تحسن مناخ الاعمال للاقتصاد الألماني في ابريل 2023م، إذ ارتفع مؤشر IFO إلى 93.6 نقطة بعد ان كان عند مستوى 93.2 نقطة في مارس الماضي. وهذه هي الزيادة الشهرية السادسة للمؤشر على التوالي ويعود السبب الرئيسي لارتفع المؤشر هو تحسن توقعات الشركات لمستوى اعمالها خلال الأشهر القادمة على الرغم من أنها صنفت مستوى اعمالها الحالي بطريقة اقل إيجابية. واعتبر Clemens Fuest رئيس معهد ifo ان ارتفاع مؤشر مناخ الاعمال يشير الى تراجع المخاوف من حدوث ركود الا ان الاقتصاد ما يزال يفتقد الى الزخم.

     في قطاع الصناعة، ارتفع المؤشر بشكل محدود ليسجل في ابريل مستوى 6.7 نقطة مرتفعاً من مستوى 6.5 نقطة في مارس. ويرجع هذا الارتفاع الطفيف في المؤشر الى ازدياد التفاؤل بشكل ملحوظ بشأن مستوى الاعمال المستقبلية الذي اتى مترافقاً بتصنيف الشركات لأعمالها الحالية على أنها أقل مما كانت تأمل بكثير.

     في قطاع الخدمات، انتهى الاتجاه التصاعدي في مؤشر مناخ الأعمال والذي ساد في الأشهر الأخيرة، حيث تراجع المؤشر في شهر ابريل الى مستوى 6.8 نقطة بعد ان كان قد وصل الى مستوى 8.8 نقطة في الشهر السابق، حيث قيم مقدمو الخدمات وضع اعمالهم الحالي بدرجة أسوأ إلى حد ما، كما تراجع التفاؤل بشأن الاعمال خلال الأشهر القادمة.

     في قطاع التجارة، انخفض المؤشر بشكل طفيف من مستوى (- 10.1 نقطة) في مارس الى مستوى (- 10.7 نقطة) في ابريل.  حيث كانت الشركات أقل رضىً عن وضع اعمالها الحالي، لكن توقعاتها لمستوى الاعمال في الأشهر القادمة تحسنت نوعا ما.  

     في قطاع البناء، ارتفع مؤشر مناخ الأعمال من مستوى (- 17.5 نقطة) في مارس الى مستوى (- 16.7 نقطة) في ابريل. وبينما تحسنت توقعات الشركات لأعمالها للأشهر القادمة، كانت التقييمات لوضع اعمالها الحالي في أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2015م.

     من جانب أخر اظهر التقرير الشهري الصادر عن وزارة الاقتصاد وحماية المناخ الاتحادية ان الاقتصاد الألماني قد نجا من الركود الفني في الشتاء (يشير مصطلح الركود الفني الى تراجع الناتج المحلي الإجمالي سلبياً لربعين متتاليين) حيث من المرجح أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف في الربع الأول من هذا العام بعد ان كان قد سجل في الربع الرابع من العام 2022م، انكماشا بواقع 0.4 في المئة، ويرجع هذا النمو المتوقع بحسب التقرير الى “البداية المواتية اقتصاديًا في بداية العام” من  الشتاء المعتدل والمستويات المرتفعة لتخزين الغاز التي ساهمت في توافر الغاز الكافي في ألمانيا وأوروبا وهو ما انعكس أيضًا في انخفاض ملحوظ في أسعار الطاقة.  كما تظهر المؤشرات الاقتصادية انتعاشًا ملحوظًا في الربع الأول إذ “كان الإنتاج الصناعي في ارتفاع واضح نتيجة لتراجع النقص في المواد الأولية وارتفاع حجم الطلبات والانخفاض الكبير في أسعار الطاقة “، كما انخفض معدل التضخم إلى 7.4 في المئة في مارس، ولم تعد أسعار الطاقة هي المحرك الرئيسي للتضخم بل أصبحت المواد الغذائية التي ترتفع أسعارها باستمرار. وبناء على هذا تتوقع وزارة الاقتصاد تحقيق الناتج المحلي الإجمالي نموا طفيفا بواقع 0.1 في المئة في الفترة من يناير إلى مارس 2023م.

