لا تزال تقديرات خبراء الاقتصاد والمال الألمان تراوح بين التشاؤم والتفاؤل، مدعومة بأرقام ومؤشرات نمو جيدة مرّة، وبأرقام ومؤشرات سلبية مرّة أخرى. وعلى الرغم من أن مؤشر معهد بحوث الاقتصاد الألماني Ifo  في ميونيخ عاد وانخفض في شهر أبريل الفائت إثر صعود في شهر مارس الذي سبقه، أعرب رئيس البنك المركزي الألماني Jens Weidmann عن اعتقاده “أن اقتصاد البلاد يمر حالياً بمرحلة ضعف مؤقتة، وأنه ينتظر عودة الانتعاش من جديد إليه”. وذكر Clemens Fuest رئيس المعهد الأهم في ألمانيا الذي يستطلع شهرياً أوضاع تسعة آلاف شركة في البلاد “أن مؤشر أعمال الشركات الألمانية ساء من جديد، وأن الاقتصاد الألماني واصل تراجعه إلى 99,2 نقطة بعد فقدانه 0,5 نقطة في شهر أبريل المنصرم”، وكذلك الأمر بالنسبة لانخفاض توقعات الأعمال المنتظرة خلال الأشهر الستة القادمة، على حدّ قوله أيضاً.

وأظهر المؤشر تطوران مختلفان داخل قطاعات العمل والانتاج: تطور إيجابي في قطاعي الخدمات والبناء، وتطور سلبي ملموس في قطاعات التجارة والصادرات الصناعية. وذكر المعهد أن الاقتصاد الألماني يواجه حالياً عاماً ضعيفاً، وأن الأسباب المباشرة لذلك لا تزال كما هي، وتتمثّل في استمرار عدم وضوح الحكومة البريطانية في موضوع الخروج (بريكزت) من الاتحاد الأوروبي، وتصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وعدم الوصول إلى حل نهائي له بين الأولى والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. يضاف إلى ذلك ضعف نمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي الطلب على الإنتاج الأوروبي والألماني. وبدوره أظهر مؤشر معهد ZEW التابع لمعهد بحوث الاقتصاد الأوروبي في مانهايم تراجعاً بمقدار 5,2 نقطة ليستقر على 2,1 نقطة تحت الصفر على المدى المتوسط القادم. أما على المدى الحالي والقريب فاظهر المؤشر تحسناً بلغ 2,7 نقطة ليستقر على 8,2 نقطة. وقال رئيس المعهد Achim Wambach إن تراجع التوقعات يُظهر أن الخبراء ينتظرون نمواً محدوداً للاقتصاد الألماني خلال الأشهر الستة المقبلة، خاصة وأن تسعير النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين أخيراً سينعكس سلباً على التجارة الألمانية. ويستطلع المؤشر أعلاه شهرياً آراء نحو 200 خبير ومختص ألماني وأوروبي.

وتنتظر وزارة الاقتصاد الألمانية أن ينمو اقتصاد البلاد في نهاية العام الجاري بنسبة 0,5 في المئة فقط مقابل نمو من 1,4 في المئة سجّلها في نهاية العام 2018، تأتي هذه المؤشرات المتحفظة على الرغم ان الاقتصاد الألماني حقق نموأً خلال الربع الأول من العام الحالي بواقع 0,4 في المئة. وابدى رئيس البنك المركزي الألماني فايدمان تفاؤلاً بعودة الحرارة من جديد إلى الاقتصاد مشيراً إلى مؤشرات أولى جديدة تدلّ على ذلك، لكنه حضّ البنك المركزي الأوروبي EZB من جديد “على تعديل سياسته المالية الرخوة داخل منطقة اليورو”، معتبراً أنه لا يمكن الاستمرار بها إلى الأبد. ومعروف أن فايدمان انتقد مراراً خلال السنوات الماضية السياسة المالية لرئيس البنك الحالي Mario Draghi دون أن يتمكّن من اقناع غالبية المسؤولين الماليين في البنك المركزي الأوروبي برأيه. لكن الفرصة ستسمح له قريباً بالترشح لمنصب رئيس البنك الذي سيفرغ بعد الانتخابات النيابية الأوروبية، خاصة وأن حظوظه ليست ضعيفة، لكن السؤال يبقى حول ما إذا كان سيتمكن من تغيير السياسية المالية التي طالما انتقدها، وفتح الباب أخيراً للبدء برفع الفائدة؟

