استمر التراجع في مناخ الاعمال للاقتصاد الألماني في شهر يوليو حيث انخفض مؤشر ifo الى مستوى 87.3 نقطة، بعد ان كان قد سجل مستوى 88.6 نقطة في شهر يونيو. وهذا هو الانخفاض الثالث على التوالي. ويرجع هذا الانخفاض بدرجة اساسية الى ان الشركات كانت أقل رضا عن مستوى اعمالها في الوقت الحاضر هذا بالإضافة الى ان توقعاتها بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة كانت أقل من الشهر السابق، في انعكاس لحالة عدم اليقين السائدة حالياً.

     في قطاع الصناعة، انخفض مؤشر مناخ الأعمال بشكل كبير حيث تراجع المؤشر في يوليو الى مستوى (-14.2 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-9.7 نقطة) في الشهر السابق. كانت أسباب هذا التراجع تتمثل في التقييم الضعيف لشركات القطاع لمستوى الاعمال في الوقت الحالي الى جانب التوقعات السلبية حول مستوى الاعمال خلال الفترات القادمة خصوصا بعد تراجع عدد الطلبات الجديدة على المنتجات الصناعية. 

     في قطاع الخدمات، انخفض المؤشر في يوليو الى مستوى 0.9 نقطة، متراجعاً من مستوى 2.7 نقطة الذي سجله في شهر يونيو الماضي. حيث كانت شركات القطاع أكثر استياءً بشكل ملحوظ من مستوى أعمالها الحالي. كما كانت توقعاتها لمستوى اعمالها للأشهر القادمة أقل إيجابية.

     كذلك تراجع مؤشر الاعمال في قطاع التجارة في شهر يوليو بدرجة كبيرة حيث سجل المؤشر مستوى (-23.7 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-20.2 نقطة) في الشهر السابق. وفي هذا القطاع أيضا قيمت الشركات مستوى اعمالها الحالي بشكل سلبي كما كانت توقعاتها لمستوى الاعمال في الأشهر القادمة أكثر تشاؤماً.

     وانخفض مؤشر مناخ الاعمال في قطاع البناء في شهر يوليو إلى أدنى مستوى له منذ فبراير 2010م، حيث سجل المؤشر مستوى (-24 نقطة) متراجعا عن مستوى (- 20.5 نقطة) المسجل في شهر يونيو. وقد عبرت شركات القطاع بشكل أكبر عن عدم رضاها عن الوضع الحالي للأعمال. كما كانت التوقعات بمستوى الاعمال للأشهر القادمة أكثر سلبية.

     في سياق متصل، يتوقع البنك المركزي الألماني (Bundesbank) ان ينمو الناتج المحلي الاجمالي بشكل طفيف في الربع الثاني من عام 2023م. وذلك بعد ان كان الربع الرابع من العام 2022م، والربع الأول من العام 2023م، قد شهدا انكماش بنسبة 0.5 في المئة و0.3 في المئة على التوالي وهو ما ادي الى دخول الاقتصاد في حالة ركود تقني.  اما بالنسبة للعام بأكمله فيتوقع خبراء البنك المركزي أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 0.3 في المئة، على ان يعود الاقتصاد الى مرحلة النمو في العامين 2024م و2025م.

     وأعاد خبراء البنك المركزي التقديرات المتفائلة بحصول نمو طفيف في الربع الثاني 2023م، الى “استقرار الاستهلاك الخاص، الذي كان قد انخفض في السابق بحدة”، بالإضافة الى ” حقيقة أن سوق العمل لا يزال في حالة جيدة، مع ارتفاع الأجور بشكل حاد بالإضافة الى ان الزيادات في الأسعار لم تكن كبيرة “. حيث كان معدل التضخم في بداية العام لا يزال عند 8.7 في المئة، مما قلل من القوة الشرائية للمستهلكين، بينما تراجع معدل التضخم حاليا بشكل ملحوظ الى معدل 6.4 في المئة.

     وفي نفس الاتجاه، اظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة خدمة البيانات المالية Bloomberg أن العديد من الخبراء الاقتصاديين يتوقعون ان ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالربع السابق. وهو ما يعني ان تراجع الاقتصاد قد توقف ولو بشكل مؤقت.

     كما اشار تقرير لوزارة الاقتصاد وحماية المناخ الاتحادية الى ان ” الاقتصاد الألماني لا يزال يمر ببيئة صعبة في أوائل صيف عام 2023م”. حيث ان الوضع الاقتصادي العالمي “لا يزال ضعيفا بشكل عام”. كما ان فقدان القوة الشرائية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم يمثل “مثبط قوي للنمو”، الى جانب التأثير السلبي لارتفاع أسعار الفائدة على الاستثمارات، وخاصة في قطاع البناء. نتيجة لهذه التحديات، يتوقع التقرير تحقيق نمو اقتصادي ضعيف بشكل عام في الربع الثاني. الا ان احتمال عودة الركود “قائم بشدة”. وفي هذا الجانب يقدر معهد الاقتصاد الكلي وأبحاث دورة الأعمال (IMK) احتمالية حدوث ركود اقتصادي في مجمل العام 2023م.

     التحسن النسبي لوضع الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام 2023م، يعود بشكل رئيسي إلى ارتفاع مؤشر الاستهلاك الخاص لشهر يوليو 2023م، والذي ارتفع الى مستوى إلى 94.51 نقطة. وهذه هي الزيادة الشهرية التاسعة على التوالي منذ أن وصل المؤشر الى أدنى مستوى له في شهر أكتوبر من العام الماضي عند مستوى 84 نقطة تقريباً عندما كانت المخاوف من حصول ازمة في امدادات الطاقة والغاز الطبيعي عند أعلى مستوى. وبالرغم من هذه الزيادات في مؤشر الاستهلاك الخاص لا يزال المؤشر عند مستوى أقل بكثير من القيم المسجلة قبل جائحة كورونا. هذا بالإضافة الى ان ارتفاع الاستهلاك يرجع في جزء كبير منه الى لجوء الكثيرين الى الانفاق من مدخراتهم وليس بسبب ارتفاع حقيقي في الدخول، اذ يبدو أن العديد من المستهلكين يحاولون الحفاظ على مستوى استهلاكهم المعتاد بالأموال التي قاموا بادخارها. حيث أكد رئيس اتحاد البنوك الألمانية، Christian Sewing، ان “حوالي ثلث العملاء – كل من هم دون عتبة دخل معينة – يلجؤون الى السحب من مدخراتهم كل شهر”.

     وقد انعكست الصعوبات التي يواجها الاقتصاد في الوقت الحاضر على عدد حالات افلاس الشركات، فوفقاً لتقرير صادر عن معهد هاله للأبحاث الاقتصادية (IWH)، ارتفع عدد حالات إفلاس الشركات في يونيو 2023م، إلى أعلى مستوى له منذ عام 2016م. بإجمالي 1050حالة افلاس، ويمثل هذا العدد أعلى بنسبة 48 في المئة مما كان عليه في نفس الشهر من العام الماضي وأعلى بنسبة 11 في المئة من متوسط ​​حالات الإفلاس في شهر يونيو للأعوام 2016م إلى 2019م. هذا وقد تم تسجيل ما مجموعه 5545 حالة إفلاس شركات في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023م ، بزيادة قدرها 17 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

سوق العمل: ارتفاع طفيف للبطالة ومعدل بقاء أعلى للأكاديميين الأجانب العاملين في ألمانيا

     ارتفع عدد العاطلين في ألمانيا في شهر يونيو 2023م، مقارنة بالشهر الذي سبق حيث ارتفعت البطالة بمقدار 11000 شخص إلى 2،555،000 شخص. اما بالمقارنة مع شهر يونيو من العام الماضي، فإن عدد العاطلين عن العمل أعلى بـ 192000شخص. يدخل من ضمنهم اللاجئين الاوكرانيين الذين تم تسجيلهم لدي مكتب العمل الاتحادي كعاطلين عن العمل بدءً من صيف العام الماضي. وبلغ معدل البطالة في يونيو 2023م، نحو 5.5 في المئة بدون أي تغيير مع الشهر السابق الا انه وبالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي فقد ارتفع بمقدار 0.3 نقطة مئوية.

