تراجع مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني خلال شهر يوليو بشكل ملحوظ.، حيث انخفض مؤشر ifo لمناخ الأعمال إلى 88.6 نقطة، بعد ان كان عند مستوى 92.2 نقطة في يونيو. ويعد هذا المستوى الأدنى للمؤشر منذ يونيو 2020م، حيث تتوقع الشركات الألمانية تراجع مستوى الاعمال بشكل ملحوظ في الأشهر المقبلة، كما كانت هذه الشركات أقل رضا عن وضع أعمالها الحالي. وتؤثر أسعار الطاقة المرتفعة وخطر نقص امدادات الغاز الطبيعي تأثيراً سلبياً على الاقتصاد، وتهدد بحدوث ركود اقتصادي في ألمانيا.

     في قطاع الصناعة، انخفض مؤشر مناخ الاعمال بشكل كبير، حيث تراجع من مستوى 0.3 نقطة في الشهر السابق الى مستوى (-7.1 نقطة) في يوليو. وارتفع عدم اليقين لدي الشركات الصناعية بشأن مستوى الاعمال في الأشهر المقبلة الى أعلى مستوى له منذ أبريل 2020م. وتشمل حالة عدم اليقين هذه جميع القطاعات الصناعية تقريبًا. كما صنفت الشركات وضع اعمالها الحالي على أنه أسوأ، حيث انخفضت الطلبات الجديدة بشكل طفيف، وذلك لأول مرة منذ عامين.

     في قطاع الخدمات، تراجع ايضاً مناخ الأعمال بشكل كبير حيث وصل المؤشر الى مستوى 0.9 نقطة بعد ان كان قد وصل الى مستوى 10.8 نقطة في الشهر السابق. وقد تراجعت، بشكل خاص، التوقعات بمستوى الاعمال في الأشهر القادمة بعد التفاؤل الكبير الأخير، كما تحول مناخ الاعمال أيضًا في قطاع السياحة وصناعة الضيافة. وعلى الرغم من أن مقدمي الخدمات صنفوا الوضع الحالي لأعمالهم بأنه أقل من الشهر الماضي، إلا أن المؤشر لا يزال عند مستوى إيجابي. في قطاع التجارة، انخفض المؤشر مرة أخرى حيث سجل مستوى (-21.6 نقطة) في يوليو بعد ان كان عند مستوى (-14.8 نقطة) في الشهر السابق. وكانت الشركات في القطاع أقل رضا عن مستوى الأعمال الحالي. كما ازدادت حالة القلق في شركات القطاع فيما يتعلق بمستوى الاعمال في الأشهر القادمة.

     في قطاع البناء، تراجع مناخ الأعمال بشكل ملحوظ بعد انتعاش قصير في الشهر السابق، فقد انخفض المؤشر من مستوى (-9.7 نقطة) في شهر يونيو الى مستوى (-17 نقطة) في يوليو. حيث انخفض تقييم شركات القطاع لمستوى أعمالها الحالي إلى أدنى مستوى له منذ أبريل 2016م. كما سادت حالة عدم اليقين بالنسبة لمستوى اعمال القطاع خلال الأشهر القادمة.

     في مجال مناخ الاستهلاك، تراجع معدل الاستهلاك في ألمانيا الى ادني مستوى له منذ إعادة الوحدة، حيث أظهرت دراسة لمعهد أبحاث السوق (GfK)، ان مناخ الاستهلاك وصل خلال شهر يوليو الى مستوى (-27.4 نقطة)، وهو ما يمثل اقل بنحو 1.2 نقطة عن شهر يونيو السابق، والادنى على الاطلاق منذ بدء المسح الخاص بألمانيا ككل في عام 1991م.  وعن أسباب هذا التراجع الكبير، يوضح Rolf Bürkl، خبير مناخ الاستهلاك في GfK بالقول “تتسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا وتعطل سلاسل التوريد في انفجار أسعار الطاقة والغذاء وجعل مناخ الاستهلاك أكثر كآبة من أي وقت مضى”. “وبشكل خاص، فإن الزيادة في تكلفة المعيشة، والتي تبلغ حاليًا ثمانية في المئة تقريبًا، تلقي بثقلها على ثقة المستهلك وتدفعها للانهيار”. كما يستمر المستهلكون في رؤية خطر كبير يتمثل في أن الاقتصاد الألماني قد ينزلق إلى الركود، حيث انه وبسبب ارتفاع مستوى التضخم، فإن الاستهلاك الخاص، الذي يعد ركيزة مهمة للنمو الاقتصادي، مهدد بمزيد من التراجع.