     ومع هذه التوقعات الإيجابية الا ان التقرير يؤكد على استمرار العديد من التحديات والاعباء والمخاطر التي قد تؤثر سلبا على النمو الاقتصادي من أبرزها انخفاض الانفاق الاستهلاكي الخاص والتراجع في الاعمال الذي يعاني منه قطاع البناء، الى جانب تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية الغير محسوبة. هذا بالإضافة الى استمرار معدلات التضخم المرتفعة والتي من المتوقع ان تستمر حتى العام المقبل، حيث يٌتوقع ان يبلغ متوسط معدل التضخم في العام الحالي نحو 6 في المئة بعد ان كان هذا المتوسط قد سجل خلال العام 2022م، معدل 6،9 في المئة، وأن يعود الى مستوى 2.4 في المئة في العام 2024م. وذكر التقرير أن برامج المساعدات الحكومية والزيادات المتوقعة في الأجور “ستقوي الطلب المحلي وتبقي التضخم المحلي عاليا”.

     وبشكل عام تتوقع أبرز المعاهد الاقتصادية في ألمانيا والتي تشمل معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعة ميونخ Ifo، معهد Leibniz للأبحاث الاقتصادية في مدينة Halle، معهد الاقتصاد العالمي في كييل (IfW) ومعهد Leibniz للأبحاث الاقتصادية في إيسن (RWI)، ان يحقق الاقتصاد الألماني نموا في العام الحالي بنحو 0.3 في المئة.

     في سياق متصل أعلن صندوق النقد الدولي (IMF) توقعاته بخصوص نمو الاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول الصناعية والدول النامية، وبحسب توقعات الصندوق فسوف يحقق الاقتصاد العالمي نموا العام 2023م، بنحو 2.8 في المئة، وهي نسبة أقل مما كان الصندوق قد توقعه بداية العام، وهي نسبة اقل ايضاً مما تم تحقيقه في العام الماضي 2022م، والتي حقق فيها الاقتصاد العالمي نموا بواقع 3.4 في المئة.  وبحسب توقعات الصندوق فان الاقتصاد ينمو ببطء في الدول الصناعية حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن الناتج الاقتصادي سيرتفع في هذه الدول بنسبة 1.3 في المئة هذا العام. اما فيما يتعلق بالبلدان ذات الاقتصاديات الناشئة والنامية فالأمور تبدوا أفضل مع نمو متوقع بنسبة 3.9 في المئة. كما قام صندوق النقد الدولي بتعديل توقعاته بالنسبة للنمو المتوقع للاقتصاد الألماني للعام 2023م، حيث يتوقع الصندوق انكماش الاقتصاد الألماني بواقع 0.1 في المئة هذا العام على ان يعود الى تحقيق نمو بنحو 1.1 في المئة في العام 2024م.

     واعتبر Pierre-Olivier Gourinchas كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، انه وفقًا للتوقعات  “إننا ندخل مرحلة محفوفة بالمخاطر حيث يظل النمو الاقتصادي منخفضًا بالمعايير التاريخية وتزداد المخاطر المالية دون أن يتخذ التضخم منعطفًا حاسمًا”. ومع هذه المخاوف الا ان صندوق النقد الدولي لا يتوقع حاليا حدوث انكماش عالمي. لكن الأمر المقلق هو أن التضخم ينخفض ​​بدرجة أقل مما كان متوقعا. حيث يتوقع الصندوق ان يبلغ التضخم في العام 2023م، نحو 7 في المئة في جميع أنحاء العالم.

     وأثارت توقعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد الألماني اعتراض وزير المالية الاتحادي Christian Lindner الذي اعتبر ان ألمانيا قد لا تنمو بنفس القوة مثل غيرها “شركاؤنا وأصدقاؤنا ومنافسونا يتطورون في بعض الأحيان بشكل ديناميكي أكثر من ألمانيا”. الا ان توقعات صندوق النقد الدولي للركود متشائمة للغاية، وقال “هذا لا يتطابق مع التوقعات التي لدينا فيما يتعلق بآفاق نمو الاقتصاد الألماني”. كما أن معاهد البحث الاقتصادي الألمانية أكثر تفاؤلاً، والتي توقعت في شهر أبريل، نموًا طفيفا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة للعام 2023م، وأشار Lindner الى انه وبالرغم من عدم اتفاقه مع توقعات الصندوق الا ان إلى توصياته بخصوص محاربة التضخم عن طريق خفض الإنفاق الحكومي” يجب أن تؤخذ على محمل الجد”.

