شهدت ألمانيا نهاية شهر فبراير 2025م، انتخابات نيابية مبكرة للبرلمان الاتحادي نتيجة تفكك الائتلاف الحاكم الذي كان مكونا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الحر. والذي جاء نتيجة للاختلافات في السياسات المالية التي تتبناها احزاب الائتلاف، فبينما كان الحزب الاشتراكي وحزب الخضر يؤيدان تعديل المادة الدستورية الخاصة بكابح الديون بهدف أتاحت المجال امام الحكومة للمزيد من الاقتراض لدعم النمو والانفاق على برامج الدعم الاقتصادي والاجتماعي المختلفة تمسك الحزب الديموقراطي الحر ورئيسة لندر، والذي كان يتولى منصب وزير المالية، بالمادة الدستورية رافضا اجراء أي تغيير او اصلاح او استثناء عليها وهو ما ادي في النهاية الى انهيار الائتلاف، خصوصا في مواجه الصعوبات والتحديات المتزايدة التي يواجها الاقتصاد الألماني.
أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية عن تقدم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU/CSU) بقيادة فريدريش ميرتس، بعد أن حصل على 28.6 في المئة من الأصوات. وجاء حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) في المرتبة الثانية، حيث تجاوزت نسبته 20 في المئة من إجمالي المصوتين. أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) فحل ثالثًا بنسبة 16.4 في المئة، تلاه حزب الخضر بنسبة 11.6 في المئة. وفاجأ حزب اليسار المراقبين بتحقيقه 8.8 في المئة من الأصوات. في المقابل، لم يتمكن كل من الحزب الديمقراطي الحر (FDP) وتحالف سارة فاجنكنشت (BSW) من اجتياز عتبة 5 في المئة اللازمة لدخول البرلمان الاتحادي (البوندستاج).
وبناءً على نتيجة الانتخابات، تم تشكيل تحالف بين الاتحاد المسيحي (CDU/CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) لتشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة. أسفر هذا التحالف عن اختيار فريدريش ميرتس، من الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU)، مستشارًا لألمانيا. جاء هذا التحالف في سياق توافق سياسي واسع بين القوى السياسية الكبرى، بهدف توفير قاعدة مستقرة للحكومة المقبلة ومواجهة التحديات المطروحة على الصعيدين الداخلي والدولي.
التحول في السياسة المالية في ألمانيا
بشكل غير متوقع وخلافا لموقف الحزب الديمقراطي المسيحي قبيل الانتخابات والذي كان يصر على عدم اجراء أي تعديل على المادة الدستورية الخاصة بكابح الديون، وهو التعديل الذي كان يدعو له الحزب الاشتراكي وحزب الخضر. عمل فريدريش ميرتس، مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي، على بناء توافق واسع بين حزبه، الحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، قبل انتهاء ولاية البرلمان الاتحادي السابق. هدف هذا التوافق إلى إقرار تخفيف قواعد كابح الديون، وذلك لضمان توافر السيولة المالية اللازمة للحكومة الاتحادية المقبلة، والتي سيقودها ميرتس، من أجل مواجهة التكاليف المرتبطة بعمليات الإصلاح الاقتصادي. وهو ما تحقق حيث اقر البرلمان الألماني (البوندستاج) ومجلس الولايات ( البوندسرات)، المشروع الذي تقدم به الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحظي بدعم من حزب الخضر والمتعلق بتعديل المادة الدستورية الخاصة بكابح الديون وتخفيف القيود على الحكومة لزيادة الاقتراض بهدف زيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إجمالي الإنفاق الدفاعي إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. مع العلم أن الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا يقدر بحوالي 4.4 تريليون يورو، مما يعني أن ميزانية الدفاع سترتفع إلى 132 مليار يورو سنويًا. وسيتم تمويل 44 مليار يورو ضمن حدود مكابح الديون، بينما سيوفر 88 مليار يورو من خلال استثناءات جديدة تسمح بتوسيع الاقتراض الحكومي. كما شملت التعديلات تخفيف القيود على الولايات الفيدرالية التي كانت ملزمة بتحقيق ميزانية متوازنة، بحيث أصبح مسموحًا للولايات بزيادة الدين العام بنسبة 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا. بناءً على هذا التعديل، يمكن للولايات اقتراض ما يصل إلى 15.4 مليار يورو سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء صندوق تمويلي جديد لتحديث البنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو، منها 100 مليار يورو لدعم برامج الحياد المناخي. الامر الذي شجع حزب الخضر للتصويت لصالح الصندوق.