      من جانب أخر، أشار تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) الى ان معدل التضخم في ألمانيا قد تراجع في شهر يونيو 2022م، الى نسبة 7.6 في المئة بعد ان كان قد وصل الى معدل 7.9 في المئة خلال الشهر الذي سبق. ويرجع التقرير هذا التراجع الى الإجراءات الحكومية الخاصة بتخفيف أعباء ارتفاع الأسعار والتضخم على المواطنين، وعلى وجه الخصوص البدء في سريان (تذكرة 9 يورو) على جميع وسائل المواصلات والنقل المحلية في جميع انحاء المانيا، الى جانب خفض ضريبة (الزيوت المعدنية) على الوقود والتي ساهمت في إيقاف تصاعد أسعار البنزين والديزل وبقائها عند نفس مستوى أسعار مايو بالرغم من ارتفاع أسعار النفط الخام. من ناحية أخرى، استمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع وظلت مرتفعة بالنسبة للسلع الصناعية.

     هذا فيما لا يزال البنك المركزي الألماني يتوقع ارتفاع معدلات التضخم في الأشهر المقبلة، وخصوصا في شهر سبتمبر القادم بسبب انتهاء إجراءات الحكومة الخاصة بتخفيف أعباء ارتفاع. وكذلك بسبب عدم التأكد من استمرار تدفقات امدادات الغاز الطبيعي من روسيا، بالرغم من عودة شركة غازبروم الى ضخ الغاز الى ألمانيا عبر أنبوب (نوردستريم 1)، وهو ما سيعني ارتفاعا كبيرا في أسعار الطاقة التي تعتبر المحرك الأساسي للتضخم في ألمانيا وفي منطقة اليورو.

     ولمواجهة معدلات التضخم العالية في منطقة اليورو والتي وصلت في يونيو الى رقم قياسي بلغ 8.6 في المئة، أعلن البنك المركزي الأوروبي (ECB)، رفع أسعار الفائدة بمستوى نصف نقطة مئوية، وذلك للمرة الأولى منذ 11 عاما والذي يؤشر أيضا الى انتهاء حقبة الفائدة الصفرية التي سادت منطقة اليورو منذ إقرارها في العام 2016م. وبحسب مصادر في البنك المركزي الأوروبي فان هذا الرفع لأسعار الفائدة مجرد بداية سيتلوه مزيد من الرفع، حيث يُتوقع ان يرفع البنك أسعار الفائدة مرة أخرى في شهر سبتمبر القادم.

     وإذا ما كان رفع الفائدة في منطقة اليورو هدفه الأساسي هو كبح جماح التضخم وخفض الأسعار عن طريق اولاً، رفع كلفة الإقراض والتمويل للشركات والذي سيكون له تأثير سلبي على الاستثمار، مما يقلل بدوره من الطلب على المواد الخام والسلع الصناعية والسلع الأخرى. ثانياً، سحب الوفورات المالية والمدخرات من الأسواق وايداعها في البنوك والمؤسسات المالية من اجل الحصول على العائدات، وهو ما سيؤدي في النهاية الى خفض الطلب على المواد الاستهلاكية وبالتالي خفض الأسعار. فان رفع سعر الفائدة هذا له مخاطر ومحاذير أخرى من أهمها، رفع كلفة الإقراض وخدمة الديون بالنسبة لدول منطقة اليورو التي تعاني من مديونية عالية مثل إيطاليا واليونان واسبانيا والبرتغال، وهو ما قد يؤدي الى ازمة يورو جديدة شبيهه بالأزمة التي حصلت في 2010م نتيجة ازمة الديون اليونانية.   بالإضافة الى ذلك قد يؤدي رفع أسعار الفائدة الى خفض متزايد في الاستثمارات الجديدة وخفض متزايد في الطلب على المنتجات الصناعية والمواد الاستهلاكية بأكثر من المتوقع مما سيؤدي الى خفض الإنتاج والتهديد بالدخول في ركود اقتصادي خصوصا مع ارتفاع أسعار الطاقة المتزايد وارتفاع كلفة الإنتاج.

