أبدى خبراء معاهد البحوث الاقتصادية ورجال الأعمال في ألمانيا ثقة كبيرة ومستدامة بالانتعاش الاقتصادي الحاصل في ألمانيا وفي دول منطقة اليورو وأوروبا في الاجمال. وأكد معهد البحوث الاقتصادية Ifo في ميونيخ أواخر هذا الشهر، والذي يستفتي شهرياً سبعة آلاف شركة في البلاد، أن أعمال الشركات الألمانية في الربع الرابع والأخير من العام 2017 تحسنت أكثر مما كان متوقعاً، الأمر الذي رفع مؤشر “أيفو” للأعمال إلى رقم قياسي من 115,3 في شهر سبتمير إلى 116,7 نقطة في أكتوبر. وأوضح أصحاب ومدراء غالبية الشركات المستطلعة أن وضع أعمالهم وآفاق الأشهر الستة المقبلة ستكون أحسن من السابق. وعلّق رئيس المعهد Clemens Fuest على النتائج بالقول “إن الاقتصاد الألماني يسير بسرعة مثل قاطرة”.

وقدّم معهد بحوث الاقتصاد الأوروبية في مانهايم ZEW نتيجة جيدة بدوره ، وذكر رئيسه Achim Wambach أن المؤشر ارتفع في أكتوبر الماضي 0,6 نقطة عن شهر سبتمبر ليصبح مجموعه 17,6 نقطة. كما أن خبراء الاقتصاد والمال الذين يستفتيهم المعهد شهرياً أكدوا على تحسن الأعمال في الأشهر الستة. وانعكست استمرارية تحسن الأوضاع في البلاد وفي البورصات الدولية على مؤشر Dax الذي بقي طويلاً تحت سقف الـ 13 ألف نقطة، إلى أن قفز في الأول من أكتوبر فوقه وسجّل في العاشر منه نحو 13400 نقطة قبل تراجعه إلى 13172 نقطة.

وأظهر الاستطلاع السنوي، الذي أجراه إتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية DIHK في خريف العام الحالي مع مسؤولي 27 ألف شركة في البلاد، ونشرت نتائجه في أواخر الشهر الماضي، أن الاقتصاديين والخبراء يتوقعون استمرار الانتعاش الاقتصادي في البلاد في العام 2018. وذكر الإتحاد أنه رفع لهذا السبب توقعاته لمعدل النمو في السنة القادمة إلى 2,2 في المئة. وأكد الأمين العام للإتحاد Martin Wansleben أن أعمال الشركات الألمانية “جيدة اليوم أكثر من أي وقت مضى”، مضيفاً أن “هذا يعني أيضاً أن الاستهلاك الداخلي سيستمر”. ويؤكد الخبراء أن الانتعاش الحاصل يعود إلى الاستهلاك الداخلي بدرجة أولى.

ورأى فانسليبن أن استعداد الشركات الألمانية للاستثمار بهدف توسيع مشاريعها الانتاجية سيحقق رقماً قياسياً، الأمر الذي سيرفع وتيرة الانتعاش في البلد. كما توقع تحقيق تحسن مماثل في الصادرات الألمانية أيضاً. هذا ورفع الإتحاد توقعاته لمعدل النمو المنتظر للعام الحالي من 1,8 إلى 2 في المئة. وطلب من الحكومة الألمانية الإستفادة من النمو الحاصل “لإجراء تعديلات بنيوية تسهل النشاط التنافسي بين الشركات الألمانية، وتساعد على اجراء إصلاح ضريبي يخفض الضرائب عنها”. وقال إن قطاع الصناعة لوحده سيستوعب هذه المرة نحو 60 ألف عامل جديد، أي ضعف ما كان يستوعبه خلال السنوات الأخيرة، لكن فانسليبن حذر “من أن أكثر من كل ثاني شركة مستطلعة ترى مشكلة كبيرة في نقص العمال الكفوئين لديها، والنقص هذا يكبح العمل والانتاج، وبالتالي النمو والنجاح”. وأكد على أهمية التعليم المزدوج، وطالب الدولة تأمين تعليم افضل للأطفال. وقال إن الشركات أعربت عن رغبتها في أن تضع الدولة قوانيناً وشروطاً أسهل للراغبين في الهجرة إلى ألمانيا والعمل فيها، وتأمين وضع قانوني يسمح لهم بالاندماج في المجتمع وفي العمل.

