يُعد الابتكار أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي والقدرة التنافسية للدول في عصر العولمة والاقتصاد الرقمي. فمع تزايد التحديات الاقتصادية، مثل التقلبات في الأسواق العالمية، والتحولات التكنولوجية السريعة، والتغيرات الديموغرافية، باتت الدول والشركات أكثر إدراكًا لأهمية الاستثمار في البحث والتطوير (R&D) لتعزيز الإنتاجية وخلق قيمة اقتصادية مستدامة. يعتمد الابتكار على مجموعة من العوامل، بما في ذلك التكنولوجيا، ورأس المال البشري، والبيئة التنظيمية، وهو ما يجعله عنصرًا حاسمًا في تحديد موقع الدول على خارطة الاقتصاد العالمي.
يؤثر الابتكار بشكل مباشر على تعزيز القدرة التنافسية من خلال تحسين الكفاءة الإنتاجية، وتطوير منتجات وخدمات جديدة، وخلق أسواق وفرص عمل جديدة. فالاقتصادات التي تستثمر بشكل مكثف في البحث والتطوير تكون أكثر قدرة على تحقيق معدلات نمو مرتفعة والحفاظ على تنافسيتها في مواجهة الاقتصاديات الصاعدة. كما أن الابتكار يساهم في تعزيز الاستدامة الاقتصادية من خلال تطوير حلول تكنولوجية صديقة للبيئة وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وهو ما يعد عاملًا حاسمًا في ظل التحديات البيئية الراهنة.
تعتبر ألمانيا واحدة من الدول الرائدة في مجال الابتكار، حيث تستثمر بشكل كبير في البحث والتطوير، خاصة في مجالات الهندسة، والتكنولوجيا المتقدمة، والصناعات التحويلية. ويُعرف الاقتصاد الألماني بأنه «اقتصاد الهندسة المتقدمة»، حيث تعتمد العديد من القطاعات، مثل صناعة السيارات، وصناعة المعدات والآلات، والصناعات الكيميائية، على الابتكار للحفاظ على تنافسيتها العالمية. وتعد الشركات الألمانية من بين الشركات الأكثر استثمارًا في البحث والتطوير، مما يساعدها على إنتاج تقنيات متقدمة تضمن لها موقعًا رياديًا في الأسواق العالمية.
لكن في ظل التغيرات الاقتصادية وتطور وانتشار التكنولوجيا ودخول منافسين عالميين، يواجه الاقتصاد الألماني تحديات كبيرة، من بينها التحول الرقمي، والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وزيادة المنافسة من الدول الناشئة مثل الصين والهند. لذلك، أصبح من الضروري أن تواصل ألمانيا تعزيز قدرتها الابتكارية من خلال الاستثمار في مجالات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية. كما أن تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وزيادة تمويل الأبحاث العلمية، ودعم الشركات الناشئة، تعد استراتيجيات أساسية لضمان استمرار تفوق ألمانيا كواحدة من أقوى الاقتصاديات المبتكرة في العالم.
التحديات التي تواجه ألمانيا في القدرة الابتكارية
حذرت دراسة صادرة عن معهد الاقتصاد الألماني (IW)، من ان ألمانيا تفقد تقدمها في مجال الابتكار، وبشكل أكثر تحديداً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي يطلق عليها تخصصات (MINT)، والتي تشمل الوظائف في مجالات الرياضيات، علوم الحاسوب، العلوم الطبيعية والتقنية. كما تشمل المهن الأكاديمية مثل المهندسين وعلماء الحاسوب، بالإضافة إلى مهن التدريب المهني مثل فنيي الإلكترونيات أو المختبرات.
وفي تصنيف الابتكار الذي يجريه اتحاد الصناعات الألمانية (BDI) وشركة الاستشارات « Roland Berger»، تراجعت ألمانيا في المقارنة الدولية لقوة الابتكار بمركزين لتخرج بذلك من قائمة الدول العشر الأوائل. وتحتل ألمانيا الآن المركز الثاني عشر من بين 35 دولة مختارة. ورغم أن ألمانيا لا تزال تتقدم على اقتصادات كبرى أخرى مثل فرنسا، واليابان، إلا أن الفجوة بينها وبين المجموعة الرائدة التي تضم دولًا أصغر مثل سويسرا، سنغافورة والدنمارك قد اتسعت بشكل ملحوظ. ويتم تقييم 35 عاملاً لكل دولة في تصنيف الابتكار، بدءًا من متوسط الإنفاق الجامعي لكل طالب، وصولًا إلى الاستشهادات في المنشورات العلمية وتسجيل براءات الاختراع. وقد حصلت ألمانيا على 43 نقطة من أصل 100 نقطة محتملة، بينما حصلت سويسرا، التي تأتي في المركز الأول في قوة الابتكار في هذا التصنيف، على 71 نقطة.