وبعد هذا التخفيف من القيود على الاقتراض من المتوقع أن يصل الدين العام الإضافي إلى 1.5 تريليون يورو خلال العشر السنوات القادمة، مع احتمال ارتفاعه إلى 1.6 أو 1.7 تريليون يورو إذا لم يتحقق النمو الاقتصادي المتوقع. بهذه التعديلات، تسعى ألمانيا إلى اتباع سياسة مالية أكثر مرونة تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي، رغم ما تحمله من تحديات مرتبطة بزيادة الديون. وفي هذا السياق يرى Clemens Fuest، رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية ifo في ميونخ، أن «إقرار الديون هو الجزء السهل، فبإمكان أي شخص القيام بذلك.» لكن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية استثمار هذه الديون بفعالية. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه السياسة تفتح أبوابًا لفرص كبيرة، لكنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر جسيمة، إذ يعتمد النجاح بالكامل على السياسات المتبعة، بينما يظل احتمال الفشل مرتفعًا.
الأثار الاقتصادية المتوقعة لقرار تخفيف كابح الديون
على الجانب الإيجابي، يمكن للبرامج الاستثمارية الضخمة، التي تقدر بمئات المليارات من اليورو، أن تحقق ما كانت ألمانيا تطمح إليه طوال السنوات الثلاث الماضية: نمو اقتصادي ملموس. ويصف Marcel Fratzscher، رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW)، هذه الحزمة المالية بأنها «نقطة تحول»، موضحًا: «الجميع يدرك تراجع القدرة التنافسية للشركات والتآكل التدريجي للقطاع الصناعي. لكن هذه الحزمة المالية تمتلك القدرة على قلب الموازين.» ووفقًا لتقديرات معهد DIW، كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الألماني بنسبة 1.1 في المئة في عام 2026م، دون زيادة الإنفاق على البنية التحتية وحماية المناخ والدفاع. لكن مع تفعيل هذه الاستثمارات، قد يرتفع معدل النمو إلى 2.1 في المئة. كما يتوقع الاقتصاديون استمرار تحسن فرص النمو لهذا العام وفي السنوات المقبلة بفضل هذه الاستثمارات الاستراتيجية. وبالنظر إلى أن الاقتصاد الألماني قد شهد انكماشًا خلال العامين الماضيين، فإن هذه التوقعات تمنح الكثيرين الأمل بحدوث تحول إيجابي. كما أن هناك تفاؤلًا بأن تطوير البنية التحتية، مثل تحسين شبكة السكك الحديدية والطرق السريعة، وتحديث الجسور، وتعزيز شبكات الاتصالات، سيؤدي إلى اقتصاد أكثر كفاءة وربحية على مدى العقود القادمة.
لكن في المقابل، سيؤدي هذا الإنفاق الكبير إلى تراكم كم كبير من الديون، مما قد يفرض أعباء مالية باهظة على الدولة من عدة جوانب. أولًا، سترتفع تكلفة الاقتراض الحكومي، حيث إن زيادة الديون تؤدي إلى ارتفاع المخاطر بالنسبة للمستثمرين، مما يدفعهم إلى المطالبة بعوائد أعلى على السندات الحكومية. فعلى سبيل المثال، وفي أول مزاد للسندات الحكومية الألمانية بعد إقرار تعديل سقف الديون في البوندستاج، اضطرت الوكالة المالية الاتحادية (Bundesrepublik Deutschland Finanzagentur)، إلى جذب المستثمرين بأسعار فائدة أعلى. عند إعادة طرح سندين حكوميين لأجل 30 عامًا، بلغ متوسط سعر الفائدة (أو ما يسمى متوسط العائد) 3.04 في المئة و3.08 في المئة، مقارنةً بالمزادات التي أُجريت في يناير وفبراير، حيث كانت العوائد أقل بكثير، عند 2.65 في المئة و2.84 في المئة فقط. في هذا السياق، يعلق المحلل Elmar Völker، من بنك ولاية بادن فورتمبيرج (LBBW)، قائلًا: «الحكومة الألمانية بدأت بالفعل تشعر بتأثير خطط الديون التي أقرها البوندستاج في سوق المال.»
