تتزايد المخاوف في ألمانيا من حدوث عجز في كمية الغاز الطبيعي اللازمة لضمان تدفئة المنازل خلال الشتاء وضمان استمرار الإنتاج في القطاعات الاقتصادية كثيفة الاستهلاك للغاز مثل الصناعات الكيميائية وصناعة الحديد والصلب الى جانب انتاج الكهرباء عبر المحطات العاملة بالغاز. ومع الوقف التام لإمدادات الغاز الروسي الى ألمانيا عبر انبوب (نوردستريم 1) بدأً من 31 أغسطس والتخفيضات الكبيرة في هذه الامدادات منذ منتصف شهر يونيو الماضي بسبب اعمال الصيانة للأنابيب والتوربينات، وفقاً لشركة غازبروم الروسية، ارتفعت حالة عدم اليقين حول قدرة الحكومة الألمانية لضمان توفير الكميات الكافية من الغاز.

امكانيات تجاوز ازمة الغاز

وفقًا لوزير الاقتصاد الاتحادي، روبرت هابيك، فإن ألمانيا لديها فرصة لتجاوز فصل الشتاء على الرغم من وقف إمدادات الغاز الروسي. على ان يتم تحقيق شروط معينة من اهمها اولاً، الحد من الاستهلاك. ثانياً، ان يكون الطقس في الشتاء معتدلاً وليس شديد البرودة. ثالثاً، ان تكون مرافق تخزين الغاز ممتلئة. وفي هذا الجانب وعلى الرغم من توقف شحنات الغاز من روسيا في نهاية أغسطس، فإن منشآت تخزين الغاز الألمانية ممتلئة الآن بنسبة 100 في المئة، بحلول منتصف نوفمبر 2022م، وتتوافق كمية الغاز المخزنة عند هذا المستوى تقريبًا مع كامل الاستهلاك على مستوى ألمانيا في يناير وفبراير 2022م، او ما نسبته 60 في المئة من استهلاك ألمانيا من الغاز خلال فصل الشتاء بدون دخول واردات الغاز من روسيا في الحسبان.

كما يمكن لألمانيا الاعتماد على دعم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ومدها بالغاز في حالات الطوارئ او الانخفاض الشديد في مخزونات الغاز الطبيعي خصوصا ان مستوى مخزونات واحتياطيات الغاز لدى عدد منها وصل الى نسب عالية في شهر سبتمبر، مثل البرتغال التي وصل مستوى ملء خزاناتها الى نسبة 100 في المئة وبولندا بأكثر من 99 في المئة الى جانب فرنسا بمستوى ملء بأكثر من 94 في المئة، بالإضافة الى ذلك تعتمد ألمانيا على واردات الغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب من النرويج وهولندا وبلجيكا.

الى جانب ذلك يُتوقع ان يتم تشغيل أول محطتين لاستقبال الغاز الطبيعي المسال (LNG) على موانئ ألمانيا على ساحل بحر الشمال في نهاية العام الحالي او بداية العام القادم وذلك لتأمين الحصول على الغاز المسال القادم من دول مثل الولايات المتحدة الامريكية وأستراليا وقطر. حيث تخطط الحكومة الألمانية في الاجمال لبناء خمس محطات للغاز الطبيعي المسال على شكل سفن خاصة مملوكة للدولة، كل منها بسعة لا تقل عن 4.5 مليار متر مكعب سنوياً، حيث تقوم هذه السفن الخاصة بتبخير الغاز الطبيعي المسال وتحويلة الى غاز ومن ثم ضخه في شبكة توزيع الغاز. وستكون أول محطة عائمة للغاز السائل هي «Höegh Esperanza» في ميناء فيلهلمس هافن Wilhelmshaven. ووفقًا لخطط الحكومة، سيتم استيراد الغاز الطبيعي المسال عبر هذه المحطة اعتبارًا من نهاية العام الحالي وبكمية تصل إلى 7.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، وهو ما يتوافق مع حوالي 8.5 في المئة من احتياجات الغاز الألمانية الحالية. كذلك يتوقع ان يتم الانتهاء من بناء ثاني المحطات العائمة للغاز المسال وبدأ تشغيلها بداية العام 2023م في ميناء Brunsbüttel وبطاقة عمل تبلغ خمس مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا وسيتم استبدالها بمحطة برية في عام 2026م، والتي ستكون قادرة على التعامل مع عشرة مليارات متر مكعب سنوياً. وبحسب وزارة الاقتصاد الاتحادية ستبلغ السعة الكلية بعد الانتهاء من بناء جميع المحطات العائمة للغاز المسال 25 مليار متر مكعب على الأقل من الغاز الطبيعي المسال سنويًا.

