تحسن مناخ الاعمال للاقتصاد الألماني خلال شهر فبراير وارتفع مؤشر IFO لمناخ الأعمال إلى 91.1 نقطة بعد ان كان قد وصل الى مستوى 90.1 نقطة في يناير الماضي. ويعود هذا الارتفاع في المؤشر الى توقعات الشركات الإيجابية بخصوص مستوى الاعمال في الأشهر القادمة على الرغم من ان تقييم هذه الشركات لمستوى الاعمال في الوقت الحالي كان أقل إيجابية إلى حد ما. ويشير تحسن مناخ الاعمال الى ان الاقتصاد الألماني في اتجاهه الى الخروج من دورة الازمات المتتالية التي عاشها خلال العام الماضي.

     في قطاع الصناعة، ارتفع مؤشر الاعمال في هذا القطاع إلى أعلى مستوى له منذ مايو 2022م، مسجلاً مستوى 1.5 نقطة في فبراير بعد ان كان عند مستوى (- 0.7 نقطة) في شهر يناير. والسبب في ذلك هو تحسن توقعات الشركات بشكل ملحوظ حول مستوى اعمالها خلال الفترة القادمة. وكانت شركات القطاع قد عبرت عن عدم رضاها عن مستوى الاعمال الحالي نتيجة تلقيها عددًا أقل من الطلبات الجديدة.

     في قطاع الخدمات، تحسن مناخ الأعمال للشهر الخامس على التوالي، حيث واصل مؤشر الاعمال في هذا القطاع تحسنه مسجلاً مستوى 1.3 نقطة في شهر فبراير بعد ان كان عند مستوى 0.2 نقطة في الشهر السابق. وكانت شركات الخدمات أكثر رضا إلى حد ما عن وضع أعمالها الحالي. بالإضافة إلى استمرار ثقتها في النمو خلال الأشهر المقبلة. وقد تحسن مناخ الاعمال بشكل خاص في قطاعي الضيافة والسياحة.

     كذلك في قطاع التجارة تحسن مؤشر الاعمال مرة أخرى وارتفع من مستوى (-15.4 نقطة) المسجل في يناير الماضي الى مستوى (-10.6 نقطة) في شهر فبراير، ويعود هذا الارتفاع الى ان توقعات الاعمال خلال الأشهر القادمة كانت أكثر تفاؤلاً كما كانت الشركات أيضًا أكثر رضا عن وضع اعمالها الحالي. في قطاع البناء، تحسن مناخ الأعمال إلى حد ما حيث سجل مستوى (-19.6 نقطة) في فبراير بعد ان كان قد سجل (-21.8 نقطة) في يناير الماضي. وكانت الشركات أكثر ارتياحًا لوضع أعمالها الحالي. ومع ذلك، فإن توقعاتها لمستوى الاعمال خلال بقية العام لا تزال تتسم بالتشاؤم الواضح.

     فيما يتعلق بمناخ الاعمال في شركات التصدير الألمانية تراجع مؤشر IFO لشهر فبراير الى مستوى 3.8 نقطة متراجعاً عن مستوى 4.1 نقطة المسجل في يناير الماضي، ويعود تراجع المؤشر الى ضعف الطلب العالمي حاليا والذي تسبب في تراجع توقعات المصدرين الالمان بنمو أعمالهم في الأشهر المقبلة. وهو ما عبرت عنه شركات الصناعات الكيميائية والشركات المصنعة للأغذية والمشروبات عبر توقعها بثبات اعمال التصدير عند نفس المستوى، وهو نفس الحال بالنسبة لشركات صناعة المعادن، بينما عادت توقعات نمو الصادرات في صناعة الأثاث الى الارتفاع للمرة الأولى منذ مايو 2022م، وهو ما تتشاركه أيضا صناعة الآلات والمعدات، فيما تتوقع صناعة السيارات زيادة الصادرات.

     من جانب أخر، وبالرغم من تحسن مناخ الاعمال للاقتصاد الألماني بشكل متوالي خلال شهري يناير وفبراير من العام 2023م، الا ان التقرير الشهري للبنك المركزي الألماني (Bundesbank) لشهر فبراير اظهر ان الاقتصاد الألماني قد بدأ العام 2023م بداية ضعيفة، حيث “من المرجح أن ينخفض ​​الناتج الاقتصادي مرة أخرى في الربع الأول من عام 2023م مقارنة بالربع السابق”. وهو الامر الذي يعني أن تنزلق ألمانيا إلى ركود شتوي، حيث يشير الخبراء الى ان انخفاض الناتج المحلي الإجمالي ربعين متتاليين يؤدي الى ما يسمى الركود الفني. وكان الاقتصاد الألماني قد انكمش في الربع الرابع من العام 2022م بنسبة 0.2 في المئة مقارنة بالربع الذي سبقه، بعد النمو الإيجابي في صيف 2022م.