إلى ذلك أكد فايدمان أن المعلومات الاقتصادية المتوافرة حالياً تشير “إلى أن الاقتصاد الألماني يواجه مرحلة ضعف مؤقتة، إلا أنه سيتمكّن بعدها من مواصلة انطلاقته”، لافتاً في هذا المجال “إلى الوضع الممتاز في سوق العمل في ألمانيا، وإلى الزيادات المتتالية في الأجور التي تسمح بمواصلة حركة الاستهلاك في السوق الداخلية التي عادت لتنشط بقوة في الربع الأول من هذه السنة وحققت مبيعات عالية” على حد قوله. وعلى الصعيد التجاري الخارجي، وبالرغم من النزاع التجاري الجاري بين الولايات المتحدة والصين، وإمكان اندلاع نزاع مماثل قريباً بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سجّلت التجارة الخارجية لألمانيا في شهر مارس الماضي رقماً قياسياً في المبيعات بلغ 118,3 مليار يورو، بزيادة بلغت 1,5 في المئة عن مجمل مبيعات شهر فبراير، علماً أن خبراء التجارة كانوا يتوقعون تراجعاً واضحاً في الشهر المذكور بعد التراجع الملموس الذي سُجّل في شهر فبراير وبلغ 1,2 في المئة.

على الصعيد الأوروبي، وفي دول منطقة اليورو بالتحديد، ذكرت مؤسسة Eurostat للإحصاءات أن النمو الاقتصادي فيها سجّل معدلات مرتفعة بصورة مفاجئة منذ مطلع السنة الجارية. فقد ارتفع الناتج القومي في الربع الأول من السنة الحالية، أي بين يناير ومارس بنسبة 0,4 في المئة مقارنة بالربع السابق والأخير من العام المنصرم. وكان خبراء الاقتصاد توقعوا نمواً من 0,3 في المئة بعد تسجيل نمو من 0,2 في المئة في فصل الخريف الماضي. وبالتفاصيل حققت فرنسا في الربع الأول من هذا العام نمواً من 0,3 في المئة، اسبانيا 0,7 في المئة، النمسا 0,3 في المئة وايطاليا 0,2 في المئة.

 

سوق العمل لا يزال يستوعب المزيد من العمالة رغم العقبات

إن كان صحيحاً أن استمرار النمو في ألمانيا يواجه بعض العقبات حالياً فان وضع العمالة في البلاد لا يزال ممتازاً ولا يواجه أي ارتفاع للبطالة فيه، بل على العكس، خاصة وأن العطالة عن العمل تتراجع تقليدياً في فصل الربيع من كل سنة. فقد هبط عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في شهر أبريل الفائت إلى 2,299 مليون شخص، وهو الرقم الأقل الذي يُسجّل في هذا الشهر منذ عام الوحدة في سنة 1990. وذكرت وكالة العمل الاتحادية BA أن معدل البطالة في ألمانيا تراجع في شهر أبريل عن شهر مارس الذي سبقه إلى 4,9 في المئة، بمقدار يبلغ 0,2 في المئة، وبانخفاض عن الشهر ذاته من السنة 2018 يصل إلى 155 ألف شخص. وقال رئيس وكالة العمل الاتحادية Detlef Scheele إن عدد العاملين في البلاد المسجلين في الصناديق الاجتماعية ارتفع في أبريل بمقدار 155 ألف شخص، مشيراً إلى أن طلب شركات البلد على الأيدي العاملة لا يزال عالياً جداً وبلغ 796 ألف شخص، بزيادة 11 ألف فرصة عمل عن الشهر ذاته من العام الفائت.

من جهة أخرى لفتت وكالة العمل إلى أن الرقم الآخر المهم في سوق العمالة هو عدد العاملين باجور منخفضة في “سوق العمل الثانية” في ألمانيا، وكذلك المشاركون في دورات تأهيل مهني وتعليمي، أو المرضى منهم ولا يظهرون على لائحة العاملين في “سوق العمل الأولى” في البلاد. وفي حال إضافتهم يمكن الحديث عن وجود 3,198 مليون شخص عاطل عن العمل في ألمانيا حالياً. أما عدد العاملين في البلاد فبلغ في شهر أبريل المنصرم 44,94 مليون شخص، بزيادة 33 الفاً عن شهر مارس و491 ألفاً عن الشهر ذاته من عام 2018.