     وإذا ما كان البنك المركزي الأوروبي قد أعلن عن آلية جديدة لحماية الدول ذات المديونية العالية في منطقة اليورو من اثار رفع أسعار الفائدة، الا ان مخاطر حدوث ركود اقتصادي في منطقة اليورو تتزايد، خصوصا في ألمانيا والتي يعتمد اقتصادها بشكل عام، وقطاعها الصناعي بشكل خاص على امدادات الطاقة من روسيا.

سوق العمل: ارتفاع معدل البطالة بسبب احتساب اللاجئين الاوكرانيين و1.7 مليون وظيفة شاغرة في ألمانيا

     شهدت اعداد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال شهر يونيو ارتفاعا ملحوظا، وترجع هذه الزيادات، بحسب رئيس وكالة العمل الاتحادية (BA)، Detlef Scheele، إلى حقيقة أن اللاجئين الأوكرانيين يتم تسجيلهم الآن في مراكز العمل وبالتالي يظهرون في إحصاءات سوق العمل. وقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل في شهر يونيو بنحو 103 ألف شخص بالمقارنة بشهر مايو الماضي ليصل اجمالي العاطلين الى 2.363 مليون شخص. وبالرغم من هذه الزيادة فان عدد العاطلين عن العمل في يونيو 2022م، ما يزال اقل بالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي بحوالي 251 ألف شخص. ومع هذه الزيادة ارتفع معدل البطالة في ألمانيا بنحو 0.3 نقطة مئوية ليصل الى 5.2 في المئة والذي يمثل أيضا اقل بنسبة 0.5 في المئة بالمقارنة بنفس الفترة من العام 2021م.

     وبالنسبة الى عدد المسجلين الجدد في برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي فقد بلغ خلال الفترة من 1 الى 26 يونيو 35 ألف شخص فقط، بينما كان اجمالي المسجلين في البرنامج حتى شهر ابريل 2022م، ما يقرب من 401 ألف شخص. كما استمر الطلب على الموظفين الجدد عند مستوى مرتفع في يونيو، حيث تم تسجيل 877 ألف وظيفة شاغرة في وكالة العمل الاتحادية، ويمثل هذا العدد زيادة بحوالي 184 ألف وظيفة بالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي.

     وكما هو معروف فإن الوظائف الشاغرة في الاقتصاد الألماني لا تقتصر على الوظائف المسجلة لدي مكتب العمل، اذ تشير تقديرات خبراء سوق العمل في ألمانيا الى وجود 1.7 مليون وظيفة شاغرة في ألمانيا. وتواجه الشركات مشاكل متزايدة في شغلها، ويرى رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية (DIHK)، Peter Adrian، أن الوقت قد تأخر لأجراء تعديلات على السياسة المتعلقة بالهجرة، مشدداً على انه “علينا في ألمانيا أن نعوض الخسائر الناجمة عن العوامل الديموغرافية التي ستسبب في خروج من أربعة إلى خمسة ملايين عامل على مدى السنوات العشر المقبلة من سوق العمل”. مطالباً، بتفعيل وتحسين إجراءات هجرة العمال المهرة الى ألمانيا، وذلك من خلال تفعيل البعثات الدبلوماسية العاملة ومكاتب التأشيرات وسلطات الهجرة. وقال Adrian: “من غير المقبول أن يتعين عليك، كصاحب عمل، أولاً أن تلاحق الموظف في مكتب الهجرة المسؤول عن تصريح جلب العمال المهرة”، داعيا صناع القرار السياسي لخلق الظروف الإطارية المناسبة.

     من جهته قال رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) Marcel Fratzscher، “إن النقص في العمالة لا يقتصر فقط على المتخصصين المؤهلين تأهيلا عاليا، ولكنه يسري على جميع المهن تقريبا ومعظم المؤهلات”. “لذلك، ستحتاج ألمانيا إلى 500 ألف موظف وعامل إضافي كل عام على مدى السنوات العشر القادمة.”

