تراجع مناخ الاعمال للشركات الألمانية خلال شهر ديسمبر 2023م، حيث سجل مؤشر ifo مستوى 86.4 نقطة، بعد ان كان قد وصل الى مستوى 87.2 نقطة في شهر نوفمبر الماضي. ويعود انخفاض المؤشر الى ان الشركات كانت أقل رضا عن مستوى الأعمال الحالية، كما كانت أيضًا أكثر تشككًا بشأن توقعاتها لمستوى الاعمال في النصف الأول من عام 2024م. وبشكل عام لا يزال الاقتصاد الألماني يواجه صعوبات في نهاية العام 2023م.

     في قطاع الصناعة، انخفض مؤشر مناخ الأعمال في شهر ديسمبر 2023م، حيث سجل المؤشر مستوى (-17.2 نقطة) منخفضا بشكل لافت عن المستوى الذي سجله في نوفمبر السابق ( -13.8 نقطة). حيث صنفت الشركات وضع أعمالها الحالي بأنه أقل بالمقارنة بالشهر السابق، كما تراجع التفاؤل مرة أخرى فيما يتعلق بتوقعات الاعمال خلال الأشهر الستة القادمة. وتواجه القطاعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة على وجه الخصوص صعوبات إضافية فيما يتعلق بأسعار الطاقة. وبشكل عام، يستمر تراكم الطلبات على المنتجات الصناعية في الانخفاض.

     على العكس من ذلك، تحسن مناخ الأعمال في قطاع الخدمات بشكل طفيف، إذ سجل المؤشر مستوى (-1.7 نقطة) في ديسمبر بعد ان كان عند مستوى (-2.5 نقطة) في نوفمبر الماضي. وكانت شركات الخدمات أكثر رضاً عن مستوى الأعمال الحالية، كما أعربت عن قدر أقل من الشكوك بشأن آفاق الاعمال في النصف الأول من العام المقبل.

     من جهة أخرى شهد مناخ الأعمال في قطاع التجارة تراجعًا ملحوظًا فقد سجل المؤشر في ديسمبر مستوى (-26.6 نقطة) متراجعًا عن مستوى (-22.2 نقطة) الذي كان قد سجله في نوفمبر السابق. ويرجع ذلك الى ان الشركات تقيم الوضع الحالي لأعمالها بشكل أدنى من الشهر الماضي كما تضاءلت توقعاتها لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة خصوصا ان مستوى الاعمال والمبيعات خلال أعياد الميلاد كانت مخيبة للآمال.

     أما في قطاع البناء، فقد انخفض مؤشر مناخ الأعمال إلى أدنى قيمة له منذ سبتمبر 2005م، حيث سجل المؤشر في شهر ديسمبر مستوى (-33.1 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-29.5 نقطة) في نوفمبر. وقد قيمت الشركات وضع أعمالها الحالي بشكل أسوأ مما كانت عليه في الشهر الماضي. بالإضافة إلى ذلك، تتوقع كل ثاني شركة في القطاع تقريبًا أن تتراجع أعمالها بشكل أكبر في الأشهر المقبلة.

     فيما يتعلق بتوقعات النمو في العام 2024م، ونتيجة لاستمرار الأزمات العالمية والخلافات الكبيرة التي ظهرت بين أعضاء الائتلاف الحكومي فيما يخص ميزانية العام 2024م، وخفض الانفاق الحكومي الذي تم الاتفاق عليه قام عدد من معاهد الدراسات الاقتصادية بخفض توقعاتهم للنمو الاقتصادي للعام القادم. وكانت توقعات المعهد الاقتصادي الألماني (IW)القريب من أصحاب العمل أكثر تشاؤما حيث أعلن المعهد أنه من المتوقع أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنسبة 0.5 في المئة في عام 2024م. وهو ما سيعد العام الثاني على التوالي الذي يشهد انكماشًا اقتصاديًا.  وبحسب المعهد “ومع هذه الآفاق الاقتصادية الضعيفة، تعد ألمانيا الوحيدة بين الدول الصناعية الكبرى”. إذ من المتوقع أن ينمو الاقتصاد في الولايات المتحدة بنسبة 1.25 في المئة وفي فرنسا بنسبة 0.75 في المئة وفي الصين بنسبة 4.5 في المئة، هذا بينما تتوقع الحكومة الاتحادية نمواً بنسبة 1.3 في المئة في العام المقبل. كما كان مجلس حكماء الاقتصاد الألماني قد توقع خلال تقريره السنوي الأخير ان يحقق الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا خلال العام 2024م، نموا حقيقيا بواقع 0.7 في المئة.

