسي، يتسبب في الارتفاع المستمر في تكاليف الطاقة والتي تؤثر على الإنتاج، خاصة في القطاع الصناعي. كما تؤثر على الصادرات الى جانب تأثيراتها على القوة الشرائية للأسر واحجامها عن الاستهلاك.  وهو ما يمكن ان يؤدي بالمجمل الى “أن ينخفض ​​الناتج الاقتصادي بشكل كبير في فصل الشتاء”. وان كان خبراء البنك المركزي لا يؤكدون حتمية حدوث هذا الانكماش اعتمادا على الإجراءات التي أعلنتها الحكومة الاتحادية مؤخرًا للحد من ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، واعتمادا أيضا على مدى تصميم الحكومة على تنفيذها.

     بالإضافة الى ذلك يشير التقرير الى ان الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث من العام الحالي 2022م، يمكن ان يظل عند نفس المستوى الذي سجله في الربع الثاني دون تغيير تقريباً، حيث انه، ووفقاً للمعلومات المتوفرة حتى شهر أغسطس، زادت الصناعة والبناء من إنتاجهما إلى حد ما.  كما انه من المحتمل أيضًا أن يكون إلغاء معظم تدابير الحماية من كورونا قد وفر زخمًا إيجابيًا في بعض قطاعات الخدمات.

     فيما يتعلق بمعدلات التضخم، وبحسب تقرير البنك المركزي، بلغ معدل التضخم في ألمانيا في شهر سبتمبر الماضي 10.9 في المئة، كما أنه من المرجح أن يظل معدل التضخم فوق مستوى الـ 10 في المئة خلال الأشهر القليلة المقبلة، حتى لو دخلت بعض الإعفاءات او التخفيضات الضريبية الجديدة حيز التنفيذ، مثل خفض معدل ضريبة القيمة المضافة على الغاز والتدفئة المحلية اعتبارًا من أكتوبر. ويشير التقرير الى ان ” الزيادات السعرية المرتفعة بشكل غير عادي قد استمرت في الأشهر السابقة “. وذلك بسبب ضغط الأسعار المستمر على أسواق الطاقة الأوروبية. كما ارتفع إجمالي أسعار الواردات في أغسطس بنحو 33 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وارتفعت أسعار بعض المنتجات المحلية بنحو 46 في المئة. “بينما تضاعفت أسعار الكهرباء والغاز في السوق المحلية ثلاث مرات.”

سوق العمل: تراجع البطالة على الرغم من ارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم

     مع بدء موسم الخريف انخفضت البطالة في سبتمبر 2022م مقارنة بالشهر السابق، حيث تراجع عدد العاطلين عن العمل بواقع 62 ألف شخص ليصل اجمالي العاطلين الى 2486000 شخص. ومقارنة بشهر سبتمبر من العام الماضي، فإن عدد العاطلين عن العمل أعلى بنحو 21 ألف شخص وترجع هذه الزيادة الى تسجيل اللاجئين الأوكرانيين العاطلين عن العمل لدى وكالة العمل الاتحادية، وبدون هؤلاء لكان عدد العطلين بالعمل اقل من العام السابق. وقد انخفض معدل البطالة من أغسطس إلى سبتمبر بنسبة 0.2 نقطة مئوية إلى 5.4 في المئة، وبالتالي لم يتغير معدل البطالة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.  وقد وصفت Andrea Nahles رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA)، هذه التطورات في سوق العمل بانها دلالة على استقرار سوق العمل بالرغم من ارتفاع الأسعار والمخاوف من نقص امدادات الطاقة.

     اما فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر فقد بلغ عدد المسجلين الجدد في البرنامج خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 26 سبتمبر نحو 44 ألف شخص، وهو ما يعني استمرار تراجع اعدد العمال والموظفين المسجلين في البرنامج. وبحسب أخر البيانات المتاحة من وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ اجمالي الموظفين والعمال الذين استلموا تعويضات برنامج العمل بدوام مختصر في شهر يوليو الماضي حوالي 99 ألف شخص.

     من جهة أخرى، انخفض الطلب على الموظفين الجدد بشكل ملحوظ في شهر سبتمبر 2022م، لكنه لا يزال عند مستوى مرتفع.  حيث تم تسجيل 873 ألف وظيفة شاغرة في وكالة العمل الاتحادية، وهو ما يمثل اقل بنحو 11 ألف وظيفة شاغرة مقارنة بالشهر السابق، ولكنها تظل أعلى من عدد الوظائف الشاغرة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي بحوالي 74 ألف وظيفة.