     ومع قانون الهجرة الألماني الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في مارس 2020م، يفترض تسهيل هجرة الأشخاص المؤهلين مهنيًا. ومع ذلك، وضعت شروط تمثل عوائق امام تسهيل جلب هؤلاء العمال المختصين، حيث يتعين عليهم قبل أن يتمكنوا من القدوم والعمل في ألمانيا إثبات أن مؤهلاتهم قابلة للمقارنة مع المؤهلات المهنية المطلوبة في ألمانيا. وهو ما يستغرق وقتا طويلاً نتيجة وجود عدد كبير من السلطات المختصة في ألمانيا التي يصعب فهمها للأطراف المهتمة من الخارج، بالإضافة الى الكلفة المادية التي يتحملها الموظف او العامل المؤهل. ولذا يعتبر الاعتراف بالمؤهلات المهنية عقبة رئيسية عندما يتعلق الأمر بتشجيع هجرة العمالة الماهرة. ووفقًا لمكتب للإحصاء الاتحادي، عالجت الجهات المختصة في ألمانيا في عام 2020م، حوالي 59000 إجراء اعتراف، وتم الاعتراف بالكامل بـ 44800 مؤهلاً مهنيًا تم الحصول عليها في الخارج.

      وفي هذا الجانب تعمل الحكومة الاتحادية على تسهيل إجراءات هجرة العمال الى ألمانيا وذلك من خلال السماح للمهنيين المتمرسين بدخول ألمانيا دون عقد عمل للبحث عن وظيفة، وفقًا لشرطين: اولاً، لا يزال يتعين عليهم التقدم للحصول على الاعتراف بمؤهلاتهم ومقارنتها جزئيًا على الأقل بمؤهلات ألمانية في مكتب مسؤول في ألمانيا. ثانياً، عليهم إثبات قدرتهم على إعالة أنفسهم خلال فترة البحث عن عمل في ألمانيا.  

     وفي عام 2020م، وعلى الرغم من قانون الهجرة الجديد، دخل إلى ألمانيا أقل من 30 ألف شخص فقط وحصلوا على تصريح إقامة للعمل.  لذلك يعتقد رئيس معهد DIW ان الهجرة وحدها لن تحل مشكلة نقص العمالة في ألمانيا. بينما دعا Fratzscher الى التركيز أكثر على عمالة المرأة. حيث تعمل أكثر من نصف النساء في ألمانيا بدوام جزئي، ويرغب الجزء الأكبر منهن في العمل لوقت أطول إذا كانت الظروف المالية والعائلية والبيروقراطية أفضل. لذلك يطالب Fratzscher: ”  الحكومة الاتحادية أن تركز أخيرًا على إزالة العقبات التي تحول دون توظيف النساء”.

الحكومة الألمانية تقر مشروع ميزانية العام 2023م

     أقرت الحكومة الألمانية مشروع الميزانية الاتحادية لعام 2023م، والخطة المالية حتى عام 2026م. ويعد أبرز ما في مشروع الميزانية هو العودة الى تفعيل “كابح الديون” المنصوص علية في الدستور الألماني والذي يضع حداً أعلى لحجم الدين الذي تستطيع الحكومة الاتحادية اقتراضه. ويأتي ذلك بعد ان تم إيقاف العمل بهذا الكابح بموافقة البرلمان الاتحادي (البوندستاج) للثلاث السنوات الماضية بسبب جائحة كورونا.

     ويبلغ حجم ميزانية الحكومة الاتحادية للعام 2023م ما يقرب من 445.2 مليار يورو، سيتم تمويل الجزء الأكبر منها من خلال الإيرادات الضريبية التي يتوقع ان تبلغ 362.2 مليار يورو، الى جانب 40.5 مليار يورو من الاحتياطيات التي تم تكوينها قبل جائحة كورونا، بالإضافة الى الأموال المتأتية من الرسوم المخصصة للصناديق الخاصة، على سبيل المثال صندوق “البنية التحتية الرقمية”، والتي سيبلغ دخل الحكومة الاتحادية المقدر منها في العام 2023م، نحو 8.6 مليار يورو. كما يبلغ حجم الدين المخطط له في الميزانية 17.2 مليار يورو. بينما بالمقارنة بلغ حجم الدين الجديد لميزانية العام 2022م، 140 مليار يورو تقريبا، وفي العام 2021م بلغ نحو 215.4 مليار يورو.  اما بالنسبة للأعوام القادمة فتنص الخطة المالية على دين جديد في العام 2024م بمبلغ 12.3 مليار يورو والعام 2025م بنحو 12.8 مليار يورو اما بالنسبة للعام 2026م فقد حددت الخطة المالية ان يبلغ حجم الديون الجديدة 13.8 مليار يورو.