وقدمت هيئة “حكماء الاقتصاد الألماني” المكلفة من الحكومة الألمانية أخيراً تقريرها الاقتصادي السنوي إلى المستشارة  Angela Merkel حذرت فيه بشدة “من تجاوز الاقتصاد الألماني لقدراته الانتاجية “بعد خمس سنوات من الانتعاش” قائلة إنها “رصدت بعض التحولات التي تشير إلى تراجع الاستثمارات، الأمر الذي قد يؤدي إلى الركود”. وسبق لهيئة الحكماء أن انتقدت في هذا المجال استمرار البنك المركزي الأوروبي في تسييل الأموال في السوق المالية على الرغم من الانتعاش الحاصل في أوروبا. وحضّ الحكماء الحكومة الألمانية المقبلة على ضبط صرف الأموال العامة وممارسة المزيد من التقشف، لكنهم نصحوا الحكومة بخفض الضرائب على الشركات والمواطنين، والبدء تدريجاً بانهاء “ضريبة التضامن” التي أقرت بعد الوحدة الألمانية لإعادة بناء شرق ألمانيا. لكن خبراء اقتصاد آخرون، ونقابات عمالية  انتقدوا هذه النصائح بشدة، وأشاروا إلى أن سلبياتها أكبر من الإيجابيات. وبدورهم رفع الحكماء معدل النمو لهذا العام إلى 2 في المئة وللعام المقبل إلى 2,2 في المئة.

البطالة في ألمانيا تنخفض إلى أدنى حدّ لها منذ 25 سنة

سجّل سوق العمل في ألمانيا انخفاضاً في البطالة في شهر أكتوبر المنصرم مقداره 60 ألف شخصاً. وتراجع عدد العاطلين عن العمل في البلاد إلى 2,389 مليون شخص، أي إلى أدنى حدّ سجّل في البلاد منذ ربع قرن. وبذلك انخفضت نسبة البطالة عن الشهر السابق 0.1 في المئة لتصبح 5,4 في المئة تبعاً لما ذكرته وكالة العمل الاتحادية BA في مؤتمر صحافي عقدته في مقرها في نورنبيرغ. في المقابل، ومقارنة مع شهر اكتوبر 2016، تراجع عدد الباحثين عن عمل في الشهر ذاته من السنة الحالية بمقدار 151 ألف شخص.

وعلّل رئيس الوكالة Detlef Scheele ذلك قائلا إنه “نتيجة الانتعاش الاقتصادي الذي حصل في فصل الخريف الجاري تراجعت البطالة في ألمانيا بصورة أكبر مما هي عليه في العادة”. وأكد استمرار الانتعاش الاقتصادي وارتفاع طلب الشركات الألمانية على أيدي عاملة جديدة، مشيرا إلى أن عدد أماكن العمل الشاغرة فيها بلغت أخيرا 780 ألف مكان عمل. وذكرت وكالة العمل الاتحادية في تقريرها أن عدد العاملين في البلاد بلغ 44,65 مليون شخص، بزيادة 41 ألفاً عن شهر سبتمبر السابق. ومقارنة مع سبتمبر 2016 بلغت الزيادة 655 ألف شخص. إلى ذلك أعلن إتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية DIHK أنه ينتظر حصول زيادة في الأيدي العاملة في ألمانيا في عام 2018 القادم بمقدار 600 ألف شخص. وقال رئيس الإتحاد Eric Schweitzer إن العمالة في البلاد ستزداد خلال عام 2018، وللسنة الثالثة عشرة على التوالي، بفضل استعداد الشركات الألمانية المتنامي للتوظيف.