     وارجعت Andrea Nahles، رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA)، هذا الارتفاع في عدد العاطلين عن العمل الى الصعوبات التي يواجها الاقتصاد الألماني في الوقت الحاضر والتي انعكست على سوق العمل حيث ان “البطالة آخذة في الارتفاع ونمو التوظيف يفقد الزخم”.

     في إطار برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي سجلت الشركات خلال الفترة من ا يونيو وحتى 26 يونيو نحو 45 ألف موظف جديد في البرنامج في مؤشر على تراجع عدد الموظفين الذين يحصلون على مزايا البرنامج، وهو ما اظهرته أيضاً أخر بيانات مكتب العمل الاتحادي عن العدد الاجمالي لمن تلقوا تعويضات وفق هذا البرنامج حيث وصل عددهم في شهر ابريل 2023م، الى 135 ألف موظف بعد ان كان 160 ألفًا في مارس و151 ألفًا في فبراير من العام الحالي.

     اما في جانب عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدي مكتب العمل الاتحادي فقد بلغ عددها في شهر يونيو 2023م، حوالي 769000 وظيفة شاغرة، أي أقل بمقدار 108000 وظيفة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، في مؤشر على استمرار انخفاض الطلب على الوظائف والذي تم ملاحظته منذ صيف العام الماضي، لكن وبشكل عام، لا يزال عدد الوظائف الشاغرة عند مستوى مرتفع نسبيًا.

     في سياق متصل، اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، ارتفاع نسبة بقاء الأكاديميين والمتخصصين الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي والحاصلين على “البطاقة الزرقاء” في ألمانيا بعد مرور خمس سنوات على بدء عملهم فيها. وبحسب التقرير حصل ما يقرب من 200 ألف متخصص أكاديمي من دول خارج الاتحاد الأوروبي على البطاقة الزرقاء، والتي تخولهم العمل داخل دول الاتحاد لأول مرة بين عامي 2012م و2022م. ومن بين أولئك الذين حصلوا على تصريح الإقامة هذا بين عامي 2012م و2017م، لا يزال 83 في المئة منهم يعيشون في ألمانيا. ويمثل هذا المعدل أعلى بكثير من معدل بقاء الطلاب الأجانب الذين يدرسون في ألمانيا للعمل بعد انتهاء دراستهم والبالغ 55 في المئة.

     وقد حصل ما يقرب من 68900 شخص على بطاقة زرقاء لأول مرة بين عامي 2012م و2017م. وكان معظمهم من الهند (22.4 في المئة)، يليهم الصينيون (8.7 في المئة) والروس (7.5 في المئة). وقد حصل غالبية هؤلاء المتخصصين على تصريح إقامة دائم بعد خمس سنوات (60 في المئة تقريباً) وتم تجنيس 11.3 في المئة منهم، واستمر 9 في المئة في حيازة بطاقة زرقاء و3.1 في المئة يحملون تصريح إقامة من نوع آخر. من ناحية أخرى، غادر ما يقرب من 16.7 في المئة من هؤلاء المتخصصين والأكاديميين ألمانيا.

     بالمقارنة مع حاملي البطاقة الزرقاء، فإن معدل بقاء الطلاب الاجانب أقل، حيث حصل حوالي 219600 طالب أجنبي من خارج دول الاتحاد الأوروبي على تصريح إقامة لأغراض الدراسة في ألمانيا لأول مرة بين عامي 2006م و2012م. وكان معظمهم من الصين (19.6 في المئة). ويلي ذلك الأشخاص الذين يحملون الجنسية الأمريكية (6.9 في المئة) ومن ثم مواطني روسيا (6.4 في المئة).

     وبعد خمس سنوات، كان 55 في المئة من هؤلاء الطلاب الأجانب السابقين لا يزالون يعيشون في ألمانيا، وبعد عشر سنوات كانت النسبة 46 في المئة. وبشكل اجمالي أصبح حوالي ربع (24.8 في المئة) من الطلاب الأصليين البالغ عددهم 219600 طالبًا يتمتعون بحق الإقامة الدائمة بعد عشر سنوات من خلال الحصول على الجنسية الألمانية أو تصريح الإقامة الدائم.

مشروع ميزانية الحكومة الاتحادية 2024م

     وافقت الحكومة الاتحادية على مشروع موازنة 2024م. والتي بلغت 445.7 مليار يورو. وهو ما يمثل اقل بحوالي 30 مليار يورو، او ما يساوي 6 في المئة عن ميزانية العام الحالي 2023م، في إطار الإجراءات التقشفية التي اتبعها وزير المالية الاتحادي Christian Lindner، والتي من اهم أهدافها العودة الى الالتزام بمبدأ “كابح الديون” المنصوص عليه في الدستور، والذي جرى تعطيله خلال السنوات الماضية من قبل البرلمان الألماني بسبب ازمة كورونا وأزمة الطاقة ومن أجل إتاحة المجال للحكومة للاقتراض لتمويل برامج المساعدات الاقتصادية المختلفة. ويتمثل مبدأ “كابح الديون” في المادة 115 من القانون الأساسي التي تمنح الحكومة الاتحادية نطاقًا ضيقًا للاقتراض، عبر وضع حد أقصى لصافي الاقتراض عند نسبة 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

     ويتضمن مشروع الميزانية بالفعل ديون جديدة تبلغ 16.6 مليار يورو، وهو ما يعني عودة الحكومة الاتحادية الى الالتزام بكابح الديون في العام 2024م. ويتوقع ان تجرى بعض التعديلات على مشروع الموازنة خلال المشاورات البرلمانية كما هو معتاد قبل إقرار المشروع بشكل نهائي من البرلمان الاتحادي (البوندستاج)أوائل شهر ديسمبر القادم.

     ويمثل خفض نفقات الميزانية الاتحادية اتجاهاً عاماً متواصلاً منذ عدة سنوات، فبعد ان كانت ميزانية الحكومة الاتحادية قد سجلت رقما قياسيا في العام 2021م، حين بلغت 573 مليار يورو. اتجهت الميزانية الى الانخفاض بشكل تدريجي في الأعوام التالية.  ومع ذلك، لا تزال الميزانية المخططة للعام 2024م، اعلى من ميزانية العام 2019م، العام الذي سبق أزمة كورونا.  عندما أنفقت الحكومة الاتحادية 356 مليار يورو، وهو ما يجعل ميزانية الحكومة الاتحادية للعام 2024م، اعلى بنحو 25 في المئة.

     يشكل الانفاق على العمل والشئون الاجتماعية أكبر بنود الانفاق في بنود مشروع موازنة 2024م، وبما يتجاوز ثلث الموازنة بمبلغ 172 مليار يورو تقريبا وبزيادة تفوق الخمس مليار ات يورو مقارنة بميزانية العام 2023م، والتي تم فيها تخصيص مبلغ 166.2 مليار يورو لبند العمل والشئون الاجتماعية. كما شكلت موازنة الدفاع ثاني أكبر بنود الانفاق في الموازنة حيث تم تخصيص 51.8 مليار يورو للدفاع في مشروع موازنة 2024م، بعد ان كان هذا قد تم تخصص 50 مليار يورو تقريبا لهذا البند في موازنة 2023م. ويأتي رفع ميزانية الدفاع الى جانب خطط تخصيص 19.2 مليار يورو إضافية من ضمن مبلغ 100 مليار يورو الخاص بتسليح الجيش الألماني خلال العام القادم ضمن محاولات ألمانيا الالتزام بخطط حلف الناتو القاضية بتخصيص ما نسبته 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل لقضايا الدفاع والتسليح.

      كذلك ومن ضمن بنود الموازنة التي ستشهد زيادة في العام 2024م، اتى بند الرقمنة والمواصلات والذي يمثل أيضا ثالث أكبر بنود الانفاق اذ تضمنت خطط موازنة 2024م، انفاق38.7 مليار يورو على هذا البند في مقابل 35.6 مليار يورو تقريبا تم تخصيصها للرقمنة والمواصلات في ميزانية 2023م. ويأتي رفع ميزانية وزارة المواصلات والرقمنة في إطار توفير تمويل إضافي لعملية تجديد وتحديث السكك الحديدية في ألمانيا والتي قد تبلغ تكلفتها الاجمالية 45 مليار يورو بحلول العام 2027م.

