تحسن مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني بشكل غير متوقع في شهر نوفمبر 2022م. حيث ارتفع مؤشر IFO لمناخ الأعمال لمختلف القطاعات الاقتصادية إلى 86.3 نقطة بعد ان قد سجل مستوى 84.5 نقطة في أكتوبر. ويرجع هذا التحسن، بالرغم من ان الشركات كانت أقل رضا إلى حد ما عن أعمالها الحالية، الى انخفاض التشاؤم بخصوص مستوى الاعمال للأشهر القادمة بشكل كبير، والذي يعود بدرجة أساسية الى ان الركود المتوقع للعام المقبل 2023م، كان أقل حدة مما قدرة الكثيرون.

     في قطاع الصناعة، ارتفع مؤشر الاعمال بشكل ملحوظ حيث وصل الى مستوى (-11.7 نقطة) في شهر نوفمبر بالمقارنة مع مستوى (- 15.4 نقطة) المسجل في شهر أكتوبر الماضي. وبالرغم من ان شركات القطاع صنفت مستوى اعمالها الحالي بدرجة أسوأ بسبب انخفاض عدد الطلبيات الجديدة وكذلك بسبب استمرار حالة عدم اليقين بشأن الاعمال المستقبلية خصوصا في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، الا ان الشركات في مجمل القطاع كانت أقل تشاؤما بشأن مستوى اعمالها في الأشهر القادمة.

     في قطاع الخدمات، تحسن مناخ الأعمال أيضا بدرجة ملحوظة حيث سجل مؤشر الاعمال في شهر نوفمبر مستوى (- 5.4 نقطة) مرتفعا من مستوى (- 8.5 نقطة) المسجل في الشهر السابق. وكان مقدمو الخدمات أقل تشاؤماً بشأن مستوى أعمالهم المتوقع في الأشهر المقبلة، لكنهم كانوا أقل رضا عن مستوى أعمالهم الحالية.

     في قطاع التجارة، ارتفع مؤشر الاعمال ليسجل مستوى (- 26.9 نقطة) بعد ان كان قد سجل مستوى (- 31.9 نقطة) في شهر أكتوبر. وقد قيمت الشركات وضع اعمالها الحالي بشكل أفضل إلى حد ما. كما كانت توقعاتهم لمستوى الاعمال في المستقبل أعلى بكثير. ومع ذلك، ما تزال كل شركة ثانية تقريباً متشائمة بشأن الاعمال في الأشهر الستة المقبلة. في قطاع البناء، تحسن كذلك مناخ الأعمال مسجلا مستوى (- 21.6 نقطة) بارتفاع عن مستوى المؤشر في أكتوبر والذي كان قد سجل (-24 نقطة). وبينما قيمت شركات القطاع مستوى أعمالها الحالي بشكل أفضل، وكذلك توقعاتها لانتعاش الاعمال في الأشهر القادمة الى حد ما، لكن اغلب الشركات ظلت متشائمة، خصوصا مع انخفاض عدد الطلبيات الجديدة وارتفاع سعر الفائدة البنكية.

     من جانب أخر، سجل الاقتصاد الألماني، وبشكل غير متوقع، نمواً في الربع الثالث من العام 2022م، بدلا من الانكماش الذي كان متوقعاً، حيث وبحسب مكتب الإحصاء الاتحادي ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة خلال الربع الممتد من يوليو إلى سبتمبر مقارنة بالربع السابق، على الرغم من التوقعات السابقة للخبراء ان يسجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعا بنسبة 0.2 في المئة. وأوضح تقرير مكتب الاحصاء أنه وبعد النمو الطفيف بنسبة 0.1 في المئة في الربع الثاني، احتفظ الاقتصاد الألماني باستمرارية النمو في الربع الثالث على الرغم من الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة مع استمرار جائحة كورونا وتعطل سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار والحرب في أوكرانيا. ويعود هذا النمو الاقتصادي بحسب الخبراء، بشكل أساسي الى ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي الخاص.

     وبالرغم من هذا النمو، فان الخبراء يعتبرون ان الانكماش الاقتصادي تأخر بشكل مؤقت، حيث من المرجح أن ينتهي النمو في الربع الحالي بسبب أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا. ووفقًا لتوقعات معهد ميونيخ Ifo، سينكمش الاقتصاد بنسبة 0.6 في المئة في الربع الأخير من العام الحالي. وبحسب تقرير صادر عن البنك المركزي الألماني “فإن استمرار ارتفاع مستوى التضخم وعدم اليقين بشأن إمدادات الطاقة وتكاليفها لها تأثير كبير على الاقتصاد الألماني”، ويرى التقرير ان ألمانيا على “عتبة الركود”. و “بشكل عام، يمكن أن ينخفض ​​الناتج الاقتصادي بشكل كبير في أشهر الشتاء.”