     ووفقاً لتقييم معهد IW فإن الظروف العامة تظل سيئة للغاية إلى الحد الذي يجعل توقع تحقيق نمو اقتصادي العام القادم امرا صعبًاـ إذ أدى النزاع حول الميزانية الاتحادية بشكل خاص إلى زعزعة الثقة لدى الشركات، ووفقا لتحليل باحثي المعهد، قامت الكثير من الشركات بتعليق استثماراتها. كما قدر الباحثون ان خفض الإنفاق الحكومي الذي يزيد عن 20 مليار يورو سيدفع الناتج المحلي الإجمالي إلى الانخفاض بنحو 0.5 في المئة. “وفي أسوأ الأحوال، من الممكن حدوث انخفاض بنسبة واحد في المئة.” كما ان التوقع بنمو التجارة العالمية بنسبة واحد في المئة فقط في عام 2024م، سيؤثر سلبًا على الاقتصاد الألماني الذي يعتمد على التصدير.  بالإضافة الى ان خفض الطلب من الخارج على المنتجات الصناعية والمستمر منذ عامين سيؤدي الى امتناع العديد من الشركات الصناعية عن الاستثمار. وبما أنه لا يتوقع ان يتم خفض أسعار الفائدة، فإن معهد الاقتصاد الألماني يتوقع أيضاً عاماً ضعيفاً آخر لقطاع البناء.

     وجاءت توقعات معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW) هي أيضا أقل تفاؤلًا مما سبق، على الرغم من انخفاض التضخم وما يرتبط به من ارتفاع الأجور الحقيقية، ولكن لا يزال باحثو المعهد يتوقعون نموًا طفيفًا في العام 2024م، إذ يفترض ان ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.9 في المئة العام المقبل بدلا من 1.3 بالمئة المتوقعة سابقا، وأوضح الباحثون أن “الاقتصاد الألماني يكافح للخروج من الركود ولا يمكن توقع حدوث تغيرات اقتصادية كبيرة.” وان أي تغيير إيجابي للاقتصاد يعتمد في الدرجة الأولى على مدى زيادة إنفاق المستهلكين، كما يتوقع معهد IfW ان يواجه قطاعي البناء والتصدير صعوبات في العام القادم.

     ولا تتوقف المخاوف من استمرار التراجع الاقتصادي للعام القادم 2024م، على المعاهد الاقتصادية ولكن تخشي الشركات أيضا من ذلك حيث أظهرت دراسة حديثة أجرتها الرابطة الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (BVMW)، القلق المتزايد لدي الشركات من تدهور الوضع الاقتصادي، حيث يرى أكثر من 84 في المئة من أكثر من 1200 شركة صغيرة ومتوسطة الحجم أن الوضع الاقتصادي “تفاقم” أو حتى “أسوأ بكثير” مقارنة بالعام السابق. وقال نحو 43 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي شملها الاستطلاع، إن وضع شركاتها قد تدهور، كما توقع نحو 40 في المئة أن يحدث ذلك في عام 2024م. وقال Christoph Ahlhaus، رئيس الرابطة الاتحادية، “لم نعد نتحدث فقط عن تراجع الاقتصاد، بل عن أزمة كبيرة محلية الصنع”.

سوق العمل: انخفاض طفيف في عدد العاطلين عن العمل وارتفاع عدد العاملين في القطاع الصناعي

     تراجع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال شهر نوفمبر بنحو ألف شخص وهو العدد الأقل من المتوقع في هذا الوقت من العام، ووصل اجمالي العاطلين الى نحو 2.606 مليون شخص وبالرغم من هذا التراجع المحدود في عدد العاطلين الا ان معدل البطالة تراجع بنسبة 0.1 في المئة ليصل في نوفمبر 2023م، الى 5.6 في المئة. كم يعد عدد العاطلين عن العمل في نوفمبر 2023م أعلى بنحو 172 ألف شخص بالمقارنة مع عدد العاطلين عن العمل في نفس الشهر من العام الماضي.  ويرجع جزء كبير من هذا العدد من العاطلين الى تسجيل اللاجئين الاوكرانيين ضمن العاطلين عن العمل.