     في سياق متصل، ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، بلغ عدد الموظفين في شركات القطاع الصناعي التي تضم 50 موظفًا أو أكثر في نهاية أغسطس 2022م، حوالي 5.5 مليون شخص وهو ما يعني زيادة عدد الموظفين في القطاع بمقدار 53500 موظف أو ما يساوي واحد في المئة تقريبا مقارنة بشهر أغسطس 2021م. وهو ما يعني ايضاً أن عدد الموظفين قد ارتفع للمرة الثامنة على التوالي.

     وقد ارتفع عدد العاملين في صناعة معدات معالجة البيانات والمنتجات الإلكترونية والبصرية بنسبة 4.1 في المئة، وفي صناعة المعدات الكهربائية بنسبة 3.9 في المئة وهو الارتفاع الذي يعد اعلى من المتوسط. كما استمر النمو في عدد الموظفين في صناعة المعادن ومعالجتها أعلى بقليل من المتوسط ​​وبنسبة 1.3 في المئة. في صناعة المواد الغذائية والأعلاف وفي صناعة المعدات والآلات، كانت الزيادة في عدد الموظفين أقل بقليل من المتوسط ​​عند 0.9 في المئة. بينما وعلى العكس من اتجاه نمو اعداد العاملين في القطاع الصناعي انخفض عدد العاملين في صناعة السيارات وقطع غيارها بنسبة 0.8 في المئة.

     وزادت ساعات العمل في القطاع الصناعي في أغسطس 2022م، بنسبة 6.3 في المئة مقارنة بشهر أغسطس 2021م، إلى 654 مليون ساعة. غير انه تجدر الإشارة إلى أن أغسطس 2022م، كان لديه يوم عمل واحد أكثر من نفس الشهر من العام الماضي (باستثناء ولايتي بافاريا وسارلاند). وقد بلغت رواتب الموظفين الصناعيين في أغسطس 2022م، حوالي 23.8 مليار يورو. وهو ما يمثل زيادة بنسبة 3.6 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.

البرلمان الألماني يقر تمويل برنامج الحماية من ارتفاع أسعار الطاقة بقيمة 200 مليار يورو

     وافق البرلمان الألماني (البوندستاج) على البرنامج الذي تستهدف الحكومة الاتحادية من خلاله وضع حد أعلى لأسعار الغاز وأسعار الطاقة الكهربائية، والذي تبلغ كلفته 200 مليار يورو. كما وافق البرلمان على استثناء أخر لتعطيل المادة الدستورية الخاصة بكبح الديون من اجل تمكين الحكومة الاتحادية من الحصول على قروض اضافية من اجل تمويل البرنامج. ويتضمن البرنامج وضع سعر اعلى لأسعار الغاز والكهرباء بالنسبة للمستهلكين من المواطنين بالإضافة إلى تقديم مساعدات للشركات المتعثرة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وكذلك تقديم مساعدات لكبار مستوردي الغاز.

ويتضمن برنامج الحكومة على وجه التحديد، إعادة تنشيط صندوق الاستقرار الاقتصادي الذي تم إنشاؤه خلال فترة كورونا وتجهيزه بمبلغ الـ 200 مليار يورو الذي سيتم الحصول عليه من خلال الاقتراض خلال العام الجاري 2022م، قبل ان تعود الحكومة الاتحادية، وبحسب وزير المالية الاتحادي Christian Lindner الى الالتزام بكابح الديون اعتبارًا من العام القادم 2023م.

     وقد تلقى البرنامج الحكومي لوضع سقف لأسعار الغاز والكهرباء انتقادات من أحزاب المعارضة، خصوصا احزاب الاتحاد المسيحي وحزب اليسار، التي رأت ان الائتلاف الحاكم سعى الى ضمان توفير كلفة البرنامج قبل ان يقوم بتحديد الإجراءات والآليات التي سيتم من خلالها تحديد سعر أعلى للطاقة للمستهلكين.  وكانت لجنة حكومية لتحديد أسعار الغاز قد قدمت اقتراحاً يهدف إلى تخفيف عبء أسعار الغاز والكهرباء المرتفعة على الأسر والشركات يقوم على دفع قسط شهري لمرة واحدة فقط في شهر ديسمبر القادم، قبل ان يدخل كابح أسعار الغاز الدائم حيز التنفيذ اعتبارًا من مارس 2023م. الا ان الولايات الفيدرالية والائتلاف الحاكم يناقشون تخفيفاً مبكراً لأسعار الطاقة، ويسعى وزير الاقتصاد الاتحادي Robert Habeck ان يبدأ تنفيذ كابح أسعار الكهرباء والغاز في شهر يناير القادم على ابعد تقدير.