     ويواجه الاقتصاد الألماني في الوقت الحاضر صعوبات عدة، فمن ناحية فان التضخم المرتفع والذي تجاوز معدل 10 في المئة في الآونة الأخيرة يقوض القوة الشرائية للمستهلكين، الذين يترددون بالتالي في الإنفاق، في قطاع الصناعة، لا يزال حوالي ثلثي الشركات في القطاع تشكو من نقص المواد الخام الهامة والمنتجات الأولية، وهذا هو السبب في أنها لا تستطيع الإنتاج بقدرتها كاملة. كما انه من المرجح أن يشعر المصدرون بآثار ضعف الاقتصاد العالمي والذي سيؤدي الى انخفاض الصادرات. في قطاع البناء والتشييد، يتسبب ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع تكاليف المواد في إلغاء العديد من المشاريع. واعتمادا على كل ذلك لا تزال الحكومة الاتحادية تتوقع نمو الاقتصاد الألماني بنسبة 1.4 في المئة في العام الحالي 2022م. بينما تتوقع في العام 2023م، أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 في المئة.

     في سياق متصل، يذهب حكماء الاقتصاد الألماني في تقرير الخريف الصادر في شهر نوفمبر الحالي عن تطورات الاقتصاد الألماني، الى الاقتصاد سيدخل مرحلة الركود العام 2023م، ويتوقعون تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة طفيفة عند 0.2 في المئة. كما كان الخبراء أكثر تفاؤلاً إلى حد ما من الحكومة في تقييمهم للوضع الاقتصادي الحالي، حيث يتوقعون نموًا بنسبة 1.7 في المئة في العام الحالي، وهو ما يزيد بنسبة 0.3 نقطة مئوية عن توقعات الحكومة.  بالإضافة إلى ذلك، يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن ينخفض ​​التضخم قليلاً في العام المقبل، وان يصل الى معدل 7.4 في المئة لإجمالي العام 2023م، وهذا يعني أن التضخم سينخفض ​​بشكل طفيف مقارنة بالعام 2022م، حيث يًتوقع ان يبلغ معدل التضخم السنوي 8 في المئة.

     في جانب مالية الدولة، وعلى الرغم من ان معدلات التضخم وارتفاع الأسعار ترهق المواطنين الا ان هذه المعدلات تضخ المزيد من العائدات الى خزينة الدولة. حيث يتوقع الخبراء في وزارة المالية الاتحادية ان تحقق الإيرادات الضريبية دخلاً إضافيا قدرة 126.4 مليار يورو للأعوام من 2023م وحتى 2026م. فبينما ستتراجع العائدات الضريبية للعام الحالي بنحو 1.7 مليار يورو عن التقديرات المتوقعة لتصل الى 887.7 مليار يورو، سوف ترتفع هذه العائدات في العام 2023م، بحوالي 8.9 مليار يورو عن التقديرات الأولية ويصل مجموعها الى 937.3 مليار يورو. اما في العام 2024م، فيتوقع ان ترتفع العائدات الضريبة بمقدار 28.3 مليار يورو عن التقديرات الأولية لتصل الى 993 مليار يورو. وسترتفع العائدات الضريبية بمقدار 44.1 مليار يورو عن الضرائب المقدرة في العام 2025م، لتتجاوز حاجز الترليون يورو وتصل الى 1041.9 مليار يورو. اما العام 2026م، فسيشهد ارتفاعا للإيرادات الضريبية بواقع 46.8 مليار يورو عن مستوى الضرائب المتوقعة لتبلغ في الاجمال 1078.5 مليار يورو.

     ويرجع الخبراء أسباب ارتفاع الإيرادات الضريبية الى ارتفاع معدل التضخم، فطالما أن المستهلكين لا يحدون من استهلاكهم، فإن التضخم يرفع الإيرادات الضريبية لأنه عندما تصبح البضائع أكثر تكلفة، يزداد أيضًا الدخل من الضرائب التي يتعين دفعها عليها. خصوصا ضريبة القيمة المضافة التي تضخ المزيد من الأموال في خزائن الدولة. كما أن لزيادة عدد الموظفين تأثير إيجابي على الإيرادات الضريبية، إذا ان ارتفاع عدد الموظفين يؤدي الى تدفق المزيد من عائدات ضريبة الدخل والأجور. من جانبه أكد وزير المالية الاتحادية كريستيان ليندر ان “التقديرات الحالية للعائدات الضريبية تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين”. حيث ان المخاطر التي يواجها الاقتصاد كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بالاختناقات المحتملة في إمدادات الطاقة في الأشهر المقبلة.