     وعلقت Andrea Nahles، رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA)، على تطورات سوق العمل في شهر نوفمبر بالتأكيد على ان ” الانكماش الاقتصادي لا يزال يترك بصماته على سوق العمل الألماني حيث ان التوظيف ينمو بشكل طفيف فقط، كما يستمر الطلب على العمالة في الانخفاض”.

     فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر بلغ عدد الموظفين الجدد الذين تم تسجيلهم في البرنامج خلال الفترة من 1 نوفمبر إلى 26 نوفمبر 57 ألف شخص. وبحسب أحدث البيانات التي أعلنتها وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ مجموع الأشخاص المستفيدين من برنامج العمل بدوام مختصر في شهر سبتمبر2023م، 149 ألف شخص في ارتفاع واضح مقارنة بشهري أغسطس ويوليو من العام الحالي والذي بلغ فيهما مجموع المستفيدين من البرنامج 111 ألف شخص في كل شهر.

     وفي نوفمبر ايضًا بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدى وكالة العمل الاتحادية 733 ألف وظيفة، أي أقل بمقدار 90 ألف وظيفة بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. وبالرغم من استمرار الانخفاض في عدد الوظائف الشاغرة منذ صيف العام 2022م، فان عدد هذه الوظائف ما يزال عاليا نسبيًا.

     في سياق متصل اظهر تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) انه وفي نهاية أكتوبر 2023م، كان ما يقرب من 5.6 مليون شخص يعملون في شركات قطاع الصناعة التي تضم 50 موظفًا أو أكثر. ويمثل هذا العدد من الموظفين اعلى بمقدار 43500 شخص أو ما نسبته 0.8 في المئة مقارنة بشهر أكتوبر 2022م.  وواصل عدد العاملين في إنتاج معدات معالجة البيانات والمنتجات الإلكترونية والبصرية ارتفاعه بشكل ملحوظ وبمستوى فوق المتوسط، حيث ارتفع عدد العاملين في هذا القطاع بنسبة 5.2 في المئة ​​في أكتوبر 2023م، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق.

     كما ارتفع عدد الموظفين في الشركات العاملة في صناعة المواد الغذائية في أكتوبر 2023م، بنسبة 1.8 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، كذلك ارتفع عدد العاملين في صناعة المعدات الكهربائية في نفس الفترة بنسبة 1.4 في المئة، كما سجل نمو عدد الموظفين في صناعة المعدات والآلات مستوى فوق المتوسط العام لزيادة الموظفين في قطاع الصناعة حيث ارتفع بنسبة واحد في المئة خلال نفس الفترة. هذا فيما كان نمو العمالة في صناعة المنتجات المعدنية والذي بلغ 0.2 في المئة وفي صناعة السيارات والذي لم يتجاوز نسبة 0.1 في المئة أقل من المتوسط.

    في المقابل، انخفض عدد العاملين في شركات إنتاج ومعالجة المعادن بشكل طفيف بنسبة (- 0.2) في المئة وفي صناعة المطاط والبلاستيك وكذلك في الصناعات الكيميائية انخفض عدد العاملين بشكل ملحوظ بنسبة (- 1.7) في المئة لكل منهما.

الحكومة الألمانية تقر ميزانية العام 2024م

     أعادت أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا إقرار مشروع ميزانية العام 2024م مجددًا، بعد عدة جولات من المباحثات المكثفة، بعد قرار المحكمة الدستورية الاتحادية منتصف شهر نوفمبر الماضي بعدم دستورية قرار الحكومة بنقل 60 مليار يورو من المبالغ التي تم اقتراضها لمواجهة كورونا الى صندوق التحول والمناخ لتمويل العديد من البرامج والمشاريع الخاصة بحماية البيئة وتحديث البنية التحتية وهو ما أجبر الحكومة على البحث عن مصادر أخرى لتمويل هذه البرامج والمشاريع مع الالتزام بالمادة الدستورية الخاصة بكابح الديون والتي لا تسمح للحكومة بالاقتراض الا بنسبة 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الواحد. ومع ذلك احتفظت الحكومة الاتحادية بإمكانية تعطيل المادة الخاصة بكابح الديون في حالة عدم توفر المساعدات المقررة لضحايا الفيضانات التي اصابت منطقة Ahrtal في ولاية شمال الراين-وستفاليا في العام 2021م، والتي تبلغ في العام 2024م نحو 2.7 مليار يورو وأيضا في حالة تطور الحرب في أوكرانيا وحاجتها لمزيد من المساعدات.  