     وبالعودة الى خفض الديون الحكومية تسعى الحكومة الألمانية الى تجنب الدوافع التضخمية الناتجة عن التوسع في الانفاق وتحديد أولويات الانفاق بشكل صارم والحد من تكاليف سعر الفائدة، خاصة مع قرار البنك المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة ابتداءً من 21 يوليو 2022م، حيث تقدر مدفوعات الفوائد في مشروع ميزانية العام 2023م، بنحو 29.6 مليار يورو، وهو ما يمثل أكثر من سبعة أضعاف ما كان عليه في عام 2021م.

     علاوة على ذلك يتميز مشروع ميزانية 2023م، بتخصيص مبلغ قياسي للاستثمارات الجديدة يبلغ 58.4 مليار يورو والذي من خلاله تعمل الحكومة الاتحادية على تهيئة الظروف اللازمة لتحويل الاقتصاد الألماني إلى اقتصاد رقمي مستدام ومحايد مناخيًا، وتهدف الاستثمارات العامة بشكل خاص إلى تنشيط الاستثمارات الخاصة من قبل الشركات وتعزيز الابتكار التكنولوجي وقوى النمو. وفي هذا الجانب أيضاً، ووفق الخطة المالية حتى العام 2026م، ستستقر الاستثمارات الجديدة عند مستوى يبلغ 52 مليار يورو سنوياً.

     ومن أجل تعزيز التماسك الاجتماعي. تم تخصيص أكثر من 200 مليار يورو للإنفاق الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، ستزيد مدفوعات التقاعد من 112.4 مليار يورو في عام 2023م إلى 128.8 مليار يورو في عام 2026م. كما ستحصل الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة وكبار السن والنساء والشباب على 1.5 مليار يورو إضافية متاحة في السنوات 2023م إلى 2026م. بالإضافة الى ذلك من المقرر دعم التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة بملياري يورو لكلٍّ من عامي 2023م و 2024م. كما سيتم زيادة المساعدة المالية للولايات الفيدرالية للإسكان الاجتماعي بشكل كبير، حيث تم التخطيط لإجمالي 12.5 مليار يورو كمساعدات مالية للولايات في الفترة من 2023م إلى 2026م، من أجل المساهمة في تحقيق الهدف المتفق عليه المتمثل في بناء 400 ألف شقة سنوياً، سيتم تخصيص 100 ألف منها، بدعم حكومي، للأسر محدودة الدخل.

     الى جانب ذلك تضمن مشروع ميزانية 2023م، وضع العديد من الإجراءات الاحتياطية لمواجهة اية تغيرات قد تحصل، خصوصا في بيئة تتسم بعدم اليقين، من أجل ضمان قدرة الحكومة على التصرف.  ومن اجل ذلك تم تخصيص 5.4 مليار يورو لتأمين إمدادات الطاقة، بالإضافة الى 5 مليارات يورو أخرى بمثابة احتياطات لمواجهة الأزمة العالمية. كما خصص 2.2 مليار يورو لشراء لقاحات بسبب جائحة كورونا.

     وتضمن مشروع ميزانية 2023م كذلك ضمان تمويل برامج التعاون الإنمائي والمساعدات الإنسانية وحماية المناخ الدولي للحكومة الاتحادية، حيث تم تخصيص أكثر من 4 مليار يورو للمساهمة الألمانية في التمويل الدولي للمناخ والتنوع البيولوجي. وبميزانية تتجاوز 22 مليار يورو مخصصة للمساعدات والمنح والتعاون الإنمائي، تظل ألمانيا ثاني أكبر دولة مانحة في العالم بعد الولايات المتحدة من حيث الإنفاق العام على التعاون الإنمائي.