سوق العمل: تراجع البطالة ورقم قياسي في عدد العاملين في ألمانيا

     انخفض عدد العاطلين في ألمانيا خلال شهر أكتوبر الماضي بنحو 43 ألف شخص مقارنة بالشهر الذي سبق ليصل اجمالي عددهم الى 2,442 مليون شخص. ومع هذا التراجع الا ان عدد العاطلين عن العمل في أكتوبر العام 2022م، ما يزال اعلى من عدد العاطلين في أكتوبر من العام الماضي بحوالي 65 ألف شخص. ومع تراجع البطالة في أكتوبر تراجع أيضا معدل البطالة بنسبة 0.1 نقطة مئوية إلى 5.3 في المئة، وهو ما يعني ايضاً ان معدل البطالة في أكتوبر 2022م، أعلى من معدل البطالة في أكتوبر 2021م، بواقع 0.1 في المئة.

     وعلقت Andrea Nahles، رئيس وكالة العمل الاتحادية (BA) على تطورات سوق العمل في أكتوبر بالقول “بشكل عام، لا يزال سوق العمل قويًا، مع استمرار نمو التوظيف بشكل خاص. ومع ذلك، فإن عواقب عدم اليقين الاقتصادي واضحة، حيث تستعد المزيد من الشركات لتسجيل العديد من موظفيها في برنامج العمل بدوام مختصر وتقليل طلبها على الموظفين الجدد”.

     وفي سياق متصل بلغ عدد الموظفين المسجلين في برنامج الدوام المختصر خلال الفترة من 1 حتى 26 أكتوبر حوالي 82 ألف مسجل جديد. وبحسب أخر البيانات المتوفرة من وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ اجمالي الموظفين الذين استلموا تعويضات العمل بدوام مختصر في شهر أغسطس الماضي حوالي 106 ألف موظف. وهو ما يعني توقف الانخفاض في عدد المسجلين في البرنامج والعودة الى الاتجاه التصاعدي في عددهم.

     وعلى الرغم من أن الطلب على الموظفين الجدد لا يزال عند مستوى مرتفع نسبيًا، إلا أنه انخفض بشكل ملحوظ في أكتوبر، حيث تم تسجيل 846 ألف وظيفة شاغرة في وكالة العمل الاتحادية وهو ما يمثل زيادة بنحو 38 ألف وظيفة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، الا ان هذا العدد من الوظائف يمثل في نفس الوقت اقل من الوظائف الشاغرة المسجلة في شهر سبتمبر بمقدار 17 ألف وظيفة.

     وفي سياق متصل اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) ان عدد العاملين في ألمانيا حقق خلال الربع الثالث من العام 2022م رقما قياسياً، حيث وصل مجموع العاملين الى 45.6 مليون شخص وهو أعلى مستوى على الاطلاق بالمقارنة مع أخر أعلى عدد للعاملين في ألمانيا والمسجل في الربع الرابع من العام 2019م بحوالي 82 ألف شخص او ما يساوي زيادة بنسبة 0.2 في المئة. اما بالمقارنة مع عدد العاملين في الربع الثالث من العام 2021م، فقد ارتفع عدد العاملين في الربع الثالث من العام 2022م، بمقدار 490 ألف شخص او ما نسبته 1.1 في المئة.

