تراجع مناخ الاعمال للشركات في ألمانيا في شهر نوفمبر 2025م، إذ انخفض مؤشر معهد ifo إلى 88.1 نقطة بعد أن بلغ 88.4 نقطة في أكتوبر. ويعود هذا التراجع بشكل أساسي إلى ازدياد النظرة التشاؤمية للشركات تجاه مستقبل اعمالها خلال الأشهر القادمة، بينما قيّمت الشركات أوضاع اعمالها الحالية بشكل أفضل نسبيًا. ويظهر هذا التراجع أن هنالك شكوك في إمكانية حدوث انتعاش قريب للاقتصاد الألماني.

     في قطاع الصناعة تراجع المؤشر في نوفمبر الى مستوى ( -13.7 نقطة) بعد ان كان قد وصل الى مستوى ( -11.9 نقطة) في أكتوبر الماضي، حيث تراجعت توقعات الشركات للأعمال خلال الفترة القادمة، وأصبحت أكثر حذرًا. كما شهد حجم الطلبات تراجعًا طفيفًا، في حين تحسّن تقييم الشركات لأعمالها الحالية نسبيًا.

     أما في قطاع الخدمات فقد تحسّن مناخ الاعمال مجددًا، ووصل المؤشر الى مستوى 0.5 نقطة مرتفعا من مستوى (0.0 نقطة) في أكتوبر الماضي. حيث قيّم مقدّمو الخدمات أوضاع أعمالهم الحالية بشكل أفضل. لكن التوقعات المستقبلية لمستوى الاعمال تراجعت قليلًا. وسُجلت انتكاسة ملحوظة في قطاع النقل واللوجستيات، بينما شهد قطاع السياحة تحسّنًا واضحًا في المزاج العام.

     وعلى العكس من ذلك انخفض مؤشر مناخ الاعمال في قطاع التجارة في نوفمبر الى مستوى ( -22.6 نقطة) من مستوى ( -21.5 نقطة) المسجل في شهر اكتوبر، ويرجع ذلك الى ان الشركات قيمت أوضاع اعمالها الحالية بشكل أسوأ، كما تراجعت توقعاتها لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة. وبرز ذلك بشكل خاص في تجارة التجزئة التي بدأت موسم أعياد الميلاد بشعور من الإحباط.

     وفي قطاع البناء تراجع المؤشر أيضًا في شهر نوفمبر الى مستوى ( -16.2 نقطة)، نزولا من المستوى المسجل في أكتوبر والبالغ ( -15.3 نقطة). وبينما رأت شركات القطاع ان أوضاع اعمالها الحالي تشهد اتجاهًا تصاعديًا واضحًا، عادت التوقعات بمستقبل الاعمال في الفترة القريبة القادمة لتتخذ منحى أكثر تشاؤمًا، ويظل ضعف الطلبات أحد أهم العوائق التي تواجه القطاع.

     في غضون ذلك أظهرت بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي أن الاقتصاد الألماني لم يحقق أي نمو خلال الربع الثالث من عام 2025م، إذ ظل الناتج المحلي الإجمالي عند مستوى الصفر دون توسّع أو انكماش، بعد ربع سابق شهد تراجعاً بنسبة –0.2 في المئة. وبذلك نجت ألمانيا بصعوبة من الدخول في ركود تقني كان سيتحقق إذا سجّلت ربعين متتاليين من الانكماش، إلا أن حالة الجمود الاقتصادي جاءت أقل من توقعات المعاهد الاقتصادية التي رجّحت نمواً طفيفاً بنحو 0.2 في المئة. وقال Nils Jannsen، رئيس قسم الاقتصاد الكلي في معهد الاقتصاد العالمي في كيل (IfW  )، إن الاقتصاد الألماني لم يعد قادراً على تحقيق أكثر من “صفر نمو” دون دعم سياسي واقتصادي واضح، مشيراً إلى أن الناتج المحلي اليوم يماثل تقريباً مستواه في عام 2019م، ما يعني أن الاقتصاد لم ينمُ فعلياً منذ ست سنوات.