إلى ذلك أقرت الحكومة الألمانية في شهر أبريل أيضاً زيادة معاشات التقاعد بصورة ملموسة ابتداء من الأول من شهر يوليو المقبل، وبنسبة 3,18 في المئة في غرب ألمانيا و3,91 في المئة في شرقها. والهدف من وراء ذلك مواصلة خفض الفروقات الموجودة بين مستويات تقاعد الغربيين وتقاعد الشرقيين الذي بدأ منذ إعلان الوحدة الألمانية عام 1990، إلا أن الطريق لتحقيق المساواة المنشودة بين الشرقيين والغربيين المتقاعدين لم تصل إلى نهايتها بعد، لكنها وصلت مع الزيادة الجديدة إلى تحقيق 96,5 في المئة من قيمة تقاعد الغربيين. ومن المنتظر أن تتعادل المعاشات تدريجاً في البلاد في عام 2024 كما هو مقرر من جانب الحكومة في قانون خاص في هذا الصدد.

على المستوى الأوروبي شهدت البطالة في دول منطقة اليورو في الفترة الأخيرة انخفاضاً ملموساً وسجّلت أقل عدد من العاطلين عن العمل منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في خريف عام 2008 عقب افلاس بنك Lehmann الأميركي. وعلى الرغم من توقعات النمو السلبية الأخيرة في هذه الدول، إلا أن اقتصادها ينمو حالياً بصورة لم تكن متوقعة من الخبراء والشركات العاملة فيها. وأعلن معهد الإحصاءات الأوروبي Eurostat أخيراً أن معدل البطالة في دول منطقة اليورو الـتسعة عشرة سجل 7,7 في المئة، وهو الأقل حتى الآن منذ بدء الأزمة، كما أن معدل البطالة في دول الاتحاد الأوروبي الـ 28 هبط الآن بدوره إلى 6,4 في المئة. ويستخدم معهد “يوروستات” حسابات مغايرة عن وكالة العمل الألمانية لاحتساب معدلات البطالة تشبه الحسابات التي تعتمدها منظمة العمل الدولية. ففي حين أن المنظمة تنطلق من أن كل من لا يعمل على الإطلاق هو عاطل عن العمل/ تعتبر وكالة العمل الألمانية أن العاطل هو كل من يعمل أقل من 15 ساعة في الأسبوع، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أرقام الوكالة عن المنظمة.

 

اقتصاديون وخبراء ألمان يطرحون وثيقتان قبل انتخابات أوروبا

هل ثمّة علاقة بين انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجري في 26 مايو الجاري وبين الاقتصاد الأوروبي والألماني؟ وإذا كان الجواب إيجاباً فما هي هذه العلاقة ومدى أهميتها؟ بطبيعة الحال فان أفضل من يجيب عن ذلك هم رجال الاقتصاد أنفسهم. ففي 27 من شهر أبريل الفائت، وقبل شهر من انتخابات البرلمان الأوروبي نشر اتحادان لروابط أرباب العمل في ألمانيا وثيقة مشتركة هي الأولى من نوعها تضمّنت عشر نقاط اعتُبرت أساسية لعملها الحالي والمستقبلي في أوروبا، وأوضح الاتحادان فيها الأطر التي يرغبان في العمل ضمنها على المدى الأوروبي بصورة خاصة. كما أصدر معهد البحوث الاقتصادية DIW في برلين وثيقة إصلاحية تتضمّن تأييداً قوياً من جانب الخبراء العاملين فيه لمطلب رئيس الدولة الفرنسية Emanuel Macron بإنشاء “صندوق أوروبي لدعم النمو” بالرغم من تجاهل المستشارة Angela Merkel لهذا المطلب حتى اليوم.

والاتحادان المشار إليهما أعلاه هما: الاتحاد الألماني للصناعة BDI، واتحاد أرباب العمل الألمان BDA، وحددت وثيقتهما المجالات التالية: الرقمية، التعليم، القوى العاملة في قطاع الاقتصاد. وشدد الاقتصاديون الألمان على ضرورة أن تبذل قيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل جهوداً أكبر على المدى المنظور لتحريك عجلة الاقتصاد داخل القارة وخارجها، وأن تضع خططاً لتطوير التبادل الاقتصادي والتجاري المستقبلي. ودعت الوثيقة بروكسل إلى التركيز في الأعوام المقبلة بصورة أقوى على موضوعي الرقمية والتعليم، ولفتت “إلى أن أوروبا ستحتاج حتى عام 2030 إلى 900 ألف شخص إضافي في مجال الرقمية” التي ستتوسع، كما ذكرت، لتشمل مختلف مجالات الاقتصاد والحياة اليومية.

