تشهد العديد من المطارات في ألمانيا وفي دول أوروبية أخرى صعوبات كبيرة في انجاز إجراءات السفر المختلفة، حيث تسبب نقص الموظفين في المطارات من مقدمي الخدمات الأرضية وشركات الأمن وشركات الطيران في بعض الفوضى في المطارات الألمانية والاوروبية. والنتيجة هي أوقات انتظار أطول لإنجاز معاملات السفر، وتراكم الأمتعة والحقائب وفقدان بعضها، وتأخير وحتى إلغاء العديد من الرحلات المخططة. يأتي هذا في ذروة موسم السفر والعطلات، وفي وقت تحاول فيه شركات الطيران الوصول الى مستوى تشغيل ما قبل ازمة كورونا. فعلى سبيل المثال اضطرت شركة Lufthansa الى الغاء ما يقرب من 6000 رحلة طيران خلال شهري يوليو واغسطس 2022م، بسبب نقص الموظفين في المطارات.

 ووفقًا لدراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني (IW) فان هناك نقص بحوالي 7200 عامل ماهر حاليًا في المطارات الألمانية. في الوقت نفسه، “لم تعد هناك أي احتياطيات في سوق العمل” لسد هذه الفجوة في العاملين الجويين والأرضيين. وبحسب معهد (IW) ايضاً فقد كان لازمة كورونا الأثر الأكبر في تراجع عدد العاملين في قطاع الطيران الذي عانى كثيرا السنتين الأولى من الجائحة. فمنذ الربع الأول من العام 2020م، تم تقييد الحركة الجوية بشكل متزايد بسبب الجائحة، وفي بعض الأحيان توقفت حركة الركاب بشكل شبه كامل.

وبشكل عام أدت الازمة الى تقلص عدد العاملين في القطاع بين عامي 2019م و2021م، بنحو أربعة في المئة. وقد تأثر بشكل خاص مجال المتخصصين في الحركة الجوية، بما في ذلك المضيفات، اذ انخفض عدد الموظفين في هذا المجال بنسبة 15 في المئة من فترة ما قبل الأزمة 2019م إلى 2021م، كما انخفض عدد ما يسمى بالعمال المهرة في عمليات الحركة الجوية الفنية، والتي تشمل مناولي الطائرات، بنسبة 12.9 في المئة خلال نفس الفترة. كل ذلك تم بالرغم من برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي الذي يتيح للشركات الاحتفاظ بموظفيها على ان تدفع الدولة لهم تعويضات بنسب تقترب من 80 في المئة من رواتبهم. لكن بعض الصعوبات التي كانت تواجه عددا من الشركات المشغلة للمطارات وعددا أخر من شركات الطيران قبل جائحة كورونا، قد دفعت بها الى التخلي عن جزء من عمالتها الماهرة لتقليل النفقات، والتي ما تزال حتى اليوم تواجه إشكاليات مع نقابات العاملين في شركات الطيران والتي تطالب برفع مرتبات الموظفين بحد أدني بنسبة 9.5 في المئة، مستخدمة الاضراب كأسلوب لدفع الشركات للاستجابة لهذه المطالب، وهو ما شهدته شركة Lufthansa أكبر شركة طيران في ألمانيا، حيث عطل اضراب موظفيها أعمالها بالكامل في 27 يوليو 2022م.

 وتتركز الازمة في ان قطاع الطيران والشركات المشغلة للمطارات لا تستطيع استعادة هؤلاء العمال المهرة. حيث ان اغلبهم قد وجد وظائف في قطاعات أخرى، أبرزها قطاع الخدمات وقطاع المطاعم والفندقة، كما وجد المتخصصون في خدمة العملاء واللوجستيات فرص جيدة في الحصول على وظائف جديدة في حركة القطارات أو في التجارة عبر الإنترنت. ومن المرجح أن يتفاقم النقص في العمالة الماهرة في قطاع الطيران، لأنه وفقًا لدراسة معهد (IW)، لم يعد مستوى حركة الطيران بعد الى المستوى الذي كان عليه قبل جائحة كورونا.

ولمعالجة هذا النقص في موظفي المطارات وافقت وكالة العمل الاتحادية على جلب 2000 موظف من تركيا للعمل بشكل مؤقت في المطارات الألمانية في تحميل الامتعة لحل جزء من الإشكالية، الا ان هذا القرار يثير الكثير من الجدل بسبب، أولاً، من الضروري إجراء ما يسمى بفحص التحقق من الموثوقية قبل السماح لاي موظف العمل في المطارات. وحتى الان فان الفحوصات الخاصة بالموظفين الذين سيتم جلبهم من تركيا ليست متاحة بعد. ثانياً موعد بدء هؤلاء الموظفين في العمل في المطارات الألمانية، حيث تتوقع بعض الشركات ان يبدأ هؤلاء عملهم في بداية أغسطس بينما تؤكد بعض الشركات ان ذلك غير ممكن ان يتم الا مع بداية شهر سبتمبر، وهو ما يعني استمرار الازمة في اغلب فترة ارتفاع الطلب على السفر والرحلات الجوية. ولهذا شدد المدير العام لاتحاد المطارات الألمانية (ADV)، Ralph Beisel، على انه لا يتوقع أن يتراجع النقص في الموظفين والمشاكل الناتجة عنه في المطارات الألمانية في الوقت الحالي، وانه لا يُتوقع حدوث تحسن حتى أكتوبر.

 ويزيد من تعقيد حل مشكلة نقص العمالة الماهرة في المطارات، ان عملية تأهيل وتدريب الموظفين الجدد المتخصصين في مختلف مجالات العمل في المطارات صعبة ومكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، فعلى سبيل المثال، إذا كنت ترغب في العمل كمساعد سلامة طيران، فعليك إكمال 264 ساعة إجبارية على الأقل من التدريب واجتياز اختبار يفشل معظم المتدربين في اجتيازه في المحاولة الأولى.

وامام الاضطرابات والفوضى التي تشهدها المطارات الألمانية، دعا عدد من السياسيين المنتمين الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، المشارك في الائتلاف الحاكم، الى استعادة الدولة لمهام الامن والتفتيش في المطارات وذلك بعد سنوات طويلة من ايكال هذه المهمة للقطاع الخاص، وان كان تحت اشراف الشرطة الاتحادية، معتبرين ان هذه التجربة قد فشلت وانه كان من اللازم ان تتولى الولايات والحكومة الاتحادية هذه المسؤولية منذ وقت طويل لولا معارضة أحزاب الاتحاد المسيحي.