     ومع أن التوتر في أسواق الطاقة وحالة عدم اليقين المرتبطة به قد خفت بشكل كبير في ألمانيا نتيجة لأثر برنامج وضع سقف لأسعار الكهرباء والغاز على تخفيف حدة الزيادة في تكاليف الطاقة للمنازل والشركات الخاصة. الا ان التراجع المتوقع للأداء الاقتصادي في بداية العام الحالي يعود الى عدة أسباب منها، انه وبعد الانخفاض في الناتج المحلي الاجمالي في ديسمبر 2022م، بدأ الإنتاج الصناعي من مستوى منخفض في عام 2023م، وهو الامر الذي ينطبق أيضًا على الصادرات، والتي تأثرت بانخفاض الطلب الأجنبي. كما لا يزال الاستهلاك الخاص يعاني من الارتفاع المستمر في التضخم، مما يقلل من القوة الشرائية للأسر الخاصة ويؤدي الى استمرار انخفاض الاستهلاك في بداية العام 2023م.

     من جهة أخرى، يتوقع البنك المركزي” أن “الاقتصاد يمكن أن ينتعش مرة أخرى ببطء مع تقدم العام”. “لكن لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على أي تحسن ملحوظ”. وبشكل عام، ووفقًا لتقديرات البنك المركزي الحالية، “فان هنالك احتمالاً بان يتراجع ​​الناتج المحلي الاجمالي الألماني في العام 2023م بشكل طفيف” وبدرجة اقل من توقعات البنك في شهر ديسمبر الماضي عندما توقع انخفاضاً بمقدار 0.5 في المئة للعام 2023م.

     علاوة على ذلك، يتوقع البنك المركزي الألماني ارتفاع عجز ميزانية الحكومة الاتحادية في العام 2023م، حيث “وبشكل عام، من المرجح أن تزيد النفقات بشكل أسرع بكثير من الإيرادات”. “ويسهم في ذلك التضخم المرتفع، والذي يؤدي الى جعل المشتريات الحكومية للسلع والاستثمارات أكثر تكلفة.” بالإضافة إلى أنه يتوقع أن يزيد الإنفاق بدرجة كبيرة على شئون الدفاع وسياسة حماية المناخ “. اما فيما يتعلق بالإيرادات الحكومية، فليس من المتوقع ان يتم تحقيق نفس الطفرة في الإيرادات الضريبية التي تم تحقيقها في العام الماضي وان نمو الإيرادات الضريبية خلال العام الحالي سيكون أبطأ بكثير.”

     وفي سياق متصل، اظهر تقرير لوزارة المالية الاتحادية ان العائدات الضريبية للحكومة الاتحادية ولحكومات الولايات قد ارتفع في شهر يناير 2023م، بنسبة 0.8 في المئة بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي لتصل الى 58.03 مليار يورو، وقد جاءت الزيادة بدرجة أساسية بسبب زيادة بنسبة 2.1 في المائة في الضرائب المجتمعية (والتي تشمل ضريبة الأجور وضريبة الدخل وضريبة الاستقطاع وضريبة الشركات بالإضافة إلى ضريبة المبيعات).  اما بالنسبة لعام 2023م ككل، يتوقع الخبراء أن تزيد الإيرادات الضريبية للحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بنسبة 5 في المئة لتصل إلى أكثر من 857 مليار يورو. الا ان وزارة المالية أشارت إلى أن التقديرات تخضع حاليًا لدرجة عالية من عدم اليقين بسبب التطورات والأزمات السياسية العالمية الحالية. وكانت الإيرادات الضريبية في العام الماضي قد زادت بنسبة 7 في المئة لتصل إلى 814.9 مليار يورو.