     وقد سجل قطاع الخدمات مرة أخرى أكبر مساهمة في زيادة عدد الموظفين، حيث زاد عدد الموظفين في القطاع في الربع الثالث 2022م، بحوالي 450 ألف موظف بالمقارنة بنفس الربع من العام الماضي. وسجل قطاعي التعليم والصحة أكبر زيادة مطلقة في التوظيف بنحو 163 ألف موظف وبنسبة زيادة بلغت 1.4 في المئة، اما في القطاعات الخدمية التي تشمل التجارة والنقل وصناعة الضيافة فبلغت الزيادة 129 ألف موظف وبنسبة 1.3 في المئة. اما مقدمي خدمات الشركات والتي تتضمن التوسط في التوظيف وتوفير العمالة فقد زاد عدد موظفين في هذا المجال بحوالي 77 ألف موظف وبنسبة زيادة 1.3 في المئة. في مجال المعلومات والاتصالات، كان النمو في التوظيف أكثر ديناميكية بزيادة بلغت 69 ألف موظف جديد مع نسبة زيادة وصلت الى 4.8 في المئة. كما ارتفع عدد الموظفين في الخدمات الأخرى (بما في ذلك الجمعيات) بمقدار 16 ألف موظف (+ 0.5 في المئة).  ولم يخالف هذا الاتجاه التصاعدي في التوظيف في قطاع الخدمات الا قطاع مقدمي الخدمات المالية والتأمينية، حيث استمر الاتجاه التنازلي الذي كان واضحًا منذ سنوات في عدد الموظفين في هذا القطاع، وسجل تراجعاً في الربع الثالث 2022م، بنحو 11 ألف موظف بالمقارنة مع الربع الثالث من العام 2021م، وبنسبة تراجع بلغت – 1 في المئة.

     في قطاع الصناعة (باستثناء البناء)، زاد عدد الأشخاص العاملين بشكل طفيف في الربع الثالث من عام 2022م، مقارنة بالعام السابق حيث ارتفع عدد العاملين في هذا القطاع بنحو 40 ألف شخص وبزيادة بلغت 0.5 في المئة. كما استمر تحقيق مكاسب التوظيف في قطاع البناء حيث ارتفع عدد العاملين في القطاع بواقع 10 ألف عامل جديد وبنسبة زيادة 0.4 في المئة.  في المقابل، انخفض عدد العاملين في الزراعة والغابات ومصايد الأسماك بمقدار 10 ألف شخص وبنسبة تراجع بلغت (-1.7 في المئة)، وهو التراجع المستمر في هذه القطاعات منذ عدة سنوات.

      وفي توزيع عدد الموظفين بالمقارنة مع عدد الأشخاص العاملين لحسابهم، فقد ارتفع عدد الموظفين في الربع الثالث من عام 2022م، بمقدار 546 ألف موظف وبنسبة زيادة 1.3 في المئة، ليصل إلى 41.7 مليون شخص مقارنة بالربع الثالث من عام 2021م. في المقابل، انخفض عدد العاملين لحسابهم الخاص بمن فيهم العاملون في إطار الأسرة بمقدار 56 ألف شخص وبنسبة (-1.4 في المئة) إلى 3.9 مليون شخص.

الانتهاء من بناء أول محطة عائمة للغاز المسال في ألمانيا

     تم الإعلان رسمياً عن الانتهاء من بناء اول محطة عائمة مخصصة لاستقبال الغاز المسال في ألمانيا وذلك في ميناء فيلهلمس هافن Wilhelmshaven، على ان تبدأ المحطة في العمل وتناول الغاز المسال في منتصف شهر ديسمبر القادم. كما أعلن وزير الاقتصاد في ولاية ساكسونيا السفلى Olaf Lies عن افتتاح محطة عائمة إضافية لاستلام الغاز المسال في الميناء في نهاية العام 2023م، وسيكون بمقدور المحطتين التعامل مع 10 مليارات متر مكعب من الغاز المسال سنوياً. كما تتضمن خطط الحكومة الألمانية بناء المزيد من المحطات العائمة لاستقبال الغاز المسال (LNG) في مدن Stade وBrunsbüttel وLubmin. ففي مدينة Brunsbüttel من المقرر ان تبدأ محطة عائمة لاستقبال الغاز المسال في العمل بنهاية شهر ديسمبر 2022م، بقدرة استلام 3.5 مليار متر مكعب سنوياً. وفي مدينة Lubmin، حيث يصل أيضًا خط أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم 1 و 2  ، تخطط شركة Deutsche Regas لإنشاء محطة عائمة لاستقبال الغاز المسال على ان تبدأ العمل في الأول من شهر ديسمبر القادم، وان كان هذا الموعد غير أكيد، على ان تقوم أيضا ببناء محطة ثانية في المدينة في النصف الثاني من العام 2023م. اما في مدينة Stade فمن المقرر افتتاح وتشغيل محطة عائمة LNG في نهاية عام 2023م، بقدرة 5 مليار متر مكعب سنوياً، على ان يتم بناء محطة ثابتة لاستقبال الغاز المسال في المدينة بحلول عام 2026م، والتي ستكون قادرة على التعامل مع 13 مليار متر مكعب من الغاز المسال سنويا وهو ما يساوي 15 في المئة من استهلاك ألمانيا من الغاز خلال عام.