     من جهته أكد وزير المالية Lindner ان الحكومة الاتحادية “تعمل تحت ضغط كبير للحد من أسعار الكهرباء والغاز في أسرع وقت ممكن”. معتبراً ان إمكانية تقديم بدأ تنفيذ مكابح أسعار الغاز والكهرباء إلى شهر يناير قائمة على الرغم من “اننا لا نعرف في الوقت الحالي ما إذا كان ذلك ممكنًا من الناحية الفنية.” حيث يجب أن يكون موردو الغاز قادرين على اصدار فواتير الاستهلاك في الوقت المحدد، ويضيف Lindner ” من حيث المبدأ، يجب تفعيل مكابح أسعار الكهرباء والغاز بأسرع ما يمكن حتى تخف الأعباء المالية على المواطنون والشركات”.

     في نفس السياق، أعلن المستشار Olaf Scholz انه يرغب في استكشاف إمكانية بداية مبكرة لمكابح سعر الغاز في الأول من يناير القادم وذلك بالتشاور مع موردي الطاقة، حيث ان الحكومة لا تستطيع اتخاذ القرار بمفردها ثم تتحجج الشركات المزودة بالغاز والكهرباء بعدم قدرتها على تنفيذه، مشدداً على ان الامر يحتاج الى تكاتف كبير في ألمانيا “نعمل على تحقيقه حالياً”.

نائب رئيس كتلة أحزاب الاتحاد المسيحي في البرلمان  Jens Spahn أعتبر ان مرور أشهر الشتاء والانتظار حتى شهر مارس لتفعيل مكابح أسعار الطاقة “لا معنى له” وان منح مساعدة للمستهلكين لمرة واحدة لا يكفي حيث ان ” المخابر وشركات المهن الحرفية تحتاج الى المساعدة في وقت مبكر في شهر يناير او فبراير”، وان لم يتم ذلك فيقترح Spahn  ان تقدم الحكومة مساعدة شهرية ثابتة بنحو 1000 يورو او تقديم دفعات مالية للشركات المعرضة لخطر الإفلاس مع فحص لاحق لمدى استحقاقها لهذه الدفعات، تماما كما تم في برامج مساعدات الشركات اثناء جائحة كورونا.

      من جانبه أعرب رئيس الاتحاد الألماني لصناعات التعدين والكيماويات والطاقة (IGBCE)، Michael Vassiliadis عن شكوكه في إمكانية تقديم موعد بدأ برنامج مكابح أسعار الغاز للعملاء، حيث يحتاج مزودو الغاز والكهرباء إلى فترات مختلفة من الوقت لتنفيذ البرنامج، اذ لا يمكن اعفاء جميع العملاء في نفس الوقت إلا في شهر مارس، وإلا فإن بعض المستهلكين سيستفيد في وقت أبكر من البعض الآخر.

     وتعمل الحكومة الاتحادية حالياً على دراسة مختلف الاقتراحات سواء من لجنة الخبراء الخاصة بمكابح اسعار الغاز والكهرباء او من بقية الأطراف لمعالجة ارتفاع تكاليف الطاقة وخصوصا أسعار الغاز والتي تمثل الزيادة فيها أعلى عبء مالي على كل من المستهلكين والاقتصاد، حيث يعتبر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي اعلى من الارتفاع في اسعار الكهرباء أو مصادر الطاقة الأخرى مثل النفط والخشب والفحم.

