نظمت الغرفة زيارة وفد اقتصادي ألماني إلى الجمهورية العربية السورية، بمشاركة أكثر من 30 ممثلاً عن الشركات الألمانية من مختلف القطاعات الاقتصادية. برئاسة اولاف هوفمان، رئيس الغرفة، والأستاذ عبد العزيز المخلافي، الأمين العام.
وقد شهدت الزيارة محطة بارزة تمثلت في اللقاء مع الرئيس أحمد الشرع، الذي شكل فرصة سانحة للتعرف على رؤية الرئيس في إعادة بناء الاقتصاد السوري الذي عانى من الدمار والعزلة خلال العقود الماضية. وأكد الجانبان على أهمية توفير بيئة استثمارية جاذبة، مع تسليط الضوء على القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والطاقة والنقل، إضافة إلى الابتكار والتقنيات الحديثة، التي يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في دعم التنمية الاقتصادية المستدامة في سوريا.
ويمثل هذا اللقاء، بعد سنوات من العزلة الدولية، إشارة واضحة إلى انفتاح نحو مساحة حوار جديدة تتجاوز البعد الاقتصادي البحت، إذ يهدف إلى إعادة دمج سوريا تدريجيًا في الأسواق العالمية وتوسيع نطاق الشراكات الاقتصادية بما يخدم مصالح البلدين على المدى الطويل. وقد تم خلال اللقاء بحث الدور المحتمل للشركات الألمانية في هذا المسار، سواء من خلال مشاريع مشتركة أو استثمارات مباشرة، مع التركيز على نقل الخبرات والتقنيات المتقدمة لدعم جهود إعادة الإعمار وتعزيز الكفاءة التشغيلية في مختلف القطاعات.
وأكد المشاركون في الاجتماع على أن هذه الخطوة تعكس رؤية مشتركة تقوم على تعزيز التعاون طويل الأمد، وتهيئة فرص حقيقية للنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل مستدامة، مع تبادل الخبرات وأفضل الممارسات بما يعزز الثقة ويؤسس لمرحلة جديدة من الشراكات الاستراتيجية بين البلدين. ويعكس اللقاء التزام الطرفين بتحويل هذه الرؤية إلى مشاريع واقعية، تستفيد منها سوريا في مسار التنمية والتطوير، وتضعها على الطريق نحو إعادة إدماجها في الاقتصاد الدولي.
كما شارك أعضاء الوفد في اعمال الملتقى الاقتصادي السوري–النمساوي–الألماني برعاية وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور نضال الشعار، وبمشاركة واسعة من ممثلي الوزارات السورية وعدد من رجال الأعمال والمستثمرين من سوريا وألمانيا والنمسا، إضافةً إلى حضور رسمي شمل سفيري البلدين وسفير الاتحاد الأوروبي في سوريا. ويأتي هذا الملتقى بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي وبناء شراكات جديدة بين مؤسسات القطاعين العام والخاص في الدول الثلاث.
شهدت جلسات الملتقى مناقشة مجموعة من القضايا الاقتصادية المهمة، أبرزها قانون الاستثمار السوري ومزاياه، ودور البنية التحتية في دعم التنمية، وفرص الاستثمار في مجالات الطاقة والتحول الرقمي والتنمية العمرانية. كما تم التركيز على الفرص المتاحة في مرحلة إعادة الإعمار، والتعاون في مشاريع النقل، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة.
وأكد المشاركون أن الملتقى يشكل منصة للحوار وتبادل الخبرات الاقتصادية، ويعكس اهتماماً متزايداً من قبل الشركاء الأوروبيين بالبيئة الاستثمارية السورية، ولا سيما في ظل الاستقرار النسبي الذي تشهده البلاد. وأشاروا إلى أن سوريا تمتلك مقومات اقتصادية وبشرية واعدة تؤهلها لتكون مركزاً مهماً للاستثمار في المنطقة، مؤكدين أهمية تهيئة بيئة قانونية وإجرائية أكثر مرونة لجذب المستثمرين.
وقدم وزير الاتصالات والتكنولوجيا عبد السلام هيكل لمحة عامة عن مبادرات التحول الرقمي المستمرة في سوريا وتطوير البنية التحتية التكنولوجية، مؤكدًا أهمية التعاون الدولي، وخاصة مع ألمانيا، لتعزيز الابتكار وتوسيع الإطار الرقمي للبلاد.