     وتضمن مشروع الميزانية الاتحادية الجديد للعام 2024م العديد من التخفيضات في الانفاق على مستويات مختلفة وذلك من اجل سد فجوة تمويلية في الميزانية بمبلغ 17 مليار يورو وأكد المستشار اولاف شولتز “نحن لم نكن نفضل القيام بذلك بالطبع، لكن هذه التخفيضات ضرورية حتى نتمكن من تحقيق اهداف الميزانية بالأموال المتاحة لدينا” وشدد المستشار على أن الحكومة الاتحادية ملتزمة في مشروع الميزانية بتحقيق أهدافها المركزية الثلاثة “دعم التحول المحايد للمناخ ، العمل على تعزيز التماسك الاجتماعي، وتقديم كل الدعم الممكن لأوكرانيا في دفاعها ضد روسيا”. واستدرك شولتز بالقول “لكن هناك شيء واحد واضح، علينا أن نتدبر أمرنا بأموال أقل بكثير لتحقيق هذه الأهداف”.

     وتتركز اهم التخفيضات في النفقات في ميزانية العام 2024م في خفض نفقات صندوق المناخ والتحول (KTF) حيث سيتم خفض نفقات الصندوق بمقدار اثني عشر مليار يورو للعام المقبل. وبحلول عام 2027م، ستصل التخفيضات إلى 45 مليار يورو، ومن ثم سيصل الحجم الإجمالي للصندوق إلى حوالي 160 مليار يورو بدلا عن 200 مليار يورو التي كان مخططا لها. كما اقرت أحزاب الائتلاف الحاكم رفع رسوم انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون حيث يبلغ السعر حاليًا 30 يورو للطن، ولكن اعتبارًا من عام 2024م سيرتفع الى 45 يورو بدلاً من 40 يورو المخطط لها. من المقرر أيضا أن ينتهي تقديم المكافآت لشراء السيارات كهربائية في وقت أبكر مما كان مخططًا له مسبقًا. ولم يحدد وزير الاقتصاد الاتحادي وحماية المناخ روبرت هابيك موعدًا لذلك. وكان من المفترض ان تستمر ما تسمى بالمكافأة البيئية حتى نهاية العام المقبل. كما يريد وزير الاقتصاد الاتحادي خفض الدعم المقدم لتمويل الطاقة الشمسية، لكنه لم يذكر أي تفاصيل. وقال هابيك: “هذا يؤلمني، لكن هذا هو ثمن الحفاظ على المهام المركزية التي تمثل ركائز صندوق المناخ والتحول”. كما تشمل التخفيضات المساعدات التي تقدمها الحكومة الاتحادية لاستبدال أجهزة التدفئة والتي من المقرر تخفيضها بنحو ثلاث مليارات يورو.

     وتشمل التخفيضات أيضا ضريبة البلاستيك التي كانت ضمن النفقات في الميزانية الاتحادية وبما يقارب 1.4 مليار يورو تدفع للاتحاد الأوروبي مقابل البلاستيك الضار بالبيئة. الآن يتعين على الشركات التي تطرح البلاستيك للتداول أن تغطي التكاليف وتدفع هذه الضريبة بنفسها وبالتالي تخفيف العبء عن الميزانية الاتحادية. كما تعتزم الحكومة الاتحادية التوقف عن تقديم عدد من إعانات الدعم الأخرى التي كانت مثيرة للجدل لسنوات ومنها الإعفاءات الضريبة على استهلاك الديزل في الزراعة والإعفاء الضريبي لوقود الطائرات، حيث اقرت أحزاب الائتلاف فرض ضريبة على وقود الطائرات (الكيروسين) على الرحلات الجوية داخل ألمانيا، بالإضافة إلى إلغاء الإعفاءات الضريبية للشركات الزراعية التي تستخدم وقود الديزل لتشغيل المعدات والآلات الزراعية.

     من المشاريع الاساسية التي كان من المفترض ان يتم تمويلها عبر صندوق التحول والمناخ KTF، هو تمويل تجديد شبكة السكك الحديدية Deutsche Bahn.  حيث كان من المفترض ان يمول الصندوق المشروع بحوالي 12.5 مليار يورو بحلول عام 2027م، الان سيتم توفير التمويل عبر طرق أخرى، ووفقاً لوزير المالية الاتحادي كريستيان ليندنر، فإن بيع ممتلكات الحكومة الاتحادية لابد أن يلعب دوراً في تمويل المشروع، حيث تريد شركة السكك الحديدية نفسها بيع شركة Schenker التابعة لها. كما تشمل ممتلكات الحكومة الاتحادية الأخرى أسهمًا في Deutsche Post وDeutsche Telekom وUniper. وتبلغ قيمة هذه الأسهم مجتمعة في سوق الأوراق المالية حاليًا أكثر من 80 مليار يورو.