الاستفادة من الدارسين الأجانب في ألمانيا

     تعاني ألمانيا منذ عدة سنوات من النقص المتزايد في العمالة الماهرة وما تزال نتائج محاولات معالجة هذا النقص عبر تشجيع هجرة الكفاءات من خارج دول الاتحاد الأوروبي غير كافية وما تزال في مراحلها الأولية بالإضافة الى أن المعالجة من خلال هجرة مواطني الاتحاد الأوروبي الى ألمانيا قد تجاوزت ذروتها ولا يتوقع ان تستمر خلال السنوات القادمة بنفس الوتيرة. لذا فان عملية جذب المتخصصين من الطلاب الأجانب الدارسين في ألمانيا للدخول في سوق العمل والبقاء في ألمانيا تكتسب أهمية متزايدة. حيث يمكن للطلاب الأجانب تقديم مساهمة مهمة في مكافحة النقص في العمالة الماهرة في ألمانيا، اذ وبحسب تقرير آفاق الهجرة الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، زادت نسبة الأكاديميين الذين يبقون للعمل في ألمانيا بعد الانتهاء من دراستهم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأشار تقرير المنظمة الى ان الأجانب الذين درسوا في ألمانيا يندمجون بشكل أفضل في سوق العمل من المهاجرين الآخرين.  ويرى Thomas Liebig، كبير الاقتصاديين في قسم الهجرة الدولية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ان ألمانيا بحاجة إلى اللحاق بالركب في مجال الاستفادة من الطلاب الأجانب مشيرا الى انه: “يمكن لألمانيا أن تستفيد بشكل أفضل من إمكانات الطلاب الأجانب”.

     وهو أيضا ما عبرت عنه وزيرة التعليم الاتحادية Bettina Stark-Watzinger (من الحزب الليبرالي الديمقراطي FDP) التي اوضحت جاذبية ألمانيا للطلاب الأجانب من خلال “ظروف الدراسة الممتازة والفرص الجيدة للبقاء في ألمانيا كعامل ماهر بعد التخرج”. مؤكدة على ان هناك المزيد مما يمكن عمله في هذا الجانب: “في المستقبل، يجب أن نستفيد بشكل أفضل من هذه الإمكانات الهائلة للعمال المهرة”، لذلك يجب العمل على ” تحسين شروط إصدار التأشيرات والدخول والإقامة للطلاب والباحثين الدوليين”.

     في العام 2020م، بلغ عدد الطلاب الأجانب المسجلين في الجامعات الألمانية نحو 369 ألف طالب وطالبة، وهو ما يعادل ثمانية في المئة من جميع الطلاب الدوليين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38 دولة. وقد احتلت ألمانيا المرتبة الرابعة في قائمة أفضل الدول للدراسة في العالم للطلاب الأجانب بعد الدول الناطقة باللغة الإنجليزية (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا). ويؤكد Liebig: “من الواضح أن ألمانيا قد تجاوزت فرنسا باعتبارها أهم بلد جاذب للطلاب الاجانب غير أنجلو ساكسوني”.

     وقد أتى اثنان من كل خمسة طلاب أجانب في ألمانيا من آسيا، خصوصا من دول الصين والهند وسوريا. من حيث شروط الدراسة، فبشكل عام لا توجد رسوم دراسية في ألمانيا، اما من ناحية فرص العمل أثناء الدراسة وبعد ذلك للبقاء كمتخصص فتعد ألمانيا واحدة من أكثر الدول جاذبية، فوفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقط سويسرا والنرويج وفنلندا تسبق ألمانيا في هذا الجانب.         ومن أبرز الإجراءات التي اتخذتها ألمانيا لتشجيع الطلاب الأجانب للبقاء والعمل في ألمانيا منحهم تصريح إقامة لمدة تصل الى 18 شهراً بعد الانتهاء من دراستهم من أجل البحث عن وظيفة. وأوضح تقرير منظمة التعاون، أن مثل هذه التدابير قد ساهمت في ارتفاع معدلات بقاء الطلاب الأجانب حيث أن ما يقرب من اثنين من كل ثلاثة أجانب جاءوا إلى ألمانيا للدراسة في عام 2015م، كانوا لا يزالون فيها في عام 2020م، معظمهم كموظفين. قبل خمس سنوات، كان معدل بقاء الطلاب الذين قدموا للدراسة في عام 2010م، يبلغ 54 في المئة فقط.

     كما تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن الطلاب الأجانب يدرسون تخصصات هندسية في ألمانيا بمعدل أعلى من المتوسط، وهو ما يعد امراً مهماً لأن النقص في العمال المهرة في المهن التي تتطلب معرفة في الرياضيات أو علوم الكمبيوتر أو العلوم الطبيعية أو التكنولوجيا (MINT) كبير بشكل خاص. بالإضافة الى ذلك تساهم معرفة الطلاب الأجانب على العادات واللغة الألمانية أثناء دراستهم في اندماجهم بشكل أسرع في سوق العمل. بدليل انه وبعد خمس سنوات من دخولهم البلاد، بلغ معدل توظيف الطلاب الأجانب نسبة 77.5 في المئة، وهي أعلى من نسبة توظيف المهاجرين بشكل عام البالغة 71 في المئة.