     من جانب أخر شهدت عدد من بنود الانفاق في مشروع موازنة 2024م، تخفيضات كبيرة مقارنة بميزانية العام 2023م، وقد شهد البند المخصص للإنفاق على الصحة أكبر هذه التخفيضات حيث تراجعت الميزانية المخصصة للإنفاق على الصحة في 2024م، بنحو 9.3 مليار يورو الى مستوى 16.2 مليار يورو بعد ان كنت تبلغ 25.5 مليار يورو في العام 2023م. ويعود هذا التراجع الكبير في الاموال المخصصة للصحة الى توقف الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بمكافحة جائحة كورونا.

      كما تم خفض مخصصات التعليم والبحث العلمي لتبلغ في مشروع موازنة 2024م، 20.3 مليار يورو بعد ان كانت تبلغ 21.5 مليار يورو تقريبا في ميزانية 2023م. ويعود خفض موازنة التعليم الى انتهاء برنامج دعم الطاقة المخصص للطلاب والذي كان يحصل الطالب بموجبة على 200 يورو لمرة واحدة كإعانة حكومية لمواجها ارتفاع اسعار الطاقة والكهرباء.    بالإضافة الى خفض مخصصات برنامج مساعدات الطلاب BAföG الى نحو 1.4 مليار يورو في مشروع موازنة 2024م، بعد ان كان 1.8 مليار في ميزانية العام الحالي.

     كما شمل التخفيض في الانفاق الحكومي خفض مخصصات الاسرة حيث تم تحديد مبلغ 13.35 مليار يورو لهذا الباب في مشروع موازنة 2024م، بعد ان كانت عند مستوى 13.7 مليار يورو في ميزانية العام 2023م. ويرجع السبب الرئيسي لهذا التراجع في الانفاق الى خفض الحد الأعلى لدخل الوالدين الذين يحق لهما الحصول على بدل تفرغ لرعاية أطفالهم حديثي الولادة من مستوى 300 ألف يورو في العام الى 150 ألف يورو فقط. 

      ومع التخفيض المخطط له في اغلب بنود إنفاق ميزانية الحكومة الاتحادية للعام 2024م، تظهر أيضا تخفيضات إيجابية في نفقات الميزانية، حيث ستتراجع نفقات خدمة الدين العام للحكومة بمقدار 3.3 مليار يورو من مبلغ 42.2 مليار يورو في العام 2023م، الى نحو 38.9 مليار يورو في موازنة العام 2024م.

إقرار تعديل قانون هجرة العمالة الماهرة

     أقر البرلمان الالماني ومجلس الولايات التعديلات التي قدمتها الحكومة الاتحادية على قانون الهجرة للعمال المهرة من دول خارج الاتحاد الأوروبي بهدف جذب المزيد من العمال من دول ثالثة من أجل التخفيف من النقص في العمال المهرة في ألمانيا. وأكدت وزيرة الداخلية الاتحادية Nancy Faeser أنه مع التعديلات على القانون، فإن ألمانيا تهيئ الظروف لجلب أفضل المواهب من الخارج إلى ألمانيا، معتبرة ان القانون هو “أحدث قانون للهجرة في العالم”. حيث سيعتمد على تبسيط الإجراءات والحد من البيروقراطية من خلال ادخال نظام النقاط.

     وتعاني ألمانيا بشكل متزايد من النقص في العمالة المؤهلة والذي يبلغ مئات الالاف من العمال حيث كان هناك نقص في العمال المهرة في الكثير من التخصصات بداية من التمريض ووصولا إلى الوظائف في الإدارة العامة. وبحسب دراسة أجرتها وكالة العمل الاتحادية فان هناك نقص في العمالة الماهرة في كل سادس مهنة. وبناءً على ذلك، كان هناك نقص حرج في 200 مهنة من حوالي 1200 مهنة تم تقييمها. ووفقًا للدراسة، تتأثر بشكل خاص من النقص في المختصين والعمال المؤهلين مهن التمريض وسائقي شاحنات النقل المحترفين والأخصائيين الطبيين والمهن المتعلقة بالبناء ورعاية الأطفال وهندسة السيارات وتخصص تكنولوجيا المعلومات. هذا بالإضافة الى الوظائف في قطاعات خدمات الفنادق وتقديم الطعام والإنشاءات المعدنية وسائقي الحافلات. واظهر مسح للوظائف قام به معهد أبحاث سوق العمل والوظائف (IAB) عن رقم قياسي جديد في عدد الوظائف الشاغرة في ألمانيا نهاية العام 2022م، حيث وصلت الى مستوى مليوني وظيفة شاغرة. كما عبر وزير العمل الاتحادي Hubertus Heil عن الخشية بان استمرار ازمة النقص في العمالة الماهرة سوف يؤدي الى نقص بنحو 7 ملايين من العمال المهرة بحلول العام 2035م.  خصوصا ان التطور الديموغرافي وشيخوخة المجتمع يفاقم المشكلة.

     وتتمثل أبرز التعديلات في قانون جذب العمالة الماهرة الجديد في خفض الحد الأدنى للرواتب التي تخول العمال او المختصين الحصول على “البطاقة الزرقاء” التي تعطيهم الحق في العمل في ألمانيا او في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي، حيث تم خفض الحد الأدنى الى 43800 يورو إجمالي سنويًا بدلا عن 58400 يورو سنويا. وينبغي أيضًا أن يكون أصحاب هذه البطاقة قادرين على تغيير أصحاب العمل، ولم شمل الأسرة الذي يسري على الزوجة والأولاد بالإضافة الى والدي الزوج والزوجة، والحصول على إذن الإقامة الدائمة في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للقانون الجديد، يجب أن يكون العمال المهرة “قادرين على القيام بأي عمل مؤهل” أي انه يحق لهم العمل في تخصصات خارج مؤهلاتهم الأصلية. فعلى سبيل المثال. بالنسبة لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات على وجه التحديد، بإمكانهم أن يحصلوا أيضًا على “بطاقة الاتحاد الأوروبي الزرقاء” بدون ان تكون لديهم شهادة جامعية إذا تمكنوا من إثبات حصولهم على مؤهلات أخرى أدنى.

     من التعديلات الجديدة الهامة ايضاً في قانون جذب العمالة الماهرة التخلي عن شرط الاعتراف المسبق بالمؤهل الأجنبي في ألمانيا قبل الحصول على تأشيرة الدخول والبدء في العمل. بالإضافة الى إمكانية ان يحصل العامل على فرصة للتدريب المهني في ألمانيا. كما تم التخلي عن شرط الحصول على مستوى معين من اللغة الألمانية كشرط مسبق للحصول على تأشيرة للبحث عن عمل.

     الى جانب ذلك تم إقرار نظام النقاط للحصول على تأشيرة للبحث عن عمل في ألمانيا في استلهام للنموذج الكندي. وهو ما أطلق علية في القانون “بطاقة فرصة”، حيث يتم منح 12 نقطة بناءً على عدة معايير منها ان يكون العامل المؤهل حاصلاً على سنتين على الأقل من التدريب المهني أو شهادة جامعية او غيرها من المؤهلات بالإضافة الى العمر والذي كلما كان أصغر كلما كان عدد النقاط أكثر الى جانب مستوى المعرفة باللغة الألمانية او وجود أقارب يعيشون في ألمانيا. وإذا توفر للشخص ست نقاط على الأقل، فبإمكانه الحصول على “بطاقة فرصة” التي تؤهله للبحث عن وظيفة في ألمانيا لمدة عام واحد، بشرط أن يكون تمويل أقامته لهذه المدة مؤمناً. وسيتم تمديد البطاقة لمدة تصل إلى عامين إذا حصل الشخص على عقد عمل للتوظيف ووافقت عليه وكالة العمل الاتحادية.