     وتتوقع الحكومة الألمانية تسجيل نمو محدود لا يتجاوز 0.2 في المئة في عام 2025م، على أن يتحقق انتعاش أوضح في 2026م مع نمو متوقع بنسبة 1.3 في المئة. إلا أن جزءاً كبيراً من هذا النمو، نحو 0.7 نقطة مئوية، سيأتي من زيادة الإنفاق الحكومي على الدفاع والبنية التحتية. أما في 2027م فتتوقع الحكومة نمواً يبلغ 1.4 في المئة، تساهم فيه النفقات الحكومية التوسعية بـ 0.3 نقطة مئوية. ورغم التوقعات الإيجابية، تشير تحليلات سوق العمل وتوجهات الشركات إلى أن الانتعاش بعيد عن أن يكون مضموناً.

     ويوضح مكتب الإحصاء الاتحادي أن السبب الرئيسي للجمود في الربع الثالث هو تراجع الصادرات، رغم تحسن استثمارات الشركات في المعدات والآلات. ويرى خبراء الاقتصاد أن تصاعد الحمائية التجارية عالمياً يعرقل قدرة ألمانيا، كاقتصاد قائم على التصدير، على استعادة زخمها. ويؤثر الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين بشدة على الشركات الألمانية، خصوصاً تلك المعتمدة على المعادن النادرة والمكونات الحساسة. كما يثير اتفاق الرسوم الأمريكية – الأوروبية الجديد، الذي يفرض تعرفة جمركية موحدة بنسبة 15 في المئة على الواردات الأوروبية ومنها الواردات الألمانية للسوق الأمريكي، مزيداً من عدم اليقين.

     وكان تقرير الخريف لخبراء الاقتصاد (حكماء الاقتصاد)، قد وجه انتقادات واضحة لسياسة الديون التي تنتهجها الحكومة الاتحادية، محذراً من أن مئات المليارات من اليورو التي خُصصت كديون استثنائية في السنوات المقبلة قد لا تحقق الأثر المرجو على النمو الاقتصادي. فوفقاً للتقرير، فإن أقل من نصف الإنفاق المقرر ضمن الصندوق الخاص المخصص للبنية التحتية والتحول نحو الحياد المناخي يمكن اعتباره إنفاقاً “إضافياً” فعلاً، ما يعني أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال سيحل محل نفقات كانت مقررة أصلاً في الموازنة. هذا التوجه، بحسب الخبراء، قد يحدّ من تأثير حزمة التمويل على النمو ويزيد في الوقت نفسه من معدل الدين العام.

     ورغم أن التقرير يتوقع نمواً للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.9 في المئة خلال عام 2026م، إلا أن هذا الرقم يبقى دون تقديرات الحكومة التي ترجّح نمواً بنحو 1.3 في المئة. كما أوضح المجلس أن جزءاً من هذا التحسّن يعود إلى زيادة عدد أيام العمل في العام المقبل، إذ تصادف عطلات نهاية الأسبوع مع عدد من الأعياد الرسمية، وهو ما يرفع إجمالي الإنتاج دون أن يعكس تحسناً حقيقياً في أداء الاقتصاد.

     رئيسة مجلس حكماء الاقتصاد Monika Schnitzer، وجّهت دعوة إلى المستشار فريدريش ميرتس إلى تعديل السياسة المالية للحكومة، مشددة على أن تجاهل ذلك قد يؤدي إلى ضياع فرصة الاستفادة من الحزمة المالية التي أُقرت في الربيع الماضي. المستشار الألماني ميرتس من جانبه أبدى تفهّماً للنقد، مؤكداً أن الصندوق الممول بالديون سيُستخدم لمعالجة فجوات الصيانة المتراكمة في البنية التحتية، بالتوازي مع إصلاحات تهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية وتسريع الموافقات الاستثمارية.