     وحتى الآن، تتلقى ألمانيا ودول أوروبية أخرى الغاز الطبيعي المسال عبر هولندا وبلجيكا وفرنسا، وتأتي اغلب كميات الغاز المسال بشكل أساسي من الولايات المتحدة الأمريكية، كما تعد قطر هي أيضا واحدة من أكبر المصدرين للغاز المسال للدول الاوروبية، كما تمثل كل من أستراليا وماليزيا ونيجيريا من الدول المهمة المصدرة للغاز الطبيعي المسال الى أوروبا. كذلك ستتلقى ألمانيا كميات من الغاز المسال من دولة الامارات العربية المتحدة عبر ميناء Brunsbüttel بعد الانتهاء من بناء المحطات العائمة فيه والمخصصة لاستقبال الغاز المسال.

     وعلى الرغم من التقدم في عمليات بناء محطات استقبال الغاز المسال العائمة، فان هذه المحطات تمثل جزءً فقط من الحل، فبحسب خبير الطاقة Andreas Fischer من معهد الاقتصاد الألماني (IW) فانه “حتى إذا تم استخدام أول ثلاث محطات عائمة للغاز الطبيعي المسال المخطط لها بالكامل، فمن المحتمل أن تحل كميات الغاز المسال عبر هذه المحطات محل حوالي ربع كميات الغاز الروسية فقط والتي كانت تصدر إلى ألمانيا سنوياً”.

     بالإضافة الى ذلك، تم الإعلان عن امتلاء منشآت تخزين الغاز في ألمانيا بنسبة 100 في المئة، والناتجة عن الطقس المعتدل للخريف حتى الان والتي أدت الى انخفاض استهلاك الغاز خلال الأسابيع الماضية، إذ وبحسب وكالة شبكة توزيع الغاز والكهرباء الاتحادية، فإن “استهلاك الغاز في الأسابيع الماضية كان أقل من متوسط ​​الاستهلاك في السنوات الأربع الماضية، والذي يرجع إلى درجة الحرارة”. حيث “كانت درجات الحرارة أعلى 1.9 درجة مما كانت عليه في السنوات السابقة”. أوروبياً ووفقاً لاتحاد تخزين الغاز الأوروبي GIE، كان مستوى تعبئة خزانات الغاز لدى دول الاتحاد عند نسبة 95.6 في المئة.

     وبالرغم من كل ذلك فان احتمال حدوث ازمة في إمدادات الغاز لألمانيا وللدول الأوروبية ما يزال قائماً، حيث يرى الخبراء أن العرض سيكون أكثر إشكالية في شهور الشتاء القادمة. كما لا تستبعد وكالة الشبكة الألمانية نقص الغاز خلال الفترة القادمة، اذ يظل الشرط الأساسي لعدم حصول ازمة ونقص كبير في امدادات الغاز ان يتم خفض الاستهلاك بنسبة 20 في المئة على الأقل مقارنة باستهلاك العام السابق وكذلك ضمان واردات الغاز عبر محطات الغاز الطبيعي المسال المقرر دخولها العمل في بداية العام القادم 2023م، وبحيث يكون مستوى ملء خزانات الغاز عند مستوى 40 في المئة بحلول الأول من شهر فبراير 2023م.

     كما يؤكد الخبراء ان أزمة الطاقة في أوروبا ستبقى في المستقبل المنظور، اذ ووفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA)، فإن أوروبا خلال الصيف القادم العام 2023م، ستظل مهددة باختناقات هائلة في عملية تخزين الغاز من اجل الشتاء التالي، إذ بدون الغاز الروسي وإذا ظلت واردات الصين من الغاز المسال ثابتة، فان إمكانية الوصول الى نسبة تخزين خزانات الغاز الأوروبية الى مستوى 95 في المئة تبدو صعبة للغاية ولن يكون بالإمكان سوى توفير نصف هذه الكمية فقط بحلول الشتاء التالي. وفي هذا المجال تدعو وكالة الطاقة الدولية ووكالة الشبكة الاتحادية الحكومات إلى اتخاذ تدابير مضادة، والتي من اهمها تدابير لتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتوسيع الطاقات المتجددة وبناء المزيد من مرافق تخزين الغاز.