     وبالرغم من ذلك، فإن الطلاب الأجانب ليسوا مناسبين لكل المهن التي تشهد نقصا حادا في الأشخاص المدربين تدريباً مهنياً، إذ لا يأخذ التعليم الأكاديمي دائماً في الاعتبار كل احتياجات سوق العمل. ومع ذلك، فإن الجهد المبذول لجعل ألمانيا أكثر جاذبية للطلاب من الخارج أمر يستحق العناء. حيث يؤكد الخبير في منظمة التعاون الدولي Liebig على انه ” يمكن للمرء أن يفعل المزيد للتدريب على اللغة في ألمانيا وفي البلدان الأصلية، وكذلك الترويج للدراسة في ألمانيا بشكل أكبر في الخارج”.

تنافسية السيارات الكهربائية الألمانية  

     تُعرف ألمانيا بانها بلد صناعة السيارات وتحظى أنواع السيارات التي تقوم بإنتاجها بسمعة عالمية الى جانب ان صناعة السيارات تعد أكبر قطاع صناعي واهم سلعة يتم تصديرها. هذه المكانة التي تحظى بها السيارات الألمانية التقليدية مهددة بعدم الاستمرار نتيجة التغيرات الهيكلية في صناعة السيارات والاتجاه نحو صناعة السيارات الكهربائية والتوقف التام عن انتاج السيارات العاملة بالوقود الاحفوري.  ان كل المميزات التي راكمتها ألمانيا في صناعة السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي من تقنيات وكفاءة وفخامة ورفاهية لا تحظى بها السيارات الكهربائية بعد، وان كانت الشركات الألمانية تعمل في هذا الاتجاه، الا انه وبالمقارنة مع بقية مصنعي السيارات الكهربائية على المستوى العالمي فما يزال امام الشركات الألمانية الكثير مما يجب ان تفعله.

     ولا يقتصر التنافس بين مصنعي السيارات الكهربائية الألمان وبقية المصنعين من مختلف دول العالم على الأسواق العالمية فحسب، بل وصل الى السوق المحلي الألماني. فبالرغم من التقدم الذي تحققه الشركات الألمانية ومنه على سبيل المثال ما أعلنته شركة   BMW انه من المتوقع ان تبيع ما يقرب من 245 ألف سيارة كهربائية بالكامل هذا العام، وهذا يتوافق مع زيادة بنسبة تزيد عن 130 في المئة مقارنة بعام 2021م.  كما أكد Nicolas Peter المدير المالي لشركة BMW ان صناعة السيارات الألمانية هي الرائدة في مجال المحركات الكهربائية وان شركة BMW ” تعد رقم واحد في فئتها، باستثناء Tesla”.

     وعلى الرغم من سعي شركات فولكس فاجن ومرسيدس بنز وأوبل نحو توسيع وتنويع منتجاتهم من السيارات الكهربائية واعلانهم عن موديل جديد بين الفترة والأخرى الا ان المشكلة تتمثل في ان العديد من المنافسين خارج ألمانيا ينمون بشكل أسرع. بل وينافسون الشركات الألمانية في السوق المحلي. فوفقاً لبيانات المكتب الاتحادي للمواصلات الآلية Kraftfahrt-Bundesamt (KBA)، وخلال فترة الأشهر السبعة الأولى من العام 2022م، الممتدة من يناير وحتى يوليو، جاءت كل ثاني سيارة كهربائية تم التصريح لها بالسير على الطرقات الألمانية من مزود أجنبي، وهو ما يعني ايضاً ان ما نسبته 50 في المئة من السيارات الكهربائية كانت من مصنعين ألمان. وبالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2021م، كان توزيع السيارات الكهربائية المصرح لها في المانيا، 60 في المئة من انتاج شركات ألمانية و40 في المئة من انتاج شركات اجنبية. وهو ما يعني خسارة الشركات الألمانية لجزء من السوق المحلي خلال العام 2022م. بالإضافة الى ذلك كانت المراكز الثلاث الأولى لأكثر السيارات الكهربائية مبيعاً في ألمانيا هذا العام لمصنعين أجانب، حيث حلت السيارة الكهربائية من طراز (Fiat 500e) الإيطالية في المركز الأول وسيارة (Tesla Model 3) الامريكية في المركز الثاني وسيارة (Hyundai Kona) الكورية الجنوبية في المركز الثالث، بينما حلت السيارة الكهربائية من سلسلة (VW ID.4 و ID.5.) التي تنتجها شركة فولكسفاجن الألمانية في المركز الرابع.