ومع أهمية مختلف العوامل في تقدير وتصنيف القوة الابتكارية للاقتصاديات الا ان هنالك مؤشرات رئيسية تحمل دلالات أكبر على مستوى الابتكار الذي تتمتع به الدولة خصوصا بالمقارنة بنظيراتها من الدول والاقتصاديات الدولية. وبالنسبة الى ألمانيا فهناك مجموعتان من العوامل التي تمثل تحدياً امام تعزيز قدرتها على الابتكار:
أ- الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة
بحسب دراسة لمعهد ميونخ للدراسات الاقتصادية ifo، تجد أوروبا وألمانيا نفسيهما في «فخ التكنولوجيا المتوسطة»، حيث يتم استثمار مبالغ ضخمة في البحث والتطوير ضمن قطاعات قائمة، رغم أن هذه القطاعات قد لا تظل محركات للنمو في المستقبل. ورغم عدم اليقين بشأن القطاعات الأكثر ازدهارًا مستقبلاً، تشير العديد من العوامل إلى أن هذه الصناعات قد لا تكون ضمنها.
لطالما هدفت السياسة الأوروبية للابتكار إلى تقليص الفجوة التكنولوجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن هذا الهدف لم يتحقق بعد. ووفقًا للمؤشر الأوروبي للابتكار (European Innovation Scoreboard)، الذي تصدره المفوضية الأوروبية سنويًا لتقييم أنظمة الابتكار الوطنية للدول الأعضاء، لا تزال أوروبا متأخرة عن الولايات المتحدة في العديد من المؤشرات، بل وأحيانًا تكون قريبة من الصين. فضلًا عن ذلك، نمت الإنتاجية في الولايات المتحدة منذ مطلع الألفية بشكل أسرع مما هو عليه في أوروبا أو اليابان. وبينما تمكنت الاقتصادات الأوروبية الكبرى – ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، وإسبانيا – من تحقيق معدلات إنتاجية مماثلة للولايات المتحدة قبل عام 2000م، فإنها فقدت بشكل ملحوظ من تنافسيتها خلال العقدين الأخيرين. فبين عامي 1995م و2022م، ارتفعت إنتاجية العمل في الولايات المتحدة بنحو 53 في المئة، بينما نمت في ألمانيا بنسبة 34 في المئة، وفي فرنسا بنسبة 26 في المئة، وفي إسبانيا وإيطاليا بنسبة 17 في المئة و9 في المئة على التوالي. في عام 2022م، كان مستوى إنتاجية العمل في هذه الدول الأوروبية الأربع أقل بنسبة 20 في المئة تقريبًا مقارنة بالولايات المتحدة.
في عام 2021م، بلغت نفقات البحث والتطوير في الاتحاد الأوروبي 2.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما وصلت في الولايات المتحدة إلى 3.5 في المئة، أي بنسبة أعلى بمقدار 50 في المئة، مقارنة بالقوة الاقتصادية. وبالأرقام المطلقة، تجاوزت نفقات البحث والتطوير في الولايات المتحدة 730 مليار يورو، أي أكثر من ضعف النفقات في أوروبا التي بلغت 322 مليار يورو. وقد ازداد الفارق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمرور الوقت. ألمانيا، من جهتها، تبدو في وضع جيد نسبيًا، حيث وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي، أنفقت حوالي 121.4 مليار يورو للبحث والتطوير في عام 2022م، وبلغت نسبة نفقات البحث والتطوير 3.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، لا تزال بعيدة عن الهدف الذي حددته الحكومة الاتحادية في استراتيجيتها للتكنولوجيا المتقدمة، والذي يتمثل في رفع إجمالي نفقات البحث والتطوير (العامة والخاصة) إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025م.