سوق العمل: تراجع طفيف للبطالة ونمو محدود لعدد المسجلين الجدد في التدريب المهني

     مع انتهاء الربع الأول من العام وبداية الربيع انخفضت البطالة إلى 2،594،000 شخص في شهر مارس 2023م، مقارنة بالشهر السابق، حيث تراجع عدد العاطلين عن العمل بنحو 26 ألف شخص. وبالمقارنة مع شهر مارس من العام الماضي فإن عدد العاطلين عن العمل أعلى بـ 232،000 شخص. ويعود ذلك الى تسجيل اللاجئين الاوكرانيين في ألمانيا ضمن المستفيدين من اعانات البطالة. وبذلك بلغ معدل البطالة في مارس 2023م، 5.7 في المئة، بزيادة 0.6 نقطة مئوية عن نفس الشهر من العام الماضي. وقد وصفت Andrea Nahles رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA) تطورات سوق العمل في شهر مارس بالقول “كان سوق العمل قويًا بشكل عام في مارس أيضًا على الرغم من أثار الاقتصاد الضعيف، لكن انتعاش الربيع قد بدأ للتو في الظهور”.

     فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر فقد بلغ عدد الموظفين الجدد الذين تم تسجيلهم خلال الفترة من 1 وحتى 27 مارس حوالي 50 ألف شخص. بينما وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن مكتب العمل الاتحادي بلغ اجمالي المستفيدين من تعويضات البرنامج خلال شهر يناير 2023م، نحو 140 ألف شخص.

     من جانب أخر بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدي مكتب العمل الاتحادي خلال شهر مارس ما يقرب من 777 ألف وظيفة شاغرة أي أقل بـ 62000 وظيفة بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. وهو ما يظهر التراجع النسبي في الطلب على الموظفين الجدد منذ أوائل صيف العام الماضي. الا انه وبشكل عام، لا تزال الحاجة إلى الموظفين عند مستوى مرتفع نسبيًا.

     في سياق متصل اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي ان عدد المسجلين الجدد في برامج التدريب المهني المختلفة نما في العام 2022م، بشكل محدود حيث وصل عددهم الى 468900 متدرب بزيادة 2700 متدرب وبنسبة 0.6 في المئة فقط مقارنة بالعام 2021م. هذا وكان عدد المتدربين المهنيين قد شهد تراجعا كبيرا خلال سنوات جائحة كورونا 2020-2021م، حيث كان عدد المسجلين الجدد في التدريب المهني في العام 2019م، 510900 متدرب. وبشكل عام بلغ مجموع عدد المسجلين في التدريب المهني في ألمانيا نهاية العام 2022م، 1.22 مليون متدرب ومتدربة وهو ما يمثل اقل بنسبة 3 في المئة من مجموع اعدادهم في العام 2021م.

     الزيادة المحدودة في عدد المسجلين الجدد في برامج التدريب المهني المختلفة لم يشمل كل القطاعات الاقتصادية، فبنما نما عدد المسجلين الجدد في برامج التدريب المهني في قطاعي الصناعة والتجارة بنسبة 3 في المئة العام 2022م بالمقارنة مع العام 2021م، والذي وصل مجموعهم الى 269800 متدرب ومتدربة، تراجع عدد المسجلين الجدد في برامج التدريب المهني في المهن الحرفية بنسبة 2.3 في المئة الى 127400 متدرب ومتدربة. كما تراجع عددهم في قطاع الزراعة بنسبة 5 في المئة ليصل الى 13 ألف متدرب ومتدربة.