     واختلفت الآراء داخل مجلس حكماء الاقتصاد حول قضية الإصلاح الضريبي، ولا سيما اقتراح أغلبية الأعضاء بإعادة هيكلة ضريبة الميراث والهبات بحيث تُفرض معدلات أعلى على الثروات الكبيرة والأصول التجارية الموروثة. وقد دعت الأغلبية إلى إمكانية تقسيط الضريبة المستحقة على الشركات العائلية لتجنب أعباء مالية مفاجئة. في المقابل، رفضت Veronika Grimm، عضوة مجلس الحكماء هذا المقترح بشدة، معتبرة أن فرض ضرائب إضافية على أصول الشركات في ظل ضعف الاستثمارات الحالية سيكون “تصرفاً غير مسؤول”.

سوق العمل: انخفاض عدد العاطلين عن العمل وتزايد أهمية العمالة ذات الخلفية المهاجرة

     في إطار الانتعاش الخريفي في سوق العمل، انخفض عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال شهر أكتوبر 2025م، بمقدار 44 ألفاً ليصل إلى 2,911,000 شخص. وبهذا الانخفاض تراجع معدل البطالة بمقدار 0.1 نقطة مئوية إلى 6.2 في المئة. أما مقارنة بأكتوبر من العام الماضي، فما يزال عدد العاطلين أعلى بمقدار 120 ألفاً، كما ان معدل البطالة في أكتوبر الحالي أعلى بمقدار 0.2 نقطة مئوية مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

     وعلقت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة الوكالة الاتحادية للعمل (BA)، على تطورات سوق العمل في شهر أكتوبر، بالتأكيد على ان ” البطالة ونقص العمالة واصلت انخفاضهما. ومع ذلك تبقى ديناميكية التوظيف ضعيفة، كما أن الطلب على الموظفين الجدد لا يزال محدوداً. وبشكل عام، فإن الانتعاش الموسمي للخريف لا يزال حتى الآن دون الزخم المطلوب”.

     في جانب برنامج العمل بدوام جزئي، سجلت الشركات خلال الفترة بين 1 و26 أكتوبر ما مجموعه 37 ألف موظف جديد في البرنامج. وبحسب أحدث البيانات فقد بلغ مجموع عدد الموظفين الذين استلموا تعويضات من البرنامج في شهر أغسطس 2025م، نحو 171 ألف موظف. وهذا أقل بـ 32 ألفاً من الشهر السابق. اما فيما يتعلق بعدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدي وكالة العمل الاتحادية في شهر أكتوبر فقد بلغ 623 ألف وظيفة، أي أقل بـ 66 ألفاً مقارنة بالعام الماضي.

     علاوة على ذلك، تشير أحدث بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي إلى أن العمالة ذات الخلفية المهاجرة أصبحت اليوم عنصراً أساسياً في استمرار عمل قطاعات واسعة من الاقتصاد الألماني. فبدون هؤلاء العاملين، وخاصة في المهن التي تعاني من نقص في الكفاءات أو تلك المرتبطة مباشرة بتوفير الخدمات الأساسية للمجتمع، سيتوقف جزء كبير من عجلة الإنتاج والخدمات في البلاد.

     وتُظهر الإحصاءات أن الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة يملؤون النقص الحاد في كثير من المهن الحيوية. ففي عام 2024م مثلاً، كان نحو 60 في المئة من العاملين في مهن اللحام وتقنيات الربط من أصول مهاجرة، وبلغت نسبتهم 54 في المئة بين الطهاة والعاملين في تصنيع المواد الغذائية. كما وصلت نسبتهم إلى 48 في المئة في مجال تركيب السقالات الخاصة بالبناء، و47 في المئة بين سائقي الحافلات والترام، و46 في المئة في صناعة اللحوم، و45 في المئة بين موظفي الخدمة في المطاعم والمقاهي. وتوضح هذه الأرقام أن اليد العاملة المهاجرة أصبحت عماد العديد من القطاعات التي يعاني فيها سوق العمل الألماني من نقص حاد في المهارات المحلية.