     كما أشار تقرير وزارة المالية الى انه من المتوقع أن يظل التضخم مرتفعا هذا العام، بمتوسط ​​6 في المئة، حيث يعتقد العديد من الخبراء أن التضخم قد بلغ ذروته خلال الأشهر السابقة حيث بلغ متوسط معدل التضخم في ألمانيا خلال العام 2022م، 7.9 في المئة، ووصل في الخريف الى معدل 10 في المئة. ويعود انخفاضه المتوقع خلال العام الحالي الى برامج المساعدات الحكومية مثل برنامج وضع سقف أعلى لأسعار الكهرباء والغاز.  بالإضافة الى ذلك ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، ارتفع معدل التضخم في ألمانيا في شهر يناير الماضي الى 8.7 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. ويتوقع Sebastian Dullien مدير معهد الاقتصاد الكلي وأبحاث دورة الأعمال (IMK) “ان معدل التضخم قد يرتفع مرة أخرى في فبراير”. وانه يمكن توقع حدوث انخفاض مستمر وكبير في التضخم اعتبارًا من مارس، عندما يتم تفعيل برنامج السقف الأعلى لأسعار الغاز والكهرباء. اما بالنسبة لمجمل العام 2023م، فيتوقع معهد IMK معدل تضخم يزيد قليلاً عن 5 في المئة. وتطالب Fritzi Köhler-Geib كبيرة الاقتصاديين في بنك إعادة الاعمار والتنمية الحكومي KfW، ان يقوم البنك المركزي الأوروبي (ECB) باتخاذ إجراء حازم وقوي في الأشهر المقبلة”. من خلال رفع أسعار الفائدة لأن “هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان انخفاض التضخم إلى 2 في المئة على المدى المتوسط”.

سوق العمل: ارتفاع البطالة واللاجئون الاوكرانيون قد يساهمون في حل مشكلة نقص العمالة الماهرة  

     بحسب تقرير لمكتب العمل الاتحادي، زادت البطالة في شهر يناير 2023م، مقارنة بشهر ديسمبر 2022م، بنحو 162،000 شخص ليصل اجمالي عدد العاطلين في ألمانيا إلى 2،616،000 شخص. وبالمقارنة مع يناير من العام الماضي، فإن عدد العاطلين عن العمل أعلى بحوالي 154 ألف شخص. ويعود هذا الارتفاع بدرجة رئيسية لدخول اللاجئين من أوكرانيا ضمن حسابات العاطلين في العمل، والذين من دون احتسابهم لكان عدد العاطلين عن العمل في يناير 2023م قد انخفض بالمقارنة مع يناير 2022م.  وبهذا الارتفاع في عدد العاطلين في يناير ارتفع معدل البطالة بمقدار 0.3 نقطة مئوية إلى 5.7 في المئة عن معدل البطالة المسجل في ديسمبر الماضي، وكذلك ارتفع عن معدل البطالة المسجل في شهر يناير من العام الماضي بنسبة 0.3 في المئة.  وفي تعليقها على بيانات سوق العمل في شهر يناير، أكدت رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA) Andrea Nahles، ان ” سوق العمل ما يزال مستقرًا في بداية العام. ومع ذلك، فإن آثار عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي الناتج عن الحرب في أوكرانيا أصبحت أكثر وضوحاً “.

     في برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي بلغ عدد المسجلين الجدد في البرنامج خلال الفترة الممتدة بين الأول من يناير وحتى 25 منه نحو 57 ألف موظف وعامل. اما بالنسبة لإجمالي عدد الموظفين المسجلين في البرنامج فحسب أحدث بيانات مكتب العمل الاتحادي بلغ عددهم في شهر نوفمبر 2022م، ما يقرب من 208 ألف موظف وعامل وهو ما يُعد زيادة ملحوظه بالمقارنة مع الأشهر السابقة.

     فيما يتعلق بالطلب على الموظفين الجدد في بداية العام، فانه مستمر في الانخفاض بشكل طفيف، لكنه وبشكل عام ما يزال مستقراً عند مستوى عال نسبياً، حيث تم تسجيل حوالي 764 ألف وظيفة شاغرة لدي مكتب العمل الاتحادي في شهر يناير 2023م. وهو ما يمثل اقل بنحو 27 ألف وظيفة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، الا انه أعلى بواقع ألفي وظيفة مقارنة بشهر ديسمبر الماضي.

     في سياق متصل وفيما يتعلق بتأثير ارتفاع عدد اللاجئين من أوكرانيا على سوق العمل والذي يظهر في البداية سلبياً من حيث تسببه في رفع معدل البطالة، الا ان العديد من الخبراء والمختصين يشيرون الى إمكانية الاستفادة من هؤلاء اللاجئين، خصوصا المؤهلين منهم مهنياً، في معالجة النقص في العمالة والعمالة الماهرة التي يعاني منها سوق العمل في ألمانيا.  فبحسب Daniel Terzenbach عضو مجلس إدارة مكتب العمل الاتحادي، تم منذ بداية حرب أوكرانيا توظيف 65 ألف اوكراني واوكرانية، هذا بالإضافة الى عمل حوالي 21 ألف اوكراني واوكرانية أخرين في وظائف صغيرة. واعتبر Terzenbach ان “سوق العمل في ألمانيا قادر على استيعاب المزيد من اللاجئين”.