     من جانب أخر شكل الذكور اغلبية المسجلين الجدد في التدريب المهني للحرف اليدوية العام 2022م، وذلك بنسبة 81 في المئة. الا ان هذا الاتجاه في طور التغير وان كان ببطء، حيث تراجع عدد المسجلين الجدد في المهن اليدوية من الشباب بنسبة 3 في المئة بالمقارنة مع العام السابق بينما ارتفع عدد المسجلات الجدد من الفتيات في برامج التدريب المهني في الحرف اليدوية بنسبة 2 في المئة في نفس الفترة. كما تزداد نسبة النساء في المسجلين الجدد في التدريب المهني في كل القطاعات الاقتصادية بشكل طفيف، حيث ارتفعت نسبة المسجلات الجدد في التدريب المهني العام 2022م، بنسبة 1.1 في المئة مقارنة بالعام السابق بينما نما عدد المسجلين من الذكور بنسبة 0.3 في المئة فقط.

     وفي ضوء تراجع عدد المقبلين على التدريب المهني في المهن اليدوية الحرفية يتوقع الاتحاد المركزي للحرف اليدوية الألمانية (ZDH) نقصًا متزايداً في العمال المهرة في القطاع مما يهدد العديد من المشاريع المستقبلية حيث أكد الاتحاد انه “فقط مع الحرفيين المؤهلين بشكل كافٍ، يمكن أن تنجح مشاريع حماية المناخ والتحول في الطاقة وتوسيع البنية التحتية وتنفيذها وضمان الإمداد اليومي”.

     في المنظور العام يواجه التدريب المهني في ألمانيا صعوبات متزايدة في جذب الجيل الجديد والانخفاض المستمر في عدد المتقدمين منذ سنوات وهو ما يعيده المختصون بدرجة كبيرة الى التغير الديموغرافي في المجتمع الألماني وتراجع المواليد وتفاقم مشكلة شيخوخة المجتمع هذا بالإضافة الى ان العديد من الشباب يجدون أيضًا عروض تدريب أكاديمية مغرية مثل الدراسة المزدوجة أو التدريب في الكليات والجامعات التقنية. الى جانب ان نسبة الشركات في ألمانيا التي تقدم فرص التدريب المهني آخذة في الانخفاض أيضًا وذلك وفقًا لدراسات أجراها معهد سوق العمل والبحث المهني (IAB).

انتهاء عصر الطاقة النووية في ألمانيا

     انتهى عصر الطاقة النووية في ألمانيا قبل منتصف ليل يوم السبت الموافق 15 ابريل 2023م، حيث توقفت المفاعلات النووية الثلاثة الأخيرة في ألمانيا عن انتاج الكهرباء وتم سحب محطات الطاقة النووية (Isar 2) في ولاية بافاريا و(Neckarwestheim 2)، في ولاية بادن فورتمبيرج و(Emsland)، في ولاية ساكسونيا السفلى من العمل وذلك بعد ما يزيد عن ستين عاماً من استخدام الطاقة النووية في انتاج الطاقة الكهربائية حيث أنشأت اول محطة طاقة نووية تجارية في ألمانيا الغربية سابقاً في ولاية بافاريا عام 1960م قبل ان تغذي الكهرباء في شبكة التوزيع في يونيو 1961م. اما في ألمانيا الشرقية السابقة فبدأ استخدام التكنولوجيا النووية لتوليد الكهرباء في العام 1966م.

     وكانت المحطات النووية الثلاث هي أحدث محطات تم انشائها في ألمانيا حيث تم بناء محطة (Isar 2) ودمجها في شبكة توزيع الكهرباء العامة في العام 1988م، وكذلك الامر مع المحطة النووية (Emsland) التي دخلت الخدمة أيضا في العام 1988م، بينما تعد محطة (Neckarwestheim 2) أحدث محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية حيث بدأت في الإنتاج في العام 1989م.