     كما يبرز حضور المهاجرين بشكل قوي في مهن مثل تنظيف المباني (50 في المئة)، ورعاية المسنين وصناعة السيارات (32 في المئة لكل منهما). وتشير الإحصاءات إلى أن نحو ربع القوى العاملة في ألمانيا، أي ما يقارب 26 في المئة من العاملين بأجر، ينحدرون من أسر مهاجرة، أي أنهم أو أحد والديهم هاجر إلى ألمانيا منذ عام 1950م.

     وتؤكد Magdalena Polloczek، من معهد العلوم الاقتصادية والاجتماعية التابع لمؤسسة “Hans-Böckler” أن “الأشخاص ذوي الخلفية المهاجرة هم الذين يحافظون على استمرار اقتصادنا، وبالتالي على سير الحياة اليومية في ألمانيا”، مشيرة إلى أنهم يشغلون في الغالب وظائف تمس الاحتياجات الأساسية للمجتمع مثل النقل العام والرعاية الصحية وخدمات الضيافة ما يمنحهم أهمية اجتماعية واقتصادية كبيرة.

     ورغم ذلك، لا تزال مشاركتهم محدودة في قطاعات أخرى مثل خدمات الإنقاذ (8 في المئة)، وإدارة العدالة (9 في المئة)، والزراعة (15 في المئة)، بينما تمثل نسبتهم في الشرطة والإدارة العامة والمدارس والقطاع المالي ما بين 7 إلى 12 في المئة فقط. كما يظل حضورهم ضعيفاً في القطاع العام وشركات التأمين بنسبة لا تتجاوز 9 في المئة، وهو ما يشير إلى فجوة واضحة في تكافؤ الفرص المهنية.

     وترى الخبيرة Polloczek، أن هناك “حاجة ملحّة إلى تحسين فرص التعليم والوصول إلى سوق العمل لهذه الفئات”، مؤكدة أن تعزيز تمثيلهم في الوظائف العامة والتعليمية أمر ضروري، ليس فقط لتحقيق العدالة الاجتماعية، بل أيضاً لدور هذه المناصب في نقل الصورة التمثيلية للتنوع داخل المجتمع الألماني.

 

 

” اجندة 2030″ وإعادة هيكلة الوظيفة الاقتصادية للدولة

     دعت وزيرة الاقتصاد الألمانية كاثرينا رايشه إلى تبني خطة إصلاحات اقتصادية واجتماعية تحت مسمى “أجندة 2030” باعتبارها خطوة ضرورية لإعادة الاقتصاد الألماني إلى مسار النمو وتحفيز النشاط الاقتصادي في البلاد، مؤكدة أن الوضع الراهن “خطير” ويتطلب إصلاحات واسعة في السياسات الاقتصادية، مع تقليص واضح في حجم التدخل الحكومي.

     وشددت الوزيرة على أن الدولة يجب أن تركز على مهامها الأساسية لضمان استعادة قدرتها على العمل بكفاءة، مشيرة إلى أن هذه المهام تتمثل في الأمن الداخلي والخارجي والبنية التحتية والتعليم. ودعت إلى مراجعة شاملة لبرامج الدعم والإعانات الحكومية، وإزالة الحوافز الخاطئة، حتى لو كان ذلك مؤلماً اقتصادياً واجتماعياً، مؤكدة أن الدولة لا يمكنها حماية المواطنين والشركات من جميع المخاطر. رايشه أكدت كذلك الحاجة إلى إصلاحات في نظام الرعاية الاجتماعي، معتبرة أن استدامة هذا النظام تتطلب إعادة النظر في بعض السياسات، بما في ذلك تمديد فترة العمل قبل التقاعد ومراجعة نظام الأجور خلال الإجازات المرضية، إذ ترى أن دفع الأجور منذ اليوم الأول للمرض قد يخلق حوافز سلبية تؤثر على الإنتاجية وسوق العمل.

