صرح وزير المالية في الحكومة الاتحادية Christian Lindner ان كلفة خدمة ديون الحكومة الاتحادية في ميزانية العام القادم 2024م، ستبلغ نحو 37 مليار يورو وهو ما يمثل عشرة اضعاف كلفتها قبل عامين، حيث بلغت في العام 2021م، حوالي أربع مليارات يورو فقط. وأجرى معهد الاقتصاد الألماني (IW) دراسة حول الأسباب الرئيسية التي أدت الى هذا الارتفاع السريع والكبير في خدمة الديون الحكومية والتي خلصت الى “إن الزيادة الهائلة هي مؤشر على أن كلاً من الحكومة الائتلافية بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي برئاسة المستشارة السابقة انجيلا ميركل والحكومة الائتلافية الحالية التي تضم الى جانب الحزب الاشتراكي حزب الخضر والحزب الليبرالي الحر برئاسة المستشار اولاف شولتز قد فشلا في تأمين أسعار فائدة منخفضة على المدى الطويل لصالح دافعي الضرائب”. حيث ارتفعت نسبة كلفة خدمة الدين للحكومة الاتحادية من نسبة 1.3 في المئة من الإيرادات الضريبية للحكومة الاتحادية في العام 2021م، الى نسبة 11.1 في المئة في العام 2023م.

     كما اعادت دراسة معهد (IW) ارتفاع كلفة خدمة الديون الى سببين أساسيين يتمثل السبب الأول في ارتفع مستوى الدين بسبب العجز القياسي لميزانية الحكومة الاتحادية وبرامج المساعدات التي اقرتها الحكومة خلال جائحة كورونا، حيث ارتفعت ديون الحكومة الاتحادية في الفترة من 2019م إلى 2022م بنسبة 35 في المئة إلى 1.78 تريليون يورو. والمزيد من الديون يعني المزيد من تكاليف الفائدة، وخاصة منذ رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة لمواجهة معدلات التضخم العالي في منطقة اليورو.

     اما السبب الثاني في الارتفاع الكبير لكلفة خدمة الديون فيعود الى ان الحكومة الاتحادية اعتمدت بدرجة كبيرة على الديون قصيرة الأجل نسبيًا في السنوات الأخيرة. ففي نهاية عام 2022م، كان ما يقرب من ربع حجم القروض لديه مدة متبقية أقل من عام واحد على استحقاق السداد، وربع آخر من هذه القروض لديه مدة متبقية لاستحقاق السداد تتراوح من سنة إلى أربع سنوات. وبالتالي يتعين على الحكومة الاتحادية إصدار العديد من السندات الجديدة كل عام لسداد الديون القديمة، ويتوقع ان تبلغ قيمة السندات الحكومية التي ستصدرها هذا العام حوالي 500 مليار يورو.

     واعتبر وزير المالية الاتحادي نفقات الفائدة المرتفعة سببًا لرفض كل الدعوات المطالبة بتعليق جديد للمادة الخاصة بكبح الديون في الدستور، حيث “لا يمكن تحمل ديون جديدة إلى أجل غير مسمى لأنها تحد من نطاق الإنفاق الحكومي على قطاعات أخرى”.

     ومع ارتفاع كلفة تمويل الديون في المانيا والتي تسري أيضا على بقية دول الاتحاد الأوروبي الا ان وضع ألمانيا، التي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا، ما يزال بالمقارنة أفضل من وضع الاقتصادين الفرنسي والإيطالي. وأوضحت دراسة لوكالة التصنيف الأوروبية Scope، ان عبء الفائدة سيرتفع بشكل كبير بحلول عام 2028م، مع ارتفاع أسعار الفائدة. حيث سيتم في ألمانيا إنفاق 2.1 في المئة من إيرادات الميزانية العامة لمدفوعات الفائدة، بينما كانت هذه النسبة في عام 2020م، حوالي واحد في المئة.  وقال محللا وكالة التصنيف الأوروبية Jakob Suwalski   وBrian Marly”إن فترة طويلة من ارتفاع أسعار الفائدة في منطقة اليورو تمثل اختبارًا لإدارة ديون الحكومات مع ارتفاع تكاليف التمويل. واشارا الى ان ألمانيا في وضع قوي ولديها مجال مالي كبير للمناورة في الإنفاق “. ” لكن الأمور تبدو أكثر دراماتيكية في فرنسا وإيطاليا، ثاني وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا. ففي فرنسا من المتوقع أن يتم استخدام حوالي 5.2 في المئة من الإيرادات الحكومية لمدفوعات الفائدة بحلول عام 2028م. وسيكون ذلك بمثابة زيادة حادة قدرها 2.9 نقطة مئوية منذ عام 2020م. وفي حالة إيطاليا، من المرجح أن تصل النسبة إلى 8.2 في المئة، وهو ما يعني أنها ستستقر عند مستوى مرتفع. وما تزال الحكومة في روما تعاني من مستويات عالية من الديون الجديدة. ومؤخراً تزايدت شكوك الأسواق المالية تجاه البلاد من جديد. وللمرة الأولى منذ ستة أشهر، ارتفعت نسبة المخاطرة على سندات الحكومة الإيطالية فوق نقطتين مئويتين مقارنة بالسندات الحكومية الألمانية لعشر سنوات. ويعتبر هذا مؤشرا على مدى تراجع استعداد المستثمرين لإقراض الأموال للدولة الإيطالية.

      وترى وكالة التصنيف ضغوطا متزايدة على الميزانيات الحكومية ليس فقط بسبب ارتفاع تكاليف الفائدة. ولكن أيضا وبشكل خاص نتيجة ارتفاع الإنفاق الاجتماعي والصحي والاستثمارات في تحول الطاقة وزيادة الإنفاق الدفاعي. وخلص محللو Scope إلى أنه “على المدى الطويل، هناك مخاوف من أن المجال المتاح لحكومات منطقة اليورو لتنفيذ إصلاحات الميزانية الضرورية سوف يصبح أصغر بشكل متزايد”.

     الجدير بالذكر ان الدين العام للدولة الألمانية، والذي يشمل ديون الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والبلديات والضمان الاجتماعي، ارتفع خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي ووصل في نهاية شهر يونيو 2023م، إلى2.417 ترليون يورو، وهو ما يساوي 66.2 في المئة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي.  ويزيد هذا المبلغ بنسبة 2.1 في المئة أو ما يساوي 49 مليار يورو عما كان عليه حجم الدين العام في نهاية عام 2022م.