يشهد سوق التمويل العقاري في ألمانيا تراجعا كبيرا في حجم الاعمال في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة البنكية، حيث وصل حجم الأعمال الجديدة إلى أدنى مستوى لها منذ العام 2011م. ويظهر قطاع العقارات الآن اقل جاذبية وجدوى اقتصادية بالنسبة للمستثمرين وهو ما يتوقع الخبراء استمراره حتى العام 2024م على الأقل. فبحسب دراسة لشركة Barkow Consulting للاستشارات تراجع الطلب على الإقراض العقاري بدرجة كبيرة مع ارتفاع أسعار الفائدة والتي زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف في غضون عام. حيث تراجع حجم القروض العقارية الجديدة التي تقدمها البنوك الألمانية للأسر الخاصة والعاملين لحسابهم الخاص بنسبة 43 في المئة في ديسمبر الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام 2021م.

     واستناداً الى أرقام البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الألماني وصل حجم القروض العقارية التي قدمتها البنوك الى 13.5 مليار يورو، وهو أدنى مستوى لحجم القروض العقارية الشهري منذ يونيو 2011م، وبحسب شركة Barkow فان التراجع المسجل في شهر ديسمبر 2022م، هو رابع تراجع سلبي على التوالي. وبالمقارنة بين حجم القروض في ديسمبر 2022م، مع الحجم القياسي لحجم القروض العقارية والذي سُجل في شهر مارس من العام 2022م، والبالغ 32.3 مليار يورو هناك تراجع بنسبة 60 في المئة تقريبًا. كما استمر تراجع القروض العقارية في شهر يناير 2023م، ليسجل انخفاضاً بنسبة 41 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من العام 2022م.

     ويرجع الخبراء المصرفيون استمرار تراجع الاقبال على قروض التمويل العقاري، الى جانب زيادة تكلفة التمويل والاقراض، الى تردد العملاء والمستثمرين بسبب تراجع العائد والارباح، بالإضافة الى ان هناك عدد أقل من الأشخاص القادرين على دفع رأس المال الأساسي بنسبة 20 في المئة من قيمة شراء العقار. هذا بالإضافة الى ان الأعمال الجديدة في مجال تمويل الإنشاءات تتقلص منذ شهور نتيجة تكاليف البناء المرتفعة، مما يؤدي إلى إبطاء أعمال البناء الجديدة، وهو ما أدى الى انسحاب مطوري المشاريع وانتشار حالة من عدم اليقين في سوق العقارات بشأن مستقبل القطاع بعد فترة الازدهار الطويلة التي عاشها قطاع العقارات والبناء في ألمانيا.

     وتأتي الزيادة في أسعار البناء نتيجة لارتفاع أسعار المدخلات والمنتجات الاولية، والتي بدورها ناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل التوريد. لكن الخبراء يرون ان هذه الاسباب تفسر جزءًا فقط من زيادة الأسعار، بينما يمكن ارجاع ارتفاع أسعار البناء في جزء منه أيضا الى شركات البناء والتي تحاول من خلال رفع أسعارها الحصول على مزيد من الأرباح. وهو الرأي الذي يؤيده تقرير صادر عن معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo والذي استنتج “أن العديد من الشركات قد انتهزت على ما يبدو الفرصة لرفع أسعارها بما يتجاوز الزيادة في أسعار مشتريات المواد الخام والتكاليف الأخرى”.

     من جانب أخر، حذرت الشركات العاملة في قطاع البناء من وجود خطر حدوث تراجع كبير في البناء السكني. ففي عام 2022م، تم الانتهاء من حوالي 280.000 شقة، بينما من المحتمل ان يتم انجاز حوالي 245.000 شقة في العام الحالي. وقد اعترفت وزيرة لإسكان والتنمية العمرانية والبناء في الحكومة الاتحادية Klara Geywitz أن الهدف الذي وضعه الائتلاف الحاكم لبناء 400 ألف شقة سنويًا خلال عامي 2022م و2023م لن يتم الوصول اليه.

     وفي سياق متصل، وبحسب تقييم خبراء العقارات حول سوق إيجار الشقق في العام 2022م، ارتفعت الإيجارات بنسبة 5.2 في المئة وهي نسبة أعلى من نسبه الارتفاع في الإيجارات في السنوات السابقة. فبالمقارنة في عام 2021م، ارتفعت أسعار الإيجارات بنسبة 3.7 في المئة، وفي عام كورونا 2020م بنسبة 3.1 في المئة. ويمكن ارجاع جزء من ارتفاع الإيجارات في العام 2022م، الى اثار الحرب في أوكرانيا والزيادة الكبيرة في اللاجئين الاوكرانيين في ألمانيا، ولكن أيضًا من الأسباب الرئيسية لهذا الارتفاع حقيقة أن الأسر قد أوقفت خطط ملكية او بناء منازلها الخاصة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الى جانب ارتفاع أسعار شراء المنازل والشقق أيضًا في عام 2022م. والتي ارتفعت بنسبة 7.8 في المئة مقارنة بالعام 2021م.