     اما فيما يتعلق بردود أفعال الشركات وأصحاب العمل فمن حيث المبدأ تقيم الاتحادات الصناعية التعديلات الجديدة على القانون بشكل إيجابي الا ان العديد من هذه الاتحادات ما تزال ترى ان هناك عقبات لم يتم ازالتها امام استقدام العمال المهرة من خارج الاتحاد الأوروبي اذ يعتقد Jörg Dittrich رئيس الاتحاد الألماني للحرف الماهرة (ZDH)، أن قانون الهجرة ما يزال بيروقراطي للغاية، ولا تزال هنالك العديد من العقبات والصعوبات امام العمال المهرة للقدوم الى ألمانيا. كما انتقد Felix Pakleppa، المدير العام للرابطة المركزية لصناعة البناء الألمانية، التركيز على العمالة الحاصلة على شهادات جامعية بينما يتم تجاهل العمالة التي تتمتع بخبرة مهنية.

     من جانبها اقترحت Monika Schnitzer الخبيرة الاقتصادية ورئيسة مجلس حكماء الاقتصاد الألماني مزيدًا من الهجرة لمكافحة النقص في العمال المهرة، معتبرة ان قانون جذب العمال المهرة الجديد يسير بالفعل في الاتجاه الصحيح، لكن ألمانيا لا تحرز تقدمًا كبيرًا “بقدر ما نستطيع وينبغي”. وكإجراء ضد النقص المتزايد في العمال المهرة، ترى Schnitzer ان ألمانيا “تحتاج إلى 1.5 مليون مهاجر سنويًا”. بالإضافة الى ذلك تشير الخبيرة الاقتصادية الى الحاجة الى المزيد من التغييرات في إجراءات جذب العمال المهرة من أهمها ان لا تستمر مكاتب شئون الأجانب الحكومية في اتباع الإجراءات البيروقراطية التي تتسبب في احجام المهاجرين عن القدوم الى ألمانيا باعتبار ان هذه المكاتب تقدم خدمة حيث “لا ينبغي أن نطلب من العمال الأجانب المهرة التحدث باللغة الألمانية في كل وظيفة. بل يجب أن نتأكد من أن الموظفين في سلطات الهجرة يتحدثون الإنجليزية.”

المستشفيات الألمانية والصعوبات المالية المتزايدة

     يزداد الوضع المالي للعديد من المستشفيات الألمانية صعوبة حيث اظهرت دراسة حديثة قامت بإجرائها شركة Roland Berger للاستشارات ان أكثر من نصف المستشفيات التي تم مسحها لا تكفي ايراداتها لتغطية تكاليفها. بالإضافة الى أن أكثر من نصف أكبر 600 مستشفى في ألمانيا يعاني من خسائر مالية مزمنة. ويعتبر الوضع المالي للمستشفيات العامة أكثر صعوبة بشكل خاص، حيث سجلت ما يقرب من ثلثي المستشفيات (63 في المئة) عجزا في ميزانياتها التشغيلية.  وبناءً على هذا يتوقع مديرو المستشفيات الذين شملتهم الدراسة موجة من الإغلاق في السنوات القليلة المقبلة. إذ يتوقع 51 في المئة منهم أنه من بين 1900 مستشفى موجود في ألمانيا حاليًا، لن يتبقى أكثر من 1250 مستشفى على الاغلب. وهو ما يعني ان ثلث عدد المستشفيات الموجودة اليوم سيتم اغلاقها. واعتبر مديرو المستشفيات ان السبب الرئيسي لسوء الأوضاع المالية في اغلب المستشفيات هو زيادة عدد حالات العلاج في العيادات الخارجية التابعة للمستشفى بدلاً من العلاج المعتاد للمرضى داخل اقسام الرقود، والذي يعتبر أكثر ربحية من الناحية المالية.

     وامام هذا الأداء المالي الضعيف وتراجع الإيرادات في العديد من المستشفيات، ولعدة أسباب اخرى قدم وزير الصحة الاتحادي Karl Lauterbach خطة لإصلاح نظام عمل المستشفيات في ألمانيا لضمان تحسن الأوضاع المالية لهذه المستشفيات وضمان أيضا تقديمها خدمات طبابة أكثر جودة. وتقوم الخطة بشكل رئيسي على خفض عدد المستشفيات عبر اغلاق المستشفيات الصغيرة او دمجها مع مستشفيات أكبر بهدف توفير تكاليف التشغيل وتوفير كوادر طبية أكثر في المستشفيات الكبيرة.

     كما تتضمن خطة الإصلاح المقترحة تغيير نظام التعويضات التي تقدم للمستشفيات عن تكاليف العلاج والطبابة للمرضى والقائم حاليا على تحديد مبالغ مقطوعة للحالات العلاجية والتي تدفع المستشفيات لمحاولة التعامل مع أكبر عدد ممكن من المرضى والحالات العلاجية لضمان الحصول على عائدات أكبر والذي يتسبب أحيانا في خفض جودة خدمات العلاج والطبابة المقدمة للمرضى. وبدلا من ذلك، ووفقا لخطة الإصلاح المقترحة، ستحصل المستشفيات على 60 في المئة من التعويضات من اجل احتفاظها بقدرتها على تقديم الخدمات العلاجية لعدد معين من المرضى حتى في حالة عدم استخدام هذه الخدمات. وهو ما قد يساعد المستشفيات الصغيرة على وجه الخصوص في الاستمرار في العمل.

      وفي هذا الجانب يتوقع عدد قليل فقط من مديري المستشفيات الذين شملهم دراسة شركة Roland Berger أن يتحسن الوضع المالي لمستشفياتهم نتيجة لخطة إصلاح عمل المستشفيات المخطط لها. وتفترض الدراسة ايضاً أن الاندماج في سوق المستشفيات سيتسارع ويتوقع أن يتم دمج المزيد من المستشفيات في السنوات القليلة المقبلة. كما اوصت الدراسة ” مشغلي المستشفيات بالتعاون مع مقدمي الخدمات الصحية الآخرين من أجل الاستفادة من التآزر والعمل بشكل أكثر ربحية”.

     وفي سياق متصل، وفي ضوء خطة وزير الصحة الاتحادي لإصلاح عمل المستشفيات حذر كبار ممثلي شركات التأمين الصحي الحكومية (GKV) من زيادة مبلغ الاشتراكات. وقال Andreas Storm، رئيس شركة التأمين الصحي الحكومية DAK، إنه “من غير الواضح حتى الآن إذا ما كان على شركات التأمين الصحي التي تعاني بالفعل من نقص التمويل ان تقوم بسد العجز المالي في المستشفيات”. مضيفاً انه في “المحصلة النهائية يتعين على المساهمين دفع الفاتورة عن طريق زيادة الاشتراكات بداية من عام 2024م وما بعده.”

     كما يتوقع Uwe Klemens، رئيس اتحاد صناديق التأمين البديلة (vdek)، “إنفاق مليارات جديدة” من قبل شركات التأمين الصحي، مؤكدا ان هذا “يؤدي حتما إلى عجز أكبر وسيستلزم قفزات أكبر في الاشتراكات إذا لم يكن هناك تخفيضات في المزايا أو تقديم أموال من الحكومة الاتحادية في المقابل”. ويتوقع اتحاد صناديق التأمين الصحي الحكومي بالفعل وجود فجوة في التمويل في العام 2024م، تتراوح بين 3.5 مليار وسبعة مليارات يورو. دون ان يشمل هذا التكاليف الإضافية المتوقعة لخطة إصلاح المستشفيات.

     وكان وزير الصحة الاتحادي Lauterbach قد أعلن بالفعل ان نسبة الاشتراك في التأمين الصحي سترتفع في العام المقبل. واستبعد إجراء تخفيضات في الفوائد والمزايا التي تقدمها شركات التأمين، كما انه من غير المتوقع أن تقوم الحكومة الاتحادية بتقديم مزيد من الأموال لدعم هذه الشركات. وكان العام 2023م، قد شهد رفع شركات التأمين لقيمة الاشتراكات بمتوسط ما بين ​​1.3 و1.6 في المئة.