     وفي ضوء التباطؤ الاقتصادي الذي يشهده الاقتصاد الألماني، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً صفرياً في الربع الثالث من عام 2025م، وتجنب بصعوبة الدخول في ركود تقني، قالت رايشه إن ألمانيا تمر بـ”أزمة هيكلية” تتجاوز مجرد تباطؤ مؤقت. وأوضحت أن الحكومة تتوقع تحسناً محدوداً خلال عامي 2026م و2027م، لكنه تحسن يعتمد في الأساس على زيادة الديون العامة لتمويل مشروعات البنية التحتية وتطوير الجيش الألماني، معتبرة أن البلاد فقدت جزءاً من تنافسيتها الدولية وأن العودة إلى موقع الريادة العالمي تتطلب “برنامج تنشيط اقتصادي شامل” ضمن أجندة 2030. وأكدت الوزيرة أن ألمانيا لم تعد تستطيع الاعتماد على ازدهار الصادرات كما في الماضي، إذ يجب التركيز على تقليص الأعباء البيروقراطية المفروضة على الشركات، وتحديث مؤسسات الدولة، والحد من تراكم الديون الحكومية. وقدّمت مثالاً على طموح الحكومة بتبسيط الإجراءات الإدارية لتأسيس الشركات خلال 24 ساعة فقط، وقالت: “لم نعد في كامل نشاطنا الاقتصادي، بينما منافسونا في أوج نشاطهم. نحن بحاجة إلى شجاعة في التبسيط”.

    وفيما يتعلق بسياسة الطاقة، شددت وزيرة الاقتصاد الاتحادية على ضرورة أن تكون أكثر ارتباطاً بآليات السوق الحرة وأقل اعتماداً على الدعم الحكومي، لافتة إلى أن أسعار الغاز والكهرباء في ألمانيا ارتفعت بشكل غير مقبول منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022م. وأشارت إلى أن الشركات الألمانية تدفع حالياً أسعار غاز تفوق خمس مرات ما تدفعه الشركات الأمريكية، وأسعار كهرباء تزيد بثلاثة أضعاف، مؤكدة أن هذا الوضع يضعف القدرة التنافسية للصناعة الألمانية. وألمحت الوزيرة إلى أن الحكومة ستعيد النظر في سياسات دعم التدفئة، معتبرة أن المستقبل يتطلب مزيداً من “المسؤولية الفردية” لدى المواطنين. وأوضحت أن برامج دعم استبدال أنظمة التدفئة تكلف الدولة مليارات اليورو سنوياً، حيث يحصل المواطنون حالياً على دعم أساسي يمكن دمجه مع حوافز إضافية مثل “مكافأة السرعة” أو “مكافأة الدخل المنخفض” للأسر التي لا يتجاوز دخلها 40 ألف يورو سنوياً. وتصل نسبة الدعم الإجمالية إلى 70 في المئة من تكاليف المشروع بحد أقصى 30 ألف يورو لاستبدال النظام في منزل مستقل أو وحدة سكنية أولى في مبنى متعدد الوحدات، أي ما يعادل دعماً حكومياً يصل إلى 21 ألف يورو.

    وعلى الرغم من أن أجندة 2030 التي طرحتها وزيرة الاقتصاد كاترينا رايشه تتمتع بطموح كبير وإمكانيات قوية لدفع النمو وإصلاح دور الدولة، فإنها تثير عدة مخاطر واعتراضات جدية. فأولاً، هناك مخاطر اجتماعية وسياسية قد تنشأ من خفض الدعم الحكومي والمراجعة الجذرية للإعانات، إذ إن إجراءات ترشيد الإنفاق قد تضر بالفئات الضعيفة والمستهلكين، خاصة إذا تم فرض تغييرات على نظام الرعاية الاجتماعية أو الأجور عند المرض دون مقاييس تعويضية واضحة. ثانياً، تواجه الخطة احتمال تبديد زخمها إذا لم يتم معالجة العوامل الخارجية المؤثرة على الاقتصاد مثل الحمائية والتقلبات الجيوسياسية، إذ إن الاعتماد على التصدير في اقتصاد مثل اقتصاد ألمانيا يجعل أي سياسات إصلاحية عرضة للخطر إذا لم يصاحبها استراتيجية لتعزيز القيمة المضافة الصناعية والابتكار.