تختلف أنشطة الابتكار في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ليس فقط من حيث الحجم المطلق لإجمالي النفقات والنفقات الخاصة على البحث والتطوير، ولكن أيضًا بشكل كبير فيما يتعلق بالمجالات التي يتم الاستثمار فيها. إذ تتركز نفقات البحث والتطوير الخاصة بالشركات في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على ما يُعرف بـ الصناعات متوسطة التكنولوجيا (Midtech)، ويتم توزيع النفقات بين الصناعات عالية التكنولوجيا (Hightech) والصناعات متوسطة التكنولوجيا (Midtech)، بنسب متساوية تقريبًا، حيث تمثل كل منها حوالي 45 في المئة من إجمالي النفقات الخاصة. وتعد شركات صناعة السيارات الأوروبية من بين أكبر المنفقين على البحث والتطوير في الاتحاد الأوروبي.
على العكس من ذلك، تركز الشركات الأمريكية أنشطتها البحثية والتطويرية بشكل أساسي على الصناعات عالية التكنولوجيا، وخاصة في مجالات «البرمجيات وخدمات الحوسبة» و»الصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية»، حيث يتوجه إليها 85 في المئة من النفقات الخاصة على البحث والتطوير. أما بالنسبة لألمانيا، فالنمط مشابه لما هو عليه في الاتحاد الأوروبي، ولكن مع نسبة أعلى من الاستثمارات في الصناعات متوسطة التكنولوجيا حيث تبلغ 57 في المئة، بينما تبلغ حصة الصناعات عالية التكنولوجيا 36 في المئة وتذهب 7 في المئة إلى قطاعات أخرى. وتتركز نفقات البحث والتطوير للشركات الألمانية بشكل أكبر على قطاع السيارات مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي، حيث تستثمر الشركات في الدول الأوروبية الأخرى بشكل أكبر في الصناعات الدوائية وقطاعات التكنولوجيا المتقدمة الأخرى.
ب- تراجع نسبة الانفاق وتسجيل براءات الاختراع وتوفر الكفاءات المتخصصة
وفقاً لدراسة معهد الاقتصاد الألماني (IW)، يُظهر الأداء الابتكاري الألماني «اتجاهًا مقلقًا». حيث تراجعت ألمانيا فيما يتعلق بالإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. فعلى المستوى الدولي، تحتل ألمانيا المرتبة السادسة فقط من بين عشر دول مختارة في هذا المؤشر المهم لقوة الابتكار. يأتي ذلك على الرغم من أن الإنفاق على البحث والتطوير في ألمانيا قد زاد بشكل ملحوظ منذ عام 2000م. إلا أن دولًا مثل سويسرا، السويد، اليابان وكوريا الجنوبية شهدت معدلات نمو أكبر، مما أدى إلى تراجع ألمانيا في الترتيب.
يشير مؤلفو الدراسة أيضًا إلى وجود اتجاه سلبي في تسجيل براءات الاختراع. فقد انخفضت حصة ألمانيا من براءات الاختراع الدولية بشكل مستمر منذ عام 2000م. في الوقت نفسه، حققت دول مثل الصين وكوريا الجنوبية تقدمًا كبيرًا واقتربت من اللحاق بألمانيا. وقدمت الدراسة أيضًا نظرة أعمق على طبيعة براءات الاختراع. ففي حين ركزت الأبحاث في صناعة السيارات في الصين بشكل كبير منذ عام 2010م، على أنظمة الدفع الكهربائي، كان هذا التركيز أقل وضوحًا في ألمانيا، والولايات المتحدة، واليابان. وتعتبر الدراسة أن نقص الكفاءات المتخصصة يُعد أكبر عائق أمام الابتكار في الشركات الألمانية. على الرغم من التباطؤ الاقتصادي الكبير في عامي 2023م و2024م، ما زالت البلاد تعاني من نقص يقارب 200,000 شخص من المتخصصين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (MINT)، وعند توزيع هذه الفجوات على القطاعات المختلفة، تظهر أكبر التحديات في مجالات الطاقة، المهن الكهربائية، بالإضافة الى هندسة الآلات وتقنيات المركبات. وبالرغم من ان ألمانيا تعتبر قوية في الابتكار في مجالات وقطاعات رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والثورة الصناعية الرابعة 4.0، وقطاع الفضاء. وهي المجالات التي يُطلق عليها «التكنولوجيا العميقة» (Deeptech)، والمبني على التقنيات المستقبلية وبراءات الاختراع، حيث ان البحوث الأساسية تحظى باعتراف دولي، والجامعات تخرج الكثير من المتخصصين في هذه المجالات، وتستثمر بشكل كبير في البحوث الأساسية، كما أن الشركات تنفق أيضًا نسبيًا الكثير من المال على البحث والتطوير. الا ان هنالك، ووفقًا للدراسة، مشاكل كبيرة. فالدولة تقدم دعمًا ضئيلًا جدًا، ويضيع المال في متاهة من برامج الدعم المتنوعة. كما يعيق النقص في الكوادر المتخصصة تحويل المعرفة والابتكارات إلى منتجات تطرح في الأسواق.
