أظهرت الحرب في أوكرانيا الى أي مدى هي الاقتصاديات العالمية مترابطة ومعتمدة على بعضها البعض، بحيث ان أي تحول او ازمة في احدى هذه الاقتصاديات يؤثر بالضرورة على الاقتصاديات في الدول الأخرى. وبالتالي مدى صعوبة الخروج او التخلي الكامل عن العمليات والعلاقات الاقتصادية بين الدول، ويظهر ذلك بشكل جلي في حالة روسيا والتي ساهمت سياساتها وحتى العقوبات التي فرضت عليها في الاضرار ليس فقط باقتصادها بل ايضاً باقتصاديات العديد من الدول في أوروبا وفي العالم.

 وتبدوا ألمانيا، والتي تعد ثاني أكبر دولة مصدرة للسلع والبضائع في العالم بعد الصين، مرتبطة ومتشابكة بشكل كبير باقتصاديات العديد من الدول، منها الى جانب دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الامريكية والصين. فبحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي بلغت نسبة البضائع والسلع التي تم انتاجها خارج ألمانيا وتم تصديرها خلال العام 2021م، باعتبارها منتجات ألمانية 24.5 في المئة من اجمالي الصادرات الألمانية، بعد ان كانت تبلغ في العام 1990م، نسبة 10 في المئة فقط.

وقد بلغت قيمة هذه البضائع المصنعة في الخارج حوالي 338 مليار يورو، وهو ما يفوق مساهمة أي ولاية فيدرالية في ألمانيا في اجمالي الصادرات، حيث تعد ولاية فادن فورتمبيرج، أكبر ولاية ألمانية من حيث صادرات السلع والبضائع بحجم صادرات في العام 2021م، بلغ 221 مليار يورو.  ووفقا لتقرير مكتب الإحصاء الاتحادي فانة بدون انتاج وتصنيع الشركات الألمانية لمنتجاتها في دول أخرى فانة لم يكن باستطاعة ألمانيا تحقيق فائض تجاري منذ العام 2018م. كما اشارت دراسة لمؤسسة كونراد أديناور، نشرت في العام 2021م، أن الناتج المحلي الإجمالي الألماني سينخفض ​​بنسبة 10 في المئة تقريبًا في حالة نقل كامل عمليات الإنتاج للشركات الألمانية من الخارج إلى ألمانيا. 

 ولا يقتصر تشابك ألمانيا اقتصاديا مع العالم على حجم الإنتاج والتصنيع خارج ألمانيا، بل يظهر ذلك أيضا في مدى مساهمة السلع الوسيطة المستوردة في المنتج النهائي، حيث بلغت حصة السلع الوسيطة المستوردة في الإنتاج الألماني المحلي من السلع النهائية في عام 2019م، حوالي 19.6 في المئة.

 وتعد الصين اهم الشركاء التجاريين لألمانيا في العالم وذلك للعام الخامس على التوالي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2021م، نحو 246 مليار يورو، وبلغت صادرات ألمانيا الى الصين 104 مليار يورو وبلغت واردتها منها 142 مليار يورو. كما لا تقتصر العلاقات الاقتصادية بين البلدين على تبادل السلع والبضائع فحسب، بل تلعب الاستثمارات المتبادلة دورا مهما حيث تعد الصين من اهم الدول التي تقوم الشركات الألمانية بتصنيع منتجاتها فيها، فعلى سبيل المثال تدير شركة صناعة السيارات الألمانية العملاقة فولكسفاجن في الصين حولي 27 موقعاً للإنتاج يحتوي على 40 مصنعاً.

ولا تقتصر الاعتمادية الاقتصادية بين الصين وألمانيا بل تتوسع لتشمل دول الاتحاد الأوروبي والصين، وبحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فان الصين معتمدة على دول الاتحاد الأوروبي بأكثر من اعتماد دول الاتحاد على الصين. وينخفض هذا الاعتماد بشكل واضح في حالة حساب القيمة المضافة لأجمالي اقتصاد الجانبين، حيث تبلغ مساهمة الواردات الصينية في تشكيل المنتج النهائي في الاتحاد الاوروبي حوالي 2 في المئة، بينما تبلغ مساهمة الواردات الأوروبية في المنتج النهائي في الصين نحو 2.2 في المئة.  لكن الوضع يختلف عند حساب عدد الوظائف وأماكن العمل المعتمدة او المتعلقة بالصادرات لكلا الجانبين حيث، وبحسب بيانات العام 2018م، تعتمد نحو 15.7 مليون وظيفة في الاقتصاد الصيني على الصادرات الى الاتحاد الأوروبي، فيما تعتمد 4.1 مليون وظيفة على الصادرات الى ألمانيا. في الجهة المقابلة تعتمد 3.5 مليون وظيفة في الاتحاد الأوروبي على الصادرات الى الصين، وفي ألمانيا تبلغ عدد الوظائف المرتبطة بالصادرات الى الصين حوالي 1.1 مليون وظيفة.  ومع اختلاف عدد الوظائف لدي كل جانب التي تعتمد على التصدير، الا ان النسب تظهر مدى اعتماد اقتصاد كل بلد على صادراته للبلد الاخر، حيث تساهم الصادرات الألمانية الى الصين في 2.7 في المئة من القيمة المضافة للاقتصاد الألماني وبنسبة 2.4 في المئة من اجمالي الوظائف. بينما في الصين لا تساهم الصادرات الى ألمانيا سوى بنسبة 0.5 في المئة من القيمة المضافة للاقتصاد الصيني ونسبة 0.6 في المئة من أماكن العمل.

 وفي مسألة تطور الاعتمادية بين اقتصاديات الاتحاد الأوروبي وألمانيا من جهة والصين من جهة أخرى، يظهر هنا اتجاهان متعاكسان، فبينما تعمل دول الاتحاد الأوروبي وألمانيا بشكل مستمر على توسيع التبادل التجاري مع الصين، تتخذ الصين اتجاهاً مغايراً قائم على خفض انفتاحها التجاري المستمر منذ 15 عاماً. فبينما كانت مساهمة الواردات من الاتحاد الأوروبي في المنتج النهائي في الصين تبلغ في العام 2007م، نحو 4.4 في المئة، انخفضت هذه النسبة في العام 2018م، لتصبح 2.2 في المئة فقط. هذه السياسة الصينية سوف تؤدي خلال المدى المتوسط لان تصبح دول الاتحاد الأوروبي وألمانيا معتمدة على الصين أكثر من اعتماد الأخيرة على دول الاتحاد.