      من جانب أخر أكد وزير المالية الاتحادي انه لن يكون هنالك أي تخفيض في النفقات الاجتماعية والتي تعد أكبر بند في الميزانية الاتحادية، الا انه شدد على وجوب المزيد من “الدقة في الإعانات الاجتماعية” والتي قد توفر 1.5 مليار يورو، على سبيل المثال من خلال دمج أفضل للاجئين الأوكرانيين في سوق العمل بدلا من اعتمادهم على الإعانات الاجتماعية. كذلك ووفقا لمشروع الميزانية الجديد لا ينبغي أن تتأثر التخفيضات في ضريبة الدخل وضريبة الكهرباء المخطط لها بالفعل لعام 2024م.  وفي هذا السياق أكد المستشار شولتز “لقد اتفقنا على تحديد أولويات الإنفاق دون المساس بالضمان الاجتماعي في بلادنا أو دعم التحول في البيئة”. معلنًا ان الحكومة ستقدم مشروع الميزانية للبرلمان الاتحادي (البوندستاج) في شهر يناير القادم لإقراره.

ألمانيا الموقع الأكثر جذبا للاستثمار الأجنبي المباشر في أوروبا وتراجع على المستوى العالمي

     اظهر تقرير صادر عن وكالة ألمانيا للتجارة والاستثمار (GTAI) وهي مؤسسة تتبع الحكومة الاتحادية ومعنيه بتشجيع الاستثمار، ان عدد الشركات الأجنبية التي وسعت اعمالها او بدأت استثمارات جديدة في ألمانيا خلال الفترة الماضية من العام الحالي 2023م، قد انخفض مقارنة بالعام 2022م. حيث تتوقع الوكالة انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 18 في المئة مقارنة بعام 2022م، والذي سجل حوالي 1800 استثمارا مباشرا سواء كانت تتمثل في مشاريع جديدة بالكامل او كانت عمليات استحواذ او اندماج مع شركات قائمة بالفعل.

     وبالرغم من هذا التراجع يؤكد Achim Hartig المدير العام لوكالة GTAI ان الاقتصاد الألماني والذي يعد أكبر اقتصاد في أوروبا لا يزال في حالة جيدة نسبيًا، حيث شدد على “إن ألمانيا لا تزال الموقع الأكثر رواجًا في الاتحاد الأوروبي للاستثمار الأجنبي المباشر”. إذ شهدت بلدان أخرى انخفاضات أكثر حدة، فمن المتوقع أن ينخفض ​​حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في فرنسا وسويسرا بمقدار الربع تقريبًا.

     في ضوء الأزمات الجيوسياسية العديدة، تفضل العديد من الشركات الاستثمار والعمل في ألمانيا من خلال عمليات الاستحواذ أو الاندماج بدلاً من الاستثمار مباشرة عبر فتح فروع لها او إقامة شركات جديدة بالكامل. وأوضح Hartig أن “عدد المشاريع قد انخفض الا ان مستوى هذه المشاريع قد ارتفع”. مضيفا انه، وحتى الآن هذا العام، تم الإعلان عن 16 مشروع باستثمارات بحجم يزيد عن 100 مليون يورو لكل مشروع، يضاف الى ذلك ستة مشاريع تتجاوز حجم الاستثمارات في كل واحد منها المليار يورو. وقبل فترة قصيرة أعلنت شركة الأدوية الأمريكية Eli Lilly أنها ستستثمر حوالي 2.3 مليار يورو في مصنع جديد في ولاية Rheinland-Pfalz غرب ألمانيا. لكن الاستثمار الأكبر يأتي من شركة الطاقة بريتيش بتروليوم (BP)، التي ترغب في إنفاق 6.8 مليار يورو على مزرعتين لطاقة الرياح في بحر الشمال. ومن المتوقع أيضًا أن تتجاوز الاستثمارات في ثلاثة مراكز بيانات في العاصمة برلين ومدينة Wustermark في ولاية براندنبورج، ومدينة Hanau في ولاية هيسن المليار يورو لكل مركز. كما تعمل شركة أبل بدورها على توسيع مركزها الأوروبي لتصميم الرقائق الالكترونية في ميونيخ بشكل كبير وتخطط لإنفاق مليار يورو على ذلك.