تتمثل إحدى القضايا الحرجة في تأثير الديون على قدرة الحكومات والأجيال القادمة على اتخاذ قرارات اقتصادية فعالة، حيث يحذر الخبراء من أن عبء الديون قد يصبح غير قابل للتحمل. ويوضح Jörg Krämer، كبير الاقتصاديين في كومرتس بنك، أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا تقدر حاليًا بحوالي 63 في المئة، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 90 في المئة خلال العقد المقبل. وحتى مع ارتفاع الدين العام وفق لهذه التوقعات الا ان ألمانيا تضل من أقل دول الاتحاد الأوروبي مديونية.
اتفاق الائتلاف الحكومي
تضمن اتفاق الائتلاف لتشكيل الحكومة الاتحادية الخطوط العريضة لعمل الحكومة خلال السنوات الأربع القادمة. وقد وصف المستشار فريدريش ميرتس، اتفاق الائتلاف بأنه «إشارة قوية» للمواطنين ولأوروبا، مؤكدًا أن الأحزاب التي تمثل الوسط قادره على حل مشاكل البلاد.
وقد تضمنت الخطوط الرئيسية في الاتفاق تخفيض ضريبة الشركات بمقدار نقطة مئوية واحدة على خمس مراحل، ابتداءً من عام 2028م. في المقابل، ستظل ضريبة التضامن (Solidaritätszuschlag)، كما هي دون تغيير. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تخفيف الأعباء على الشركات والمستهلكين من خلال خفض ضريبة الكهرباء. وتعتزم الحكومة المقبلة إدخال تعرفة صناعية خاصة بالكهرباء للشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة. كما سيتم تخفيض ضريبة الكهرباء للجميع إلى «الحد الأدنى الأوروبي»، مع تقليل الرسوم الإضافية وتكاليف الشبكة.
كما يسعى الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الى تقليل العبء الضريبي على أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط، حيث سيتم خفض ضريبة الدخل لهذه الفئات. ووفقًا لاتفاق الائتلاف، سيحدث هذا التخفيض في منتصف الدورة التشريعية، أي بعد حوالي عامين، دون الكشف عن التفاصيل الدقيقة حتى الآن.
واتفقت الأحزاب ايضاً على إلغاء نظام اعانه البطالة المعروف باسم (Bürgergeld)، بصيغته الحالية وإعادة تصميمه ليصبح «نظام ضمان اجتماعي جديد للعاطلين عن العمل». وسيُطلب من العاطلين عن العمل السعي بنشاط للحصول على وظيفة. كما تعتزم الحكومة المقبلة إزالة العقبات التي تعيق التوظيف وتشديد الالتزامات والمخالفات المرتبطة بهذا النظام. وسيتم سحب المساعدات بالكامل من الأشخاص القادرين على العمل في حال رفضهم مرارًا قبول عمل معقول. بالإضافة الى ذلك تم إقرار استقرار مستوى المعاشات التقاعدية.
وضمن مساعي الحكومة القادمة لتقليل البيروقراطية وتسريع الرقمنة في أجهزة الدولة، أقرت اتفاقية التحالف إنشاء وزارة للتحول الرقمي وتحديث الدولة. كما تم التوافق على إلغاء قانون سلاسل التوريد وإلغاء قانون التدفئة المثير للجدل.
تقييم الاتحادات الاقتصادية والمهنية لاتفاق الائتلاف الحكومي
وعلى الرغم من أن العديد من الاتحادات التي تمثل العديد من القطاعات الاقتصادية قد أشادت ببعض النقاط المحفزة في اتفاقية الائتلاف، إلا أن هناك أيضًا شكوكًا وانتقادات، حيث ان بعض خططها لا تلقى استحسانًا كاملًا من قبل اتحادات الأعمال، وبعض قطاعات الصناعة، والنقابات العمالية.
وفي هذا السياق، صرّح Christian Sewing، رئيس اتحاد البنوك الألمانية قائلًا: اتفاق التحالف يتضمن نقاطًا مهمة للإصلاحات الهيكلية الضرورية، مثل إصلاح سوق العمل، وتخفيف البيروقراطية، وإصلاح النظام الضريبي.» لكنه أضاف: «كنا نتمنى المزيد في بعض الجوانب.» من جهته، طالب اتحاد الغرف التجارية والصناعية الألمانية (DIHK) بالمزيد من الشجاعة قائلًا: «البداية قد تمت، لكن يجب أن يكون هناك مزيد من الجرأة في الإصلاحات.»