     ويعود قرار ألمانيا بالتخلي التام عن الطاقة النووية في انتاج الكهرباء الى حكومة المستشار السابق جيرهارد شرودر والحكومة الائتلافية بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر الذي حكم ألمانيا خلال الفترة 1998-2005م، حيث تم اتخاذ القرار في العام 2001م، والذي تم فيه تحديد نهاية العام 2022م، كأخر موعد لإيقاف استخدام الطاقة النووية في انتاج الكهرباء. وعند تشكيل المستشارة السابقة انجيلا ميركل لحكومتها الثانية والتي تكونت من ائتلاف أحزاب الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي الحر والتي تولت الحكم خلال الفترة 2009-2013م، اتخذت قرارا في البداية يقضي بتمديد العمل بمحطات الطاقة النووية الى ما بعد العام 2022م، الا ان كارثة انفجار مفاعل فوكوشيما في اليابان عام 2011م، دفعت المستشارة ميركل وحكومتها الى العودة الى الخطة الاصلية وتثبيت نهاية العام 2022م، كموعد لإيقاف تشغيل المحطات النووية. وعند حلول نهاية العام 2022م وبعد جدل طويل داخل الائتلاف الحاكم الذي يضم الحزب الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الحر ونتيجة المخاوف بشأن أمن امدادات الطاقة في ضوء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما يرتبط بها من أزمة في تأمين امدادات الغاز والطاقة، تم تأجيل ايقاف تشغيل المحطات النووية ثلاثة أشهر ونصف عن الموعد الأصلي حتى منتصف شهر ابريل 2023م.

     وسيتسبب اغلاق المحطات النووية الثلاث في ألمانيا في تأثيرات على سوق الكهرباء حيث انتجت المحطات النووية في ألمانيا خلال العام 2022م، حوالي 35 تيرا وات/ ساعة، وهذا يعادل حوالي ستة في المئة من إجمالي توليد الكهرباء في ألمانيا البالغ 545 تيرا وات/ ساعة. وعلى الرغم من ان اهم مصادر انتاج الطاقة الكهربائية في ألمانيا العام 2022م، كان الفحم الذي ساهم في انتاج 31 في المئة من الكهرباء وطاقة الرياح التي أسهمت بنسبة 22 في المئة ومن ثم الغاز الطبيعي الذي ساهم بنسبة 11 في المئة من انتاج الطاقة الكهربائية، فان أهمية الطاقة النووية في انتاج الكهرباء لا تقتصر على حجم مساهمتها في الإنتاج وحسب ولكن أيضا في مدى اعتماديتها، فبينما يرتبط انتاج طاقة الرياح او الطاقة الشمسية على مدى مناسبة الطقس من هبوب الرياح بسرعة كافية وطول فترة سطوع الشمس والتي تؤثر على انتاج الكهرباء وعدم انتظام الكمية المنتجة، فان الطاقة النووية تنتج الكهرباء بكمية ثابتة لا تتغير. كذلك وبالرغم من كل الانتقادات الموجهة الى استخدام الطاقة النووية فأنها تظل أكثر مناسبة للبيئة والمناخ من الفحم حيث لا تنبعث من محطات الطاقة النووية اية غازات عادمة او غازات ثاني أكسيد الكربون الضارة بالمناخ.

     في جانب أخر، لا يعني إغلاق محطات الطاقة النووية أن الكهرباء المنتجة من المحطات النووية لن تتدفق بعد الآن إلى شبكة الكهرباء الألمانية، حيث من المرجح أن يستمر استيراد الكهرباء المنتجة من هذا النوع من المحطات، وإن كان ذلك غالباً بكميات صغيرة. فمنذ عام 2003م، تنتج ألمانيا كهرباء أكثر مما تستهلك وتصدر أكثر مما تستورد. في عام 2022م، بلغ فائض تصدير الكهرباء 28 تيرا وات/ ساعة. ذهبت نصف هذه الكمية من الكهرباء إلى فرنسا، وبشكل عام، صدرت ألمانيا 72.7 تيرا وات/ ساعة واستوردت 45.2 تيرا وات / ساعة في العام 2022م. من بين الواردات، جاء حوالي 7.6 تيرا وات/ ساعة من الطاقة النووية.  وجاءت معظم الطاقة النووية المستوردة من جمهورية التشيك بـ 2.7 تيرا وات/ ساعة، وهو ما يعادل حوالي 0.5 في المئة من حجم الكهرباء المنتجة في ألمانيا. كما صدرت فرنسا 2.1 تيرا وات/ ساعة من الطاقة النووية إلى ألمانيا، وجاء الباقي من سويسرا وبلجيكا وهولندا والسويد.