     هذا ومن المتوقع أن يزداد عدد الموظفين والعمال من أوكرانيا في سوق العمل الألماني بشكل كبير في الأسابيع والأشهر المقبلة، وذلك بسبب وجود العديد من اللاجئين من أوكرانيا الذين يدرسون حالياً في دورات الاندماج ودورات اللغة الألمانية، والذين سيصبحون في الربع الثاني من العام الحالي وبعد اكمالهم للدورات المختلفة جاهزين لدخول سوق العمل.  وقال Terzenbach “ان مكتب العمل قد سعي بوعي كامل للاستفادة من الأشخاص المؤهلين وذوي الشهادات، لهذا تم تجنب تشغيل هؤلاء في الاعمال المساعدة والتي لا تحتاج الى مهارات او مؤهلات مهنية ولكن توظيفهم وفقاً لإمكاناتهم والشهادات والخبرات التي يمتلكونها”. ويضيف عضو مجلس إدارة مكتب العمل الاتحادي ان الخبرة المتأتية من الموجة السابقة للاجئين بين عامي 2014-2016م، والهدف الذي وضع في ذلك الوقت لتشغيل نصف اللاجئين وإيجاد وظائف لهم خلال خمس الى ست سنوات قد نجح، على الرغم من الصعوبات التي واجهت تحقيق هذا الهدف خلال جائحة كورونا.

     ويشدد Terzenbach على ان الفرصة الان أفضل بكثير لتوظيف نسبة أعلى من اللاجئين الاوكرانيين وادماجهم في سوق العمل وان الجميع تقريبا من هؤلاء لديه فرصه في إيجاد عمل مناسب. خصوصا ان جزءا كبيرا منهم اظهر رغبة واستعدادا للبقاء في ألمانيا وتعلم اللغة الألمانية، بالإضافة الى ان المزيد من الرجال في سن العمل يأتون من أوكرانيا الى ألمانيا بالرغم من الزامية الخدمة العسكرية في بلادهم.

تراجع سوق التمويل العقاري في ألمانيا

     يشهد سوق التمويل العقاري في ألمانيا تراجعا كبيرا في حجم الاعمال في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة البنكية، حيث وصل حجم الأعمال الجديدة إلى أدنى مستوى لها منذ العام 2011م. ويظهر قطاع العقارات الآن اقل جاذبية وجدوى اقتصادية بالنسبة للمستثمرين وهو ما يتوقع الخبراء استمراره حتى العام 2024م على الأقل. فبحسب دراسة لشركة Barkow Consulting للاستشارات تراجع الطلب على الإقراض العقاري بدرجة كبيرة مع ارتفاع أسعار الفائدة والتي زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف في غضون عام. حيث تراجع حجم القروض العقارية الجديدة التي تقدمها البنوك الألمانية للأسر الخاصة والعاملين لحسابهم الخاص بنسبة 43 في المئة في ديسمبر الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام 2021م.

     واستناداً الى أرقام البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الألماني وصل حجم القروض العقارية التي قدمتها البنوك الى 13.5 مليار يورو، وهو أدنى مستوى لحجم القروض العقارية الشهري منذ يونيو 2011م، وبحسب شركة Barkow فان التراجع المسجل في شهر ديسمبر 2022م، هو رابع تراجع سلبي على التوالي. وبالمقارنة بين حجم القروض في ديسمبر 2022م، مع الحجم القياسي لحجم القروض العقارية والذي سُجل في شهر مارس من العام 2022م، والبالغ 32.3 مليار يورو هناك تراجع بنسبة 60 في المئة تقريبًا. كما استمر تراجع القروض العقارية في شهر يناير 2023م، ليسجل انخفاضاً بنسبة 41 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من العام 2022م.