استمر التراجع في مناخ الاعمال للاقتصاد الألماني في شهر يوليو حيث انخفض مؤشر ifo الى مستوى 87.3 نقطة، بعد ان كان قد سجل مستوى 88.6 نقطة في شهر يونيو. وهذا هو الانخفاض الثالث على التوالي. ويرجع هذا الانخفاض بدرجة اساسية الى ان الشركات كانت أقل رضا عن مستوى اعمالها في الوقت الحاضر هذا بالإضافة الى ان توقعاتها بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة كانت أقل من الشهر السابق، في انعكاس لحالة عدم اليقين السائدة حالياً.

     في قطاع الصناعة، انخفض مؤشر مناخ الأعمال بشكل كبير حيث تراجع المؤشر في يوليو الى مستوى (-14.2 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-9.7 نقطة) في الشهر السابق. كانت أسباب هذا التراجع تتمثل في التقييم الضعيف لشركات القطاع لمستوى الاعمال في الوقت الحالي الى جانب التوقعات السلبية حول مستوى الاعمال خلال الفترات القادمة خصوصا بعد تراجع عدد الطلبات الجديدة على المنتجات الصناعية. 

     في قطاع الخدمات، انخفض المؤشر في يوليو الى مستوى 0.9 نقطة، متراجعاً من مستوى 2.7 نقطة الذي سجله في شهر يونيو الماضي. حيث كانت شركات القطاع أكثر استياءً بشكل ملحوظ من مستوى أعمالها الحالي. كما كانت توقعاتها لمستوى اعمالها للأشهر القادمة أقل إيجابية.

     كذلك تراجع مؤشر الاعمال في قطاع التجارة في شهر يوليو بدرجة كبيرة حيث سجل المؤشر مستوى (-23.7 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-20.2 نقطة) في الشهر السابق. وفي هذا القطاع أيضا قيمت الشركات مستوى اعمالها الحالي بشكل سلبي كما كانت توقعاتها لمستوى الاعمال في الأشهر القادمة أكثر تشاؤماً.

     وانخفض مؤشر مناخ الاعمال في قطاع البناء في شهر يوليو إلى أدنى مستوى له منذ فبراير 2010م، حيث سجل المؤشر مستوى (-24 نقطة) متراجعا عن مستوى (- 20.5 نقطة) المسجل في شهر يونيو. وقد عبرت شركات القطاع بشكل أكبر عن عدم رضاها عن الوضع الحالي للأعمال. كما كانت التوقعات بمستوى الاعمال للأشهر القادمة أكثر سلبية.

     في سياق متصل، يتوقع البنك المركزي الألماني (Bundesbank) ان ينمو الناتج المحلي الاجمالي بشكل طفيف في الربع الثاني من عام 2023م. وذلك بعد ان كان الربع الرابع من العام 2022م، والربع الأول من العام 2023م، قد شهدا انكماش بنسبة 0.5 في المئة و0.3 في المئة على التوالي وهو ما ادي الى دخول الاقتصاد في حالة ركود تقني.  اما بالنسبة للعام بأكمله فيتوقع خبراء البنك المركزي أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 0.3 في المئة، على ان يعود الاقتصاد الى مرحلة النمو في العامين 2024م و2025م.

     وأعاد خبراء البنك المركزي التقديرات المتفائلة بحصول نمو طفيف في الربع الثاني 2023م، الى “استقرار الاستهلاك الخاص، الذي كان قد انخفض في السابق بحدة”، بالإضافة الى ” حقيقة أن سوق العمل لا يزال في حالة جيدة، مع ارتفاع الأجور بشكل حاد بالإضافة الى ان الزيادات في الأسعار لم تكن كبيرة “. حيث كان معدل التضخم في بداية العام لا يزال عند 8.7 في المئة، مما قلل من القوة الشرائية للمستهلكين، بينما تراجع معدل التضخم حاليا بشكل ملحوظ الى معدل 6.4 في المئة.

     وفي نفس الاتجاه، اظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة خدمة البيانات المالية Bloomberg أن العديد من الخبراء الاقتصاديين يتوقعون ان ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالربع السابق. وهو ما يعني ان تراجع الاقتصاد قد توقف ولو بشكل مؤقت.

     كما اشار تقرير لوزارة الاقتصاد وحماية المناخ الاتحادية الى ان ” الاقتصاد الألماني لا يزال يمر ببيئة صعبة في أوائل صيف عام 2023م”. حيث ان الوضع الاقتصادي العالمي “لا يزال ضعيفا بشكل عام”. كما ان فقدان القوة الشرائية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم يمثل “مثبط قوي للنمو”، الى جانب التأثير السلبي لارتفاع أسعار الفائدة على الاستثمارات، وخاصة في قطاع البناء. نتيجة لهذه التحديات، يتوقع التقرير تحقيق نمو اقتصادي ضعيف بشكل عام في الربع الثاني. الا ان احتمال عودة الركود “قائم بشدة”. وفي هذا الجانب يقدر معهد الاقتصاد الكلي وأبحاث دورة الأعمال (IMK) احتمالية حدوث ركود اقتصادي في مجمل العام 2023م.

     التحسن النسبي لوضع الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام 2023م، يعود بشكل رئيسي إلى ارتفاع مؤشر الاستهلاك الخاص لشهر يوليو 2023م، والذي ارتفع الى مستوى إلى 94.51 نقطة. وهذه هي الزيادة الشهرية التاسعة على التوالي منذ أن وصل المؤشر الى أدنى مستوى له في شهر أكتوبر من العام الماضي عند مستوى 84 نقطة تقريباً عندما كانت المخاوف من حصول ازمة في امدادات الطاقة والغاز الطبيعي عند أعلى مستوى. وبالرغم من هذه الزيادات في مؤشر الاستهلاك الخاص لا يزال المؤشر عند مستوى أقل بكثير من القيم المسجلة قبل جائحة كورونا. هذا بالإضافة الى ان ارتفاع الاستهلاك يرجع في جزء كبير منه الى لجوء الكثيرين الى الانفاق من مدخراتهم وليس بسبب ارتفاع حقيقي في الدخول، اذ يبدو أن العديد من المستهلكين يحاولون الحفاظ على مستوى استهلاكهم المعتاد بالأموال التي قاموا بادخارها. حيث أكد رئيس اتحاد البنوك الألمانية، Christian Sewing، ان “حوالي ثلث العملاء – كل من هم دون عتبة دخل معينة – يلجؤون الى السحب من مدخراتهم كل شهر”.

     وقد انعكست الصعوبات التي يواجها الاقتصاد في الوقت الحاضر على عدد حالات افلاس الشركات، فوفقاً لتقرير صادر عن معهد هاله للأبحاث الاقتصادية (IWH)، ارتفع عدد حالات إفلاس الشركات في يونيو 2023م، إلى أعلى مستوى له منذ عام 2016م. بإجمالي 1050حالة افلاس، ويمثل هذا العدد أعلى بنسبة 48 في المئة مما كان عليه في نفس الشهر من العام الماضي وأعلى بنسبة 11 في المئة من متوسط ​​حالات الإفلاس في شهر يونيو للأعوام 2016م إلى 2019م. هذا وقد تم تسجيل ما مجموعه 5545 حالة إفلاس شركات في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023م ، بزيادة قدرها 17 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

سوق العمل: ارتفاع طفيف للبطالة ومعدل بقاء أعلى للأكاديميين الأجانب العاملين في ألمانيا

     ارتفع عدد العاطلين في ألمانيا في شهر يونيو 2023م، مقارنة بالشهر الذي سبق حيث ارتفعت البطالة بمقدار 11000 شخص إلى 2،555،000 شخص. اما بالمقارنة مع شهر يونيو من العام الماضي، فإن عدد العاطلين عن العمل أعلى بـ 192000شخص. يدخل من ضمنهم اللاجئين الاوكرانيين الذين تم تسجيلهم لدي مكتب العمل الاتحادي كعاطلين عن العمل بدءً من صيف العام الماضي. وبلغ معدل البطالة في يونيو 2023م، نحو 5.5 في المئة بدون أي تغيير مع الشهر السابق الا انه وبالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي فقد ارتفع بمقدار 0.3 نقطة مئوية.