وأوضحت الوثيقة أيضاً أن الاقتصاد الأوروبي الرقمي (دون بريطانيا) سينمو سنوياً بمقدار خمسة في المئة من الآن وحتى عام 2025، أي بقيمة تبلغ 769 مليار يورو، ما يعادل 5,4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأوروبي. وقالت إن الشرط الحاسم لتطوير فضاء رقمي في القارة يتمثّل في إقامة سوق أوروبية رقمية يمكن للتجار والشركات العاملة ضمنها الاعتماد على قوانين وقرارات تشريعية أوروبية. من هنا “أهمية سنّ قوانين تجارية أوروبية متناغمة وموحدة وتطبيقها على الجميع” على حدّ ما جاء في الوثيقة التي لفتت إلى أن رجال الاقتصاد الألمان “يريدون التأكيد على أنهم يفخرون لكونهم ينتمون إلى أوروبا”.

وكتب رئيسا الاتحادين أعلاه Dieter Kempf و Ingo Kramer في الوثيقة أنهما يريدان باسم الاقتصاديين الألمان “ارسال إشارة واضحة ضد الأحزاب الشعبوية في هذا المجال”، لكنهما أضافا أن هذا الموقف “لا يتناقض مع التدليل بالأصبع على نقاط الضعف والأخطاء التي ترتكب من جانب بروكسل، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى رزنامة إصلاحات”. وحضّ الاتحادان المذكوران بروكسل على تحديث شبكات الهواتف الرقمية بهدف استخدام هواتف متقدمة وذكية مثل G4 و G5 تغطي القارة، وقالا إن الأمر يتطلب وضع تشريعات وقوانين خاصة بهذا الأمر ومتجانسة. وتابعا أنه يتوجب على بروكسل تقديم دعم مالي مدروس للشركات التكنولوجية الرئيسية، وبخاصة إلى برنامج البحوث الأوروبي ‘Horizon Europe’ دون بيروقراطية أو عدائية. وأضافا أن حماية المعلومات “يجب ألا تصبح عذراً لكبح خطوات التحديث والتطوير”.

إلى ذلك طالبت الوثيقة الاتحاد الأوروبي بتقديم تسهيلات أكبر للأيدي العاملة، لافتة إلى أن تسهيل شروط الدخول إلى سوق العمل الأوروبية لا يعني السماح بدخول الصناديق الاجتماعية والصحية. وأظهر الاقتصاديون الألمان انفتاحاً على هجرة الأيدي العاملة المؤهلة من دول أخرى إلى أوروبا لسد النقص الحاصل فيها في قطاعات إنتاجية عدة. وحضّوا على جعل مزايا البطاقة الزرقاء الأوروبية Blue Card للعمال المهاجرين تشبه مزايا الـ Green Card الأميركية. ودعوا إلى تنفيذ المزيد من الإصلاحات في منطقة اليورو، خاصة ما يتعلق بـ “مؤسسة حماية الاستقرار المالي الأوروبي”ESM التي تأسست في خضمّ الأزمة المالية الدولية عام 2012 بهدف حماية اليورو والدول المنهارة مالياً مثل اليونان. وشدّد الاقتصاديون الألمان في ختام الوثيقة المرفوعة إلى بروكسل على أهمية تأمين المزيد من الحرية التجارية في أوروبا والعالم.

ودعت وثيقة معهد البحوث الاقتصادية DIW في صفحاتها الثلاثين بروكسل إلى الرد على التحديات التي تعيشها أوروبا، ومنها النزعة القومية الجديدة فيها والرغبة بالانعزال عن الآخرين، من خلال طرح توجهات جديدة للقارة تزيد من وحدتها وتجمّعها حول أهداف مشتركة ومصيرية. وحدّد اقتصاديو المعهد 13 حقلاً بهدف جعل أوروبا أكثر ثباتاً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وأهم الأدوات المقترحة لتحقيق ذلك إقامة صندوق مشترك لضمان النمو الاقتصادي في القارة ومواجهة الأزمات المالية والاقتصادية التي تحصل فيها أو تأتي من خارجها. والأمر الثاني الهام يتمثّل في قيام الدولة بتخصيص مجالات أوسع في المجتمع للاستثمار فيها، خاصة في مجال تأمين العمل والتدريب على المهن وعدم الاعتماد فقط على القطاع الخاص. ولفت خبراء المعهد إلى أن اقتصاد أوروبا تطور بصورة مخيبة للآمال منذ انفجار الأزمة المالية الدولية في عام 2008، ولاحظوا أنه فيما تمكنت الولايات المتحدة من مكافحة هذه الأزمة بصورة مالية ونقدية ثابتة وناجعة فشلت أوروبا في ذلك فشلاً ذريعاً. من هنا أهمية الصندوق المالي الذي اقترحه الرئيس الفرنسي لإنقاذ الدول الأوروبية التي تقع في أزمة مالية.