من جانبها رحبت العديد من اتحادات الأعمال بسرعة انجاز المفاوضات بين الأحزاب، ودعت الحكومة إلى تنفيذ الإصلاحات بسرعة. كما أشاد اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية DIHK، واتحاد أصحاب العمل BDA، واتحاد الصناعة BDI، واتحاد صناعة السيارات VDA بخطوات تخفيف تكاليف الطاقة، والاستثمار في البنية التحتية، وتقليل البيروقراطية. وقال Rainer Dulger، رئيس اتحاد أصحاب العمل (BDA)، « إلغاء قانون سلاسل التوريد خبر رائع». كما أشادت Hildegard Müller، رئيسة اتحاد صناعة السيارات (VDA)، ومؤسسة الشركات العائلية بحقيقة أن خطط الزيادات الضريبية الواسعة قد تم التخلي عنها.
لكن بالمقابل، انتقدت الاتحادات الاقتصادية أن خفض ضرائب الشركات لن يبدأ قبل العام 2028م، مما يعني أنه سيأتي متأخرًا جدًا. وقالت Tanja Gönner، المديرة العامة التنفيذية لاتحاد الصناعة الألماني (BDI)، «السياسات الضريبية لهذا التحالف لا ترقى إلى المستوى المطلوب.»كما أعرب اتحاد أصحاب العمل (BDA)، عن خيبة أمله من عدم وجود إصلاح لنظام التأمينات الاجتماعية، محذرًا من أن ذلك سيؤدي إلى زيادة مساهمات التأمينات الاجتماعية في المستقبل. وقال Dulger «العواقب ستكون استمرار ارتفاع الاشتراكات الاجتماعية.»
من جانبه وصف اتحاد الصناعات الرقمية (Bitkom)، إنشاء وزارة للتحول الرقمي وتحديث الدولة بأنه «نقطة تحول كبيرة لألمانيا وإشارة انطلاقة طال انتظارها من الحكومة الجديدة.» وأضاف الاتحاد:
«إذا تم تصميم هذه الوزارة بشكل صحيح، فستكون قادرة على جمع جميع القضايا الرقمية في يد واحدة، مما يجعلها قوة دافعة حقيقية للتحول الرقمي.»وأكد الاتحاد على أن ألمانيا بحاجة الآن إلى أن تصبح «أكثر قدرة على المنافسة، وأكثر ابتكارًا، وأكثر كفاءة رقميًا من أي وقت مضى.»
في الجهة المقابلة، لم يكن قطاع صناعة السيارات راضياً عن خطط الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. فقد انتقد اتحاد مصنعي السيارات الدوليين (VDIK) سياسات التحالف فيما يخص السيارات الكهربائية، مشيرًا إلى أن الحوافز الضريبية المذكورة لدعم مبيعات السيارات الكهربائية «غير واضحة بدرجة كافية.» وجاء في بيان الاتحاد «هذا الغموض سيؤدي إلى استمرار حالة عدم اليقين بين العملاء، وبالتالي لن يكون هناك تأثير إيجابي فوري على مبيعات السيارات الكهربائية.»كما انتقد اتحاد مستوردي السيارات أن التحول نحو التنقل الكهربائي لا يزال في مرحلة الانتظار، ودعا الاتحاد إلى توضيح السياسات بشكل أسرع.
الأولويات الاقتصادية للحكومة الاتحادية الجديدة
في أول بيان حكومي له أمام البرلمان الاتحادي، عرض المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس رؤية طموحة لإعادة تنشيط الاقتصاد الألماني، ووضعه مجددًا على مسار النمو المستدام. وفي ظل أزمات متعددة منها الحرب في أوكرانيا، وتراجع الطلب العالمي، وتقلبات أسعار الطاقة، أكد ميرتس أن حكومته ستعتمد على تعزيز القدرة التنافسية وتحسين بيئة الاستثمار كأساس للسياسات الاقتصادية المقبلة. ومن بين الأولويات الأساسية التي طرحها المستشار ميرتس: تحقيق نمو اقتصادي سنوي لا يقل عن 2 في المئة على المدى المتوسط، ويرى المستشار أن ألمانيا يمكن أن تعود لتكون «قاطرة النمو» في أوروبا، بشرط تجاوز المشكلات الهيكلية والداخلية التي تعرقل الأداء الاقتصادي، وعلى رأسها ضعف الإنتاجية، البيروقراطية المرهقة، وتدهور البنية التحتية.
