أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارًا بعدم دستورية قرار الحكومة الاتحادية بنقل مبلغ 60 مليار يورو والمتبقي من الأموال الغير مستخدمة لمكافحة جائحة كورونا الى صندوق المناخ والتحول (KTF)، والذي سيتم من خلاله تمويل العديد من المشاريع التي تخدم حماية البيئة والمناخ. وجاءت حيثيات القرار بان هذه الأموال تم اقتراضها لمواجهة ظرف طارئ وبعد موافقة البرلمان على تعطيل المادة الدستورية الخاصة بكبح الديون والتي تنص على عدم جواز ان تتجاوز القروض الحكومية نسبة 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الواحد الا في حالة الكوارث الطبيعية او الطوارئ. واعتبرت المحكمة الدستورية ان تخصيص هذا المبلغ لتحقيق اهداف حماية البيئة، على أهميته، لا يعد أمرا طارئًا.

     ويتمثل الأثر المباشر لقرار المحكمة الدستورية العليا في أن تمويل العديد من مشاريع السياسة المناخية والصناعية الخاصة بالحكومة الاتحادية معرض الآن للخطر. ومن أبرز هذه المشاريع البرامج والمشاريع التي اقرتها الحكومة في مجال دعم صناعة الرقائق الإلكترونية حيث تم بالفعل تخصيص المليارات من الإعانات لدعم إنشاء العديد من مصانع الرقائق، منها على سبيل المثال، مشروع المصنع الذي ستقيمه المجموعة التايوانية TSMC في مدينة دريسدن في ولاية ساكسونيا، كذلك مشروع شركة إنتل الأمريكية لصناعة الرقائق في مدينة ماجديبورج في ولاية ساكسونيا-انهالت، والذي يعد أكبر استثمار أجنبي في ألمانيا بقيمة تقترب من 30 مليار يورو.

     كما يهدد توقف التمويل مشاريع إحلال الهيدروجين في صناعة الحديد والصلب حيث خصصت الحكومة المليارات في صندوق المناخ لدعم 45 شركة في تحويل عمليات الإنتاج الخاصة بها من الوقود الاحفوري مثل النفط والغاز الى الهيدروجين وبالتالي إزالة الكربون في عمليات انتاج الحديد والصلب والتي تعد من أكثر العمليات الصناعية الملوثة للمناخ. كذلك الامر مع مشاريع دعم بناء مصانع بطاريات السيارات الكهربائية والتي كان ينبغي أيضًا تمويل الإعانات المخصصة لها من صندوق التحول والمناخ.

     من اهم المشاريع التي تم التخطيط لتمويلها عبر صندوق التحول والمناخ وباستخدام ال 60 مليار يورو هي مشاريع تجديد خطوط السكك الحديدية حيث تم تخصيص ميزانية بحوالي أربع مليارات يورو لتحديث وتطوير البنية التحتية للسكك الحديدية للعام 2024م وحده، وبحلول عام 2027م، كان التمويل سيبلغ 12.5 مليار يورو. ومن المقرر ان يتم تجديد أكثر من ثلث محطات القطارات بحلول العام 2030م. ويخشى وزير النقل الاتحادي Volker Wissing، من فجوة تمويلية للمشروع تبلغ 25 مليار يورو، وبالتالي فان تجديد السكك الحديدية مهدد بالتوقف بعد حكم المحكمة الدستورية.

     من المشاريع الأساسية التي ستتأثر أيضا مشروع تمويل أنظمة التدفئة الجديدة والتجديدات الموفرة للطاقة (التمويل الاتحادي للمباني الفعالة – BEG) المنصوص عليها في قانون طاقة البناء المعروف أيضًا باسم “قانون التدفئة”.  والتي كان من المفترض ان تأتي هذه الأموال أيضا من صندوق التحول والمناخ. وقد تم بالفعل تجميد الميزانية الخاصة بهذه الإعانات من قبل وزير المالية الاتحادي Christian Lindner، بعد قرار المحكمة الدستورية. ومن المقرر أن يبدأ برنامج التمويل لاستبدال التدفئة الذي خططت له الحكومة الاتحادية في بداية عام 2024م.

     وفي اول اجراء من الحكومة الاتحادية لمعالجة نقص التمويل بعد قرار المحكمة الدستورية تم إقرار موازنة تكميلية للعام الجاري 2023م، والتي سترفع حجم الاقتراض الحكومي للعام الجاري من 45 مليار يورو المخطط لها سابقا إلى 70.6 مليار يورو. والهدف الأساسي من هذه الموازنة التكميلية توفير الأموال لبرنامج الحد الأقصى لأسعار الطاقة الذي تم إنفاقها بالفعل. وسيتم ذلك من خلال اعلان الحكومة “حالة طوارئ استثنائية” أخرى بأثر رجعي هذا العام من اجل تعليق المادة الدستورية المتعلقة بكبح الديون. ولا يزال يتعين على البرلمان الاتحادي (البوندستاج) الموافقة على ذلك. وهذه هي السنة الرابعة على التوالي التي سيتم فيها تعليق كابح الديون.

     وحتى مع إقرار الموازنة التكميلية فان الواقع يقول ان صندوق التحول والمناخ (KTF) أصبح تحت تصرفه الآن مبلغ أقل بنحو 60 مليار يورو مما هو مخطط له، وعلى الرغم من ان الصندوق لدية موارده الخاصة من رسوم انبعاثات الكربون والتي ستستمر في التدفق الا انه مع الغاء مبلغ ال 60 مليار يورو سيكون لدى الصندوق موارد أقل بنسبة 30 في المئة تقريبًا بحلول عام 2027م، وهذا يعني تمويلًا أقل لحماية المناخ وإعادة الهيكلة الاقتصادية والإعانات.

    وتتركز الخيارات المتاحة حتى الان امام أحزاب الائتلاف الحاكم أما في زيادة الضرائب على الطبقات الأكثر ثراءً، وهو الامر الذي يرفضه الحزب الديمقراطي الحر، ويتمثل البديل الآخر في زيادة دخل صندوق المناخ من خلال رفع سعر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكن ذلك من شأنه أن يجعل إعادة التزود بالوقود والتدفئة أكثر تكلفة على المواطنين وعلى الشركات الصناعية. الى جانب خيار تعليق أو إلغاء المادة الدستورية الخاصة بكابح الديون لإتاحة الامكانية للحكومة للاقتراض لتمويل مشاريع التحول المناخي. ويتطلب هذا الخيار موافقة ثلثي البرلمان الاتحادي لكن مع عدم موافقة أحزاب الاتحاد المسيحي المعارض الى جانب معارضة الحزب الديمقراطي الحر لا يعود هذا الخيار متاحًا. ويبقي خيار تعليق كابح الديون للعام الحالي والقادم بدعوى وجود حالة طوارئ والذي تستطيع أحزاب الائتلاف الحاكم تمريره في البرلمان، الا ان هذا القرار يواجه احتمال الغائه أيضًا بحكم من المحكمة الدستورية العليا.