أشار التقرير السنوي الخاص بحالة الاقتصاد الألماني وتوقعات نموه والذي أعدته لجنة “حكماء الاقتصاد”، التي تضم خمسة خبراء من اهم مراكز الأبحاث الاقتصادية وسلمته الى المستشار اولاف شولتز، الى الأثر الكبير المتوقع لشيخوخة المجتمع الألماني على النمو الاقتصادي خلال السنوات والعقود القادمة. وتوقع حكماء الاقتصاد ان متوسط نمو الاقتصاد الألماني في الظروف الطبيعية سيبلغ 0.7 في المئة فقط سنويًا حتى العام 2070م. ووصفت رئيسة مجلس الحكماء Monika Schnitzer، هذه النتيجة بالقول ” ان ألمانيا ليست رجل أوروبا المريض ولكنها رجل أوروبا العجوز”.

ولا يقتصر سبب توقع معدل النمو المحدود هذا على تراجع القوة العاملة في الاقتصاد الألماني بل نتيجة أيضا لاحتمال حدوث زيادات كبيرة في أقساط الاشتراكات في تأمين المعاشات التقاعدية بسبب عدم التوازن بين عدد العاملين وعدد المتقاعدين عن العمل. فوفقا للوضع والظروف الحالية، فإن متوسط ​​معدل أقساط التأمين التقاعدي البالغ 18.6في المئة من الأجور سيرتفع إلى 26 في المئة بحلول عام 2080م.

ومن أجل وقف هذا التطور، يقترح مجلس حكماء الاقتصاد إجراءات تغييرات جذرية على نظام التقاعد في ألمانيا، من أبرزها ربط سن التقاعد بمتوسط ​​العمر المتوقع إضافة الى تخفيض معاشات التقاعد الى جانب توفير الدعم من صناديق معاشات التقاعد التي تبلغ قيمتها المليارات. ومن أجل محارب الفقر الذي يعاني منه عدد من المتقاعدين بسبب ضعف المعاشات التقاعدية يقترح الغالبية من حكماء الاقتصاد ان يدعم المتقاعدون الأثرياء المتقاعدين الأكثر فقرًا بجزء من معاشاتهم التقاعدية. واعتبرت رئيسة مجلس الحكماء Schnitzer، هذه المقترحات ضرورية بالرغم من ” اننا نعلم ان هذه مقترحات مؤلمة”. من جهته حذر الاتحاد الألماني لتأمين المعاشات التقاعدية (DRV) الحكومة الى أهمية ضمان التمويل المستدام والمساواة بين الأجيال في إصلاحات نظام المعاشات التقاعدية المخطط لها.

بشكل عام، يعد التقرير السنوي الصادر عن حكماء الاقتصاد نداءً عاجلاً للحكومة الاتحادية، التي ما تزال ترفض حتى الان اجراء اية إصلاحات على نظام التقاعد. واعتبر المستشار شولتز إن النمو لا ينبغي أن يتراجع بسبب ان هنالك “عدداً أقل من الرجال والنساء يعملون”. ولذلك، لا بد من تعبئة “كل الموارد” لعلاج ذلك. وحدد المستشار التدريب وتوظيف المرأة والهجرة كإجراءات لزيادة عدد العاملين في الاقتصاد، ولم يذكر ضرورة اجراء اية تعديلات او إصلاحات على نظام المعاشات التقاعدية. واعتبرت Schnitzer إن هذه التدابير مهمة “لكنها ليست كافيه لوحدها “.

ونقل الخبراء الاقتصاديون ان المستشار أكد في مناقشات معهم انه لا يرى ضرورة او حاجة لمثل هذه الإصلاحات في مجال المعاشات التقاعدية، كما نقلوا ان شولتز اعتبر ان التغير الديموغرافي لا يمثل مشكلة كبيرة. بينما ترى التوقعات انه في حين كان 50.3 مليون شخص في سن العمل في ألمانيا في عام 2021م، فمن المتوقع أن ينخفض ​​العدد إلى 45.5 مليون بحلول عام 2080م، وهو ما اعتبرته الخبيرة الاقتصادية وعضو مجلس الحكماء Veronika Grimm دلالة على ان “هناك حاجة ملحة لإصلاح نظام تأمين التقاعد”.

بشكل عام لا تريد الحكومة الاتحادية الحالية، على غرار الحكومة السابقة، تغيير أي شيء في نظام التقاعد في الوقت الراهن بعد عملية اصلاح المعاشات التقاعدية التي جرت في العام 2018م، والتي وضعت ما يسمى “خط التوقف المزدوج” في تأمين المعاشات التقاعدية الحكومي، والذي يسري حتى عام 2025م، ويتضمن ان الحد الأقصى لمستوى المعاشات التقاعدية (قبل الضرائب) 48 في المئة من متوسط ​​الأجور. كما تم تحديد الحد الأقصى لمعدلات قسط تأمين التقاعد عند 20 في المئة من الراتب. وتريد الحكومة التخلي عن الحد الأقصى لمعدل قسط التأمين، ولكن لا ينبغي أن يتأثر مستوى المعاشات التقاعدية، وهذا ممكن بالفعل فقط من خلال زيادة دعم ميزانية المعاشات التقاعدية من الميزانية الاتحادية.