كما تعهدت الحكومة الجديدة بالتركيز على الاستثمارات الاستراتيجية في مجالات حيوية مثل الدفاع، وحماية المناخ، والتحول الرقمي، وتوسيع شبكات الطاقة والنقل، باعتبارها محفزات رئيسية للنمو وتوليد الوظائف. وأكد ميرتس أن هذه الاستثمارات ستساعد في بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة الأزمات المستقبلية. وكان الانضباط المالي أيضًا من المحاور البارزة في البيان. ورغم إقرار الحكومة الجديدة بأهمية الدَين كأداة تمويل في ظروف معينة، إلا أن ميرتس شدد على ضرورة استخدامه فقط في مشاريع ذات قيمة استراتيجية مضافة، مع الحفاظ على استقرار المالية العامة، بما يتماشى مع التقاليد الألمانية في ضبط الميزانية.
وفي خطوة استراتيجية لتعزيز مكانة ألمانيا كوجهة استثمارية، أعلن وزير المالية الاتحادي، Lars Klingbeil، عن مشروع قانون يتضمن خطة شاملة لخفض الضرائب على الشركات. وتهدف هذه الخطة إلى توفير حوافز استثمارية وتحفيز الابتكار في الاقتصاد الوطني. وبحسب مشروع القانون، ستصل قيمة إجمالي هذه التخفيضات الضريبية إلى 48 مليار يورو للفترة ما بين 2025 و2029.
وأشارت وزارة المالية إلى ضرورة الإسراع في توفير الحوافز، لتمكين الشركات من وضع خطط استثمارية مستقرة، مؤكدة أن النمو الاقتصادي يمثل أولوية قصوى. وسيمنح القانون خصومات ضريبية سخية بنسبة 30 في المئة للشركات التي تستثمر في الأصول المتحركة خلال 2025-2027، ما يعزز السيولة ويحفز الاستثمار. وتستفيد أيضا من هذه الخصومات الضريبية الأصول المشتراة بين 30 يونيو 2025 و1 يناير 2028م.
وبدءاً من 2028، سيُخفض معدل ضريبة الشركات تدريجياً من 15 في المئة إلى 10 في المئة على خمس مراحل، مما يعزز استقرار الإطار الضريبي ويطمئن المستثمرين. كما ستشمل الخطة تعديلات على «معدل الضريبة على الأرباح غير الموزعة» لتحقيق حيادية العبء الضريبي بين الشركات الفردية والرأسمالية، ما يتيح استفادة الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما سيرتفع الحد الأقصى لنفقات البحث القابلة للخصم الضريبي من 10 إلى 12 مليون يورو، إلى جانب توسيع قائمة التكاليف المعترف بها، بهدف تعزيز الابتكار.
في خطوة جديدة لدعم استثمارات الشركات في مجال السيارات الكهربائية، تعتزم وزارة المالية الاتحادية تقديم حوافز ضريبية مهمة لتشجيع اقتناء المركبات الكهربائية ذات الاستخدام التجاري. ووفقاً لمشروع القانون، ستُتاح إمكانية خصم 75 في المئة من قيمة السيارة الكهربائية المشتراة حديثاً خلال السنة الأولى من الشراء، مما سيشكل «حافزاً ضريبياً قوياً» لتسريع تبني التنقل الكهربائي في القطاع التجاري. ويشمل هذا الإجراء السيارات الكهربائية المشتراة خلال الفترة ما بين يوليو 2025 وديسمبر 2027، بهدف خلق إطار زمني يدفع الشركات لاتخاذ قرارات استثمارية سريعة. كما ينص المشروع على رفع سقف السعر الإجمالي للسيارات الكهربائية المسموح باستخدامها كسيارات خدمة من 70 ألف يورو إلى 100 ألف يورو، مما يعزز القدرة التنافسية لهذه المركبات ويشجع المؤسسات على الاستثمار فيها.
تعكس هذه التدابير التي أعلنها وزير المالية Klingbeil، قناعة الحكومة الألمانية بأهمية السياسة الضريبية كأداة فعالة لتحفيز النمو والابتكار. من خلال توفير حوافز ضريبية قوية ودعم الاستثمارات في التكنولوجيا النظيفة، وبالمجمل يهدف البرنامج الاقتصادي الطموح للحكومة الجديدة إلى تعزيز تنافسية الاقتصاد الألماني في مواجهة التحديات العالمية، ووضع أسس راسخة لتحول مستدام قائم على الابتكار، بما يضمن ازدهار ألمانيا على المدى الطويل.