يواجه الاقتصاد الألماني منذ عدة سنوات تحديات مختلفة نتيجة الازمات المتتالية بداية من جائحة كورونا واثارها الى جانب الحرب في أوكرانيا والأزمات المتنوعة التي نتجت عنها والتي كان أهمها ازمة امدادات الطاقة والارتفاع الكبير في الأسعار. وامام هذه التحديات سجل الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا انكماشا لربعين متتالين هما الربع الرابع من العام 2022م بنسبة 0.4 في المئة، والربع الأول من العام 2023م، بنسبة 0.1 في المئة. ليدخل الاقتصاد فيما يسمى الركود الفني قبل ان يخرج من هذه الحالة بعد ان توقف انكماش الناتج المحلي في الربع الثاني من العام 2023م. الا ان توقعات المعاهد الاقتصادية تشير الى احتمال ركود اقتصادي خلال العام الحالي.

ولمواجهة هذه التحديات الاقتصادية ومن أجل تحفيز النمو اقرت احزاب الائتلاف الحاكم المؤلفة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي برنامجًا لدعم الاقتصاد من عشر نقاط أساسية:

  • قانون فرص النمو: يفترض بهذا القانون ان يحفز الاستثمار والابتكار خصوصا في الشركات المتوسطة الحجم وكذلك تحفيز الاستثمارات صديقة البيئة بهدف الدفع بالنمو ورفع القدرة التنافسية لألمانيا كموقع لإقامة الاعمال والاستثمار. ومن الإجراءات التي يتضمنها مشروع القانون تقديم إعفاءات ضريبية للشركات المتوسطة وصغيرة الحجم بنحو 7 مليار يورو سنويا. بالإضافة الى رفع حد تعويض خسائر الشركات الى 80 في المئة من ضرائب أرباح الشركة في السنوات الماضية. أي في حال ما سجلت الشركة خسائر في السنوات الأربع القادمة فسيتم تعويض 80 في المئة من هذه الخسائر من خلال إعفاءات ضريبية على ارباح الشركة في السنوات الماضية.
  • قانون التمويل المستقبلي: ويهدف هذا القانون الى دعم الشركات الناشئة القائمة على الابتكار في ألمانيا والسعي الى تقوية موقع ألمانيا في قائمة الدول الجاذبة للشركات الناشئة الى جانب كونها في الوقت الحاضر تتميز بقطاعات صناعية ومهنية وخدمية قوية. ومن الإجراءات التي اقرها مشروع القانون تحسين الشروط الاطارية لإنشاء وعمل الشركات الناشئة بما في ذلك تحسين عملية تعبئة راس المال الخاص، الى جانب تقديم الدولة دعما للشركات الناشئة بنحو مليار يورو سنويًا.
  • صندوق المناخ والتحول: ويعتبر هذا الصندوق أكبر اداه تمتلكها الحكومة الاتحادية لدعم تحديث الاقتصاد ودعم الاستثمارات في حماية المناخ، خصوصا في قطاعات البناء والنقل. وستبلغ موجودات الصندوق خلال السنوات القادمة نحو 211 مليار يورو. وسيذهب الجزء الأكبر من هذه الأموال الى تجديد المباني وإجراءات إزالة الكربون في العمليات الصناعية وتعزيز وسائل النقل المحايدة مناخيًا، بالإضافة الى تعزيز صناعة الهيدروجين. وسيتم إنفاق 58 مليار يورو من هذا المبلغ على هذه الإجراءات في العام 2024م. كما تم تخصيص 54 مليار يورو من المبلغ أيضا لتحديث البنية التحتية لشبكة السكك الحديدية.
  • تسريع عمليات التخطيط والموافقة: من اجل تحسين موقع ألمانيا كبلد للاستثمار يجب تسريع عملية التخطيط والموافقة ومنح التصاريح لتنفيذ المشاريع بشكل كبير. خلال العام والنصف الماضية تم إقرار مجموعة قوانين لتسريع عملية التوسع في بناء الطاقات المتجددة والبنية التحتية الأساسية. ويظهر تأثير هذه القوانين في انجاز بناء محطات الغاز المسال لتأمين امدادات الطاقة في وقت قياسي. وستعمل الحكومة على المزيد من تسريع عمليات التخطيط والموافقة على المشاريع في مختلف القطاعات.
  • الحد من البيروقراطية: تعاني الإدارة الحكومية في ألمانيا من البيروقراطية وطول الإجراءات والتي تمثل عائقا للاستثمار ولهذا تسعي الحكومة الاتحادية بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا إلى إقرار قانون تخفيف البيروقراطية على مستوى الاتحاد الأوروبي بحيث تصبح العمليات الإدارية أبسط وأكثر شفافية وبما يمكن من القيام باستثمارات اقتصادية مهمة بسهولة أكبر.
  • ضمان امدادات الطاقة بأسعار معقولة: وفي هذا المجال تعمل الحكومة على زيادة انتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الرياح والشمس وتعزيز طاقة الهيدروجين وانشاء وتطوير البنية التحتية اللازمة لذلك حيث ان تأمين الطاقة بأسعار معقولة امر بالغ الأهمية لتنافسية الاقتصاد وتعزيز موقع ألمانيا الصناعي. ولتحقيق ذلك ومن اجل انجاز أهداف المناخ لعام 2023م، يجب ان يتم بناء محطات للطاقة الشمسية بمساحة 43 ملعبًا لكرة القدم يوميًا بالإضافة الى بناء 4-5 توربينات رياح بشكل يومي.
  • التقدم في عملية الرقمنة: مع استراتيجية البيانات الجديدة تعمل الحكومة على تحسين الشروط الاطارية لاستخدام البيانات وحمايتها وتحسين الاستثمار في اقتصاد البيانات. وسيتم العمل على ان تكون البيانات الصحية متاحة وأكثر سهولة في الاستخدام بما يمكن من تحسين العلاج والخدمات الصحية الى جانب تحسين الأبحاث وتسريع الموافقة على الادوية والعلاجات المبتكرة حتى تصبح ألمانيا موقعًا رائدًا للطب السريري. الى جانب تنفيذ استراتيجية الذكاء الصناعي وتسريع عملية رقمنة الإدارة.
  • العمال المهرة في ألمانيا: تعاني ألمانيا من نقص في العمالة الماهرة في العديد من القطاعات الاقتصادية والتي من المتوقع ان تزداد خلال السنوات القادمة بعد ارتفاع معدل التقاعد، لذا سيتم تنفيذ استراتيجية لتحسين التدريب ومنح مزيد من الفرص في هذا المجال الى جانب تنفيذ قانون هجرة العمالة الماهرة الذي اقر مؤخرًا خصوصا لجهة الحد من البيروقراطية ورقمنة إجراءات استقدام العمالة بالإضافة الى السعي الى استغلال الإمكانات المحلية سواء بزيادة توظيف النساء او إعادة تأهيل العاطلين عن العمل.
  • تعزيز المستقبل: عبر تعزيز التعليم المتميز والبحث والتطوير وجعل ألمانيا موقعًا للعلوم والتطوير، وفي هذا الجانب رفعت الحكومة الاتحادية ميزانية التعليم والبحث العلمي في موازنة 2024م، الى أكثر من 20 مليار يورو.
  • برنامج التجارة الخارجية وضمان امدادات المواد الخام: تعمل ألمانيا على تعزيز التعاون الدولي المستدام والتي تتضمن معارضة السياسات الحمائية وضمان عدالة وحرية التجارة العالمية. وتستهدف ألمانيا تحقيق علاقات تجارية جيدة وموثوقة مع بقية دول العالم والتي كان من امثلتها اقرار اتفاقية CETA للتجارة الحرة مع كندا والتوقيع على اتفاقية مماثلة مع نيوزيلندا كما انتهت المفاوضات في نفس النطاق مع كينيا ويتوقع ان يتم التوقيع على اتفاقية مماثلة أيضا مع تشيلي بنهاية العام الحالي. ويستهدف عمل الحكومة تعزيز التعاون الدولي من أجل تأمين امدادات المواد الخام للاقتصاد في ألمانيا.