     ويرجع الخبراء المصرفيون استمرار تراجع الاقبال على قروض التمويل العقاري، الى جانب زيادة تكلفة التمويل والاقراض، الى تردد العملاء والمستثمرين بسبب تراجع العائد والارباح، بالإضافة الى ان هناك عدد أقل من الأشخاص القادرين على دفع رأس المال الأساسي بنسبة 20 في المئة من قيمة شراء العقار. هذا بالإضافة الى ان الأعمال الجديدة في مجال تمويل الإنشاءات تتقلص منذ شهور نتيجة تكاليف البناء المرتفعة، مما يؤدي إلى إبطاء أعمال البناء الجديدة، وهو ما أدى الى انسحاب مطوري المشاريع وانتشار حالة من عدم اليقين في سوق العقارات بشأن مستقبل القطاع بعد فترة الازدهار الطويلة التي عاشها قطاع العقارات والبناء في ألمانيا.

     وتأتي الزيادة في أسعار البناء نتيجة لارتفاع أسعار المدخلات والمنتجات الاولية، والتي بدورها ناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل التوريد. لكن الخبراء يرون ان هذه الاسباب تفسر جزءًا فقط من زيادة الأسعار، بينما يمكن ارجاع ارتفاع أسعار البناء في جزء منه أيضا الى شركات البناء والتي تحاول من خلال رفع أسعارها الحصول على مزيد من الأرباح. وهو الرأي الذي يؤيده تقرير صادر عن معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo والذي استنتج “أن العديد من الشركات قد انتهزت على ما يبدو الفرصة لرفع أسعارها بما يتجاوز الزيادة في أسعار مشتريات المواد الخام والتكاليف الأخرى”.

     من جانب أخر، حذرت الشركات العاملة في قطاع البناء من وجود خطر حدوث تراجع كبير في البناء السكني. ففي عام 2022م، تم الانتهاء من حوالي 280.000 شقة، بينما من المحتمل ان يتم انجاز حوالي 245.000 شقة في العام الحالي. وقد اعترفت وزيرة لإسكان والتنمية العمرانية والبناء في الحكومة الاتحادية Klara Geywitz أن الهدف الذي وضعه الائتلاف الحاكم لبناء 400 ألف شقة سنويًا خلال عامي 2022م و2023م لن يتم الوصول اليه.

     وفي سياق متصل، وبحسب تقييم خبراء العقارات حول سوق إيجار الشقق في العام 2022م، ارتفعت الإيجارات بنسبة 5.2 في المئة وهي نسبة أعلى من نسبه الارتفاع في الإيجارات في السنوات السابقة. فبالمقارنة في عام 2021م، ارتفعت أسعار الإيجارات بنسبة 3.7 في المئة، وفي عام كورونا 2020م بنسبة 3.1 في المئة. ويمكن ارجاع جزء من ارتفاع الإيجارات في العام 2022م، الى اثار الحرب في أوكرانيا والزيادة الكبيرة في اللاجئين الاوكرانيين في ألمانيا، ولكن أيضًا من الأسباب الرئيسية لهذا الارتفاع حقيقة أن الأسر قد أوقفت خطط ملكية او بناء منازلها الخاصة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الى جانب ارتفاع أسعار شراء المنازل والشقق أيضًا في عام 2022م. والتي ارتفعت بنسبة 7.8 في المئة مقارنة بالعام 2021م.

تعافي قطاع السياحة الألماني

     سجل قطاع الضيافة ومؤسسات الإقامة في ألمانيا عددًا أكبر من الإقامات في عام 2022م، مقارنة بالعام السابق في مؤشر على تعافي قطاع السياحة في ألمانيا من ازمة كورونا خلال عامي 2020-2021م. وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، أبلغت الفنادق ودور الضيافة وغيرها من مؤسسات الإقامة عن إجمالي 450.8 مليون ليلة مبيت لنزلاء من ألمانيا وخارجها خلال العام 2022م. ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 45.3 في المئة في الإقامة الليلية مقارنة بعام 2021م، والتي اتسمت جزئيًا بقيود كورونا. ومع هذه الزيادة الكبيرة في ليلي الاقامة، الا ان الرقم لا يزال أقل بنسبة 9.1 في المئة من مستوى عام 2019م، أي العام الذي سبق بدء الجائحة.

     وقد زاد بشكل خاص عدد السائحين والمسافرين القادمين من خارج ألمانيا حيث كان عددهم في العام 2022م، أكثر من ضعف ما كان عليه في العام الذي سبق.  ويمثل عدد المسافرين جوا أحد اهم المؤشرات الدالة على ذلك حيث أبلغت المطارات في ألمانيا ان عدد المسافرين خلال العام 2022م، قد وصل الى نحو 155 مليون مسافر، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 111 في المئة مقارنة بعدد المسافرين جوا في العام 2021م، والذي تأثرت فيه حركة الطيران بشدة نتيجة جائحة كورونا.  وأعاد الخبراء هذه الزيادة الكبيرة في عدد المسافرين الى “تراجع التأثيرات العالمية لجائحة كورونا على السياحة الدولية في ألمانيا العام الماضي، لكن الأرقام قبل الجائحة لم يتم الوصول إليها مرة أخرى بعد”.