واشنطن ستكون الخاسرة ضد أوروبا وألمانيا تستفيد من بركزيت

ذكر البنك المركزي الأوروبي في تقرير أصدره أخيراً في فرانكفورت أن منطقة اليورو الأوروبية ستكون قادرة بصورة أفضل من الولايات المتحدة على تحمّل آثار وتبعات نزاع تجاري بينهما، إلا أن التجارة الدولية ستعاني كثيراً من هكذا نزاع في حال حصوله. وجاءت دراسة البنك المركزي الأوروبي عقب إطلاق الرئيس الأميركي Donald Trump في شهر أبريل الماضي تهديدات بفرض رسوم تبلغ 10 في المئة على صادرات أوروبا إلى بلده، وبخاصة على الصلب والألمنيوم. وأكدت الدراسة أنه في حال اندلاع نزاع تجاري ستتعرض دول منطقة اليورو إلى أضرار أقل بكثير مما سيصيب الولايات المتحدة التي ستضطر بدورها إلى دفع رسوم مماثلة. وتابعت أنه بعد سنة من المماحكات التجارية يبدو واضحاً تراجع الأداء الاقتصادي الأميركي عن السابق فيما سجّل أداء اقتصاد دول منطقة اليورو تراجعاً طفيفاّ، والسبب في ذلك يعود إلى تمكّن دول أوروبا من تحويل صادراتها المخصّصة للولايات المتحدة إلى دول أخرى دون أية مصاعب.

وفيما تراجع الناتج القومي في منطقة اليورو بمعدل 0,5 في المئة فقط خلال سنة، هبط الناتج القومي الأميركي بمقدار 1,5 في المئة. ولحظت دراسة البنك المركزي الأوروبي أن التجارة الدولية خسرت في الفترة ذاتها 2,5 في المئة. وتمكن البنك المركزي الأوروبي بذلك من دحض ادعاءات الرئيس الأميركي القائلة بأن الولايات المتحدة ستكون المستفيدة الوحيدة من هكذا نزاع تجاري. وعما إذا كان ممكناً لدول منطقة اليورو أن تستعيد في النصف الثاني من العام الحالي ما خسرته في النصف الأول منه قال مدير البنك المركزي   Benoit Coeure إنه يعتقد أن الأمر يتعلّق بالحلول التي يمكن الاتفاق بشأنها، وحذّر في الوقت ذاته من تعميق النزاعات التجارية. وأضاف أن بإمكان التأثيرات السلبية على الأسواق المالية زيادة فقدان الثقة والتعاون. ومعلوم أن الولايات المتحدة فرضت رسوماً عالية على عدد من الدول في مقدمتها الصين الشعبية، وعازمة على زيادتها قريباً. ويتفاوض البلدان منذ عدة أشهر دول التوصل إلى اتفاق نهائي حول وقف النزاع التجاري، كما أن المفاوضات بين واشنطن وبروكسل التي استتبعت الأسبوع الماضي لم تؤد بدورها إلى حلّ حتى الآن.

من جهة أخرى يبدو أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكزت) بدأ ينعكس إيجاباً على ألمانيا منذ الآن، وقبل موعد الخروج الذي تأجل أخيراً إلى ما بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في 26 مايو الجاري. ونشرت مؤسسة Germany Trade and Invest (GTAI) العائدة لوزارة الاقتصاد الألمانية تقريراً قالت فيه إن اقتصاد ألمانيا الأكبر في القارة يستقطب المزيد من الشركات الأجنبية والأوروبية والبريطانية للعمل فيه، وأن 2062 شركة أجنبية سجّلت نفسها خلال عام 2018 لدى السلطات المختصة في ألمانيا للعمل في البلاد أو لتوسيع أشغالها فيها أو للإنتاج والتوزيع والبحوث. وزاد عدد فروع الشركات البريطانية في ألمانيا بنسبة 34 في المئة منذ التصويت على “بريكزيت” في صيف عام 2016.