وفي مسودة التقرير السنوي لتأمين المعاشات التقاعدية، تفترض وزارة العمل الاتحادية أنه يمكن الحفاظ على معدل قسط تأمين التقاعد مستقرًا عند 18.6 في المئة حتى عام 2027م. ولتحقيق هذه الغاية، يجب ان يزيد الدعم من الميزانية الاتحادية بنسبة 20 في المئة تقريبًا من 84 مليار يورو إلى أكثر من 101 مليار يورو خلال هذه الفترة.  في الجهة المقابلة، وفي حالة التخلي عن الحد الأقصى لمستوى المعاشات التقاعدية والحد الأقصى لقسط التأمين التقاعدي فان من المتوقع أن يزيد معدل القسط إلى 21.6 في المئة بحلول عام 2037م، وينخفض مستوى معاشات التقاعد من 48 في المئة الحالي إلى 45 في المئة. ومن ثم سيرتفع الدعم الاتحادي إلى 145 مليار يورو. وبحلول عام 2080م، تشير تقديرات مجلس حكماء الاقتصاد إلى أن أقساط التأمين التقاعدي يمكن أن ترتفع إلى 24 في المئة من الراتب، ومستويات المعاش التقاعدي ان تنخفض إلى 44 في المئة من متوسط الأجور.

لهذا يؤكد عضو مجلس حكماء الاقتصاد Martin Werding، انه “لا يوجد خيار إصلاح واحد يكفي لحل مشاكل تمويل تأمين المعاشات التقاعدية الحكومي”. ومن ثم فإن حزمة مقترحات الإصلاح التي ناقشها مجلس حكماء الاقتصاد بعيدة المدى تتضمن التالي:

  1. رفع سن التقاعد، بحيث يتم ربط سن التقاعد مع متوسط العمر المتوقع. ويبلغ سن التقاعد الحالي 67 عاما وبعد ذلك، وفقا للاقتراح، سيزيد بنحو ستة أشهر كل عشر سنوات. وبحسب مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات أن “سنوات الحياة الصحية المتبقية عند سن 67 عامًا” في ألمانيا في عام 2021م، كانت 9 سنوات تقريبًا. ويعترض عدد من الخبراء على هذا المقترح باعتبار ان العمل لفترة اطول سيكون ضار بشكل خاص للأشخاص ذوي الدخل المنخفض لأنهم في كثير من الأحيان لا يعيشون لفترة طويلة وسوف يستفيدون بشكل أقل من المعاش التقاعدي.
  2. إلغاء التقاعد المبكر بدون استقطاعات، حيث ومنذ عام 2014م، أتيحت الفرصة للأشخاص المؤمن عليهم على المدى الطويل للتقاعد مبكرًا دون أي خصومات، وهو ما اعتبره العديد من الخبراء خطأ حيث يشيرون إلى الأبحاث التي تظهر أن إمكانية التقاعد المبكر هذه تستخدم بشكل خاص من قبل الأشخاص ذوي الدخل المتوسط ​​والحالة الصحية فوق المتوسطة.
  3. إعادة التوزيع في تأمين التقاعد، ويهدف هذا المقترح الى محاربة الفقر لدي شريحة المتقاعدين حيث بلغ معدل خطر الفقر بين كبار السن في ألمانيا في عام 2019م، حوالي 15 في المئة، بينما كان في عام 2010م، عند نسبة 13.8 في المئة. واعتمادا على هذا المقترح لن يعود الحساب الفردي لمستوى المعاش التقاعدي الذي يعتمد فقط على الاشتراكات المدفوعة قائما وبدلا من ذلك، سيتم ادخال حساب التقاعد التدريجي. ووفق هذا الحساب يحصل الأشخاص ذوو الدخل المنخفض وبالتالي استحقاقات المعاشات التقاعدية المنخفضة على مزايا معاشات تقاعدية مرتفعة. ولتمويل هذا الإجراء، سيتم تخفيض استحقاقات التقاعد للفئات ذات الدخل المرتفع.
  4. حساب توفير شخصي للاستثمار في الأسهم للجميع، في اتفاق تشكيل الحكومة الاتحادية، اتفق الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والحزب الديمقراطي الحر على تحمل ديون بقيمة عشرة مليارات يورو، واستثمارها في سوق الأوراق المالية وبالتالي تخفيف العبء عن المساهمين في تأمين المعاشات التقاعدية. ومع ذلك، فإن العائد الذي يمكن تحقيقه سيكون منخفضًا جدًا بحيث لن يكون ذو تأثير يذكر، وفي نفس الإطار يرغب وزير المالية الاتحادي Christian Lindner في استثمار ما يقرب من اثني عشر مليار يورو سنويًا حتى عام 2037م، بنفس الألية. لكن، ووفقا للحسابات الاقتصادية، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى خفض معدل مساهمة الموظف في التأمين بمقدار 0.6 نقطة مئوية فقط. أحد أسباب ذلك هو أنه يتعين اولاً خصم الفائدة على سداد الدين من عائد السهم. بينما يقترح مجلس حكماء الاقتصاد تشجيع المواطنين مباشرة على الاستثمار في سوق رأس المال بحيث يحصل كل مواطن تلقائيًا على حساب توفير للأسهم يقوم بالاستثمار فيه ومن ثم يمكن لعائد هذا الاستثمار ان يساهم في رفع المعاش التقاعدي. وبافتراض أن معدل الادخار يبلغ أربعة في المئة من إجمالي الأجور فيما تبلغ العائدات خمسة في المئة في هذه الحسابات فان حكماء الاقتصاد يرون تأثيرا إيجابيا على مستوى المعاشات التقاعدية.

هذه المقترحات من حكماء الاقتصاد لم تحظى بإجماع أعضاء المجلس الخمسة بل اعترض عضوان على بعض المقترحات هما Achim Truger الذي اعترض على مجمل المقترحات بشكل أساسي وVeronika Grimm التي اعترضت على خطط إعادة التوزيع في تأمين التقاعد في دلالة على الاختلاف الكبير في وجهات النظر حول خطوات اصلاح نظام التقاعد.