في أول زيارة رسمية له إلى ألمانيا بحث رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ومع رجال الأعمال الألمان سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين. كما جرى بحث وضع الجزائريين الذين دخلوا إلى ألمانيا العام الفائت وفي السنوات السابقة، وكيفية إعادتهم إلى بلدهم بعد صدور قرارات ترحيل في حقهم. كما اجتمع سلال مع رئيس الدولة الألمانية يواخيم غاوك ومع رئيس البرلمان الاتحادي نوربرت لامرت.

تجديد العلاقات الاقتصادية

وأعلنت المستشارة ميركل في مؤتمر صحافي عقدته مع ضيفها سلال في مقر المستشارية أنها بحثت معه التعاون المشترك في مجالات عدة، وأنهما متفقان على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وإذ لفتت إلى أن رئيس الحكومة الجزائرية بحث هذا الأمر أيضاً مع ممثلي الاقتصاد الألمان في اجتماع خاص، رأت أن العلاقات الاقتصادية «قوية بين الجانبين في واقع الأمر، لكن البحث شدد على توسيعها أكثر». وتوقعت أن يبحث الاجتماع السنوي للجنة الاقتصادية الألمانية ـ الجزائرية المشتركة الذي سيعقد في برلين في فصل الربيع الحالي ما تم التوافق عليه اليوم. ونوهت ميركل بالجهود المبذولة في الجزائر لإدخال إصلاحات على دستور البلاد ترسي الشفافية وتقوّي دور البرلمان. وبعد أن أشارت إلى أن لكل من ألمانيا والجزائر اهتمامات كبيرة في ما يجري في ليبيا ومالي من أحداث وتطورات مقلقة، خاصة وأن لألمانيا قوات عسكرية ضمن مهمة «مينوسما» في مالي، أضافت ان الاهتمام المشترك يدفع بالجانبين إلى تكثيف مشاوراتهما وتوسيعها.

ولفتت ميركل أيضاً إلى أن موضوع الهجرة غير الشرعية للجزائريين إلى ألمانيا، وبالأخص خلال الأشهر الأخيرة، طٌرح للبحث وذكّرت ميركل بوجود اتفاق بين البلدين لإعادة المهاجرين غير الشرعيين، ما يفرض تعاوناً مكثفاً بين القوى الأمنية من الجانبين لتنفيذ الاتفاق بالوسائل المناسبة.

وبعد أن شدد رئيس الحكومة الجزائرية «على أهمية الإصلاح الدستوري في بلده، وما يعنيه ذلك للجزائريين» أشار إلى «أهمية بناء علاقات أوثق وأوسع مع ألمانيا». وأضاف أنه قال لرجال الأعمال الألمان والجزائريين الذين اجتمع معهم في برلين إن القسم الأكبر من الصناعة التي نشأت في الجزائر في سبعينات القرن الماضي قامت على أيدي الشركات الألمانية، «الأمر الذي أمّن نموها وانتاجيتها ونشوء فرص عمل جديدة في البلاد». وأضاف أنه لهذا السبب يريد دعم تواجد الشركات الألمانية اليوم في بلده، مشيراً إلى وجود شراكة بين 300 شركة من البلدين، ومشدداً في هذا الإطار «على أهمية الحصول على الخبرة والتجربة الألمانيتين».

وأكد سلال سعي حكومته الحازم على محاربة الإرهاب في المنطقة، والعمل على دحر تنظيم الدولة الإسلامية، وضمان الاستقرار في بلده وفي الدول المجاورة. وتطرق إلى موضوع الهجرة اللاشرعية لجزائريين إلى ألمانيا فأكد وجود اتفاق لأعادتهم منذ عام 1997، وقال إن معلوماته تشير إلى إعادة كل من هاجر بصورة غير شرعية. ووافق على إعادة المطلوب إعادتهم اليوم بعد التأكد من هويتهم الجزائرية.

اهتمام بالنشاط الصناعي

وخلال الاجتماع الذي عقده سلال وممثلون عن القطاعين العام والخاص في الجزائر مع ممثلي الاقتصاد الألماني نظّمته غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية، جرى البحث بصورة موسعة في رفع مستوى التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين. وحضر الاجتماع أكثر من 400 من ممثلي الشركات الألمانية والجزائرية، وشارك فيه رئيس غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية د. بيتر رامزاور والأمين العام عبد العزيز المخلافي.