ازمة نقص العمالة الماهرة في المطارات الألمانية والأوروبية  

     تشهد العديد من المطارات في ألمانيا وفي دول أوروبية أخرى صعوبات كبيرة في انجاز إجراءات السفر المختلفة، حيث تسبب نقص الموظفين في المطارات من مقدمي الخدمات الأرضية وشركات الأمن وشركات الطيران في بعض الفوضى في المطارات الألمانية والاوروبية. والنتيجة هي أوقات انتظار أطول لإنجاز معاملات السفر، وتراكم الأمتعة والحقائب وفقدان بعضها، وتأخير وحتى إلغاء العديد من الرحلات المخططة. يأتي هذا في ذروة موسم السفر والعطلات، وفي وقت تحاول فيه شركات الطيران الوصول الى مستوى تشغيل ما قبل ازمة كورونا. فعلى سبيل المثال اضطرت شركة Lufthansa الى الغاء ما يقرب من 6000 رحلة طيران خلال شهري يوليو واغسطس 2022م، بسبب نقص الموظفين في المطارات.

     ووفقًا لدراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني (IW) فان هناك نقص بحوالي 7200 عامل ماهر حاليًا في المطارات الألمانية. في الوقت نفسه، “لم تعد هناك أي احتياطيات في سوق العمل” لسد هذه الفجوة في العاملين الجويين والأرضيين. وبحسب معهد (IW) ايضاً فقد كان لازمة كورونا الأثر الأكبر في تراجع عدد العاملين في قطاع الطيران الذي عانى كثيرا السنتين الأولى من الجائحة. فمنذ الربع الأول من العام 2020م، تم تقييد الحركة الجوية بشكل متزايد بسبب الجائحة، وفي بعض الأحيان توقفت حركة الركاب بشكل شبه كامل.

     وبشكل عام أدت الازمة الى تقلص عدد العاملين في القطاع بين عامي 2019م و2021م، بنحو أربعة في المئة. وقد تأثر بشكل خاص مجال المتخصصين في الحركة الجوية، بما في ذلك المضيفات، اذ انخفض عدد الموظفين في هذا المجال بنسبة 15 في المئة من فترة ما قبل الأزمة 2019م إلى 2021م، كما انخفض عدد ما يسمى بالعمال المهرة في عمليات الحركة الجوية الفنية، والتي تشمل مناولي الطائرات، بنسبة 12.9 في المئة خلال نفس الفترة. كل ذلك تم بالرغم من برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي الذي يتيح للشركات الاحتفاظ بموظفيها على ان تدفع الدولة لهم تعويضات بنسب تقترب من 80 في المئة من رواتبهم. لكن بعض الصعوبات التي كانت تواجه عددا من الشركات المشغلة للمطارات وعددا أخر من شركات الطيران قبل جائحة كورونا، قد دفعت بها الى التخلي عن جزء من عمالتها الماهرة لتقليل النفقات، والتي ما تزال حتى اليوم تواجه إشكاليات مع نقابات العاملين في شركات الطيران والتي تطالب برفع مرتبات الموظفين بحد أدني بنسبة 9.5 في المئة، مستخدمة الاضراب كأسلوب لدفع الشركات للاستجابة لهذه المطالب، وهو ما شهدته شركة Lufthansa أكبر شركة طيران في ألمانيا، حيث عطل اضراب موظفيها أعمالها بالكامل في 27 يوليو 2022م.

     وتتركز الازمة في ان قطاع الطيران والشركات المشغلة للمطارات لا تستطيع استعادة هؤلاء العمال المهرة. حيث ان اغلبهم قد وجد وظائف في قطاعات أخرى، أبرزها قطاع الخدمات وقطاع المطاعم والفندقة، كما وجد المتخصصون في خدمة العملاء واللوجستيات فرص جيدة في الحصول على وظائف جديدة في حركة القطارات أو في التجارة عبر الإنترنت. ومن المرجح أن يتفاقم النقص في العمالة الماهرة في قطاع الطيران، لأنه وفقًا لدراسة معهد (IW)، لم يعد مستوى حركة الطيران بعد الى المستوى الذي كان عليه قبل جائحة كورونا.