آفاق تطوير القدرة الابتكارية لألمانيا
مع الحجم الكبير للتحديات التي تواجه ألمانيا في مجال تعزيز قدرتها الابتكارية واللحاق بالركب مع الاقتصاديات الدولية الأخرى التي قطعت أشواط ابعد في مجال الابتكار، الا ان ألمانيا ما تزال تمتلك البنية الأساسية اللازمة لتطوير قدرة اقتصادها على الابتكار والتطوير مع مؤشرات على قدرتها على تجاوز التحديات والصعوبات التي تواجها تعزيز قدرتها في هذا المجال وأيضا في أطار شروط واستراتيجيات لازمة لتحقيق ذلك وفقا للتالي:
أ- اتجاهات إيجابية في نمو الكفاءات المتخصصة
أشارت دراسة صادرة عن معهد الاقتصاد الألماني (IW)، انه وعلى الرغم من نقص الكفاءات المتخصصة في ألمانيا الا ان هنالك تطور إيجابي يتعلق بارتفاع نسبة النساء في العاملين في مهن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (MINT)، حيث ارتفعت من 13.8 في المئة في عام 2012م، إلى 16.3 في المئة في الربع الأول من عام 2024م. وفي شرق ألمانيا، بلغت هذه النسبة 16.9 في المئة، وهي نسبة مرتفعة بشكل خاص، لكنها شهدت نموًا أبطأ في السنوات الأخيرة مقارنة بالمناطق الأخرى. كما تُظهر الدراسة أن أعلى نسب تمثيل للنساء في مهن MINT توجد في برلين (22.4 في المئة)، وهامبورج (19.7 في المئة)، وتورينجن (18.2 في المئة). أما أدنى النسب، فقد سُجلت في شمال الراين-وستفاليا وراينلاند-بفالتس (14.4 في المئة لكل منهما)، وفي زارلاند (13.6 في المئة).
كما كان للهجرة الإيجابية للعمالة المتخصصة من الخارج تأثير كبير على تعزيز الابتكار في الشركات الألمانية خلال السنوات الماضية. ووفقًا للدراسة، فإن فجوة الكفاءات في مهن MINT كانت ستكون أكبر بكثير لولا العمالة الأجنبية. إذ تُشير التقديرات إلى أن حوالي 700,000 وظيفة في هذا المجال لم يكن ليتم شغلها بدون هذه العمالة المهاجرة. ويتمتع المتخصصون في MINT، بفرص جيدة للتطوير الوظيفي. فهناك عدد قليل فقط من الوظائف المؤقتة، كما أن متوسط الأجر الشهري الإجمالي للمهنيين الأكاديميين العاملين بدوام كامل في مجالات MINT يبلغ حوالي 5900 يورو، وهو أعلى من متوسط الأجور في الوظائف الأكاديمية الأخرى.
وتقدم الدراسة مقترحات للحلول للمشاكل التي تواجه زيادة عدد المتخصصين والدارسين لمواد MINT. ومن هذه المقترحات تعزيز اهتمام الفتيات بهذه التخصصات. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون عملية اختيار المهن والدراسات خالية من الصور النمطية. كما يُوصى بأن تقوم المدارس بتقديم برامج إرشادية وعرض نماذج ناجحة من النساء العاملات في مجالات MINT كمصدر إلهام. علاوة على ذلك، يجب الاستفادة من إمكانيات القوى العاملة الأكبر سنًا، وذلك من خلال تشجيع التعلم مدى الحياة والتطوير المستمر للمهارات. أما النقطة الثالثة التي تناولتها الدراسة، فهي زيادة الهجرة الموجهة للعمال المهرة في مجالات MINT، ويمكن تحقيق ذلك، على سبيل المثال، من خلال زيادة عدد الطلاب الدوليين في ألمانيا وتوفير برامج دعم إضافية لمساعدتهم على النجاح في دراستهم.
