عقدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ومعها رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل في بكين اجتماعا حضوريًا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ هو الأول منذ جائحة كورونا وما تلاه من اغلاق شامل. ودارت المباحثات بين الجانبين حول تحسين العلاقات الاقتصادية وتجنب التوترات التي ظهرت مؤخرا خصوصا من جهة سعى الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم عقابية على الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية والشكوى الأوروبية من العراقيل التي تضعها الصين امام عمل الشركات الأوروبية في الصين في مقابل المميزات والمعاملة التفضيلية التي تمنحها بكين لشركاتها.   كما شملت المباحثات مسألة الفائض التجاري الكبير للصين في تجارتها مع دول الاتحاد وكذلك الموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا.

وبينما أكدت فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل المنافسة غير العادلة بالإضافة الى ضرورة “التخلص من المخاطر”، وهو مصطلح يقصد به التخفيض التدريجي للاعتماد المتزايد للاقتصاديات الأوروبية على الاقتصاد الصيني. حذر الرئيس جين بينغ الاتحاد الأوروبي من النظر إلى الصين كمنافس والشروع في مسار المواجهة. وبدلا من ذلك، يرى بينغ انه ينبغي للكتلتين التجاريتين أن تكونا شريكتين في “تعاون متبادل المنفعة”. وان الصين تفضل رؤية العودة إلى “العمل كالمعتاد”.

     وعلى الرغم من انتهاء اجتماعات القمة بين الجانبين بدون الإعلان عن تدابير ملموسة لخفض فائض الصادرات الصيني المرتفع وتشجيع خفض الحواجز التجارية أمام الشركات الأوروبية في الصين. فان الخبراء ومنهم Siegfried Russwurm، رئيس اتحاد الصناعات الألمانية (BDI)، أكدوا على إن اللقاءات الدبلوماسية تعد “قوة دافعة مهمة للتواصل بين الصين وأوروبا على قدم المساواة في الأوقات الصعبة”.  خصوصا مع تزايد ارتباط اقتصاديات الدول الأوروبية بالاقتصاد الصيني الذي يمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

     وتبقى  أهم القضايا العالقة بين الجانبين تتمثل في عدم توازن التبادل التجاري حيث بلغ حجم هذا التبادل 858 مليار يورو في العام 2022م، لتكون الصين بذلك الشريك التجاري الأكبر للاتحاد، حيث صدرت دول الاتحاد الأوروبي ما قيمته 231 مليار يورو الى الصين واستوردت بضائع وسلع منها بقيمة 627 مليار يورو لتحقق الصين بذلك فائضا تجاريا مع دول الاتحاد بنحو 396 مليار يورو، كذلك كانت الصين اهم شريك تجاري لألمانيا في العام 2022م بحجم تبادل بلغ 300 مليار يورو تقريبًا حيث استوردت ألمانيا بضائع وسلع من الصين بقيمة 192.8 مليار يورو وصدرت لها بضائع وسلع بمبلغ 108 مليار يورو وبفائض لمصلحة الصين بحوالي 86 مليار يورو.

     ويتزايد قلق الدول الأوروبية من زيادة اعتمادها على الأسواق الصينية خصوصا في ضوء تجربة الاعتماد الكبير الذي كان قائما على امدادات الطاقة الروسية من نفط وغاز قبل حرب أوكرانيا. والصعوبات والتكاليف التي رافقت تقليص هذه الامدادات واستبدالها من مصادر أخرى. خصوصا أيضا مع تزايد مخاطر النزاعات الجيوسياسية التي قد تخوضها الصين سواء مع تايوان او مع الدول التي تتنازع معها السيادة على بعض جزر بحر الصين الجنوبي مثل فيتنام والفلبين وإندونيسيا.    

     الا انه ومع هذه المخاطر الا ان الشركات الأوروبية بشكل عام، والشركات الألمانية بشكل خاص لا غنى لها عن الأسواق الصينية، ولا يقتصر ذلك فقط على شركات صناعة السيارات حيث تعتبر الصين أكبر سوق عالمي لها لكن أيضا وعلى سبيل المثال، لشركات الصناعات الكيميائية حيث تمثل الصين نصف السوق العالمي. وبحسب استطلاع للرأي أجرته شركة التدقيق والاستشارات PwC مع 180 شركة ألمانية من ست قطاعات صناعية حول مستقبل اعمالها في الصين، ترى 88 في المئة من هذه الشركات أن الصين شريك اقتصادي مهم في المستقبل، وتتوقع 53 في المئة منها أن تصبح البلاد ذات أهمية متزايدة كسوق مبيعات لصناعتها في السنوات الثلاث المقبلة. وتخطط أقلية صغيرة جدًا تبلغ 1 في المئة فقط للانسحاب، بينما تخطط 6 في المئة منها لسحب الإنتاج جزئيًا من الصين. ومع ذلك، يعتبر 77 في المئة من الشركات المستطلع آراؤها أن المواقع المحتملة الأخرى خارج الصين ضرورية للوقاية من المخاطر، بينما ترى 84 في المئة أن التحدي الأكبر يكمن في التطورات الجيوسياسية التي لا يمكن التنبؤ بها.