وشدد رئيس الوزراء الجزائري على تعزيز التعاون بين الشركات الألمانية والجزائرية في قطاع البصريات كما في مجال صناعة الاليات والسيارات وفي القطاع الصناعي عموماً مؤكداً لممثلي الاقتصاد الألمان استعداد حكومته لتحسين الظروف العامة للعمل والاستثمار في الجزائر. وأكد على أهمية تنمية العلاقات الاقتصادية مع الشركات الألمانية المتوسطة والصغيرة إلى جانب الشركات الألمانية الكبيرة العاملة منذ زمن في البلاد.

وفي تصريح له أكد رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة الأستاذ محمد العيد بن عمّور، أن زيارة رئيس الحكومة عبد المالك سلال إلى ألمانيا «تصب في رافد الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية إلى شراكة حقيقية في مجال التصنيع والتنمية الزراعية بين البلدين»، مشيراً إلى أن حجم المبادلات التجارية السنوية بين البلدين لا تعكس حتماً مستوى العلاقات السياسية بين الطرفين، إذ تستورد الجزائر سلع وبضائع بنحو ملياري دولار من ألمانيا فيما لا تصدر  إليها من السلع غير النفط سوى ما قيمته 85 مليون دولار فقط، وهو تحد سترفعه الغرفة التجارية خلال هذه الزيارة إلى المعنيين بهدف تحسين المنتوج الجزائري والترويج له لدى الشركاء الألمان .ولفت الى المنتجات العديدة التي تُصّنعها الجزائر وتستجيب للمعايير الدولية لاسيما المواد الزراعية من خضار وفواكه وتمور ومنتجات الصناعة الغذائية.

وكشف بن عمّور عن مشروع يهدف إلى إنشاء مصنع لـشركة «فولكسفاغن» للسيارات الألمانية في الجزائر على غرار «بولو كلاسيك» و «سكودا» و «اوكتافيا» وبكلفة تصل إلى 170 مليون دولار. وكشف أن المنطقة الصناعية لولاية غليزان يمكن أن تحتضن هذا المصنع الذي سيعمل بطاقة إنتاجية في مرحلته الأولى تقارب 100 ألف سيارة سنوياً.

وأعرب بن عمّور عن أمله بأن تتوج الزيارة باتفاقيات تعاون في مجال التنمية الزراعية وتطوير طرق الغرس وتخصيب التربة، إضافة إلى اتفاقيات في مجال تصنيع قطع السيارات، واتفاقية شراكة مع ” أغروديف” لتطوير المزارع الفلاحية، مؤكدا وجود رغبة كبيرة لبلده للتوجه نحو التصنيع لتقليص فاتورة الاستيراد التي تناهز الـ65 مليار دولار، «وهذا غير ممكن إلا عن طريق التصنيع الذي يمكِّن من تسجيل معدلات نمو اقتصادية مريحة».

بحث اللجوء اللاشرعي

وكانت أعمال العنف التي وقعت في كولونيا في ليلة رأس السنة أثارت صدمة كبيرة في ألمانيا، وزادت من الضغوط على المستشارة أنغيلا ميركل بسبب سياسة الانفتاح التي تنتهجها إزاء اللاجئين. وربط عدد كبير من المسؤولين السياسيين بين هذه السياسة وبين العنف والاعتداءات الجنسية والسرقات التي حصلت في حق نساء ألمانيات من جانب لاجئين من دول شمال أفريقيا. ورحبت المستشارة ميركل بنتائج الجولة الإيجابية التي قام بها وزير الداخلية الاتحادي توماس دو ميزيير إلى كل من الجزائر والمغرب وتونس، التي تعتبرها ألمانيا دولاً آمنة، وعقد خلالها اتفاقات مبدئية مع نظرائه فيها بهدف تنسيق العمل الثنائي لإعادة كل لاجئ غير شرعي إلى بلده، خصوصاً من أدّعى أنه سوري أو صدرت في حقه عقوبة سجن تستدعي ترحيله بعد التعديل الأخير الذي حصل لقوانين في هذا الخصوص.