     ولا تبدوا الصورة أفضل لمصنعي السيارات الكهربائية الألمان في الأسواق الدولية وخصوصا في السوق الصيني، الذي يعد أكبر سوق للسيارات في العالم. حيث وبحسب مصرف Jefferies للاستثمار فانه ومن ضمن قائمة أكبر 28 مورد للسيارات الكهربائية في الصين، فإن شركة فولكس فاجن، بصفتها المورد الألماني الأكبر حجماً، تحتل حاليًا المرتبة السادسة فقط، فيما تحتل شركةBMW المركز الثامن عشر وشركة Mercedes المركز التاسع عشر كما تأتي شركة Audi في المركز الخامس والعشرين. وبالنسبة للعام 2022م بأكمله، لم يُظهر أي من الشركات الألمانية المصنعة للسيارات الكهربائية اتجاهًا واضحًا للنمو في سوق السيارات الكهربائية في الصين، وتظل المبيعات عند مستوى يمكن التحكم فيه، خاصة وأن شركة أوبل ألغت مؤخراً توسعها المخطط له في الصين بسبب المخاطر الجيوسياسية.

     ويعيد الخبراء ضعف تنافسية السيارات الكهربائية الألمانية بالمقارنة مع بقية منتجي هذا النوع من السيارات وبالمقارنة أيضا بصناعة السيارات التقليدية الألمانية والتي تتمتع بسمعة ومكانة عالمية مرتفعة، الى عدد من العوامل من أهمها: ان أسعار السيارات الكهربائية الألمانية أعلى من نظيراتها الأخرى على الرغم من عدم وجود تميز كاف في هذه السيارات يبرر ارتفاع أسعارها. يضاف الى ذلك تركيز المصنعين الألمان على الفئات العليا من السيارات الكهربائية حيث يقدمون نماذج وموديلات متميزة، على سبيل المثال سيارة Taycan الرياضية من بورش بسعر أساسي يبلغ 88399 يورو. اما من حيث المدى والكفاءة فتعد سيارة الدفع الرباعي الكهربائية من طراز EQS التي تنتجها شركة Mercedes بلا شك واحدة من أفضل الماركات في السوق إلى جانب Lucid Air وTesla Model S Plaid. لكن من ناحية أخرى، فإن السيارات الكهربائية الأصغر والأرخص التي تنتجها الشركات الألمانية ليست مقنعة بعد، اما في فئة السيارات المتوسطة الحجم فما تزال الشركات الألمانية في طور إنشاء هياكل التوريد المناسبة. على سبيل المثال، لا تزال مرسيدس تفتقر إلى سيارة كهربائية للفئة C. هناك أيضًا فجوة في مجموعة السيارات الكهربائية التي تنتجها شركة Audi.

     بشكل عام، يفضل الألمان التركيز على النماذج الكبيرة عالية الإنتاجية من السيارات الكهربائية، فيما يتم التخلص التدريجي من السيارات الصغيرة مثل VW e-Up أو Smart-Fortwo أو BMW i3. ويقول Stefan Bratzel، مؤسس ومدير مركز إدارة السيارات (CAM) “في الفئة المتوسطة، يقدم الألمان عدداً قليلاً من السيارات الكهربائية، وفي الفئات الاصغر لا شيء على الإطلاق”. ويؤكد أنه “من الخطير عدم تقديم فئات وموديلات أرخص أو تقديمها فقط بشكل محدود”. ويعتقد Bratzel ان “الألمان لم يبدأوا حقاً بداية جيدة في إنتاج السيارات الكهربائية، وان كل شيء يسير بشكل أبطأ مما كان متوقعاً”.

     ويفترض الخبراء أن مصنعي السيارات الكهربائية الألمان سيواجهون خلال العامين الى الثلاثة أعوام القادمة حالة من الركود وتراجع حصصهم في سوق السيارات الكهربائية، خصوصا وان لديهم في بعض الأحيان أوقات تسليم أطول بكثير من منافسيهم. ومع ذلك فان هؤلاء الخبراء يتوقعون ان تستطيع صناعة السيارات الكهربائية الألمانية من اللحاق بالركب وتعويض تأخرها في الأسواق المحلية والدولية بسبب الاهتمام الكبير الذي يضعونه لتطوير وصناعة البطاريات ذات العمر التشغيلي الطويل.