     وقد استفادت قطاعات السياحة والإقامة المتنوعة بمستويات ودرجات متفاوتة من تعافي قطاع السياحة ومن الانتعاش الذي عاشه القطاع في العام 2022م، فبينما ظل اجمالي عدد ليالي المبيت في الفنادق والنزل ودور الضيافة أقل من مستوى ما قبل الأزمة لعام 2019م، بنسبة 12.5 في المئة على الرغم من النمو القوي في هذا القطاع مقارنة مع العام السابق. كانت الصورة أفضل بكثير بالنسبة لأماكن الإقامة في المعسكرات والمخيمات مثل منازل العطلات ومواقع التخييم، حيث وصل عدد ليالي الإقامة والمبيت إلى مستويات ما قبل الأزمة، بل ارتفع عدد ليالي المبيت والاقامة في مواقع التخييم بنسبة 12.4 في المئة مقارنة بعام 2019م.

     بالإضافة الى ذلك تباين عدد السائحين باختلاف المواسم السياحية، اذ كان عدد السائحين الأجانب الذين زاروا ألمانيا او المواطنين الذين قضوا اجازاتهم فيها في بداية العام ونهايته أقل بكثير من قيم ما قبل الأزمة عام 2019م. في المقابل، تم تسجيل 58 مليون ليلة مبيت في أغسطس 2022م، وهو رقم اعلى حتى من عدد ليالي المبيت المسجلة في شهر أغسطس من العام 2019م. وهو ما يدفع للقول بان ” السياحة الصيفية قد تعافت من جائحة كورونا أسرع من السياحة في الخريف والشتاء”.

     علاوة على ذلك، وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم وحالة عدم اليقين السائدة في الاقتصاد الالماني، فان دراسات واستطلاعات مختلفة أظهرت الرغبة المتزايدة للناس في ألمانيا في السفر وقضاء الاجازات، حيث أظهرت أحدث الاستطلاعات أن السفر لقضاء العطلات له أولوية استهلاك عالية وأن الناس لا يريدون الاستغناء عن السفر في عام 2023م، على الرغم من البيئة الصعبة حاليًا مع ارتفاع أسعار الطاقة، وأكد Norbert Fiebig رئيس اتحاد السفر الألماني (DRV) ان كل خامس حجز لقضاء إجازة تم تسجيله نهاية الخريف الماضي كان لإجازة في صيف العام 2023م. مضيفاً ان من المحتمل أن يكون موسم العطلات والاجازات في شتاء 2022/2023م، أفضل بكثير من موسم العام الماضي لأن المبيعات أعلى بنسبة 74 في المئة مقارنة بموسم عطلات شتاء 2021/2022م، عندما تسببت قيود كورونا في حدوث ركود قوي في صناعة السياحة حيث انخفضت الإيرادات بنحو الثلث تقريباً.

      هذا الميل المتزايد لقضاء الاجازات سيعود بالنفع أيضا على السياحة الداخلية في ألمانيا خلال العام 2023م، فوفقا لمسح أجرته جمعية الأبحاث للعطلات والسفر (FUR) ستظل ألمانيا وجهة السفر الأولى للمواطنين الالمان، على الرغم من انتهاء قيود كورونا وتزايد العروض الخاصة بالسفر لقضاء الاجازات في الخارج. واظهر تحليل قامت به مؤسسة قضايا المستقبل BAT أن ألمانيا ستبقى إلى حد بعيد وجهة العطلات الأكثر شعبية للمواطنين الألمان، وان 28 في المئة من الراغبين في السفر هذا العام يخططون لقضاء إجازتهم في المنتجعات السياحية المختلفة في ألمانيا.

ازدياد اعتماد الاقتصاد الألماني على الصين

     تستمر واردات ألمانيا من البضائع والسلع الصينية في الارتفاع بوتيرة متسارعة فيما لا تنمو صادرات ألمانيا الى الصين بنفس الوتيرة، حيث تتسع الفجوة بين الواردات والصادرات في الأعمال التجارية بين ألمانيا والصين لصالح الأخيرة، إذ بحسب مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) تم تبادل سلع بقيمة 297.9 مليار يورو بين ألمانيا وجمهورية الصين الشعبية في عام 2022م (الصادرات والواردات). وبهذا الحجم من التبادل التجاري تعد الصين أهم شريك تجاري لألمانيا في عام 2022م، وذلك للمرة السابعة على التوالي، تليها الولايات المتحدة في المركز الثاني بحركة بضائع بلغت 247.8 مليار يورو، ثم هولندا في المركز الثالث بحجم تجارة خارجية بلغ 233.6 مليار يورو.

