تتمتع الكويت وألمانيا بعلاقات تاريخية وثيقة، تعود جذورها إلى فترة السبعينات عندما بدأت الكويت بضخ استثمارات استراتيجية في الاقتصاد الألماني. وقد شهدت هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا، مدفوعة بالتحديات والفرص التي تواجه البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية. فبينما تواصل ألمانيا ترسيخ مكانتها كشريك موثوق بفضل خبراتها الصناعية والتقنية الرائدة، تسعى الكويت إلى تنويع اقتصادها وتعزيز دورها كمركز استثماري ولوجستي بارز في المنطقة. ومن أجل مزيد من المعلومات حول العلاقات الكويتية الألمانية وآفاق تطورها، بالإضافة الى أحدث التطورات الاقتصادية الجارية في الكويت، أجرت مجلة السوق هذه المقابلة مع سعادة السفيرة ريم محمد الخالد، سفيرة دولة الكويت لدى جمهورية ألمانيا الاتحادية.

السوق: سعادة السفيرة، مرحبًا بكِ في ألمانيا بصفتك السفيرة الجديدة لدولة الكويت. لقد رحّبتِ مؤخرًا بضيوفك في برلين ببعض الكلمات الألمانية. يبدو أنكِ قد تأقلمتِ بسرعة في بلدك المضيف.

الخالد: شكرًا لكم. إنه لشرف عظيم أن أمثل دولة الكويت في ألمانيا. لقد سهل الترحيب الحار الذي تلقيته هنا الشعور بأنني في وطني الثاني. اللغة جسر مهم بين الثقافات، وأعتقد أن التعبير حتى ببضع كلمات بلغة البلد المضيف يُظهر الاحترام والتقدير لهذا البلد وشعبه.

السوق: تتمتع الكويت بسمعة طيبة في ألمانيا. ولا يزال يُذكر أن الكويت كانت أول دولة عربية تقوم باستثمار كبير في ألمانيا – في مرسيدس عام 1974. نأمل أن يكون هذا الاستثمار قد أثمر.

الخالد: هذا الاستثمار التاريخي يعكس رؤية الكويت بعيدة المدى وثقتها في القوة الصناعية لألمانيا. وقد تعمّق هذا الشراكة منذ ذلك الحين. ومؤخرًا احتفلنا بالذكرى الخمسين لهذا الاستثمار من خلال زيارة رفيعة المستوى إلى شتوتغارت قام بها سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد العبد الله الصباح، يرافقه عدد من كبار المسؤولين.

السوق: ومع ذلك، باعت الهيئة العامة للاستثمار (KIA) جزءًا من استثماراتها منذ نحو عامين، وأصبحت تمتلك أقل من 5 في المئة. هل هذا يعني أن المستثمر الكويتي ينسحب من ألمانيا؟

الخالد: على الإطلاق. الكويت ترى في ألمانيا شريكًا موثوقًا وقيّمًا. الهيئة العامة للاستثمار تعدّل محفظتها الاستثمارية بناءً على استراتيجيات مالية عالمية، لكن ألمانيا لا تزال وجهة مهمة للاستثمارات الكويتية. العلاقة طويلة الأجل وتتأقلم مع الفرص المتجددة.

السوق: ما هو موقف الكويت من ألمانيا في الوقت الراهن؟ ما التغييرات التي ترونها؟ وما الذي تتوقعونه من ألمانيا؟ وما الذي تأملونه منها؟

الخالد: الكويت تحترم بشدة القيادة الألمانية، والابتكار التكنولوجي، والالتزام بالتعددية. نحن نثمّن دور ألمانيا في الشؤون الإقليمية والعالمية، ونأمل في تعميق التعاون أكثر في مجالات مثل تحول الطاقة، التحول الرقمي، والتبادل الأكاديمي.

السوق: والعكس كذلك: الكويت تستقطب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) من ألمانيا. ما هي القطاعات التي تهم المستثمرين الألمان في الكويت؟

الخالد: الخبرة الألمانية موضع ترحيب خاص في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، إدارة المياه، الرعاية الصحية، الخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا المتقدمة. وهناك اهتمام متزايد أيضًا بالبنية التحتية الذكية والتنمية الحضرية المستدامة.