وتساءل العديد من خبراء السوق عن أسباب عدم تعرض ألمانيا إلى بطالة كبيرة على نسق ما حصل في فرنسا واسبانيا وايطاليا ودول أوروبية أخرى عقب الأزمة الاقتصادية والمالية الكبرى التي وقعت عام 2009 في أوروبا، ولا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. عن ذلك خلصت دراسة نفذها فريق باحثين من مؤسسة Hans-Böckler-Stiftung الألمانية القريبة من النقابات العمالية وباحثي جامعة University of Massachusetts الأميركية إلى القول بأن الشركات الألمانية لم تلجأ إلى صرف كل عمالها الذين لم تعد بحاجة إليهم بسبب الأزمة، وإنما اتخذت تدابير مرنة بالتعاون مع النقابات العمالية ومع الحكومة، أهمها خفض ساعات العمل والأجور، ووفرت بذلك بقاء 1,3 مليون عامل لديها إلى أن تحسنت الأوضاع مجدداً وعاد هؤلاء للعمل من جديد بكامل طاقاتهم. وقال الباحث من مؤسسة هانز بوكلر Fabian Lindern أنه “في حال توفر قوانين عادلة وحقوق معترف بها بين أرباب العمل وعمالهم تنشأ علاقة ثقة بين الطرفين، وعلى هذه القاعدة فقط يمكن إقامة علاقة يستفيد منها الطرفان”.

“حكومة جامايكا” فشلت أمام تحدي الاتفاق على الوسطية

بعد أكثر من شهر من المفاوضات الحثيثة بين ممثلي حزبي التحالف المسيحي، والحزب الليبرالي، وحزب الخضر لتشكيل حكومة رباعية هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد سقط تحدي نجاح الاتفاق في ما بينها على وضع برنامج وسطي مشترك للسنوات الأربع المقبلة. وأعلن الحزب الليبرالي في النهاية انسحابه من المفاوضات بعد فرط العقد. وفي الوقت ذاته حسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي غير المُشارك في المشاورات أمره واستبعد أية امكانية لدخوله الحكم من جديد في تحالف ثنائي مع المستشارة أنغيلا مركل وائتلافها المسيحي. وأكد رئيس الحزب Martin Schulz استعداده لخوض انتخابات جديدة ومبكِّرة في البلاد قائلا للصحافيين “إن المواطنين الألمان رفعوا في الانتخابات الماضية بطاقة حمراء ضد التحالف الثنائي ورفضوه”. وأضاف أن حزبه “سيبقى في المعارضة ولا يخشى الدخول في انتخابات عامة جديدة”.

وسارع ممثلون عن اتحادات غرف الصناعة والتجارة وأرباب الأعمال إلى التحذير من التأثيرات السلبية على الاقتصاد في حال بقاء البلد دون حكومة شرعية لفترة طويلة. وكان  Clemens Fuest رئيس معهد بحوث الاقتصاد الألماني Ifo قد حذّر من مغبة الفشل في تشكيل حكومة وإجراء انتخابات جديدة، قائلاً إن كلا الأمرين “مضران بالنمو الاقتصادي في البلاد”. وأبدى مسؤولو دول أوروبية عدة، في مقدمهم Emmanuel Macron، اهتمامهم بضرورة العمل لتشكيل حكومة ألمانية في أسرع وقت لمواجهة تحديات عدة في القارة الأوروبية وخارجها.

وإذا كان صحيحاً أن نقاط الاتفاق والتوافق بين الأحزاب الأربعة غير قليلة، ومنها مستقبل الاتحاد الأوروبي، دعم البحوث العلمية والرقمية، التقاعد وكيفية معالجة تراجع الولادات، الأمر الذي عكسته الجلسات الأولى، إلا أنه واضح أيضاً أن نقاط الاختلاف كثيرة مثل البيئة والطاقات البديلة، القضايا الاجتماعية والعمل، التعاون الانمائي الدولي واللاجئين، وهذا ما ظهر بوضوح في الجلسات التالية. صحيح أن أياً من الأحزاب الأربعة لا يرغب في أن يبدو على أنه السبب في إفشال تشكيل حكومة للبلاد، إلا أن لا أحد يريد في الوقت ذاته أن يبدو أمام مناصريه وكأنه تنازل عن مقومات أساسية في برنامجه الانتخابي. لكن سهام الاتهامات بافشال نجاح الحكومة الرباعية توجه الآن نحو الحزب الليبرالي من جانب الحزبين المسيحيين وحزب الخضر. وقالت مركل إنه تكوّن لديها انطباع في اليومين الأخيرين بأن طريق تشكيل حكومة رباعية أصبح معبّداً. وفي حين ذكر الخضر أن بند لمّ شمل اللاجئين والحل الوسط بشأنه الذي قبل به المسيحيون هو الذي دفع بالمفاوضين الليبراليين لقلب الطاولة، وردّ هؤلاء بالقول إن نقاط الخلاف بلغت نحو 120 نقطة خلال المفاوضات.