      ويعد سوق الكهرباء الألماني جزء من سوق الكهرباء الأوروبية والذي يتم تنظيمه بطريقة يتم فيها إنتاج الكهرباء دائمًا حيث يكون الإنتاج اقل كلفة. وتمتلك ألمانيا وصلات كهرباء مباشرة مع إحدى عشرة دولة، منها جميع الدول المجاورة التسع بالإضافة إلى النرويج والسويد عبر الكابلات البحرية. وبحسب وزارة الاقتصاد الاتحادية فانه في حالة ” كان هناك عجز في الطاقة في ألمانيا والذي يمكن أن ينشأ على المستوى الإقليمي عندما يتراجع انتاج الكهرباء نتيجة عدم وجود رياح كافية او بسبب نقص ضوء الشمس، فان استيراد الكهرباء يتم تلقائيًا”.

ارتفاع غير متوقع للصادرات الألمانية الى الولايات المتحدة والصين

     ارتفعت الصادرات الألمانية خلال شهر فبراير 2023م، بمستوى غير متوقع بفضل ارتفاع الطلب من الولايات المتحدة الامريكية والصين، حيث زادت الصادرات بنسبة 4 في المئة بالمقارنة مع الشهر السابق لتصل إلى 136.7 مليار يورو، وفقًا لأحدث بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis). وتعد هذه الزيادة هي الأكبر منذ عشرة أشهر، فيما كان الخبراء يتوقعون نموا للصادرات في هذا الشهر بنسبة لا تتجاوز 1.6 في المئة فقط.  وبالمقارنة مع شهر فبراير من العام 2022م، فقد سجلت الصادرات ارتفعاً بنسبة 7.6 في المئة.

     ويعود هذا الارتفاع غير المتوقع الى الطلب القوي للسلع والبضائع الألمانية من الصين والولايات المتحدة الأمريكية اذ كانت الولايات المتحدة أكبر مستورد من ألمانيا خلال شهر فبراير وذلك بقيمة 14 مليار يورو وبنسبة زيادة بلغت 9.4 في المئة مقارنة بشهر يناير 2023م. كما ارتفعت الصادرات إلى الصين لتبلغ قيمتها 8.5 مليار يورو وبنسبة زيادة بلغت 10.2 في المئة. ووفقًا لـمكتب الاحصاء، بلغت قيمة البضائع والسلع التي صدرتها ألمانيا في فبراير 2023م، الى دول الاتحاد الأوروبي حوالي 73.9 مليار يورو. بينما استوردت منها بضائع وسلع بقيمة 62.8 مليار يورو. وبالمقارنة مع يناير 2023م، زادت الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 2 في المئة والواردات من هذه البلدان بنسبة 5.1 في المئة. من جهة اخرى انخفضت الصادرات الألمانية في فبراير إلى روسيا بنسبة 14.3 في المئة مقارنة بشهر يناير السابق لتتراجع إلى 0.9 مليار يورو، بينما انهارت الواردات من روسيا الى ألمانيا بنسبة 67.2 في المئة إلى 0.3 مليار يورو.

     وعلى نفس المنوال ارتفعت واردات ألمانيا ايضاً في فبراير حيث سجلت زيادة قدرها 4.6 في المئة، والتي كانت أيضًا اعلى مما كان متوقعاً. وجاءت الصين كأكبر مورد الى ألمانيا بقيمة بضائع وسلع بلغت 13.6 مليار يورو، بزيادة 6.7 في المئة عن الشهر السابق، بينما انخفضت الواردات من الولايات المتحدة بنسبة 8.7 في المئة لتسجل 7.6 مليار يورو. وخلال شهر فبراير سجل الميزان التجاري الألماني فائضاُ قدرة 16 مليار يورو.