     ثالثاً، هناك الخوف من فجوة بين الطموح والتنفيذ الفعلي؛ فقد تكون الأجندة مجرد بيان نوايا وإعلان إصلاحي أكثر منها خطة تطبيق واقعي إذا لم تُدعّم ببنية تنفيذية قوية، مثل قوانين واضحة، موارد بشرية لتنفيذ الإصلاحات، ومؤشرات فعالة لقياس الأداء. كما أن التعامل مع مطالب الإصلاح دون ضمانات اجتماعية قد يثير ردود فعل من النقابات أو قطاعات العمال، مما يضعف الدعم السياسي للسياسات الإصلاحية. رابعاً، ينتقد البعض أن التركيز القوي على تحفيز الاستثمار والابتكار قد يأتي على حساب استدامة المالية العامة؛ إذا اعتمد جزء كبير من النمو المتوقع على الإنفاق الحكومي، قد يواجه الاقتصاد أعباء ديون إذا لم يكن النمو الناتج كبيرًا ومستدامًا بما يكفي لدعم هذا التوسع المالي. أخيرًا، هناك تساؤلات حول مدى إمكانية تخفيف الأعباء التنظيمية دون الإضرار بمعايير الأمان أو الجودة في بعض القطاعات، وهو توازن دقيق يجب معالجته بحذر.

 

البنك المركزي الألماني يحذّر من تفاقم المخاطر في النظام المصرفي الألماني

     في تقريره السنوي حول الاستقرار المالي لعام 2025، حذر البنك المركزي الألماني (Bundesbank)، من تنامي المخاطر في النظام المصرفي الألماني، مؤكداً أن البيئة الاقتصادية الحالية تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين، وأن الترابط العميق بين البنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار يجعل النظام عرضة للتقلبات والصدمات الخارجية. وجاء في التقرير أن “سلامة النظام المالي تعتبر عاملاً حاسماً للتطور الاقتصادي الكلي”، ما يعكس الأهمية البالغة لسلامة المؤسسات المالية في دعم النشاط الاقتصادي.

     وتشير البيانات الواردة في التقرير إلى زيادة مستمرة في حجم القروض المتعثرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حيث أصبح عدد أكبر من المقترضين عاجزين عن سداد الفوائد والأقساط كما هو متفق عليه. حيث تم تسجيل زيادة مستمرة في القروض المتعثرة منذ نهاية 2022م، بدأت في قطاع العقارات التجارية ثم طالت قطاعات أخرى بدرجات متفاوتة. وعلى الرغم من أن المصارف ما تزال قادرة على استيعاب هذه الخسائر، إلا أن ارتفاع القروض المتعثرة بدأ يحد من قدرة البنوك على تحقيق الأرباح، خصوصاً في ظل الضغوط التي يتعرض لها قطاع التصدير الألماني بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية.

     كما ألمح التقرير إلى أن بعض البنوك الكبرى قد لا تكون بالقدر المتوقع من المتانة، على الرغم من امتلاكها ما وصفه البنك المركزي بـ”ممتصات الصدمات”، وهي الاحتياطيات الرأسمالية المتاحة لمواجهة المخاطر. لكن التقرير أكد أن هذه الاحتياطيات تم احتسابها استناداً إلى أزمات سابقة، وقد لا تكون كافية لمواجهة صدمات مستقبلية مختلفة بطبيعتها.  حيث يرى البنك المركزي أن أوزان المخاطر المنخفضة لدى البنوك الكبرى قد تعطي انطباعاً مبالغاً فيه بصلابتها.