واتجهت كل الأنظار على الأثر لمعرفة ما إذا كان الحزب الاشتراكي سيعيد النظر في رفضه الدخول من جديد في “حكومة الائتلاف الكبير” مع الاتحاد المسيحي إثر هزيمته المريرة في انتخابات شهر سبتمبر الماضي. وبعد ساعات من الصمت ذكرت مصادر اشتراكية أنه في حال طلب رئيس الدولة الألمانية Frank-Walter Steinmeier التداول مع قيادة الحزب حول كيفية الخروج من الأزمة الحكومية المستمرة منذ شهرين “فستكون الأخيرة مستعدة للاجتماع به، دون أن يعني ذلك الموافقة على المشاركة في الحكم”. ومعروف أن الرئيس شتاينماير كان ينتسب إلى الحزب الاشتراكي قبل انتخابه رئيساً للدولة، وعليه الآن أن يكون في موقع الحَكَم ويعمل لصالح البلد ككل، لذا استقبل المستشارة مركل في قصر الرئاسة “بيل فو” ورؤساء الأحزاب الأخرى، لحثهم على إعادة النظر في مواقفهم، وتسهيل تشكيل حكومة رباعية أو ثنائية أو حكومة أقلية مهادَنة من حزب آخر يؤمن لها الأكثرية النيابية التي تحتاجها.

ولم تحصل مثل هذه الحالة من قبل، علما أن الدستور الألماني تطرق إلى مثل هذا الوضع الاحتمالي وحدّد المشرعون في حينه عملية معقدة للخروج من هكذا مأزق. وفي الوقت الذي يسعى رئيس الدولة إلى الحل الأسهل، أي إلى اقناع الأحزاب بالتخلي عن تصلبها، وبخاصة الحزب الليبرالي و الحزب الاشتراكي، بدا واضحاً أن مركل وتحالفها المسيحي يفضلان هذا السبيل أيضاً، ولا يتحمسان كثيراً لجرع كأس انتخابات نيابية من جديد ، خاصة وأن البلاد ستنشغل بضعة أشهر أخرى في هذا الموضوع. ورغم أن المراقبين اعتبروا أن فشل المستشارة في تشكيل حكومة رباعية تمثّل انتكاسة سياسية لها قد تدفعها للتخلي عن الحكم لشخصية أخرى في حزبها، إلا أنها أعلنت بوضوح أنها سترشح نفسها من جديد في حال تقرر اجراء انتخابات جديدة. وبحسب استطلاعات جرت على الأثر أيدت غالبية من المواطنين تزيد عن الـ 50 في المئة خيار اجراء انتخابات جديدة في البلاد، ما يناقض تخوف المسؤولين من تذمر الناس من مثل هكذا خطوة.

البنك المركزي الأوروبي يحضّر لمرحلة خفض الدعم للبنوك

أعلن البنك المركزي الأوروبي EZB أخيراً التحضير لمرحلة خفض الدعم المالي للبنوك من 60 إلى 30 مليار يورو شهرياً، وهي مرحلة ضرورية تبدأ مطلع عام 2018 القادم مع حفظ حقه في العودة إلى زيادة هذه القيمة من جديد، و (أو) تمديد المدة الزمنية أيضاً في حال الضرورة. ومن المتوقع كذلك أن يرفع البنك المركزي تدريجاً الفائدة البالغة حالياً صفراً في المئة منذ سنين عديدة على ودائع المواطنين في المصارف، وأن كان بنسبة مئوية ضئيلة في نهاية السنة القادمة في حال وجد ذلك مفيداً للوضع المالي العام. ومنذ عام 2015 اشترى البنك المركزي أسهم مصارف بقيمة بليوني يورو لكبح جماح الفائدة بهدف تسهيل الدورة الاقتصادية في دول منطقة اليورو. وستسمح الخطوتان المقررتان بتحسين تقديم القروض إلى البنوك لتعزيز نشاط الأعمال الاقتصادية من ناحية، ورفع معدل التضخم إلى أقل بقليل من 2 في المئة، وهي النسبة المئوية المثالية المطلوبة. وارتفع المعدل هذه السنة إلى 1,5 في المئة وسطياً بعد ان اقترب من الصفر تقريباً في صيف عام 2016. صحيح ان التضخم سجّل 1,8 في المئة في شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين، إلا أنه تراجع إلى 1,6 في المئة في أكتوبر المنصرم.