     ولمعالجة هذا النقص في موظفي المطارات وافقت وكالة العمل الاتحادية على جلب 2000 موظف من تركيا للعمل بشكل مؤقت في المطارات الألمانية في تحميل الامتعة لحل جزء من الإشكالية، الا ان هذا القرار يثير الكثير من الجدل بسبب، أولاً، من الضروري إجراء ما يسمى بفحص التحقق من الموثوقية قبل السماح لاي موظف العمل في المطارات. وحتى الان فان الفحوصات الخاصة بالموظفين الذين سيتم جلبهم من تركيا ليست متاحة بعد. ثانياً موعد بدء هؤلاء الموظفين في العمل في المطارات الألمانية، حيث تتوقع بعض الشركات ان يبدأ هؤلاء عملهم في بداية أغسطس بينما تؤكد بعض الشركات ان ذلك غير ممكن ان يتم الا مع بداية شهر سبتمبر، وهو ما يعني استمرار الازمة في اغلب فترة ارتفاع الطلب على السفر والرحلات الجوية. ولهذا شدد المدير العام لاتحاد المطارات الألمانية (ADV)، Ralph Beisel، على انه لا يتوقع أن يتراجع النقص في الموظفين والمشاكل الناتجة عنه في المطارات الألمانية في الوقت الحالي، وانه لا يُتوقع حدوث تحسن حتى أكتوبر.

     ويزيد من تعقيد حل مشكلة نقص العمالة الماهرة في المطارات، ان عملية تأهيل وتدريب الموظفين الجدد المتخصصين في مختلف مجالات العمل في المطارات صعبة ومكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، فعلى سبيل المثال، إذا كنت ترغب في العمل كمساعد سلامة طيران، فعليك إكمال 264 ساعة إجبارية على الأقل من التدريب واجتياز اختبار يفشل معظم المتدربين في اجتيازه في المحاولة الأولى.

     وامام الاضطرابات والفوضى التي تشهدها المطارات الألمانية، دعا عدد من السياسيين المنتمين الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، المشارك في الائتلاف الحاكم، الى استعادة الدولة لمهام الامن والتفتيش في المطارات وذلك بعد سنوات طويلة من ايكال هذه المهمة للقطاع الخاص، وان كان تحت اشراف الشرطة الاتحادية، معتبرين ان هذه التجربة قد فشلت وانه كان من اللازم ان تتولى الولايات والحكومة الاتحادية هذه المسؤولية منذ وقت طويل لولا معارضة أحزاب الاتحاد المسيحي.

 نحو 15 مليار يورو أرباح البنوك الألمانية المتوقعة بعد رفع أسعار الفائدة في منطقة اليورو

     قام البنك المركزي الأوروبي (ECB)، في 21 يوليو 2022م، برفع سعر الفائدة في منطقة اليورو بواقع 0.50 نقطة مئوية، وذلك للمرة الأولى منذ أحد عشر عامًا. ويأتي رفع سعر الفائدة في إطار مكافحة معدلات التضخم غير المسبوقة التي يعاني منها اقتصاد منطقة اليورو. كما يتوقع الخبراء الاقتصاديون مزيدا من رفع سعر الفائدة في شهر سبتمبر القادم بناءً على وعود، Christine Lagarde رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وكذلك اعتماداً على معدلات التضخم العالية التي تتطلب مستويات فائدة أعلى.

     وبعد رفع سعر الفائدة، ووفقًا لدراسة أجرتاها شركة PwC للاستشارات، فإن إيرادات البنوك الألمانية وارباحها من الأعمال المالية سيتضاعف خلال العام الحالي بثلاثة أضعاف ليصل إلى 3.3 مليار يورو. وستصل في العام القادم 2023م، الى 14.8 مليار يورو، وفي العام 2024م، الى 12.6 مليار يورو. والى جانب هذا المستوى من الأرباح، يظهر مديرو البنوك الألمانية ارتياحهم من التخلص من أسعار الفائدة السلبية وأيضًا إزالة رسوم الحفظ لعملائهم.

     الا انه ومع التفاؤل الذي تظهره البنوك الألمانية من زيادة الاعمال وارتفاع الإيرادات بعد التحول في أسعار الفائدة، تسود أيضا المخاوف من حدوث ركود اقتصادي، نتيجة الخشية من عدم توفر امدادات كافية من الغاز الطبيعي او من اثار الحرب في أوكرانيا، حيث انه في حال ما حدث ركود اقتصادي فان حالات التخلف عن سداد القروض سوف ترتفع بشكل حاد. إذ يحذر Martin Faust، أستاذ الإدارة المصرفية في مدرسة فرانكفورت للتمويل والإدارة، من أن الركود سيحبط الآثار الإيجابية لتحول أسعار الفائدة. حيث “ستزيد مخصصات خسائر القروض بشكل كبير، وستكون هناك أيضًا تعديلات على قيمة استثمارات البنوك الخاصة”.  في سيناريو الركود الاقتصادي، يرى Faust “أن المخاطر تواجه مؤسسات الائتمان التي تمول مطوري العقارات بشكل كبير. بالإضافة الى ان القطاع يعاني من ارتفاع تكاليف البناء بسبب التضخم “، ويشير Faust ايضاً الى ان العديد من بنوك الادخار والبنوك التعاونية قامت بتوسيع أعمالها في مجال التمويل العقاري بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.  