     وارجعت Andrea Nahles، رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA)، هذا الارتفاع في عدد العاطلين عن العمل الى الصعوبات التي يواجها الاقتصاد الألماني في الوقت الحاضر والتي انعكست على سوق العمل حيث ان “البطالة آخذة في الارتفاع ونمو التوظيف يفقد الزخم”.

     في إطار برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي سجلت الشركات خلال الفترة من ا يونيو وحتى 26 يونيو نحو 45 ألف موظف جديد في البرنامج في مؤشر على تراجع عدد الموظفين الذين يحصلون على مزايا البرنامج، وهو ما اظهرته أيضاً أخر بيانات مكتب العمل الاتحادي عن العدد الاجمالي لمن تلقوا تعويضات وفق هذا البرنامج حيث وصل عددهم في شهر ابريل 2023م، الى 135 ألف موظف بعد ان كان 160 ألفًا في مارس و151 ألفًا في فبراير من العام الحالي.

     اما في جانب عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدي مكتب العمل الاتحادي فقد بلغ عددها في شهر يونيو 2023م، حوالي 769000 وظيفة شاغرة، أي أقل بمقدار 108000 وظيفة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، في مؤشر على استمرار انخفاض الطلب على الوظائف والذي تم ملاحظته منذ صيف العام الماضي، لكن وبشكل عام، لا يزال عدد الوظائف الشاغرة عند مستوى مرتفع نسبيًا.

     في سياق متصل، اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، ارتفاع نسبة بقاء الأكاديميين والمتخصصين الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي والحاصلين على “البطاقة الزرقاء” في ألمانيا بعد مرور خمس سنوات على بدء عملهم فيها. وبحسب التقرير حصل ما يقرب من 200 ألف متخصص أكاديمي من دول خارج الاتحاد الأوروبي على البطاقة الزرقاء، والتي تخولهم العمل داخل دول الاتحاد لأول مرة بين عامي 2012م و2022م. ومن بين أولئك الذين حصلوا على تصريح الإقامة هذا بين عامي 2012م و2017م، لا يزال 83 في المئة منهم يعيشون في ألمانيا. ويمثل هذا المعدل أعلى بكثير من معدل بقاء الطلاب الأجانب الذين يدرسون في ألمانيا للعمل بعد انتهاء دراستهم والبالغ 55 في المئة.

     وقد حصل ما يقرب من 68900 شخص على بطاقة زرقاء لأول مرة بين عامي 2012م و2017م. وكان معظمهم من الهند (22.4 في المئة)، يليهم الصينيون (8.7 في المئة) والروس (7.5 في المئة). وقد حصل غالبية هؤلاء المتخصصين على تصريح إقامة دائم بعد خمس سنوات (60 في المئة تقريباً) وتم تجنيس 11.3 في المئة منهم، واستمر 9 في المئة في حيازة بطاقة زرقاء و3.1 في المئة يحملون تصريح إقامة من نوع آخر. من ناحية أخرى، غادر ما يقرب من 16.7 في المئة من هؤلاء المتخصصين والأكاديميين ألمانيا.

     بالمقارنة مع حاملي البطاقة الزرقاء، فإن معدل بقاء الطلاب الاجانب أقل، حيث حصل حوالي 219600 طالب أجنبي من خارج دول الاتحاد الأوروبي على تصريح إقامة لأغراض الدراسة في ألمانيا لأول مرة بين عامي 2006م و2012م. وكان معظمهم من الصين (19.6 في المئة). ويلي ذلك الأشخاص الذين يحملون الجنسية الأمريكية (6.9 في المئة) ومن ثم مواطني روسيا (6.4 في المئة).

     وبعد خمس سنوات، كان 55 في المئة من هؤلاء الطلاب الأجانب السابقين لا يزالون يعيشون في ألمانيا، وبعد عشر سنوات كانت النسبة 46 في المئة. وبشكل اجمالي أصبح حوالي ربع (24.8 في المئة) من الطلاب الأصليين البالغ عددهم 219600 طالبًا يتمتعون بحق الإقامة الدائمة بعد عشر سنوات من خلال الحصول على الجنسية الألمانية أو تصريح الإقامة الدائم.

مشروع ميزانية الحكومة الاتحادية 2024م

     وافقت الحكومة الاتحادية على مشروع موازنة 2024م. والتي بلغت 445.7 مليار يورو. وهو ما يمثل اقل بحوالي 30 مليار يورو، او ما يساوي 6 في المئة عن ميزانية العام الحالي 2023م، في إطار الإجراءات التقشفية التي اتبعها وزير المالية الاتحادي Christian Lindner، والتي من اهم أهدافها العودة الى الالتزام بمبدأ “كابح الديون” المنصوص عليه في الدستور، والذي جرى تعطيله خلال السنوات الماضية من قبل البرلمان الألماني بسبب ازمة كورونا وأزمة الطاقة ومن أجل إتاحة المجال للحكومة للاقتراض لتمويل برامج المساعدات الاقتصادية المختلفة. ويتمثل مبدأ “كابح الديون” في المادة 115 من القانون الأساسي التي تمنح الحكومة الاتحادية نطاقًا ضيقًا للاقتراض، عبر وضع حد أقصى لصافي الاقتراض عند نسبة 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

     ويتضمن مشروع الميزانية بالفعل ديون جديدة تبلغ 16.6 مليار يورو، وهو ما يعني عودة الحكومة الاتحادية الى الالتزام بكابح الديون في العام 2024م. ويتوقع ان تجرى بعض التعديلات على مشروع الموازنة خلال المشاورات البرلمانية كما هو معتاد قبل إقرار المشروع بشكل نهائي من البرلمان الاتحادي (البوندستاج)أوائل شهر ديسمبر القادم.

     ويمثل خفض نفقات الميزانية الاتحادية اتجاهاً عاماً متواصلاً منذ عدة سنوات، فبعد ان كانت ميزانية الحكومة الاتحادية قد سجلت رقما قياسيا في العام 2021م، حين بلغت 573 مليار يورو. اتجهت الميزانية الى الانخفاض بشكل تدريجي في الأعوام التالية.  ومع ذلك، لا تزال الميزانية المخططة للعام 2024م، اعلى من ميزانية العام 2019م، العام الذي سبق أزمة كورونا.  عندما أنفقت الحكومة الاتحادية 356 مليار يورو، وهو ما يجعل ميزانية الحكومة الاتحادية للعام 2024م، اعلى بنحو 25 في المئة.

     يشكل الانفاق على العمل والشئون الاجتماعية أكبر بنود الانفاق في بنود مشروع موازنة 2024م، وبما يتجاوز ثلث الموازنة بمبلغ 172 مليار يورو تقريبا وبزيادة تفوق الخمس مليار ات يورو مقارنة بميزانية العام 2023م، والتي تم فيها تخصيص مبلغ 166.2 مليار يورو لبند العمل والشئون الاجتماعية. كما شكلت موازنة الدفاع ثاني أكبر بنود الانفاق في الموازنة حيث تم تخصيص 51.8 مليار يورو للدفاع في مشروع موازنة 2024م، بعد ان كان هذا قد تم تخصص 50 مليار يورو تقريبا لهذا البند في موازنة 2023م. ويأتي رفع ميزانية الدفاع الى جانب خطط تخصيص 19.2 مليار يورو إضافية من ضمن مبلغ 100 مليار يورو الخاص بتسليح الجيش الألماني خلال العام القادم ضمن محاولات ألمانيا الالتزام بخطط حلف الناتو القاضية بتخصيص ما نسبته 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل لقضايا الدفاع والتسليح.

      كذلك ومن ضمن بنود الموازنة التي ستشهد زيادة في العام 2024م، اتى بند الرقمنة والمواصلات والذي يمثل أيضا ثالث أكبر بنود الانفاق اذ تضمنت خطط موازنة 2024م، انفاق38.7 مليار يورو على هذا البند في مقابل 35.6 مليار يورو تقريبا تم تخصيصها للرقمنة والمواصلات في ميزانية 2023م. ويأتي رفع ميزانية وزارة المواصلات والرقمنة في إطار توفير تمويل إضافي لعملية تجديد وتحديث السكك الحديدية في ألمانيا والتي قد تبلغ تكلفتها الاجمالية 45 مليار يورو بحلول العام 2027م.

