الماء أساس الحياة كلها، حيث تعتبر الجداول والأنهار والبحيرات والأراضي الرطبة والبحار مواطن لعدد كبير من النباتات والحيوانات وهي مكونات مهمة للنظام البيئي. يضاف الى ذلك المياه الجوفية التي تعد مصدر أساسياً لمياه الشرب، كما يستخدم الماء في الغذاء والنظافة اليومية والانشطة الترفيهية. وتعتبر المياه أيضًا عاملاً اقتصاديًا مهمًا كمصدر للطاقة ووسيلة نقل ومادة خام للكثير من الصناعات. لهذا يعد تأمين حاجة المجتمع والاقتصاد من المياه مسألة حيوية للغاية حتى أصبح ضمان «الامن المائي» أحد اهم عناصر استقرار الدول واحد شروط تحقيق تقدمها الاقتصادي.

الثروة المائية في ألمانيا

تصنف ألمانيا باعتبارها دولة غنية بالمياه، حيث يوجد في ألمانيا ما يقرب من 894 نهر تتراوح اطوالهم من 2000 كيلو متر الى 10 كيلومتر، بعضها ينبع في ألمانيا والبعض الاخر يمر فيها، هذا الى جانب حوالي 12200 مسطح مائي في مسجلة على أنها بحيرات بالإضافة الى ما يصل إلى 30000 مسطح مائي، تبلغ مساحة كل منها أكثر من كيلومتر مربع واحد. ومن خلال المياه الجوفية وهذه الانهار والمسطحات المائية، يتم توفير 188 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، يتم استخدام ما مجموعه 13.5 في المئة منها (ما يساوي أكثر من 25.4 مليار متر مكعب سنويا). وتتوزع مجالات استخدام هذه الكمية من المياه كالتالي: 52.9 في المئة تستخدم في انتاج الطاقة، 24.2 في المئة في قطاع التعدين والصناعات التحويلية، 21.7 في المئة في الاستهلاك العام والمنزلي للمياه، 1.3 في المئة في الزراعة والتي تعتمد بشكل أكبر على مياه الامطار.

اما احتياجات مياه الشرب في ألمانيا والتي تبلغ نحو 5.5 مليار متر مكعب سنويا (بحسب اخر احصائيات في العام 2019م)، فتغطي المياه الجوفية ما يقرب من ثلثي هذه الاحتياجات، حيث بلغ نصيب المياه الجوفية في تأمين امدادات مياه الشرب 3.3 مليار متر مكعب وهو ما يعادل نسبة 62 في المئة من اجمالي مياه الشرب، كما جاء 839 مليون متر مكعب من الخزانات الجوفية السطحية والتي يتم تغذيتها عبر مياه الامطار، وهذا يتوافق مع حصة تقارب 16 في المئة. وساهمت مياه الأنهار والبحيرات والسدود بـ 738 مليون متر مكعب وبنسبة 14 في المئة تقريباً لتغطية احتياجات مياه الشرب. وساهمت مياه الينابيع بحوالي 436 مليون متر مكعب وبنسبة 8 في المئة. وقد بلغ متوسط استهلاك الفرد في ألمانيا من الماء 126 لتراً يومياً.

استخدامات المياه في توليد الطاقة والنقل

وبعيدا عن استهلاك المياه سواء في العمليات الصناعية او الزراعة او الاستخدامات المنزلية والشرب، تلعب المياه في شكلها كأنهار ومسطحات مائية أدوارا اقتصادية لا تقل أهمية، حيث تساهم مياه الأنهار والبحيرات في قطاعين أساسيين في الاقتصاد الألماني، قطاع النقل وقطاع الطاقة.