السوق: ما الحوافز التي يمكن أن تتوقعها الشركات ومقدمو الخدمات الألمان؟

الخالد: تقدم الكويت بيئة مستقرة وملائمة للمستثمرين، تشمل إصلاحات تنظيمية، مزايا ضريبية، وامتلاك أجنبي كامل (100 في المئة) في بعض القطاعات. مؤسساتنا تدعم بنشاط الشراكات التي تجلب التكنولوجيا والمعرفة وفرص العمل إلى الكويت.

السوق: الكويت تقليديًا بلد يعتمد على الثروة النفطية. مؤخرًا، تقلص قطاع النفط الكويتي، ناهيك عن التقلبات المستمرة في سوق النفط العالمي. الحكومة وضعت منذ زمن طويل هدف تنويع الاقتصاد. ما الذي تقوم به الحكومة لتحقيق هذا الهدف؟

الخالد: التنويع الاقتصادي هو ركيزة استراتيجية ضمن رؤية الكويت 2035. الحكومة تدفع قدمًا في تطوير البنية التحتية، والإصلاحات القانونية والاقتصادية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمشاريع الكبرى التي تقلل الاعتماد على النفط وتخلق فرصًا جديدة في قطاعات مثل المالية، اللوجستيات، السياحة، والابتكار.

السوق: الكويت ترغب وستظل بلدًا منتجًا للطاقة. ما هي الخطط لقطاع النفط والغاز؟ وأين موقع الطاقات المتجددة مثل الشمس والرياح؟

الخالد: الكويت ملتزمة بالبقاء منتجًا موثوقًا للطاقة مع تبني تحول الطاقة، وتستثمر بشكل كبير في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. الهدف الوطني للطاقة المتجددة يعكس نية جدية لموازنة بين التقليد والتحول، وهناك العديد من المشاريع الجارية في مجال الطاقات المتجددة بالكويت.

السوق: كيف ترون التعاون مع الشركات والمؤسسات الألمانية في هذا القطاع؟

الخالد: ألمانيا رائدة عالميًا في تقنيات الطاقة المتجددة، ودولة الكويت ترحب بتعميق التعاون مع الشركات والمؤسسات البحثية والمراكز الابتكارية الألمانية. هناك سابقة تاريخية، ونرى إمكانيات كبيرة لتوسيع هذه الشراكات في تنفيذ استراتيجيتنا الوطنية.

السوق: حكومتكم لطالما وضعت التنويع الاقتصادي هدفًا للتخطيط. ماذا تفعل الحكومة لتحقيق ذلك؟ وما هي أهم أهداف التخطيط؟

الخالد: يعني ذلك تحويل الكويت إلى مركز اقتصادي ولوجستي نابض بالحياة، بمصادر دخل متنوعة وصناعات قائمة على المعرفة. من الأولويات الرئيسية تحسين الحوكمة، تحديث البنية التحتية، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.

السوق: مركز الكويت الوطني لأبحاث الفضاء، الذي تأسس العام الماضي، قد يكون ذا أهمية خاصة للمستثمرين والموردين الألمان. ما هي أهداف الكويت في مجال تقنيات الفضاء؟

الخالد: يعكس مركز الكويت الوطني لأبحاث الفضاء التزامنا بالابتكار والتقنيات الاستراتيجية. تتركز جهودنا على أبحاث الأقمار الصناعية، مراقبة المناخ، وتطبيقات الاتصالات. نرى إمكانيات قوية للتعاون مع ألمانيا، خصوصًا في خبرات الطيران والفضاء والتصنيع المتقدم.

السوق: ما الدور الذي تلعبه التحالفات الاستراتيجية مع المشغلين والمصنعين الدوليين؟

الخالد: التحالفات الاستراتيجية ضرورية لأهداف التنمية في الكويت. تمكن من نقل التكنولوجيا، تدعم بناء القدرات، وتسريع تنويع اقتصادنا. التعاون مع المشغلين والمصنعين الدوليين الرائدين يضمن استفادتنا من الخبرات العالمية مع خلق قيمة طويلة الأمد محليًا.

