المستوى العالي لنظام التعليم والبحث العلمي ومدى كفاءته يعد أحد الشروط الأساسية الواجب توافرها من اجل ضمان نمو اقتصادي مستدام ومن اجل ضمان فعالية وكفاءة القطاعات الاقتصادية الصناعية والإنتاجية، كما ان معدلات إنفاق الدولة على التعليم والبحث العلمي يمثل أيضا مؤشرا على مدى ديناميكية الاقتصاد ومدى فعاليته ودلالة على اتجاهات النمو والتطور الخاص به. اذ يؤثر التعليم في تحسين ظروف الحياة المختلفة بما فيها المجالات الاقتصادية، ويأتي ذلك من خلال تطوير القدرات والكفاءات والمؤهلات لدى الأفراد والتي يتطلبها سوق العمل، حيثُ إعداد الفرد لمواكبة تطورات سوق العمل بما يمتلكه من مهارات فنية أو علمية مختلفة كي يحصل على وظيفة مناسبة لتقوم بدورها في رفع المستوى المعيشي للفرد ووتساهم في تحقيق النمو الاقتصادي.

التعليم العالي في ألمانيا

تمثل ألمانيا نموذجا للدولة الناجحة على مختلف المستويات الاقتصادية والعلمية والثقافية، كما تحتل ألمانيا مراكز متقدمة في اغلب مؤشرات التقدم ورفاهية العيش والتنمية المستدامة سوآءً في محيطها الأوربي او على المستوى العالمي. يقف خلف هذا النجاح المشهود والمعترف به عالميا عوامل وعناصر عدة، أحد اهم هذه العوامل يرتبط بجودة التعليم في ألمانيا وكذلك بمستوى التقدم الذي حققه الألمان في مجال البحث العلمي والقدرة على الابتكار.

وبالنظر الى الاقتصاد الألماني فسنجد انه بمجملة، وعلى وجه الخصوص القطاع الصناعي والتقني الذي يمثل أحد اعمدته الرئيسية، يعتمد على استمرارية قدرته على المنافسة على المستوى الدولي على مخرجات النظام التعليمي وعلى نتائج البحوث والابتكارات الجديدة التي تقدمها الهيئات المتخصصة من القطاع العام والخاص في هذا المجال والتي تأتي في مقدمتها المؤسسات والهيئات البحثية الجامعية.

يتميز النظام التعليمي الألماني العام، والجامعي منه بشكل أكثر تحديدا، بالتنوع والتعقيد والذي أتى نتيجة عدة عوامل من ضمنها وفرة عدد المؤسسات الاكاديمية واختلاف صنوفها وكذلك نتيجة لاتساع طيف التخصصات الإنسانية والعلمية التي تدرس بهذه المؤسسات إضافة الى استراتيجية ربط مخرجات العملية التعليمية ورسم الخطط وبرامج التطوير باحتياجات المجتمع وباحتياجات قطاعات الاقتصاد المختلفة.

يعود بدأ التعليم الجامعي في ألمانيا الى العام 1389م الذي شهد انشاء جامعة هايدلبرغ والتي تعد اول وأقدم جامعة في ألمانيا، ووفقًا لوزارة التعليم والبحث العلمي الاتحادية، يوجد حاليًا في ألمانيا 423 جامعة. ويشمل هذا العدد من الجامعات على الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة. وقد بلغ عدد الطلاب والطالبات المسجلين في هذه الجامعات للفصل الشتوي 2022-2023م، (2920263) طالب وطالبه من ضمنهم 1699938 طالب وطالبة يدرسون في الجامعات العامة وحوالي 1095425 طالب وطالبة يدرسون في الجامعات التقنية فيما يتوزع باقي الدارسين على بقية أنواع الجامعات الأخرى. وقد ارتفع عدد الطلاب الجدد في الجامعات في ألمانيا بشكل طفيف في العام الدراسي 2022م (الفصل الصيفي 2022م والفصل الشتوي 2022/2023) بنسبة 0.4 في المئة مقارنة بالعام السابق، حيث بدأ 474100 شخص الدراسة في إحدى الجامعات الألمانية لأول مرة، بزيادة 1800 شخص عن العام السابق.

في عام 2021م، كان هناك أكثر من 50200 أستاذ متفرغ في الجامعات الألمانية من ضمنهم ما يقرب من 13700 أستاذة، وبهذا تبلغ نسبة النساء حوالي الثلث من اجمالي طاقم التدريس في الجامعات الالمانية فيما يبلغ اجمالي عدد الموظفين في الجامعات الألمانية 781182 موظف وموظفه.

اما فيما يتعلق بأهم التخصصات التي تحظى بأقبال الطلبة عليها فقد جاء تخصص إدارة الاعمال في المركز الأول حيث بلغ عدد الدارسين لهذا التخصص في مختلف الجامعات 237581 طالب وطالبه خلال الفصل الجامعي الشتوي 2022-2023م، وأتي تخصص البرمجة كثاني اهم تخصص من حيث عدد الدارسين والذين وصل عددهم الى 143582 طالب وطالبة، تخصص القانون 116683 طالب وطالبة، الفلسفة 110902 طالب وطالبة، الطب البشري 108130 طالب وطالبة. اما في مجال التخصصات العلمية والهندسية فقد جاء تخصص هندسة بناء الآلات والمعدات في المركز الأول من ناحية الاقبال عليه من طلاب الجامعات حيث يدس هذا التخصص أكثر من 87 ألف طالب وطالبة وبرمجيات الاقتصاد 66 ألف طالب وطالبة، هندسة الالكترونيات 63 ألف، الهندسة المدنية 58 ألف تقريبًا، علم الاحياء 56 ألف تقريبًا، الرياضيات 56 ألف تقريبًا، الفيزياء 49 ألف، الهندسة المعمارية 42 ألف.