 

منظمة العمل الدولية: المرأة تعمل أكثر من الرجل ودون أجر

ذكرت منظمة العمل الدولية ILO في دراسة جديدة لها صدرت مطلع شهر مايو الجاري ونفذتها في 41 دولة أن المرأة تعمل يومياً ساعات أكثر من الرجل دون أجر. وقالت الدراسة إن النساء في ألمانيا على سبيل المثال يقضين وسطياً أربع ساعات و29 دقيقة إضافية كل يوم للاهتمام بشؤون المنزل، ورعاية أعضاء العائلة، والمشاركة في نشاطات الجمعيات أو النقابات الاجتماعية المنتسبات إليها. ونُفذت الدراسة بطلب من منظمة العمل الدولية والمؤسسة الأوروبية لتحسين الحياة وشروط العمل. وظهر أن النساء في الـ 41 دولة يعملن 266 دقيقة إضافية يومياً، أي ما يعادل 4,43 ساعات دون أجر مقابل 108 دقائق أو ساعة و48 دقيقة للرجال.

وقالت الدراسة التي طالت 1,2 مليار امرأة ورجل يعملون إن العمل دون مقابل يصيب النساء بدرجة أولى، مشيرة إلى أنه على المستوى الدولي تبلغ ساعات العمل دون أجر 16,4 مليار ساعة يوميا، 75 في المئة منها تقع على عاتق النساء. وفي القارة الأوروبية تقضي المرأة في فنلندا على سبيل المثال وقتاً أقل من المتوسط المذكور أعلاه، أي 211 دقيقة إضافية يومياً، ما يعادل ثلاث ساعات و51 دقيقة مقابل 308 دقيقة في دولة ليتوانيا، أي خمس ساعات و13 دقيقة. وبصورة عامة تعمل النساء في المتوسط 55 ساعة أسبوعياً فيما يعمل الرجال 49 ساعة. وإضافة إلى 28 دولة أوروبية شملت الدراسة دولاً أخرى مثل الصين، كوريا الشمالية، تركيا، الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول جنوب ووسط القارة الأميركية.

ودعم الدراسة أعلاه تقرير آخر صدر بدوره عن منظمة العمل الدولية بمناسبة عيد المرأة في الثامن من مارس الماضي لفت “إلى أن الفجوات بين الجنسين في ميدان العمل لم تشهد أي تحسّن يُذكر على مدى الأعوام العشرين الماضية”. وسبق ذلك تقرير آخر للمنظمة يشير إلى “أن الطريق واضح نحو إحراز تقدم ملموس”، وجاء فيه “أن رسم مستقبل للعمل لا تتخلّف فيه المرأة بعد الآن عن الرجل هو أمر في متناول اليد، لكنه يستدعي تحقيق قفزة نوعية وليس مجرد خطوات تدريجية مترددة” كما جاء في تقرير منظمة العمل الدولية الذي يأتي تتويجاً لجهود دامت خمس سنوات في إطار “المبادرة المئوية للمرأة في العمل” التي أطلقتها المنظمة التي لفتت إلى أن الفارق في معدلات توظيف المرأة والرجل لم يتراجع في السنوات الـ 27 المنصرمة سوى بأقل من نقطتين مئويتين فقط. ويبين تقرير “القفزة الكمية” أن تحقيق المساواة بين الجنسين يعني تعديل السياسات واتخاذ إجراءات في طائفة من المجالات التي يعزز بعضها بعضاً، وهو يشير إلى تدابير يمكن أن تُفضي إلى وضع مؤشرات يمكن قياسها لتحقيق المساواة بين الجنسين. وتحديد الحقوق هو الأساس لوضعٍ مُنْصف في العمل، بما فيه الحق في تكافؤ الفرص، والتحرر من التمييز والعنف والتحرش، والمساواة في الأجر عن عمل متساو. وانتهى التقرير إلى القول: “نحن نعرف الآن أكثر بكثير عن الفجوات بين الجنسين وعن أسبابها وعما يجب القيام به لإحراز تقدم ملموس نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في عالم العمل، والطريق جلي. وبوجود التزام محدد وخيارات شجاعة، يمكن تحقيق قفزة نوعية لتفادي أوجه عدم المساواة التي حدثت في السابق”.