وترى أوساط اقتصادية إشارات إلى أن مرحلة رفع معدلات الفائدة ستبدأ آجلا أم عاجلاً بعد قيام البنك الفيدرالي الأميركيFed  برفع الفائدة من جديد في أواسط شهر يونيو من العام الجاري من 1 إلى 1,5 في المئة على أن تصل إلى ثلاثة في المئة في العام 2019. والمؤشر الآخر هو عودة اسعار النفط إلى الارتفاع أيضاً من 41 سنت في عام 2016 إلى 61 سنت في اكتوبر الحالي. وكذلك مؤشر الوضع الاقتصادي المتحسّن في دول أوروبا الجنوبية وتراجع البطالة فيها من 17,3 في المئة عام 2013 إلى 9,7 في المئة في أبريل المنصرم كما هو الأمر في البرتغال وفي اسبانيا بصورة مماثلة تقريباً، وارتفاع معدل التضخم فيهما بصورة مماثلة لألمانيا. لكن في الوقت الحالي، ومن وجهة نظر البنك المركزي الأوروبي، لم يحن الوقت بعد لرفع معدل الفائدة لأن إيطاليا، وهي ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا بعد ألمانيا وفرنسا، لا تزال “مريض أوروبا” الذي يقلق الجميع بسبب الوضع المالي المزري لعدد من أهم بنوكها مثل Monte dei Paschi الذي يجلس على جبل من السندات الفاسدة و UniCredit الذي يسجّل خسائر مالية كبيرة. لذلك يهتم رئيس البنك المركزي الأوروبي، الإيطالي Mario Draghi، بتأمين المال اللازم شهرياً لهذه المصارف دون فوائد تقريباً. ومع ذلك، وفي حال ارتفاع نسبة التضخم كما هو مطلوب أوروبياً سيجد دراغي نفسه مضطراً إلى رفع معدلات الفائدة، الأمر الذي سيضع البنوك الضعيفة في دائرة الخطر. وفي حال عدم رفع الفائدة يبقى خطر العودة إلى المراوحة الاقتصادية وبقاء الفائدة على حدها المتدني حالياً.

وعقّب Clemens Fuest رئيس معهد بحوث الاقتصاد  Ifo في ميونيخ على الأمر قائلا إن البيانات الاقتصادية الجديدة في منطقة اليورو تدل على أن المرء يسير في الاتجاه الصحيح بعد وصول التضخم إلى معدل 1,8 في المئة في سبتمبر الفائت وارتفاع النمو الاقتصادي. وتوقع أن يغيرّ البنك المركزي نهجه المالي وأن يعلن عن موعد بدء رفع الفائدة. ونصح الخبير Robert Halver  من مصرف Baader Bank الألماني البنك المركزي الأوروبي ورئيسه دراغي بالعمل على إلغاء الفائدة السلبية على البنوك من 0,4 في المئة تحت الصفر ورفعها إلى صفر في المئة، قائلا إن رجال المال سيعتبرون ذلك خطوة إيجابية، وأنها مرحلة تسبق بدء رفع الفائدة إلى الأعلى.