     من جانب أخر شهدت عدد من بنود الانفاق في مشروع موازنة 2024م، تخفيضات كبيرة مقارنة بميزانية العام 2023م، وقد شهد البند المخصص للإنفاق على الصحة أكبر هذه التخفيضات حيث تراجعت الميزانية المخصصة للإنفاق على الصحة في 2024م، بنحو 9.3 مليار يورو الى مستوى 16.2 مليار يورو بعد ان كنت تبلغ 25.5 مليار يورو في العام 2023م. ويعود هذا التراجع الكبير في الاموال المخصصة للصحة الى توقف الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بمكافحة جائحة كورونا.

      كما تم خفض مخصصات التعليم والبحث العلمي لتبلغ في مشروع موازنة 2024م، 20.3 مليار يورو بعد ان كانت تبلغ 21.5 مليار يورو تقريبا في ميزانية 2023م. ويعود خفض موازنة التعليم الى انتهاء برنامج دعم الطاقة المخصص للطلاب والذي كان يحصل الطالب بموجبة على 200 يورو لمرة واحدة كإعانة حكومية لمواجها ارتفاع اسعار الطاقة والكهرباء.    بالإضافة الى خفض مخصصات برنامج مساعدات الطلاب BAföG الى نحو 1.4 مليار يورو في مشروع موازنة 2024م، بعد ان كان 1.8 مليار في ميزانية العام الحالي.

     كما شمل التخفيض في الانفاق الحكومي خفض مخصصات الاسرة حيث تم تحديد مبلغ 13.35 مليار يورو لهذا الباب في مشروع موازنة 2024م، بعد ان كانت عند مستوى 13.7 مليار يورو في ميزانية العام 2023م. ويرجع السبب الرئيسي لهذا التراجع في الانفاق الى خفض الحد الأعلى لدخل الوالدين الذين يحق لهما الحصول على بدل تفرغ لرعاية أطفالهم حديثي الولادة من مستوى 300 ألف يورو في العام الى 150 ألف يورو فقط. 

      ومع التخفيض المخطط له في اغلب بنود إنفاق ميزانية الحكومة الاتحادية للعام 2024م، تظهر أيضا تخفيضات إيجابية في نفقات الميزانية، حيث ستتراجع نفقات خدمة الدين العام للحكومة بمقدار 3.3 مليار يورو من مبلغ 42.2 مليار يورو في العام 2023م، الى نحو 38.9 مليار يورو في موازنة العام 2024م.

إقرار تعديل قانون هجرة العمالة الماهرة

     أقر البرلمان الالماني ومجلس الولايات التعديلات التي قدمتها الحكومة الاتحادية على قانون الهجرة للعمال المهرة من دول خارج الاتحاد الأوروبي بهدف جذب المزيد من العمال من دول ثالثة من أجل التخفيف من النقص في العمال المهرة في ألمانيا. وأكدت وزيرة الداخلية الاتحادية Nancy Faeser أنه مع التعديلات على القانون، فإن ألمانيا تهيئ الظروف لجلب أفضل المواهب من الخارج إلى ألمانيا، معتبرة ان القانون هو “أحدث قانون للهجرة في العالم”. حيث سيعتمد على تبسيط الإجراءات والحد من البيروقراطية من خلال ادخال نظام النقاط.

     وتعاني ألمانيا بشكل متزايد من النقص في العمالة المؤهلة والذي يبلغ مئات الالاف من العمال حيث كان هناك نقص في العمال المهرة في الكثير من التخصصات بداية من التمريض ووصولا إلى الوظائف في الإدارة العامة. وبحسب دراسة أجرتها وكالة العمل الاتحادية فان هناك نقص في العمالة الماهرة في كل سادس مهنة. وبناءً على ذلك، كان هناك نقص حرج في 200 مهنة من حوالي 1200 مهنة تم تقييمها. ووفقًا للدراسة، تتأثر بشكل خاص من النقص في المختصين والعمال المؤهلين مهن التمريض وسائقي شاحنات النقل المحترفين والأخصائيين الطبيين والمهن المتعلقة بالبناء ورعاية الأطفال وهندسة السيارات وتخصص تكنولوجيا المعلومات. هذا بالإضافة الى الوظائف في قطاعات خدمات الفنادق وتقديم الطعام والإنشاءات المعدنية وسائقي الحافلات. واظهر مسح للوظائف قام به معهد أبحاث سوق العمل والوظائف (IAB) عن رقم قياسي جديد في عدد الوظائف الشاغرة في ألمانيا نهاية العام 2022م، حيث وصلت الى مستوى مليوني وظيفة شاغرة. كما عبر وزير العمل الاتحادي Hubertus Heil عن الخشية بان استمرار ازمة النقص في العمالة الماهرة سوف يؤدي الى نقص بنحو 7 ملايين من العمال المهرة بحلول العام 2035م.  خصوصا ان التطور الديموغرافي وشيخوخة المجتمع يفاقم المشكلة.

     وتتمثل أبرز التعديلات في قانون جذب العمالة الماهرة الجديد في خفض الحد الأدنى للرواتب التي تخول العمال او المختصين الحصول على “البطاقة الزرقاء” التي تعطيهم الحق في العمل في ألمانيا او في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي، حيث تم خفض الحد الأدنى الى 43800 يورو إجمالي سنويًا بدلا عن 58400 يورو سنويا. وينبغي أيضًا أن يكون أصحاب هذه البطاقة قادرين على تغيير أصحاب العمل، ولم شمل الأسرة الذي يسري على الزوجة والأولاد بالإضافة الى والدي الزوج والزوجة، والحصول على إذن الإقامة الدائمة في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للقانون الجديد، يجب أن يكون العمال المهرة “قادرين على القيام بأي عمل مؤهل” أي انه يحق لهم العمل في تخصصات خارج مؤهلاتهم الأصلية. فعلى سبيل المثال. بالنسبة لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات على وجه التحديد، بإمكانهم أن يحصلوا أيضًا على “بطاقة الاتحاد الأوروبي الزرقاء” بدون ان تكون لديهم شهادة جامعية إذا تمكنوا من إثبات حصولهم على مؤهلات أخرى أدنى.

     من التعديلات الجديدة الهامة ايضاً في قانون جذب العمالة الماهرة التخلي عن شرط الاعتراف المسبق بالمؤهل الأجنبي في ألمانيا قبل الحصول على تأشيرة الدخول والبدء في العمل. بالإضافة الى إمكانية ان يحصل العامل على فرصة للتدريب المهني في ألمانيا. كما تم التخلي عن شرط الحصول على مستوى معين من اللغة الألمانية كشرط مسبق للحصول على تأشيرة للبحث عن عمل.

     الى جانب ذلك تم إقرار نظام النقاط للحصول على تأشيرة للبحث عن عمل في ألمانيا في استلهام للنموذج الكندي. وهو ما أطلق علية في القانون “بطاقة فرصة”، حيث يتم منح 12 نقطة بناءً على عدة معايير منها ان يكون العامل المؤهل حاصلاً على سنتين على الأقل من التدريب المهني أو شهادة جامعية او غيرها من المؤهلات بالإضافة الى العمر والذي كلما كان أصغر كلما كان عدد النقاط أكثر الى جانب مستوى المعرفة باللغة الألمانية او وجود أقارب يعيشون في ألمانيا. وإذا توفر للشخص ست نقاط على الأقل، فبإمكانه الحصول على “بطاقة فرصة” التي تؤهله للبحث عن وظيفة في ألمانيا لمدة عام واحد، بشرط أن يكون تمويل أقامته لهذه المدة مؤمناً. وسيتم تمديد البطاقة لمدة تصل إلى عامين إذا حصل الشخص على عقد عمل للتوظيف ووافقت عليه وكالة العمل الاتحادية.