فيما يتعلق بخفض استهلاك الغاز أكد klaus Müller رئيس الوكالة الاتحادية لشبكات توزيع الكهرباء والغاز، ان عملية ترشيد استهلاك الغاز من الممكن ان تجنب ألمانيا السيناريوهات الأسوأ، مشيرا الى ان استهلاك القطاع الصناعي للغاز قد انخفض في شهر أغسطس الماضي بنسبة 22 في المئة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التحول إلى مصادر الطاقة الأخرى، مضيفا انه إذا استمرت الأمور على هذا النحو فسوف يساعد ذلك في تجنب اجراء التخفيضات القسرية لإمدادات الغاز للقطاع الصناعي.

ومع كل هذه المؤشرات الإيجابية عن إمكانية عدم وجود نقص او ازمة ملحة في تأمين امدادات الغاز في ألمانيا خلال فصل الشتاء فان رئيس وكالة الشبكات الاتحادية المسؤولة عن توزيع الغاز Müller يؤكد صعوبة التوقع بعدم حدوث أي ازمة او حدوث حالة طوارئ تتعلق بالغاز في الشتاء، اعتمادا على ان استهلاك الغاز متذبذب ومتعلق بحالة الطقس وسلوك التدفئة «إذا أصبح الشتاء شديد البرودة، فإننا نواجه مشكلة»، كما ان النقص في الغاز قد يحدث في مناطق معينة من ألمانيا وليس بشكل شامل. وان وكالة شبكة التوزيع «لا يمكنها توقع استهلاك الغاز لأكثر من أسبوع ونصف».

احتمالات حدوث نقص في امدادات الغاز

مع كل الخطط والاجراءات التي اتخذتها الحكومة الألمانية لتجاوز ازمة نقص امدادات الغاز الطبيعي الا ان الخبراء يعتبرون ان العامل الاكثر حسما في هذه المسألة هو كيف سيكون الشتاء القادم والذي يحدد سلوك التدفئة للمواطنين وبالتالي سيحدد اذا ما كانت الامدادات المتنوعة للغاز سواء كانت من الغاز الطبيعي القادم من النرويج وهولندا او الغاز المسال القادم من الولايات المتحدة واستراليا وكذلك مخزونات الغاز الطبيعي كافية للاستهلاك المدني والصناعي خلال اشهر الشتاء الحالي ، بالاضافة الى مدى تأثيرها على مستوي خزانات الغاز ومدى كفايتها للشتاء القادم 2023م-2024م. ويضع الخبراء ثلاث سيناريوهات:

يُظهر السيناريو الأول أنه إذا ظل استهلاك الغاز مرتفعاً مثل متوسط الأعوام 2018م إلى 2021م بسبب ارتفاع برودة الشتاء، فهناك خطر كبير من حدوث نقص في الغاز أثناء فترة التدفئة. وفي النسخة المتشائمة من السيناريو، قد تكون خزانات الغاز الطبيعي فارغًة تمامًا بحلول بداية شهر مارس.

في السيناريو الثاني، الذي يتوقع خفض استهلاك الغاز بنسبة 10 في المئة أقل مما كان عليه في السنوات السابقة ، فإن ألمانيا لديها فرصة أفضل للتغلب على الشتاء دون نقص في امدادات الغاز. ويقوم هذا السيناريو على افتراض ان لا يكون الشتاء شديد البرودة.

اما السيناريو الثالث فيفترض توفير بنسبة 20 في المئة في استهلاك الغاز خلال موسم التدفئة بسبب اعتدال موسم الشتاء. واذا ما تم تحقيق هذه النسبة فلن يحدث اي نقص في الغاز الطبيعي خلال هذا الموسم، وستكون خزانات الغاز الطبيعي ممتلئة بنسبة 50 في المئة في بداية شهر مارس 2023م.

ومع ذلك ، فإن التحدي الأكبر سيكون على الأرجح توفير امدادات غاز كافيه في شتاء 23-2024م لأن استئناف إمدادات الغاز من روسيا أمر غير مرجح. والسؤال سيكون: من اين سيتم توفير الغاز الذي يجب أن تملأ صهاريج التخزين به في الصيف المقبل. وما مدى السرعة التي يمكن بها للصناعة في ألمانيا تحويل عمليات الإنتاج كثيفة الاستهلاك للغاز إلى مصادر طاقة أخرى.

يقول محللو سوق الغاز في وكالة الطاقة الدولية (IEA): «لا يمكن عمل توقع بشأن توافر الغاز في أوروبا أو تطور الأسعار». لكن من الواضح في الوقت الحالي أن الواردات الجديدة من الغاز السائل إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2023م، لن تكون قادرة تحت أي ظرف من الظروف على تعويض الانخفاض في شحنات الغاز الروسي إلى أوروبا وبدون تعويض الامدادات الروسية فان دول الاتحاد الاوروبي وألمانيا ستواجه خطر تقنين الغاز في الشتاء القادم والتي ستؤثر في الدرجة الاولي على عمليات الانتاج الصناعي وبالتالي يزداد احتمال حدوث ازمة اقتصادية غير محسوبة العواقب.