النقل النهري

تتمتع ألمانيا بشبكة من الأنهار والقنوات المائية الصالحة للملاحة النهرية تمتد بطول وعرض ألمانيا لمسافة اجمالية تصل الى 7476 كيلو متر، ويمثل نهر الراين الذي يبلغ طوله 1230 كيلو متر والذي يمر بالإضافة الى ألمانيا خلال أربع دول أوروبية هامة وهي هولندا، ليختنشتاين، فرنسا وسويسرا واحدا من اهم الطرق النهرية التي تستخدم في نقل السلع والبضائع، يضاف اليه نهر الدانوب والذي يقطع مع تفرعاته أوروبا من بحر الشمال وحتى البحر الأسود بطول 2860 كيلو مترا مارا بألمانيا والنمسا، سلوفاكيا، كرواتيا، صربيا، بلغاريا، رومانيا، أوكرانيا ومولدافيا. وتساهم شبكة الخطوط والقنوات المائية والنهرية في نقل 230 مليون طن من السلع والبضائع والمواد الخام سنوياً وينخفض ويرتفع هذا الحجم من البضائع بحسب التغيرات المناخية خصوصا في فترات الجفاف والتي تتسبب في تراجع منسوب المياه في الأنهار الرئيسية مما يؤدي بالتالي الى إعاقة وإيقاف الملاحة في أكثر من نهر وقناة مائية لعدة أشهر.

يبلغ اجمالي حجم البضائع المنقولة في ألمانيا عبر الشحن النهري حوالي 7 في المئة من اجمالي البضائع المنقولة. ومع هذه المساهمة المحدودة نسبيا في قطاع النقل الا ان النقل النهري يساهم في التخف من الضغط على الطرق والسكك الحديدية حيث يبلغ متوسط سعة السفن النهرية ما بين 80-100 شاحنة. كما ان النقل عبر الأنهار أكثر مناسبة وحماية للبيئة من النقل عبر الشاحنات. ويمثل التبادل التجاري وتبادل السلع والبضائع استيرادا وتصديرا بين ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى أكثر من ثلثي حجم البضائع التي تم نقلها عبر الملاحة النهرية الألمانية، ويعد ميناء ديسبورج أكبر الموانئ النهرية في ألمانيا يليه في الأهمية ميناء كولونيا ثم ميناء هامبورج ومن ثم ميناء مانهايم.

الطاقة الكهرومائية

تعد الطاقة الكهرومائية احد مصادر الطاقة المتجددة التي عرفها الانسان واستغلها منذ وقت طويل سبق حتى الثورة الصناعية اذ استخدمت الحواجز المائية والانهار والجداول في تشغيل المطاحن وورش النجارة والحدادة وغيرها، وتعمل الية استغلال قوة المياه وفقا مبدأ تحويل الطاقة الحركية لتدفق المياه الى طاقة دورانية ميكانيكية عن طريقة منظومة من التروس الميكانيكية والتي يمكن استخدمها لدفع الآلات والمولدات الكهربائية ويتركز استخدام ألمانيا للطاقة المائية في الوقت الحاضر على توليد الطاقة الكهربائية، وتتطلب عملية الاستغلال الأفضل للمياه المتدفقة في توليد الكهرباء تواجد الظروف المواتية والملائمة كوجود التضاريس الجغرافية التي توفر مساقط المياه الطبيعية وكذلك ترتبط بمدى توافر السدود والحواجز المائية التي توفر مساقط مياه صناعية، في ألمانيا تعتمد محطات توليد الطاقة الكهرومائية الكبيرة وبنسبة 20 في المئة على المياه المخزنة داخل السدود والحواجز المائية في توليد الطاقة اما نسبة 80 في المئة المتبقية فيتم توليدها من الأنهار الكبيرة التي تمر في ألمانيا خصوصا تلك التي تمر في الولايات الجنوبية. وقد بلغ نسبة الطاقة الكهربائية المنتجة من المحطات الكهرومائية في ألمانيا 3,4 في المئة بأرقام العام 2021م، وهو ما يساوي 19.7 تيرا وات/ساعة من الكهرباء.