     اما فيما يتعلق بردود أفعال الشركات وأصحاب العمل فمن حيث المبدأ تقيم الاتحادات الصناعية التعديلات الجديدة على القانون بشكل إيجابي الا ان العديد من هذه الاتحادات ما تزال ترى ان هناك عقبات لم يتم ازالتها امام استقدام العمال المهرة من خارج الاتحاد الأوروبي اذ يعتقد Jörg Dittrich رئيس الاتحاد الألماني للحرف الماهرة (ZDH)، أن قانون الهجرة ما يزال بيروقراطي للغاية، ولا تزال هنالك العديد من العقبات والصعوبات امام العمال المهرة للقدوم الى ألمانيا. كما انتقد Felix Pakleppa، المدير العام للرابطة المركزية لصناعة البناء الألمانية، التركيز على العمالة الحاصلة على شهادات جامعية بينما يتم تجاهل العمالة التي تتمتع بخبرة مهنية.

     من جانبها اقترحت Monika Schnitzer الخبيرة الاقتصادية ورئيسة مجلس حكماء الاقتصاد الألماني مزيدًا من الهجرة لمكافحة النقص في العمال المهرة، معتبرة ان قانون جذب العمال المهرة الجديد يسير بالفعل في الاتجاه الصحيح، لكن ألمانيا لا تحرز تقدمًا كبيرًا “بقدر ما نستطيع وينبغي”. وكإجراء ضد النقص المتزايد في العمال المهرة، ترى Schnitzer ان ألمانيا “تحتاج إلى 1.5 مليون مهاجر سنويًا”. بالإضافة الى ذلك تشير الخبيرة الاقتصادية الى الحاجة الى المزيد من التغييرات في إجراءات جذب العمال المهرة من أهمها ان لا تستمر مكاتب شئون الأجانب الحكومية في اتباع الإجراءات البيروقراطية التي تتسبب في احجام المهاجرين عن القدوم الى ألمانيا باعتبار ان هذه المكاتب تقدم خدمة حيث “لا ينبغي أن نطلب من العمال الأجانب المهرة التحدث باللغة الألمانية في كل وظيفة. بل يجب أن نتأكد من أن الموظفين في سلطات الهجرة يتحدثون الإنجليزية.”

المستشفيات الألمانية والصعوبات المالية المتزايدة

     يزداد الوضع المالي للعديد من المستشفيات الألمانية صعوبة حيث اظهرت دراسة حديثة قامت بإجرائها شركة Roland Berger للاستشارات ان أكثر من نصف المستشفيات التي تم مسحها لا تكفي ايراداتها لتغطية تكاليفها. بالإضافة الى أن أكثر من نصف أكبر 600 مستشفى في ألمانيا يعاني من خسائر مالية مزمنة. ويعتبر الوضع المالي للمستشفيات العامة أكثر صعوبة بشكل خاص، حيث سجلت ما يقرب من ثلثي المستشفيات (63 في المئة) عجزا في ميزانياتها التشغيلية.  وبناءً على هذا يتوقع مديرو المستشفيات الذين شملتهم الدراسة موجة من الإغلاق في السنوات القليلة المقبلة. إذ يتوقع 51 في المئة منهم أنه من بين 1900 مستشفى موجود في ألمانيا حاليًا، لن يتبقى أكثر من 1250 مستشفى على الاغلب. وهو ما يعني ان ثلث عدد المستشفيات الموجودة اليوم سيتم اغلاقها. واعتبر مديرو المستشفيات ان السبب الرئيسي لسوء الأوضاع المالية في اغلب المستشفيات هو زيادة عدد حالات العلاج في العيادات الخارجية التابعة للمستشفى بدلاً من العلاج المعتاد للمرضى داخل اقسام الرقود، والذي يعتبر أكثر ربحية من الناحية المالية.

     وامام هذا الأداء المالي الضعيف وتراجع الإيرادات في العديد من المستشفيات، ولعدة أسباب اخرى قدم وزير الصحة الاتحادي Karl Lauterbach خطة لإصلاح نظام عمل المستشفيات في ألمانيا لضمان تحسن الأوضاع المالية لهذه المستشفيات وضمان أيضا تقديمها خدمات طبابة أكثر جودة. وتقوم الخطة بشكل رئيسي على خفض عدد المستشفيات عبر اغلاق المستشفيات الصغيرة او دمجها مع مستشفيات أكبر بهدف توفير تكاليف التشغيل وتوفير كوادر طبية أكثر في المستشفيات الكبيرة.

     كما تتضمن خطة الإصلاح المقترحة تغيير نظام التعويضات التي تقدم للمستشفيات عن تكاليف العلاج والطبابة للمرضى والقائم حاليا على تحديد مبالغ مقطوعة للحالات العلاجية والتي تدفع المستشفيات لمحاولة التعامل مع أكبر عدد ممكن من المرضى والحالات العلاجية لضمان الحصول على عائدات أكبر والذي يتسبب أحيانا في خفض جودة خدمات العلاج والطبابة المقدمة للمرضى. وبدلا من ذلك، ووفقا لخطة الإصلاح المقترحة، ستحصل المستشفيات على 60 في المئة من التعويضات من اجل احتفاظها بقدرتها على تقديم الخدمات العلاجية لعدد معين من المرضى حتى في حالة عدم استخدام هذه الخدمات. وهو ما قد يساعد المستشفيات الصغيرة على وجه الخصوص في الاستمرار في العمل.

      وفي هذا الجانب يتوقع عدد قليل فقط من مديري المستشفيات الذين شملهم دراسة شركة Roland Berger أن يتحسن الوضع المالي لمستشفياتهم نتيجة لخطة إصلاح عمل المستشفيات المخطط لها. وتفترض الدراسة ايضاً أن الاندماج في سوق المستشفيات سيتسارع ويتوقع أن يتم دمج المزيد من المستشفيات في السنوات القليلة المقبلة. كما اوصت الدراسة ” مشغلي المستشفيات بالتعاون مع مقدمي الخدمات الصحية الآخرين من أجل الاستفادة من التآزر والعمل بشكل أكثر ربحية”.

     وفي سياق متصل، وفي ضوء خطة وزير الصحة الاتحادي لإصلاح عمل المستشفيات حذر كبار ممثلي شركات التأمين الصحي الحكومية (GKV) من زيادة مبلغ الاشتراكات. وقال Andreas Storm، رئيس شركة التأمين الصحي الحكومية DAK، إنه “من غير الواضح حتى الآن إذا ما كان على شركات التأمين الصحي التي تعاني بالفعل من نقص التمويل ان تقوم بسد العجز المالي في المستشفيات”. مضيفاً انه في “المحصلة النهائية يتعين على المساهمين دفع الفاتورة عن طريق زيادة الاشتراكات بداية من عام 2024م وما بعده.”

     كما يتوقع Uwe Klemens، رئيس اتحاد صناديق التأمين البديلة (vdek)، “إنفاق مليارات جديدة” من قبل شركات التأمين الصحي، مؤكدا ان هذا “يؤدي حتما إلى عجز أكبر وسيستلزم قفزات أكبر في الاشتراكات إذا لم يكن هناك تخفيضات في المزايا أو تقديم أموال من الحكومة الاتحادية في المقابل”. ويتوقع اتحاد صناديق التأمين الصحي الحكومي بالفعل وجود فجوة في التمويل في العام 2024م، تتراوح بين 3.5 مليار وسبعة مليارات يورو. دون ان يشمل هذا التكاليف الإضافية المتوقعة لخطة إصلاح المستشفيات.

     وكان وزير الصحة الاتحادي Lauterbach قد أعلن بالفعل ان نسبة الاشتراك في التأمين الصحي سترتفع في العام المقبل. واستبعد إجراء تخفيضات في الفوائد والمزايا التي تقدمها شركات التأمين، كما انه من غير المتوقع أن تقوم الحكومة الاتحادية بتقديم مزيد من الأموال لدعم هذه الشركات. وكان العام 2023م، قد شهد رفع شركات التأمين لقيمة الاشتراكات بمتوسط ما بين ​​1.3 و1.6 في المئة.