وقد علق المستشار الألماني Olaf Scholz على البرنامج بان الحكومة تستهدف شن بذل اقصى الجهود من أجل تحفيز النمو. مشددًا على انه سيتم “استخدام الإجراءات الضريبية للمساعدة في ضمان إجراء الاستثمارات وعدم تأجيلها”. وقال وزير الاقتصاد الاتحادي Robert Habeck ” إن الوضع الاقتصادي والسياسي صعبا للغاية”. مشددا على أهمية ان تتدخل الحكومة لمساعدة الاقتصاد والعمل على التأكيد على جدوى الاستثمار في ألمانيا. فيما أوضح وزير المالية الاتحادي Christian Lindner “نحن نأخذ على محمل الجد أن ألمانيا تنمو بشكل أقل ديناميكية من غيرها، ولكن في الوقت نفسه نحن ندرك أيضًا ان لدينا اقتصاد قوي مكون من الشركات المتوسطة والصغيرة ولهذا السبب هناك إمكانات تطوير هائلة في بلدنا، والتي نريد دعمها بمختلف التدابير “.

بعض هذه الإصلاحات، وعلى وجه الخصوص مشاريع القوانين، تحتاج الى موافقة مجلس الولايات الذي تشترك فيه المعارضة الرئيسية وبالذات الحزب المسيحي الديمقراطي CDU ، والذي اعتبر زعيمة Friedrich Merz ان الإعفاءات الضريبة للشركات غير كافية مطالبًا بتقديم المزيد من الدعم للشركات الصناعية والشركات المتوسطة الحجم، كما يرى ان الحكومة الائتلافية تأخذ مسار خاطئ من حيث صياغة قوانين تزيد من البيروقراطية بدلا من محاربتها مثل قانون التأمين الأساسي للأطفال، والذي خصص نحو 500 مليون يورو للإجراءات الإدارية، كذلك  يرى Merz ان التركيز في حماية المناخ على منع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون دون البحث عن طرق اخري لمنع وصوله الى الجو أمر غير مفهوم من قبل الحكومة حيث ان هنالك طرقا أخرى مثل تخزين الغاز، خصوصا ان التقنيات اللازمة لذلك متوفرة وكذلك باعتبار ان الكربون “مادة خام قيمة لأجزاء كبيرة من صناعتنا التي تنتج البلاستيك والأسمدة والأدوية”. كما انتقد رئيس حزب CDU رفع الحكومة الاتحادية حجم المساعدات النقدية المقدمة للعاطلين مطالبًا بان يتم ضمان ان يحصل العاملون على دخل أكبر مما يحصل علية العاطلون من مساعدات اجتماعية. وبشكل عام أكد Merz انه في حال ما وصل حزبه الى الحكم بعد انتخابات العام 2025م، فانه سيتم الغاء العديد من القوانين التي اقرتها الحكومة الحالية وعلى رأسها قانون التدفئة.