وعرض إبراهيم الأذان، مدير التخطيط والتعاون الدولي بوزارة الطاقة، خطة سوريا لتنفيذ مشاريع استراتيجية في قطاعات النفط والكهرباء والمياه، مشيرًا إلى أن الهدف هو تحقيق تكامل اقتصادي وخدمي يعيد تأهيل الأنظمة الحيوية المتضررة جراء الصراع والعقوبات.
أما علي إسبر، مدير النقل البري في وزارة النقل، فاستعرض المشاريع الكبرى في قطاع النقل، بما في ذلك الطرق السريعة بنظام BOT، وممر سكة حديد حلب–دمشق، وربط الموانئ الجافة والمناطق الحرة بالطرق الرئيسية، مؤكدًا على الموقع الجيوستراتيجي لسوريا الذي يربط بين أوروبا والخليج والعراق والبحر المتوسط، ما يمنحها دورًا محوريًا في اللوجستيات الإقليمية والدولية.
وأكد نائب وزير الاقتصاد والصناعة لشؤون التجارة الداخلية، ماهر الحسن، في كلمته خلال الملتقى، أن انعقاده يشكل رسالة ثقة واضحة، وتجسيداً للرغبة المشتركة في تطوير التعاون بين سوريا وشركائها من النمسا وألمانيا، بما يفتح آفاقاً جديدةً للاستثمار في مختلف القطاعات. وأشار الحسن إلى أن الحكومة السورية تعمل بخطى حثيثة على تهيئة البيئة الاستثمارية الداعمة، من خلال إصلاح التشريعات، وتبسيط الإجراءات، وتقديم الحوافز المناسبة للمستثمرين، إيماناً بأن الشراكة الدولية تمثل ركيزة أساسية للنمو، وأن الاستثمار في سوريا اليوم هو استثمار في مستقبل واعد واقتصاد متجدد.
من جهته، أكد رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، علاء العلي، أهمية هذا الملتقى كمنصة حقيقية للحوار والتعاون الاقتصادي الدولي، مشيراً إلى أنه يعكس الثقة المتنامية في سوريا كبيئة واعدة للاستثمار والشراكة. وأوضح العلي أن انعقاد الملتقى في دمشق يحمل دلالات عميقة، فهو دليل على أن سوريا ماضية بثبات نحو التعافي الاقتصادي والانفتاح على العالم من جديد، رغم كل ما واجهته من تحديات.
ولفت إلى أن التعاون الاقتصادي بين سوريا وألمانيا والنمسا ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لعلاقات تاريخية وتجارية وثقافية متجذرة، معبّراً عن أمله في أن يؤسس هذا التعاون لمرحلة جديدة من الشراكات العملية والمشاريع المشتركة، التي تسهم في تطوير القطاعات الإنتاجية، ونقل التكنولوجيا، وفتح أسواق جديدة أمام الصادرات السورية.
من جانبه، شدد رئيس الغرفة، أولاف هوفمان، على أن هذا الملتقى يمثل بداية مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، معبّراً عن تقديره للجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الاقتصادية، ومؤكداً أن الشراكات المستقبلية يمكن أن تسهم في بناء اقتصاد سوري أكثر استدامة وانفتاحاً.
من جانبه، أكد القائم بالأعمال في السفارة الألمانية في دمشق، السفير كليمنس هاخ، أن ألمانيا تدعم جهود التنمية الاقتصادية وتعزيز الاستقرار للمساهمة في بناء مستقبل قائم على الاستدامة والسلام، مشيراً إلى أن التعاون الاقتصادي هو أحد أهم أدوات تحقيق الاستقرار والتنمية في سوريا والمنطقة.
وفي ختام الملتقى، شدد المشاركون على أهمية استمرار مثل هذه اللقاءات الاقتصادية لتعزيز الثقة المتبادلة وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات الصناعة والطاقة والبنية التحتية، مؤكدين أن الشراكة الاقتصادية بين سوريا والنمسا وألمانيا يمكن أن تسهم في دفع عجلة التنمية وإعادة الإعمار خلال المرحلة المقبلة.