      وكما كان الحال في السنوات السابقة، كانت الولايات المتحدة أهم مشتر للسلع الألمانية في عام 2022م. اذ تم تصدير بضائع بقيمة 156.1 مليار يورو من ألمانيا إلى الولايات المتحدة. وجاءت فرنسا (116.1 مليار يورو) وهولندا (110.6 مليار يورو) في المركزين الثاني والثالث بين أهم دول التصدير للصناعات الألمانية. من جانب أخر جاءت معظم البضائع المستوردة إلى ألمانيا في عام 2022م، من الصين (191.1 مليار يورو). بينما احتلت هولندا (123.0 مليار يورو) والولايات المتحدة (91.7 مليار يورو) المرتبة الثانية والثالثة بين أهم الدول الموردة الى ألمانيا.

     وبينما حققت ألمانيا فائضا تجاريا في العام 2022م، مع كل من الولايات المتحدة (64.3 مليار يورو) وفرنسا (46.3 مليار يورو) والمملكة المتحدة (35.9 مليار يورو). نما العجز التجاري لألمانيا مع الصين إلى أكثر من 84 مليار يورو العام 2022م، وهو ما يمثل ضعف العجز المسجل في العام الذي سبق، حيث زادت الواردات من الصين في العام الماضي بنسبة 33 في المئة، في مقابل ارتفاع صادرات الشركات الألمانية الى الصين العام 2022م، بنسبة 3 في المئة فقط مقارنة بالعام الذي سبق.

     وفي هذا السياق حذر معهد دراسات الاقتصاد الألماني (IW) من ان ألمانيا أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الصين بدرجة أكبر من أي وقت مضى. ويحذر الخبير في المعهد Jürgen Matthes من ان التجارة الخارجية مع الصين تتطور “بأقصى سرعة في الاتجاه الخاطئ”. حيث يشكل اعتماد ألمانيا على الواردات من الصين خطرًا جيوسياسي، وفي حالة نشوب صراع حول تايوان، على سبيل المثال، يمكن أن يتعرض الاقتصاد الألماني للاهتزاز، وان يجد السياسيون أنفسهم عاجزين عن التدخل او اتخاذ موقف مؤثر من هذا الصراع لو حدث. اذ يطرح العديد من الخبراء والسياسيين سؤالا حول “ماذا سيحدث إذا هاجمت الصين تايوان بنفس القدر من القوة التي هاجمت روسيا بها أوكرانيا؟”. هذا الى جانب ان الصين تمثل سوق مبيعات أساسي وهام لعدد من القطاعات الصناعية الألمانية الرئيسية وعلى رأسها صناعة السيارات والصناعات الكيميائية.

     بالإضافة الى ذلك ينتقد معهد الاقتصاد الألماني سياسة حكومة بكين لدعم الشركات الصينية والتي تجعلها قادرة على تقديم منتجاتها بأسعار رخيصة بشكل خاص بسبب الإعانات الحكومية الهائلة، كذلك ينتقد المعهد السعي الصيني المتزايد لجعل نفسها اقل اعتمادا على الواردات الأجنبية وان تنتج ما تحتاجه بشكل أكبر محلياً كلما أمكن ذلك. كما اشارت بينات معهد IW الى ممارسة الحكومة الصينية ضغوطاً متزايدة على الشركات الألمانية التي تعمل وتنتج في الصين من اجل دمج الشركات الصينية في سلاسل امداداتها ووقف استيراد المنتجات الأولية من ألمانيا او من أي مكان أخر.

     ارتفاع الواردات الصينية من نتائجه زيادة اعتماد العديد من القطاعات الاقتصادية الألمانية على المنتجات الصينية، حتى في القطاعات التي تصنف بانها حيوية، ففي مجال الادوية على سبيل المثال، فان ما يقرب من 80 في المئة من المكونات النشطة للمضادات الحيوية المنتجة في ألمانيا والاتحاد الأوروبي تأتي من الصين، هذا الى جانب العديد من المستلزمات الطبية الضرورية الأخرى مثل المحاقن وانابيب التنفس ومستلزمات عمليات قسطرة القلب.