     ويرجع Thomas Gitzel كبير الاقتصاديين في بنك الإدارة والقطاع الخاص VP Bank هذا الارتفاع الكبير في الصادرات الألمانية الى ” سلاسل التوريد التي تعمل بشكل أفضل وانفتاح الاقتصاد الصيني”. فبعد الغاء القيود التي فُرضت اثناء جائحة كورونا استعادت سلاسل التوريد الدولية انتظامها الى حد بعيد كما تراجعت تكاليف الشحن البحري بدرجة كبيرة بعد ان كنت قد سجلت خلال الجائحة ارتفاعات قياسية غير مسبوقة. من جانب أخر تسارع نمو الاقتصاد الصيني بشكل مفاجئ بعد انتهاء سياسة كورونا الصارمة، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الصين خلال الربع الأول من العام 2023م، بنسبة 4.5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهذه هي أقوى زيادة ربع سنوية خلال عام، والتي تعود أساسًا إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي والصادرات. وكان الاقتصاد الصيني الذي يعد ثاني أكبر اقتصاد عالمي واحد المحركات الاقتصادية الرئيسية للنمو العالمي والتجارة الدولية قد سجل في الربع الأخير من العام 2022م، نمواً بواقع 2.9 في المئة فقط.

     وفي نفس السياق اظهر الاستطلاع الشهري الذي يجريه معهد IFO عن تحسن مناخ الاعمال بين المصدرين الألمان بشكل ملحوظ، حيث ارتفع مؤشر توقعات تصدير الشركات في قطاع الصناعة إلى 6.9 نقطة في أبريل 2023م، بعد ان كان عند مستوى 4.1 نقطة في مارس 2023م، ويعد هذا هو أعلى مستوى للمؤشر منذ فبراير 2022م. حول ذلك صرح Klaus Wohlrabe، رئيس الدراسات الاستقصائية في المعهد بالقول “إن النمو الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة والتطور الإيجابي في الصين يزيدان الطلب على الصادرات الألمانية”.

     في صناعة السيارات، تحسنت توقعات التصدير بشكل ملحوظ. اما بالنسبة لمصنعي الأجهزة الكهربائية والمطاط والبلاستيك وكذلك الزجاج والسيراميك، فقد استمر المؤشر على نفس المستوى الإيجابي المسجل في الشهر السابق. كما عاد التفاؤل إلى الصناعات الكيماوية، حيث صعد المؤشر إلى أعلى مستوى له منذ سبتمبر 2021م. كذلك يتوقع مصنعو المشروبات أيضًا نموًا كبيرًا.

     وتزداد الثقة في زيادة الأعمال التجارية الدولية في صناعة الأثاث وبين مصنعي المنسوجات حيث يشعر مصنعو الملابس بتفاؤل شديد بأنهم سيشهدون قفزة كبيرة في الصادرات في الأشهر الثلاثة المقبلة. في صناعة المعادن ارتفعت ايضاً توقعات التصدير. في الجهة المقابلة يتوقع مصنعو المنتجات الخشبية (باستثناء الأثاث) والطابعات والورق أن تنخفض الصادرات خلال الأشهر القادمة.

الاتحاد الأوروبي يخصص 43 مليار يورو لدعم صناعة الرقائق الالكترونية

     قررت المفوضية الأوروبية ضخ ما يقرب من 43 مليار يورو للاستثمار في صناعة الرقائق الالكترونية داخل دول الاتحاد حتى العام 2030م، على ان يتم تمويل هذه الاستثمارات من ميزانية الاتحاد الأوروبي ومن القطاع الخاص. وبالرغم من انه لا يزال يتعين على البرلمان الأوروبي ودول الاتحاد الأوروبي الموافقة رسميًا على القانون، لكن هذا الامر يعتبر إجراء شكلي الى حد بعيد.

     ويهدف ما يسمى بقانون الرقائق في المقام الأول إلى تقليل اعتماد القطاع الصناعي في دول الاتحاد على الواردات من الدول الآسيوية. حيث تُستخدم الرقائق الالكترونية في صناعات مثل صناعة السيارات والأجهزة المنزلية والهواتف المحمولة والعديد من السلع الأخرى. وكان القطاع الصناعي في ألمانيا قد عانى خلال جائحة كورونا من النقص في المعروض من الرقائق لفترة طويلة وتأثرت بعض الصناعات الى الدرجة التي دفعتها الى تقليص انتاجها كما حصل في قطاع صناعة السيارات.