مخرجات التعليم الجامعي في ألمانيا

على مدى السنوات الخمس الماضية، زاد عدد خريجي الجامعات في ألمانيا بمتوسط 1.7في المئة سنويًا ومن المتوقع أن يصل إلى 543،448 خريج وخريجة في عام 2023م، بزيادة قدرها 2.2 في المئة مقارنة بالعام السابق.

في العام 2021م، وبحسب أحدث البيانات، ومن بين 517.944 درجة جامعية تم الحصول عليها في ألمانيا، كان ما يقرب من نصفها (46.1 في المئة) درجات البكالوريوس، تليها درجات الماجستير (28 في المئة) ودرجات المعلمين (9.3 في المئة). كما كان أكثر عدد من الخريجين في عام 2021م، من تخصص إدارة الأعمال (9.9 في المئة من جميع الدرجات العلمية)، في حين أن عدد الدرجات العلمية في هندسة بناء المعدات والآلات والطب العام وعلم النفس وعلوم الكمبيوتر كان كل منها يمثل أكثر من 3 في المئة من مجموع الخريجين. وبشكل عام بلغ عدد خريجي التخصصات الهندسية المختلفة من الجامعات الألمانية في العام 2021م، 129488 خريجًا، منهم 71،935 خريجًا أتموا دراستهم بدرجة البكالوريوس.

الاقبال على التخصصات العلمية في الجامعات الألمانية

عند مناقشة النقص في العمال المهرة، غالبًا ما يكون التركيز على ما يسمى بمتخصصي (MINT) وهي اختصار لخريجي تخصصات الرياضيات وعلوم الكمبيوتر والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا. وهنا يظهر الاعتماد الكبير على مخرجات التعليم الجامعي لسد النقص من العمالة الماهرة، الا ان عدد الطلاب الجدد الذين يلتحقون في مسارات دراسة تخصصات (MINT)، قد انخفض في السنوات الأخيرة، فبحسب تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي انخفض عدد طلاب السنة الأولى في هذه المواد بشكل ملحوظ، على الرغم من الآفاق الوظيفية الجيدة للغاية. حيث اختار حوالي 307000 طالب وطالبة في الفصل الصيفي 2021م، والفصل الشتوي 2021/2022م، أحد تخصصات MINT في الفصل الدراسي الأول. ويعد هذا أقل بنسبة 6.5 في المئة مما كان عليه في عام 2020م.

ويعيد الخبراء هذا التراجع في عدد الدارسين لهذه التخصصات الى حقيقة أن عدد طلاب السنة الأولى في التعليم الجامعي ينخفض بشكل عام منذ عام 2019م، حيث كان في عام 2021م، أقل بنسبة 4 في المئة مما كان عليه في العام السابق، في الوقت نفسه، ونتيجة للمتغيرات الديموغرافية، هنالك تراجع مستمر لشريحة الشباب تحت سن 22 عامًا في ألمانيا.

وينعكس الانخفاض في طلاب السنة الأولى في تخصصات MINT أيضًا على إجمالي عدد الطلاب الدارسين لهذه التخصصات، حيث انخفض العدد الكلي للطلاب في هذه التخصصات في العام الدراسي الشتوي 2021- 2022م، الى 1،090،800 طالب وطالبة وذلك للمرة الأولى منذ العام 2007م.

بالإضافة إلى ذلك، انخفض عدد طلاب السنة الأولى الأجانب الذين قدموا إلى ألمانيا للدراسة نتيجة جائحة كورونا. وفي الوقت نفسه، تنخفض نسبة أولئك الذين يختارون مواد MINT في الفصل الدراسي الأول، ففي حين بلغت نسبة الطلاب الأجانب الذين يختارون دراسة أحد التخصصات العلمية في الجامعات الألمانية في العام 2015م، قد بلغت 40.5 في المئة، تراجعت هذه النسبة الى 37.7 في المئة في عام 2021م.

علاوة على ذلك، لا تزال النساء أقل رغبة لاختيار دراسة مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من الرجال. ومع ذلك، فقد زادت على مر السنين نسبة النساء بين طلاب السنة الأولى في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات: فبينما كانت 30.8 في المئة في عام 2001م، وصلت في العام 2021م، الى نسبة 34.5 في المئة.

الانفاق على التعليم والبحث العلمي في ألمانيا

أنفقت الموازنات العامة والقطاع الخاص في ألمانيا ما مجموعه 351.3 مليار يورو على التعليم والبحث والعلوم في عام 2021م، وهو ما يمثل زيادة بمبلغ 17.1 مليار يورو أو 5 في المئة عن العام السابق، وهو ما يعادل نسبة 9.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ومن ضمن هذا الانفاق على التعليم والبحث العلمي بلغت النفقات المخصصة للمدارس والمجالات المتعلقة بها نحو 119 مليار يورو، وبلغ حجم الانفاق العام على الجامعات بما في ذلك مراكز الأبحاث والتطوير التابعة لها حوالي 47.3 مليار يورو. كما مولت الموازنات العامة مراكز الرعاية النهارية للأطفال بقيمة 40 مليار يورو تقريبًا، بالإضافة الى ذلك تم تخصيص ما مجموعه 22 مليار يورو لمجالات إضافية ذات صلة بالتعليم، مثل التدريب المهني داخل الشركات ومراكز رعاية ما بعد المدرسة ومرافق عمل الشباب ومراكز تعليم الكبار. بالإضافة الى إنفاق 14.8 مليار يورو على الدعم والمنح التعليمية الموجهة للطلاب الجامعيين بدرجة رئيسية (ما تسمى BAföG).