هل سيهدد عصر الروبوت عمل الناس ويقضي على مهن عديدة

ماذا يعني التنامي المستمر لأعداد الروبوتات في قطاعات العمل في عدد متزايد من دول العالم، وبخاصة الصناعية منها؟ وماذا يتوجب على الحكومات والشركات ونقابات العمال القيام به للتقليل من تأثيرات ادخال الروبوتات في مجالات حيوية عديدة تؤدي إلى الاستغناء أكثر فأكثر عن البشر مع تطور أجيال الروبوتات الذكية لتحاكي عمل الانسان تقريباً. وماذا سيحل بالعاملين بأيديهم أو بفكرهم، وكيف سيؤمنون حياتهم وحياة عائلاتهم. عن بعض هذه الاسئلة أجاب البحث الذي قام به كل من الباحث Wolfgang Dauth من معهد العمل وبحوث المهن IAB، و Sebastian Findeisen من جامعة مانهايم و Jens Südekum و Nicole Woessner من جامعة دوسلدورف، والذي يعتبر من الدراسات الأولية في هذا الموضوع، ووصلوا فيه إلى نتيجة خلاصتها أنه “حتى الآن لا يمكن القول بأن الروبوت يقضي على عمل الانسان”. وبكلمة أخرى فان الروبوت الآلي لا يزال حتى الآن صديقاً للعامل وللموظف يخفف عنهم بعض الأعباء. ولكن ماذا عن المستقبل؟ لا جواب شافٍ بعد.

وشمل البحث الفترة الممتدة بين 1994 و2014 وأظهر أن الأتمتة في هذه الفترة حلت محل 275 ألف مكان عمل جديد في قطاع الصناعة الألماني، أي أنها لم تلغي فعلياً وظائف كانت قائمة أصلاً. وفي المقابل نشأت فرص عمل كثيرة في قطاع الخدمات الواسع وفي مجالات أخرى. أي أن سوق العمل أمّن تقريباً عدد فرص العمل التي ضاعت في ألمانيا على عكس ما حصل في الولايات المتحدة في الفترة الزمنية ذاتها حيث حلّت الروبوتات فعلياً مكان عمال أصبحوا عاطلين عن العمل. وبالمقارنة بين البلدين تزيد النسبة المئوية لعدد الروبوتات في ألمانيا عن عددها في الولايات المتحدة. وعلى المستوى الدولي تحتل كوريا الجنوبية المرتبة الأولى لناحية ادخال الروبوتات في العمل، بنسبة 531 روبوت لكل 10 آلاف مواطن. وبعد سنغافورة واليابان تحلّ ألمانيا في المرتبة الرابعة بنسبة 301 روبوت فيما تسجّل الولايات المتحدة 176 روبوت، وفرنسا 127، وبريطانيا 71 روبوت. وحصل الباحثون على بيانات دقيقة في هذا الصدد من الاتحاد الدولي للروبوتات الذي يستقصي معلوماته بصورة دورية من نحو خمسين دولة.

ويشير تقرير الاتحاد الأخير بالارقام إلى أن الدول الأوروبية، مقارنة مع وضع الأتمتة وتطورها في العالم، تتقدم بوضوح عن غيرها، خاصة في قطاع صناعة السيارات. وأنه من أصل عشر دول طليعية في العالم ثمة خمس دول أوروبية بينها. وتوجد 14 دولة أوروبية بين 22 دولة تملك مستوى فوق المتوسط من الاتمتة. وإذا كان لدى الصين حالياً 49 روبوتا فقط لكل عشرة آلاف شخص، إلا أنها تسعى بتصميم كبير الآن إلى سدّ تخلّفها الكبير خلال السنوات القليلة القادمة. ويرى الباحثون الأربعة أن النقابات العمالية الألمانية تشكّل أداة هامة للحفاظ على فرص العمل في القطاع الصناعي، وإن كانت لم تتمكن من رفع أجور العاملين غير المؤهلين تقنياً، ما يعني أن هؤلاء ذهبوا مادياً ضحية منافسة الروبوتات لهم في حين حصل المؤهلون على أجور أعلى. ويخلص البحث إلى أن الروبوت لا يقضي على أمكنة العمل، إلا أنه يُجري تغييرات جوهرية فيها. هذا الواقع الجديد سببّ انخفاضاً في أجور العاملين خلال السنوات العشرين المنصرمة، لافتين إلى أن البحث عن تعويض لهؤلاء ستكون مهمة هامة للمستقبل.