     من وجهة نظر Magdalena Stoklosa، الخبيرة المالية في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأمريكية Morgan Stanley، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الآثار الإيجابية لتحول أسعار الفائدة ستفوق الآثار السلبية للتخلف عن سداد القروض بالنسبة للبنوك. من حيث المبدأ، فإن ارتفاع أسعار الفائدة قد عمل على ” تغيير قواعد اللعبة” بالنسبة للمؤسسات المالية الأوروبية.  حيث تؤكد Stoklosa “منذ إدخال أسعار الفائدة السلبية، انخفضت ربحية القطاع المصرفي الأوروبي بشكل كبير”. حيث  “لم يكن أي بنك يمتلك نموذج أعمال مناسب لمثل هذا السيناريو”.

    وفي سياق متصل، أظهرت دراسة لوكالة التصنيف الائتماني موديز، أن البنوك الكبيرة في ألمانيا ستستفيد أكثر من ارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بالمؤسسات المالية الصغيرة التي تركز على العملاء من القطاع الخاص. وقال Bernhard Held الخبير المصرفي في الوكالة “نتوقع أن تستفيد البنوك الأكبر في ألمانيا لأن آثار إعادة تسعير معدلات الإقراض ستعوض الزيادة في تكاليف التمويل والمخاطر”. من ناحية أخرى، تمتلك البنوك الأصغر نسبة كبيرة نسبيًا من القروض العقارية بأسعار فائدة ثابتة وطويلة الأمد في ميزانياتها العمومية، ووفقًا لدراسة موديز، سيمر وقت طويل قبل أن تجري هذه البنوك تعديلات على الأسعار. هذا بالإضافة الى ان البنوك الصغيرة غالبًا ما تستثمر ودائعها الزائدة في السندات طويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة نسبيًا والتي فقدت جزء من قيمتها الآن بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في السوق.

     في غضون ذلك دعا عضو مجلس إدارة البنك المركزي الألماني Joachim Wuermeling، المؤسسات المالية إلى توخي الحذر. مؤكداً على أن “التحول في أسعار الفائدة إيجابي للقطاع المصرفي الألماني على المدى المتوسط ​​، لكنه سيؤدي في البداية إلى أعباء على العديد من البنوك”. حيث سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة في السوق، الى ان تصبح إعادة تمويل البنوك أكثر تكلفة، بينما تستمر القروض منخفضة الفائدة في الوقت الحالي. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت قيمة العديد من الأسهم والسندات في الميزانيات العمومية للبنوك. ومع ذلك، يجب أن يتحسن وضع الأرباح على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، نتيجة لتحول أسعار الفائدة. وقال Wuermeling: “وفقًا لتحليلاتنا، يمكن أن يتوقع 90 في المئة من البنوك آثارًا إيجابية في العام الثاني بعد رفع أسعار الفائدة”.

     علاوة على ذلك، سيؤدي رفع أسعار الفائدة وارتفاع ربحية البنوك الألمانية الى تقليص الفجوة بينها وبين البنوك الأوروبية الأخرى في هامش الربحية، حيث ان القطاع المصرفي الألماني، وبحسب Lutz Diederichs رئيس فرع ألمانيا لبنك (BNP)، أكبر بنك فرنسي، يتأثر بشدة بأعمال الودائع، وبالتالي فهو يعتمد أيضًا بشكل كبير على تطورات أسعار الفائدة. ويضيف Diederichs  “في السياق الأوروبي، لم تكن السوق المصرفية الألمانية هي الأقوى في السنوات الأخيرة”. ولكن بفضل التحول في أسعار الفائدة، فإنه سيكون بإمكانها الآن “اللحاق بالركب “.