التحديات المتعلقة بالمياه

لا تعاني ألمانيا من نقص في المياه بشكل اجمالي وان كانت تواجه ظواهر مناخية متعلقة بالمياه مثل الفيضانات والتي اصابت مناطق في غرب ألمانيا ربيع العام 2021م وتسببت في خسائر اقتصادية تجاوزت 30 مليار يورو، الى جانب الجفاف الذي أصاب ألمانيا لأكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة ومنها صيف العام الجاري والذي اثر على عدد من المحاصيل الزراعية الى جانب تراجع مستوى المياه في العديد من الأنهار التي تستخدم في النقل مما ادي الى تراجع كمية الضائع والسلع التي يتم نقلها عبر الأنهار بدرجة كبيرة وصلت الى 75 في المئة بالمقارنة مع كمية البضائع التي يتم عادة نقلها.

الاثار الاقتصادية لمعالجة مياه الصرف الصحي والصناعي

كما تكتسب عملية توفر كمية المياه الكافية لإدامة العمليات الصناعية وتوفير المياه الازمة للاستهلاك الزراعي والمنزلي أهمية كبرى فان عملية معالجة المياه العادمة لا تقل أهمية عنها وذلك بهدف حماية البيئة وحماية مصادر المياه الطبيعية والمسطحات المائية من التلوث الذي تسببه مياه الصرف المختلفة، اذ انه الى جانب هدف حماية البيئة الذي يعد واحدا من المبادئ والاهداف الأساسية التي تتبعها الحكومة الألمانية. فان القيمة الاقتصادية لعملية معالجة المياه العادمة، سواء جاءت عبر استخلاص العديد من المواد الأولية الهامة وإعادة تدويرها او تمثلت في تنقية المياه وإعادة استخدامها، لا تقل أهمية عن تحقيق الأهداف البيئية بل تعد عملية تكميلية لها. وتتم عملية تصريف ومعالجة المياه العادمة الناتجة عن الاستخدام المنزلي او الصناعي في ألمانيا عبر جهتين أساسيتين، اولهما المؤسسات العامة التابعة للدولة وثانيهما الشركات والمؤسسات التابعة للقطاع الخاص.

معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي العامة

يرتبط 96 في المائة من سكان ألمانيا بشبكة وقنوات المجاري العامة والتي يتجاوز مجموع اطوال قنوات هذه الشبكة 540 ألف كيلو متر، ووفقا لبيانات المكتب الإحصائي الاتحادي، فان ما يقرب من عشرة الاف محطه من محطات معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي الحكومية تقوم في المتوسط سنوياً بتنقية حوالي 10 مليارات متر مكعب من المياه العادمة، ثم تقوم بعد ذلك بتصريفها وإعادة ضخها في المياه السطحية من انهار وبحيرات. وتتوزع كمية المياه العادمة هذه ما بين حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه العادمة الناتجة عن الاستهلاك المنزلي والاستخدام الصناعي والتجاري والتي تم تصريفها في شبكة المجاري وقنوات التصريف، بالإضافة الى نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه المتسربة الى شبكات التصريف من مياه الامطار.

وتعتمد عملية معالجه وتنقية مياه الصرف الصحي والصناعي التي تستخدمها المؤسسات العامة المختصة على استخدام طريقة معالجه بيولوجية تقترب من نسبة 98 في المائة وذلك للحصول على مواد أولية محددة بينما يتم معالجة 1,9 في المائة من المياه العادمة بيولوجيا دون تحديد المواد المراد استخلاصها من هذه المياه فيما لا تتجاوز كمية المياه العادمة التي يتم معالجتها وتنقيتها بشكل ألي بواسطة معدات وآلات خاصة سوى 0,1 في المائة فقط من اجمالي كمية مياه الصرف الصحي في ألمانيا.

