تعاني ألمانيا منذ عدة سنوات من النقص المتزايد في العمالة الماهرة وما تزال نتائج محاولات معالجة هذا النقص عبر تشجيع هجرة الكفاءات من خارج دول الاتحاد الأوروبي غير كافية وما تزال في مراحلها الأولية بالإضافة الى أن المعالجة من خلال هجرة مواطني الاتحاد الأوروبي الى ألمانيا قد تجاوزت ذروتها ولا يتوقع ان تستمر خلال السنوات القادمة بنفس الوتيرة. لذا فان عملية جذب المتخصصين من الطلاب الأجانب الدارسين في ألمانيا للدخول في سوق العمل والبقاء في ألمانيا تكتسب أهمية متزايدة. حيث يمكن للطلاب الأجانب تقديم مساهمة مهمة في مكافحة النقص في العمالة الماهرة في ألمانيا، اذ وبحسب تقرير آفاق الهجرة الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، زادت نسبة الأكاديميين الذين يبقون للعمل في ألمانيا بعد الانتهاء من دراستهم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأشار تقرير المنظمة الى ان الأجانب الذين درسوا في ألمانيا يندمجون بشكل أفضل في سوق العمل من المهاجرين الآخرين.  ويرى Thomas Liebig، كبير الاقتصاديين في قسم الهجرة الدولية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ان ألمانيا بحاجة إلى اللحاق بالركب في مجال الاستفادة من الطلاب الأجانب مشيرا الى انه: “يمكن لألمانيا أن تستفيد بشكل أفضل من إمكانات الطلاب الأجانب”.

     وهو أيضا ما عبرت عنه وزيرة التعليم الاتحادية Bettina Stark-Watzinger (من الحزب الليبرالي الديمقراطي FDP) التي اوضحت جاذبية ألمانيا للطلاب الأجانب من خلال “ظروف الدراسة الممتازة والفرص الجيدة للبقاء في ألمانيا كعامل ماهر بعد التخرج”. مؤكدة على ان هناك المزيد مما يمكن عمله في هذا الجانب: “في المستقبل، يجب أن نستفيد بشكل أفضل من هذه الإمكانات الهائلة للعمال المهرة”، لذلك يجب العمل على ” تحسين شروط إصدار التأشيرات والدخول والإقامة للطلاب والباحثين الدوليين”.

     في العام 2020م، بلغ عدد الطلاب الأجانب المسجلين في الجامعات الألمانية نحو 369 ألف طالب وطالبة، وهو ما يعادل ثمانية في المئة من جميع الطلاب الدوليين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38 دولة. وقد احتلت ألمانيا المرتبة الرابعة في قائمة أفضل الدول للدراسة في العالم للطلاب الأجانب بعد الدول الناطقة باللغة الإنجليزية (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا). ويؤكد Liebig: “من الواضح أن ألمانيا قد تجاوزت فرنسا باعتبارها أهم بلد جاذب للطلاب الاجانب غير أنجلو ساكسوني”.

     وقد أتى اثنان من كل خمسة طلاب أجانب في ألمانيا من آسيا، خصوصا من دول الصين والهند وسوريا. من حيث شروط الدراسة، فبشكل عام لا توجد رسوم دراسية في ألمانيا، اما من ناحية فرص العمل أثناء الدراسة وبعد ذلك للبقاء كمتخصص فتعد ألمانيا واحدة من أكثر الدول جاذبية، فوفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقط سويسرا والنرويج وفنلندا تسبق ألمانيا في هذا الجانب.         ومن أبرز الإجراءات التي اتخذتها ألمانيا لتشجيع الطلاب الأجانب للبقاء والعمل في ألمانيا منحهم تصريح إقامة لمدة تصل الى 18 شهراً بعد الانتهاء من دراستهم من أجل البحث عن وظيفة. وأوضح تقرير منظمة التعاون، أن مثل هذه التدابير قد ساهمت في ارتفاع معدلات بقاء الطلاب الأجانب حيث أن ما يقرب من اثنين من كل ثلاثة أجانب جاءوا إلى ألمانيا للدراسة في عام 2015م، كانوا لا يزالون فيها في عام 2020م، معظمهم كموظفين. قبل خمس سنوات، كان معدل بقاء الطلاب الذين قدموا للدراسة في عام 2010م، يبلغ 54 في المئة فقط.

     كما تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن الطلاب الأجانب يدرسون تخصصات هندسية في ألمانيا بمعدل أعلى من المتوسط، وهو ما يعد امراً مهماً لأن النقص في العمال المهرة في المهن التي تتطلب معرفة في الرياضيات أو علوم الكمبيوتر أو العلوم الطبيعية أو التكنولوجيا (MINT) كبير بشكل خاص. بالإضافة الى ذلك تساهم معرفة الطلاب الأجانب على العادات واللغة الألمانية أثناء دراستهم في اندماجهم بشكل أسرع في سوق العمل. بدليل انه وبعد خمس سنوات من دخولهم البلاد، بلغ معدل توظيف الطلاب الأجانب نسبة 77.5 في المئة، وهي أعلى من نسبة توظيف المهاجرين بشكل عام البالغة 71 في المئة.

     وبالرغم من ذلك، فإن الطلاب الأجانب ليسوا مناسبين لكل المهن التي تشهد نقصا حادا في الأشخاص المدربين تدريباً مهنياً، إذ لا يأخذ التعليم الأكاديمي دائماً في الاعتبار كل احتياجات سوق العمل. ومع ذلك، فإن الجهد المبذول لجعل ألمانيا أكثر جاذبية للطلاب من الخارج أمر يستحق العناء. حيث يؤكد الخبير في منظمة التعاون الدولي Liebig على انه ” يمكن للمرء أن يفعل المزيد للتدريب على اللغة في ألمانيا وفي البلدان الأصلية، وكذلك الترويج للدراسة في ألمانيا بشكل أكبر في الخارج”.