العلاقات الاقتصادية الألمانية الصينية: الفرص الاقتصادية والمخاطر الاستراتيجية 

     قام المستشار الألماني اولاف شولتز في بداية شهر نوفمبر بزيارة للصين برفقة وفد اقتصادي يمثل كبريات الشركات الألمانية. الزيارة على أهميتها لم تدل على تحسن في العلاقات بين البلدين بقدر ما اثارت العديد من التساؤلات وفرضت الكثير من النقاشات والمراجعات بخصوص هذه العلاقات، وبالذات من الجانب الألماني. وتتركز هذه النقاشات في الحاجة المتزايدة للاقتصاد الألماني للمواد الأولية الصينية واعتماد قطاعات صناعية هامة في ألمانيا على الأسواق الصينية. وزاد من حدة هذه المناقشات المعاناة التي يعيشها الاقتصاد الالماني في الوقت الحاضر بسبب الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية وخصوصا الغاز، وهي المعاناة التي يمكن ان تتكرر وبمستوى أكثر خطورة بسبب الاعتماد على المواد الأولية والاعمال التجارية مع الصين.

     تعد الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا، حيث وبحسب ارقام العام 2021م، بلغت قيمة البضائع المتبادلة بين البلدين 246.5 مليار يورو وهو ما يعني ان الصين أهم شريك تجاري لألمانيا في عام 2021م، وذلك للعام السادس على التوالي. تليها هولندا في المركز الثاني بحركة بضائع بلغت 206.2 مليار يورو والولايات المتحدة في المركز الثالث بحجم تبادل تجاري بلغ 194.3 مليار يورو. كما تعد الصين ثاني مشتر للبضائع والسلع الألمانية في العالم وبقيمة 103.6 مليار يورو بعد الولايات المتحدة الامريكية التي استوردت بضائع المانية بقيمة 122 مليار يورو. وتعد الصين كذلك أكبر مصدر للسلع الى ألمانيا بقيمة 143 مليار يورو وبفارق كبير عن المركز الثاني في قائمة الدول المصدرة لألمانيا والتي احتلته هولندا بقيمة صادرات بلغت 105 مليار يورو. وبينما حققت ألمانيا فوائض تجارية مع اهم شركائها التجاريين في العام 2021م، مثل الولايات المتحدة (49.7 مليار يورو) وفرنسا (40.8 مليار يورو) والمملكة المتحدة (32.8 مليار يورو)، الا انها سجلت عجزاً تجارياً مع الصين في نفس العام بقيمة 39.4 مليار يورو.  

     ولا يبدو الاعتماد الألماني على الصين مقتصرا على تبادل السلع والبضائع وحسب بل يتجاوزه الى استثمارات الشركات الألمانية، حيث ان أكثر من 40 في المئة من جميع الاستثمارات الأوروبية في الصين خلال العام 2021م، ترجع الى شركات صناعة السيارات الألمانية. وتتمثل أهمية السوق الصيني لهذه الشركات من كونها أكبر سوق سيارات في العالم، فعلى سبيل المثال تحقق مجموعة فولكس فاجن نصف أرباحها من مبيعاتها في الصين. كما ان هناك تعاون مكثف أيضا في البحث والتطوير حيث تمتلك مجموعة فولكس فاجن أسهمًا في شركة تصنيع خلايا البطاريات الصينية Gotion Hightech.

     ولا تقتصر الاستثمارات الألمانية في الصين على شركات صناعة السيارات بل تستثمر الشركات الألمانية من مختلف القطاعات بكثافة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. من ذلك تقوم مجموعة BASF للصناعات الكيميائية حاليًا ببناء مصنع بقيمة 10 مليارات دولار في مقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين. كما تخطط سلسلة بيع المواد الغذائية بالتجزئة Aldi لفتح مئات المتاجر الجديدة في الصين.

ومع كل الفرص الاقتصادية التي تقدمها العلاقات الصينية الألمانية الا ان العديد من المخاطر والعقبات تظهر في إطار هذه العلاقات، حيث يحذر اتحاد الصناعات الألمانية (BDI) من مزيد من التبعية في صناعة السيارات، حيث ان الاعتماد الألماني على العناصر الأرضية النادرة التي تحتكر الصين تعدينها الى حد بعيد، مثل الليثيوم، اللازم لبطاريات السيارات الكهربائية، أكبر بالفعل من الاعتماد على الغاز الروسي. كما تشتكي الشركات الألمانية من عدم المساواة في الوصول إلى السوق الصيني. على سبيل المثال، تُمنح الشركات الصينية المملوكة للدولة الأفضلية عندما يتعلق الأمر بالقروض المصرفية أو المناقصات العامة.