القيمة الاقتصادية لمعالجة المياه العادمة

بالإضافة الى حماية البيئة يمكن لعملية معالجة المياه العادمة ان تكون ذات عائد اقتصادي وذلك من خلال استخلاص العديد من المواد الأولية والمعادن التي بالإمكان إعادة استخدامها مرة أخرى في أغراض صناعية او زراعية او تجارية، ويمثل عنصر الفسفور المادة الأساسية التي تتمتع عملية استخلاصه من المياه العادمة بجدوى بيئية واقتصادية في نفس الوقت، اذ يمكن لعنصر الفوسفور الكيميائي أن يلوث البيئة بشكل كبير اذا ما تواجد بنسب ومعدلات عالية التركيز، الا انه يعد أيضا عنصراً غذائياً حيوياً لجميع الكائنات الحية على الأرض، وعلى هذا الأساس يتم استخدام الفسفور بشكل مكثف في شكل اسمدة زراعية لتعزيز التربة وزيادة المحاصيل الزراعية، وخلال السنوات الأخيرة زاد استهلاك الفوسفور في صورة اسمدة معدنية في جميع أنحاء العالم. وتعتمد ألمانيا والاتحاد الأوروبي اعتمادا كاملا على واردات الأسمدة الفوسفاتية المعدنية. ومن شأن استعادة واستخلاص الفوسفور من مياه الصرف الصحي والمواد العضوية الصلبة في المجاري أن يساعد على تأمين الاستخدام المستدام للموارد من هذا المعدن الهام. اذ توفر مياه الصرف الصحي البلدية في ألمانيا وحدها إمكانية الحصول على ما يزيد عن 70 ألف طن من الفوسفور هذا بالإضافة الى وجود نحو 65 ألف طن من الفوسفور مترسبة في المواد العضوية الصلبة في قنوات المجاري. وفي السنوات الأخيرة بلغ حجم متوسط ما استوردته ألمانيا من الفوسفور في شكل أسمدة معدنية أكثر من 100 ألف طن سنوياً. وتعمل الوزارة الاتحادية للبيئة على تشجيع ايجاد طرق مبتكرة لاستعادة الفوسفور من المياه العادمة لأول مرة في ألمانيا على نطاق صناعي.

القطاع الخاص وتصريف المياه العادمة

تستهلك العديد من الشركات الألمانية خصوصا في قطاع انتاج الطاقة الكهربائية وقطاع المناجم بالإضافة الى قطاع الصناعات الكيميائية كميات كبيرة من المياه والتي تحصل عليها مباشرة من المسطحات المائية، وتستخدم هذه الشركات الجزء الأكبر من هذه المياه في التبريد اللازم خلال عمليات الإنتاج أكثر مما تستخدمها في الإنتاج نفسه. وتنتج هذه الشركات تقريبا ثلثي كمية المياه العادمة في ألمانيا، اذ تبلغ كمية المياه العادمة والمياه الفاقدة في عمليات التصنيع والإنتاج في شركات القطاع الخاص في المتوسط حوالي 20.6 مليار متر مكعب سنويا.

وتعد شركات انتاج الطاقة الكهربائية في المرتبة الأولى من حيث الناتج من المياه العادمة حيث تبلغ في المتوسط 13 مليار متر مكعب سنوياً، وتأتي شركات قطاع الصناعات الكيميائية في المرتبة الثانية بعد شركات امدادات الطاقة في حجم الناتج من المياه العادمة حيث تنتج شركات هذا القطاع ما يزيد عن 2,8 مليار متر مكعب من المياه العادمة سنويا، تليها شركات قطاع التعدين والمناجم التي تطرح نحو 600 مليون متر مكعب من المياه العادمة، اما شركات صناعة المعادن فتبلغ كمية المياه العادمة الناتجة عن عمليات الإنتاج أكثر من 530 مليون متر مكعب، فيما تنتج شركات المنتجات الورقية أيضا ما يزيد عن 400 مليون متر مكعب من المياه العادمة.