     وقال Hartig أن الرقمنة هي أحد القطاعات الرئيسية في ألمانيا، والتي تجتذب العديد من المستثمرين الأجانب، كما ان هنالك أيضًا اهتمام متزايد من الشركات الأجنبية بصناعة أشباه الموصلات وإعادة تدوير البطاريات والتوسع في الطاقات المتجددة.  الا ان مدير وكالة (GTAI) اعتبر أن أسعار الطاقة في ألمانيا تظل مرتفعة بالمقارنة مع الدول الأخرى مشددًا على ضرورة تحسين شروط الاستثمار الأخرى وبشكل خاص ضرورة تأمين عدد كافٍ من العمال المهرة.

     من جهة أخرى وبحسب دراسة استطلاعية لشركة Deloitte للاستشارات والتي أجرتها بدعم من اتحاد الصناعات الألماني (BDI)، فان جاذبية ألمانيا كموقع صناعي بالنسبة للشركات الألمانية تتراجع بالمقارنة مع المواقع الصناعية الأخرى مثل الولايات المتحدة والصين. حيث أظهرت الدراسة ان 45 في المئة من الشركات الصناعية الـ 108 التي شملها الاستطلاع تتوقع أن تستمر ألمانيا في التراجع مقارنة بالمواقع الصناعية الأخرى، ووصلت هذه النسبة في الشركات الألمانية العاملة في القطاعات الصناعية الرئيسية مثل صناعة المعدات والآلات وصناعة السيارات الى 65 في المئة. وفي القطاعات الأخرى، ولا سيما الصناعات الكيميائية والبناء والنقل والخدمات اللوجستية، تسود الثقة بنسبة 46 في المئة في أن ألمانيا ستظل موقعا مناسبا للأعمال بينما تتوقع 20 في المئة من هذه الشركات زيادة جاذبيتها.

     وبحسب الدراسة أيضا قامت 67 في المئة من الشركات الصناعية التي تم استطلاعها بنقل جزء من انتاجها الى الخارج، وان كانت اغلب العمليات الصناعية التي تم نقلها تركز على انتاج بعض المكونات وليس عمليات التجميع النهائي او الإنتاج الفعلي. ووفقاً للاستطلاع، فإن أهم أسباب استثمار الشركات الصناعية الالمانية في بلدان أخرى هي انخفاض تكاليف الطاقة (59 في المئة)، وانخفاض الأجور (53 في المئة)، وبيئة سوق أفضل (51 في المئة)، وتقليل البيروقراطية (50 في المئة). فيما كان لعوامل مثل الوصول إلى المواد الخام وتحسين ظروف الاستثمار أو الإعانات والدعم اللوجستي الجيد وتوافر العمال المؤهلين، دورا أصغر في دفع هذه الشركات لنقل جزء من اعمالها الى بلدان أخرى.

     وبالنظر إلى العوامل التي تشجع الاستثمار في الخارج المذكورة أعلاه، تتجه الشركات الألمانية العاملة في صناعة المعدات والآلات وصناعة السيارات في المقام الأول إلى آسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ولكن في القطاعات الصناعية الأخرى، تهيمن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى كوجهات استثمارية، خصوصا دول مثل بولندا ورومانيا وجمهورية التشيك.

قمة للاتحاد الأوروبي مع الصين للتباحث حول العلاقات الاقتصادية

     عقدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ومعها رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل في بكين اجتماعا حضوريًا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ هو الأول منذ جائحة كورونا وما تلاه من اغلاق شامل. ودارت المباحثات بين الجانبين حول تحسين العلاقات الاقتصادية وتجنب التوترات التي ظهرت مؤخرا خصوصا من جهة سعى الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم عقابية على الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية والشكوى الأوروبية من العراقيل التي تضعها الصين امام عمل الشركات الأوروبية في الصين في مقابل المميزات والمعاملة التفضيلية التي تمنحها بكين لشركاتها.   كما شملت المباحثات مسألة الفائض التجاري الكبير للصين في تجارتها مع دول الاتحاد وكذلك الموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا.