     كما تعتمد سياسة التحول في الطاقة التي تتبعها ألمانيا وكذلك دول الاتحاد الأوروبي الاخرى على الصين بشكل كبير. حيث تهيمن الصين على إنتاج المواد الخام المهمة، (ما يسمى بالعناصر الأرضية النادرة). فوفقًا لمفوضية الاتحاد الأوروبي، جاء أكثر من 98 في المئة من هذه المعادن النادرة في العام 2020م، من الصين. لذلك وضعت مفوضية الاتحاد الأوروبي العناصر الأرضية النادرة في قائمة المواد الخام المهمة، وتستخدم هذه المواد الخام النادرة في صناعة الشاشات المسطحة والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر. وأيضًا وبدرجة كبيرة في صناعة توربينات الرياح والسيارات الكهربائية، الى الدرجة التي سيكون فيها انجاز التحول المخطط في الطاقة غير وارد بدون توفر هذه المعادن النادرة.

التبادل التجاري العربي الألماني للعام 2022م

     بلغت قيمة التبادل التجاري العربي الألماني خلال العام 2022م ( 50,8 ) مليار يورو،  مسجلة ارتفاعا بنسبة ( 23,3 ) بالمئة مقارنة بالعام 2021م، حيث سجلت قيمة الصادرات الألمانية الى الدول العربية ارتفاعا بنسبة ( 10,8 ) في المئة وبلغت ما قيمته ( 31,9 ) مليار يورو، كما ارتفعت الواردات الألمانية من الدول العربية بنسبة  ( 52,1 )في المائة ووصلت قيمتها إلى ( 18,9 ) مليار يورو، وتصدّرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة مستوردي السلع الألمانية بين الدول العربية (7598,6 مليون يورو )، تليها المملكة العربية السعودية (6703 مليون يورو)، فجمهورية مصر العربية (4217,5 مليون يورو )، في حين تصدّرت دولة ليبيا ( 3558,7 مليون يورو ) قائمة الدول العربية المُصدّرة إلى ألمانيا، تليها تونس (2620,6 مليون يورو )،  فالمملكة العربية السعودية (2197,5 مليون يورو ).

 

التبادل التجاري بين ألمانيا والدول العربية للعام 2022م مقارنة

بالعام 2021م (مليون يورو)

الواردات الألمانية

الصادرات الألمانية

البلد

يناير ـ ديسمبر

2022م

يناير ـ ديسمبر

2021م

التغيير%

يناير ـ ديسمبر

2022م

يناير ـ ديسمبر

2021م

التغيير%

الأردن

85,392

62,479

36,67

770,868

624,945

23,35

الإمارات

2170,477

855,329

153,76

7598,661

7130,387

6,57

البحرين

236,483

136,978

72,64

440,992

526,221

-16,20

تونس

2620,689

2000,101

31,03

1739,633

1402,171

24,07

الجزائر

1970,489

774,139

154,54

1663,551

1846,233

-9,89

جيبوتي

1,393

1,654

-15,78

19,007

22,736

-16,40

السعودية

2197,562

1108,318

98,28

6703,099

5564,149

20,47

السودان

25,953

17,557

47,82

141,657

110,133

28,62

سوريا

9,559

17,611

-45,72

44,681

43,689

2,27

الصومال

9,976

6,089

63,84

16,544

23,295

-28,98

العراق

1862,542

934,827

99,24

1068,71

889,372

20,16

عمان

72,007

152,61

-52,82

789

612,159

28,89

فلسطين

3,62

6,129

-40,94

130,451

97,795

33,39

قطر

617,541

430,288

43,52

1374,254

1331,178

3,24

جزر القمر

3,849

2,907

32,40

0,626

0,738

-15,18

الكويت

54,679

24,6

122,27

1102,805

1012,769

8,89

لبنان

53,855

41,908

28,51

505,962

516,899

-2,12

ليبيا

3558,781

3110,062

14,43

534,368

577,198

-7,42

مصر

1299,06

1021,111

27,22

4217,568

4146,671

1,71

المغرب

2071,323

1563,525

32,48

2834,269

2179,627

30,03

موريتانيا

33,202

109,272

-69,62

135,709

62,139

118,40

اليمن

1,845

86,259

-97,86

103,213

93,637

10,23

المجموع

18960,277

12463,753

52,12

31935,628

28814,141

10,83

  • المصدر: مركز الإحصاء الإتحادي، فيزبادن