ب- الاستراتيجيات الضرورية لتعزيز الابتكار
يذهب العديد من الخبراء والمستثمرون ورجال الأعمال بشكل عام إلى أن هناك أربع استراتيجيات أساسية يمكن أن تضمن تحسين تصنيف ألمانيا كموقع مناسب للتطوير والابتكار وعودتها لاحتلال مراكز متقدمة:
- الدولة كعميل رئيسي: وفقًا لدراسة معهد (IW)، قامت ألمانيا «بتقليص تمويلها للبحث والتطوير بشكل فعلي في السنوات الأخيرة». ولحسن الحظ، عوضت الشركات هذا النقص، ولكن «التقسيم المتفق عليه سابقًا بتمويل الأبحاث والتطوير بنسبة الثلثين من القطاع الخاص والثلث من القطاع العام يتم تقويضه بشكل جزئي.» حيث تقلصت التمويلات المخصصة لبرنامج الابتكار المركزي للشركات المتوسطة (ZIM) التابع للحكومة الألمانية من 632 إلى 510 ملايين يورو. الى جانب ذلك لا يكفي مجرد زيادة التمويل، بل ينبغي إعادة توجيه الدعم الحكومي ومنح المزيد من العقود الحكومية للشركات المتخصصة في التكنولوجيا العميقة. حيث يمكن للقطاع العام أن يسهم بشكل كبير في إطلاق المزيد من الشركات الناشئة الناجحة من خلال تقديم العقود. ويوضح Fabian Gruner، من شركة «إتش في كابيتال»، أن الشركات الناشئة الأمريكية تستفيد من العقود الحكومية عبر تأمين مصادر دخل ثابتة في وقت مبكر، مما يمنحها الأمان المالي للنمو والتطور.
- تبسيط الدعم الحكومي: تتضمن استراتيجية البحث والابتكار للحكومة الألمانية وجود ست مهام رئيسية، 30 مهمة فرعية، 188 هدفًا، و997 إجراءً. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من البرامج والمبادرات الأخرى على مستوى الولايات الفيدرالية وأيضا على مستوى الاتحاد الأوروبي. ويُشبه، Siegfried Russwurm، رئيس اتحاد الصناعات الألماني: « سياسة دعم الابتكار في ألمانيا برقعة شطرنج من البرامج المتفرقة». مضيفًا أن هذه البرامج تسعى لتحقيق الأهداف الصحيحة، لكنها ليست متكاملة ومنسقة جيدًا. إلى جانب ذلك، تتأثر فعالية هذه البرامج بالبيروقراطية والتشدد في الرقابة.
- تمكين المزيد من رأس المال المغامر: يعمل ما يسمى براس المال المغامر دورا أساسيا في تمويل ودعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة والتي تتولى تحويل الابتكارات الى مشاريع ومنتجات تطرح في الأسواق الا ان صناديق رأس المال المغامر تقدم مبالغ صغيرة جدًا، مما يجعل مؤسسي الشركات الناشئة يضيعون وقتًا كبيرًا في جمع الأموال وتأمين التمويل. لذا يطالب العديد من الخبراء بضرورة وجود سوق راس مال أكبر وموحد على مستوى أوروبا حيث يعتقدون ان ذلك سيتيح المزيد من رأس المال المغامر.
- إلغاء الفصل القائم بين البحث المدني والعسكري: أدت حرب أوكرانيا إلى تغييرات كبيرة في ألمانيا، بما في ذلك تعزيز أهمية ودور الجيش الألماني. وهو ما فتح الفرصة من اجل إلغاء الفصل القائم بين البحث المدني والعسكري. وتُظهر الولايات المتحدة منذ عقود كيف يمكن للجيش أن يقدم دفعة كبيرة للبحث العلمي والابتكار. حيث تلعب وكالة « Darpa « التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية دورًا هامًا في هذا المجال منذ عام 1958م، بميزانية سنوية قدرها 4.1 مليار دولار، وهي التي ساهمت في تطوير تقنيات متقدمة مثل الحاسوب الشخصي، الإنترنت والطائرات بدون طيار. ويثني Andreas Unseld، من شركة «UVC Partners» الاستثمارية في ميونيخ، على نجاح الولايات المتحدة في دعم صناعات مربحة مثل البرمجيات والإنترنت بفضل برامج مثل « Darpa «. كما تتبع الصين الآن نهجًا مشابهًا. في ألمانيا، الأمور لم تصل إلى هذا الحد بعد، حيث لا يزال من الصعب على الشركات الناشئة في ألمانيا الحصول على تمويل بحثي من الجيش الألماني.