     في الجانب الاخر وعلى الرغم من تراجع الاستثمارات الصينية في ألمانيا بالمقارنة بالسنوات الماضية الا انها ما تزال تثير الكثير من الجدل وتجذب المزيد من الاهتمام العام خصوصا في صفقات الاستثمار التي تشمل البنية التحتية الأساسية والحيوية او في صفقات الاستثمار التي تتركز على بعض القطاعات الصناعية الاستراتيجية. ومن ذلك النقاشات والمفاوضات التي تمت في إطار الحكومة الاتحادية بخصوص دخول شركة Cosco الصينية المملوكة للحكومة في بكين كمستثمر في احدى محطات الحاويات في ميناء هامبورج، وانتهي القرار بخفض نسبة مشاركة الشركة الصينية من 35 في المئة من أسهم المحطة الى نحو 24.5 في المئة فقط وبحيث تفقد شركة Cosco إمكانية السيطرة على المحطة او توجيه سياستها وقراراتها. كما رفضت الحكومة الألمانية عروض لشركات الصينية بالاستثمار في شركتين ألمانيتين متخصصتين في صناعة الرقائق الالكترونية، إذ كشف وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، أن الحكومة منعت استحواذ مستثمرين صينيين على شركتين ألمانيتين، وأعلنت وزارة الاقتصاد أن الحكومة حظرت شراء شركة “سيليكس” السويدية، التي تملكها مجموعة “ساي مايكرو إليكتريكس” الصينية، لمصنع تابع لشركة “إيلموس” الألمانية لتصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، كما حظرت صفقة أخرى تتعلق باستحواذ مستثمر صيني على شركة “اي آر اس إيليكترونيك” في ولاية بافاريا، وهي شركة توفر تقنية التبريد لمصنعي الرقائق الالكترونية.

       وفي هذا الجانب يقول ماكس زنجلين من معهد مركاتور لدراسات الصين في برلين (Mercator Institute for China Studies)، ان الاستثمارات الصينية لا تتعلق بالأعمال فقط، حيث ان “الاختلاف الأساسي هنا هو أننا لا نستطيع التظاهر بأن شركة مثل Cosco هي شركة لوجستية عادية، هذه المقارنة غير واقعية، إنها شركة مركزية مملوكة للدولة وهي في النهاية أداة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للحكومة”. “لذلك، فإن التعامل مع الصين لا يتعلق فقط بالمخاطر الاقتصادية بل بالأمن القومي.”

النزاع التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية

     تزداد ملامح نزاع تجاري بين الاتحاد الأوروبي من جهة والولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى في الظهور، وترجع خلفية هذا النزاع الى قانون خفض التضخم (IRA) الذي وقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن في منتصف أغسطس الماضي، والذي من خلاله تدعم حكومة الولايات المتحدة الصناعة المحلية في مجال التقنيات المحايدة مناخياً بمبلغ 400 مليار دولار، وبشكل خاص تكنولوجيا البطاريات الخاصة بالسيارات الكهربائية.

     ويتركز الخلاف الأوروبي الأمريكي على مادة في قانون الحد من التضخم تمنح مزايا ضريبية لمشتري السيارات الإلكترونية إذا كانت نسبة معينة من البطارية الكهربائية تأتي من الولايات المتحدة، في مسعى من الحكومة الامريكية لتقليل الاعتماد على الصين. حيث سيحصل مشترو السيارات الكهربائية على خصم ضريبي بحد أقصى 7500 دولار إذا تم تصنيعها في الولايات المتحدة. ووفقا لهذه الفقرة يجب أن تكون بطاريات السيارات الكهربائية قد تم تصنيعها بشكل أساسي في الولايات المتحدة الأمريكية. كما تنص القواعد الجديدة، واعتبارًا من العام المقبل، على وجوب أن يأتي ما لا يقل عن 40 في المئة من المعادن المستخدمة في البطاريات الكهربائية من الولايات المتحدة، على ان ترتفع هذه النسبة إلى 80 في المئة في مرحلة لاحقة. ويطالب الجانب الأوروبي بان تستفيد السيارات الكهربائية المصنعة في الاتحاد الأوروبي أيضًا من المزايا الضريبية المقدمة للسيارات المصنعة في الولايات المتحدة.