     وبينما أكدت فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل المنافسة غير العادلة بالإضافة الى ضرورة “التخلص من المخاطر”، وهو مصطلح يقصد به التخفيض التدريجي للاعتماد المتزايد للاقتصاديات الأوروبية على الاقتصاد الصيني. حذر الرئيس جين بينغ الاتحاد الأوروبي من النظر إلى الصين كمنافس والشروع في مسار المواجهة. وبدلا من ذلك، يرى بينغ انه ينبغي للكتلتين التجاريتين أن تكونا شريكتين في “تعاون متبادل المنفعة”. وان الصين تفضل رؤية العودة إلى “العمل كالمعتاد”.

     وعلى الرغم من انتهاء اجتماعات القمة بين الجانبين بدون الإعلان عن تدابير ملموسة لخفض فائض الصادرات الصيني المرتفع وتشجيع خفض الحواجز التجارية أمام الشركات الأوروبية في الصين. فان الخبراء ومنهم Siegfried Russwurm، رئيس اتحاد الصناعات الألمانية (BDI)، أكدوا على إن اللقاءات الدبلوماسية تعد “قوة دافعة مهمة للتواصل بين الصين وأوروبا على قدم المساواة في الأوقات الصعبة”.  خصوصا مع تزايد ارتباط اقتصاديات الدول الأوروبية بالاقتصاد الصيني الذي يمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

     وتبقى  أهم القضايا العالقة بين الجانبين تتمثل في عدم توازن التبادل التجاري حيث بلغ حجم هذا التبادل 858 مليار يورو في العام 2022م، لتكون الصين بذلك الشريك التجاري الأكبر للاتحاد، حيث صدرت دول الاتحاد الأوروبي ما قيمته 231 مليار يورو الى الصين واستوردت بضائع وسلع منها بقيمة 627 مليار يورو لتحقق الصين بذلك فائضا تجاريا مع دول الاتحاد بنحو 396 مليار يورو، كذلك كانت الصين اهم شريك تجاري لألمانيا في العام 2022م بحجم تبادل بلغ 300 مليار يورو تقريبًا حيث استوردت ألمانيا بضائع وسلع من الصين بقيمة 192.8 مليار يورو وصدرت لها بضائع وسلع بمبلغ 108 مليار يورو وبفائض لمصلحة الصين بحوالي 86 مليار يورو.

     ويتزايد قلق الدول الأوروبية من زيادة اعتمادها على الأسواق الصينية خصوصا في ضوء تجربة الاعتماد الكبير الذي كان قائما على امدادات الطاقة الروسية من نفط وغاز قبل حرب أوكرانيا. والصعوبات والتكاليف التي رافقت تقليص هذه الامدادات واستبدالها من مصادر أخرى. خصوصا أيضا مع تزايد مخاطر النزاعات الجيوسياسية التي قد تخوضها الصين سواء مع تايوان او مع الدول التي تتنازع معها السيادة على بعض جزر بحر الصين الجنوبي مثل فيتنام والفلبين وإندونيسيا.    

     الا انه ومع هذه المخاطر الا ان الشركات الأوروبية بشكل عام، والشركات الألمانية بشكل خاص لا غنى لها عن الأسواق الصينية، ولا يقتصر ذلك فقط على شركات صناعة السيارات حيث تعتبر الصين أكبر سوق عالمي لها لكن أيضا وعلى سبيل المثال، لشركات الصناعات الكيميائية حيث تمثل الصين نصف السوق العالمي. وبحسب استطلاع للرأي أجرته شركة التدقيق والاستشارات PwC مع 180 شركة ألمانية من ست قطاعات صناعية حول مستقبل اعمالها في الصين، ترى 88 في المئة من هذه الشركات أن الصين شريك اقتصادي مهم في المستقبل، وتتوقع 53 في المئة منها أن تصبح البلاد ذات أهمية متزايدة كسوق مبيعات لصناعتها في السنوات الثلاث المقبلة. وتخطط أقلية صغيرة جدًا تبلغ 1 في المئة فقط للانسحاب، بينما تخطط 6 في المئة منها لسحب الإنتاج جزئيًا من الصين. ومع ذلك، يعتبر 77 في المئة من الشركات المستطلع آراؤها أن المواقع المحتملة الأخرى خارج الصين ضرورية للوقاية من المخاطر، بينما ترى 84 في المئة أن التحدي الأكبر يكمن في التطورات الجيوسياسية التي لا يمكن التنبؤ بها.