السوق: من المعالم الرئيسية المقترحة في المشروع برج مبارك الكبير بارتفاع 1001 متر (3284 قدمًا). هذا مشروع طموح للغاية. ما هو الوضع الحالي؟

الخالد: برج مبارك الكبير لا يزال في مرحلة الاقتراح، ولم يبدأ البناء بعد. هذا المشروع الطموح مصمم ليكون محور مبادرة مدينة الحرير في الكويت ضمن رؤية 2035.

السوق: يبدو أن آسيا الوسطى وآسيا تلعبان دورًا خاصًا في تخطيطات الكويت. كما وقعت الكويت والصين اتفاقية تعاون لتطوير مدينة الحرير وحزامها الاقتصادي.

الخالد: تقدر الكويت علاقتها مع الصين. وفي الوقت نفسه، تحافظ الكويت على سياسة خارجية متوازنة وترى أن الشراكات مع أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، لا تقل أهمية عن دورها في التنمية طويلة الأمد.

السوق: الصين أصبحت لاعبًا متزايد الأهمية في المنطقة. هل ستتولى الصين في المستقبل القريب الدور الذي كان للغرب وخاصة أوروبا في الماضي؟

الخالد: نحن لا ننظر إلى العلاقات العالمية كمسألة استبدال، بل كتنويع وتكامل. لكل من الغرب والصين أدوار مهمة للعبها. تسعى الكويت لبناء شراكات عملية ومفيدة للطرفين في جميع المجالات، مع الحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية.

السوق: الوضع الأمني العام في الشرق الأوسط ذو أهمية خاصة — ليس فقط للكويت، بل للتجارة العالمية أيضًا. هل قامت الحكومة الألمانية بما يكفي للمساهمة في أمن المنطقة؟ وإذا لم يكن كذلك، ماذا تتوقعون من ألمانيا والاتحاد الأوروبي؟

الخالد: تلعب ألمانيا دورًا بناءً من خلال الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية، ومبادرات الحوار. نعتقد أن هناك مجالًا لتعزيز المشاركة بشكل أعمق، خصوصًا من خلال الاتحاد الأوروبي، لدعم الاستقرار الإقليمي، وخفض التصعيد، وجهود بناء السلام طويلة الأمد.

السوق: اسمح لي أن أطرح بعض الأسئلة الشخصية. في ألمانيا، يلاحظ الناس بشكل خاص أن دولة مسلمة مثل الكويت، التي تُعتبر عمومًا محافظة جدًا، ترسل امرأة إلى ألمانيا كدبلوماسية. بل وأيضًا امرأة لا تخفي شعرها القصير تحت الحجاب. هل أنت استثناء في الخدمة الدبلوماسية لدولة الكويت؟

الخالد: تفخر الكويت بتقدمها في تمكين النساء في جميع القطاعات، بما في ذلك الدبلوماسية. لا أعتبر نفسي استثناءً، لكن هذا يعكس هوية الكويت والتزامها بالمساواة في الفرص على أساس الجدارة والخدمة.

السوق: أنتم في خدمة حكومتكم منذ عام 1991 وتوليتم مناصب سياسية رفيعة. كما حصلتم على «جائزة المرأة العربية – جائزة الحكومة». ماذا تنصحين، انطلاقًا من تجربتك الشخصية، النساء الموهوبات في الكويت؟

لقد أثبتت المرأة الكويتية نفسها في جميع المجالات، بما في ذلك السياسة، والدبلوماسية، والخدمة العامة. لدينا نساء في البرلمان، في السلك القضائي، في المناصب الوزارية، وفي مواقع دبلوماسية رفيعة. وجودهن لم يعد استثناءً، بل أصبح جزءًا من القاعدة. الطريق واضح أمامهن، والفرص متاحة للجميع بناءً على الأداء والالتزام.

السوق: ما هي خططك الشخصية خلال فترة عملك كسفيرة في ألمانيا؟ هل لديكِ محور شخصي تركزين عليه؟

آمل أن نتمكن من تعميق التعاون الثنائي في العديد من المجالات – وخاصة في الاقتصاد، والثقافة، والتعليم، والابتكار. أتطلع أيضًا إلى تعزيز العلاقات بين الناس وزيادة التفاهم المتبادل بين مجتمعاتنا. الدبلوماسية الثقافية هي مجال أقدّره شخصيًا.

السوق: سعادة السفيرة، نشكركم على هذه المقابلة.