     بالإضافة الى ذلك فان الخلاف حول دعم صناعة بطاريات السيارات الكهربائية الامريكية ليس الخلاف الوحيد بين جانبي الأطلسي. إذ أثارت العقوبات الأمريكية المفروضة على صناعة الرقائق الالكترونية الصينية، التي أعلنت في أكتوبر الماضي غضب الأوروبيين، فقد تم فرض ضوابط وقيود على تصدير تقنية الرقائق الالكترونية الامريكية “من جانب واحد”، لكن تأثيرها تجاوز الصناعة الامريكية، حيث يشكو الاوربيون ان هذه العقوبات لم تأثر فقط على الشركات الامريكية والصينية بل امتد تأثيرها الى الشركات الأوروبية، منها على سبيل المثال شركة صناعة ماكينات انتاج الرقائق الالكترونية الهولندية (ASML) والتي تعد أحد اهم وأبرز الشركات العالمية في هذا المجال.

     في الجانب الأوروبي يشعر العديد من السياسيين بوجوب الرد سريعا على السياسة الامريكية الحمائية، ومنهم وزير المالية والاقتصاد الفرنسي برونو لومير، الذي دعا الي الرد بسرعة على القرار الأمريكي مطالبا ” برد منسق وموحد وقوي على حلفائنا الأمريكيين”. وطالب لو مير المفوضية الأوروبية بطرح مقترحات لمواجهة السياسة الامريكية، مثل وضع قواعد جديدة للواردات من الولايات المتحدة على ان تولي هذه القواعد اهتمامًا أكثر صرامة للمصالح الأوروبية في حماية البيئة، مضيفا بانه من الممكن أيضًا تسريع استخدام أدوات السياسة التجارية في الاتحاد الأوروبي بهدف المعاملة بالمثل من حيث الوصول إلى الأسواق والظروف التنافسية. كما لم يستبعد الوزير حتى تقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية.

     من جانبهم يحذر الخبراء الاقتصاديون من التسرع في الدخول في نزاع تجاري مع الولايات المتحدة، فحتى إذا كانت هناك مواد في قانون خفض التضخم (IRA) تصنف بانها حمائية وغير مقبولة من الاتحاد الأوروبي، الا انه وبحسب Clemens Fuest، رئيس معهد Ifo ” لا ينبغي للمرء أن يبدأ حربًا تجارية على الفور أو الدخول في سباق دعم “، خصوصا في هذا الوقت الذي يشهد اختلافات في السياسة التجارية، مؤكداً ان هناك حاجة ملحة لـ “تحرير التجارة عبر الأطلسي، وليس العكس”.

     ومن أجل حل الخلافات والنزاعات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أسس الجانبان في العام الماضي المجلس عبر الأطلسي (TTC)، والذي كان من أهدافه على وجه التحديد تسوية مثل هذه النزاعات التجارية والعمل معًا بشكل أوثق بشأن سياسة تصدير التكنولوجيا. بالإضافة الى تحقيق “شراكة لاستعادة توازن سلاسل التوريد العالمية في صناعة أشباه الموصلات”.  الا انه من الواضح الان أن الأمريكيين فقدوا صبرهم مع الأوروبيين، خاصة في طريقة التعامل مع الصين. حيث تعد قواعد التصدير الامريكية الجديدة لتقنيات الرقائق الالكترونية الى الصين بعيدة المدى أكثر بكثير من تصور سياسة تصدير التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي. لذا فانه من غير المحتمل أن يؤدي اجتماع TTC القادم في 5 ديسمبر الى اتفاق أمريكي اوروبي بشأن قضية الرقائق. خصوصا ان بعض السياسيين الأوروبيين يدرسون بالفعل استخدام العقوبات الأمريكية كأداة للتفاوض بشأن ظروف استثمار أفضل للاتحاد الأوروبي في جمهورية الصين الشعبية. حيث أصبح الصينيون يعتمدون على أوروبا، والتي تعد أيضا أحد أهم أسواقهم، حيث يأملون في الحصول منها على التكنولوجيا التي لم تعد أمريكا راغبة في توفيرها.

     في المقابل يؤكد العديد من الخبراء ان الخلاف بين الشركاء عبر الأطلسي هو آخر شيء تحتاجه أوروبا. ويرى Gabriel Felbermayr، رئيس المعهد النمساوي للأبحاث الاقتصادية (Austrian Institute of Economic Research)، ان “نزاعًا تجارياً مطولًا يذكرنا بالقضية المستمرة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والخاص بالدعم الحكومي لصناعة الطائرات بين إيرباص وبوينغ. حيث يصبح من الممكن الدخول في سباق للدعم بين الطرفين يصعب إيجاد حل له في إطار منظمة التجارة العالمية، وإذا أمكن إيجاد حل، فلن يكون الا بعد سنوات عديدة “.