      وتزداد أهمية الرقائق الالكترونية، خصوصا ما تسمى (Microcontroller) والتي تلعب دوراً حاسماً في تطوير التقنيات الجديدة في صناعة السيارات مثل تقنيات القيادة الذاتية وانظمة مساعدة السائق المؤتمتة او تقنيات الأجيال الجديدة من السيارات الكهربائية. وبينما تسعى عدد من الشركات الألمانية لتعزيز قدراتها الذاتية في تطوير هذا النوع من الرقائق الإلكترونية مثل شركة فولكس فاجن، تعتمد شركات أخرى مثل مرسيدس وBMW على الشركات المصنعة للرقائق لتزويدها بحاجتها من هذا النوع من الرقائق. 

     ويهدف القانون أيضًا الى أن تنمو حصة الاتحاد الأوروبي في السوق العالمية للرقائق الالكترونية من 10 في المئة في الوقت الحاضر إلى 20 في المئة تقريبًا بحلول عام 2030م. وأكد مفوض الاتحاد الأوروبي للصناعة Thierry Breton أن القدرات الجديدة لصناعة الرقائق الإلكترونية الأوروبية يجب ألا تغطي فقط احتياجات الاتحاد الأوروبي الخاصة، ولكن يجب أيضًا ان تكون قادرة على التصدير إلى بقية العالم. من جانبه قال Achim Berg، رئيس اتحاد صناعة المعلومات والاتصالات في ألمانيا Bitkom، ان القانون قد تأخر كثيراً ويجب أن يدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن حيث “اقرت الولايات المتحدة بالفعل قانون الرقائق في صيف عام 2022م، وقررت تمويلًا لهذه الصناعة قدره 52.7 مليار دولار أمريكي.”  مؤكدا ان وبالمقارنة تعد أوروبا متأخرة في هذا المجال. مضيفاً انه في ألمانيا وحدها، تعتمد تسع من كل عشر شركات صناعية على الرقائق الالكترونية في الإنتاج، ولا تستطيع 80 في المئة من هذه الشركات الاستغناء عنها.

     فيما يتعلق بصناعة الرقائق الإلكترونية في ألمانيا، يمكن أن تستفيد ولاية ساكسونيا أنهالت على وجه الخصوص من التمويل الذي يوفره قانون الرقائق. ففي مارس 2022م، أعلنت شركة إنتل الأمريكية لتصنيع الرقائق أنها ستقوم بإنشاء مصنع جديد لإنتاج أحدث جيل من الرقائق في مدينة ماجديبورج عاصمة الولاية، اعتبارًا من عام 2027م. بالإضافة إلى ذلك، تريد شركة صناعة الرقائق Infineon البدء في بناء مصنع جديد في مدينة دريسدن عاصمة ولاية ساكسونيا هذا الخريف بكلفة تقترب من 5 مليار يورو والذي سيوفر حوالي 1000 فرصة عمل. كما تستثمر مجموعة Wolfspeed الأمريكية في تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية في ولاية سارلاند.

     كما رحبت الشبكة الصناعية المختصة بتقنيات الرقائق في ولاية ساكسونيا Silicon Saxony بالقانون، وقال Frank Bösenberg المدير التنفيذي للشبكة   “إن قانون الرقائق الأوروبي يخلق أمانًا للاستثمار والتخطيط لشركات صناعة الرقائق الالكترونية ومورديها”. حيث سيتم تعزيز قدرات الموردين الأوروبيين في مجالات تصميم الرقائق وإنتاج المواد الكيميائية وإنتاج الرقائق وكذلك عمليات الأتمتة. كما يثبت القانون قدرة أوروبا على اتخاذ القرار والتنفيذ.

     وقد شهدت العقود الثلاثة الماضية اتجاهًا تصاعديًا قويًا في صناعة الرقائق الالكترونية حيث تضاعفت المبيعات في هذه الصناعة أكثر من أربعة أضعاف من عام 1991م إلى عام 2022م، لتصل إلى 573 مليار دولار، فيما تشير التوقعات الى ان مبيعات صناعة الرقائق الالكترونية ستصل الى تريليون دولار بحلول العام 2023م.