     وأبرز تقرير البنك المركزي مخاطر أخرى ناتجة عن التشابك الكبير بين البنوك وشركات التأمين والصناديق، وهو ما قد يؤدي إلى انتقال الأزمات عبر الحدود، تماماً كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية 2008–2009، عندما تسببت عمليات البيع الاضطراري في انهيار أسعار الأصول وتكبّد مؤسسات مالية أخرى لخسائر كبيرة. داعياً إلى تسهيل وصول الجهات الرقابية إلى البيانات عبر الحدود لمتابعة هذه المخاطر بشكل أفضل.

     ومن بين النقاط الأكثر إثارة للقلق في التقرير، الانتقاد الصريح لارتفاع مستويات الدين الحكومي في دول منطقة اليورو، حيث حذر البنك المركزي الألماني من أن ارتفاع المديونية يشكل تهديداً مباشراً للبنوك، خصوصاً إذا أصبحت السندات الحكومية لبعض الدول أقل سيولة أو انخفضت قيمتها السوقية بشكل مفاجئ. كما أشار التقرير إلى أن مستويات الدين الحالية قد تصبح “سامة” في ظل ضعف النمو الاقتصادي، وهو ما قد يؤدي إلى خسائر فادحة في البنوك التي تحتفظ بكميات كبيرة من السندات الحكومية.

وتعليقاً على التطورات الأخيرة، شدد Bundesbank على ضرورة أن تلعب ألمانيا، بصفتها أكبر اقتصاد داخل منطقة اليورو، دوراً قيادياً في تعزيز الاستقرار المالي داخل منطقة اليورو وأن تتحمل مسؤولية خاصة في دعم استقرار العملة الموحدة، من خلال ضبط مستويات الدين العام وتحفيز النمو الاقتصادي. وأعرب التقرير عن مخاوف من لجوء الحكومة الألمانية إلى توسيع الاقتراض لتمويل نفقات تتجاوز المجالات الحيوية كالدفاع والبنية التحتية، وهو ما قد يزيد من الضغوط على الاستقرار المالي في المدى المتوسط.

وبشكل عام، يقدم تقرير البنك المركزي صورة تحذيرية، فعلى الرغم من أن النظام المالي الألماني لا يزال يحتفظ بمرونة تنظيمية ورأسمالية، فإن التزايد في المخاطر، من الدين السيادي إلى القروض المتعثّرة وترابط المؤسسات، يتطلب استعدادًا محفوفًا باليقظة. إذا غابت الإصلاحات الهيكلية ودور الدولة في دعم الاستقرار، فإن أي صدمة عالمية أو أوروبيّة قد تؤدي إلى توتر مالي أكبر بكثير مما يمكن احتماله حاليًا.

 

ألمانيا تتحرك لحماية صناعة الصلب وسط أزمة وجودية

     أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن صناعة الصلب في ألمانيا تواجه “أزمة وجودية تهدد بقاءها”، داعياً إلى اتخاذ إجراءات أوروبية عاجلة لحماية المنتجين المحليين في مواجهة المنافسة الدولية المتزايدة، وخصوصاً من الصين. جاء ذلك خلال ما عُرف بـ”قمة الصلب” التي عقدت في مقر المستشارية بمشاركة ممثلين عن الحكومة الاتحادية، وحكومات الولايات، والشركات، والنقابات. وأوضح ميرتس أن الظروف التي كان يرتكز عليها الاقتصاد الألماني لعقود، والمتمثلة في التجارة الحرة والأسواق المفتوحة، قد تغيّرت جذرياً، خاصة بعد فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية واسعة على الفولاذ، ما أدى إلى تغير في قواعد المنافسة العالمية. وأضاف أن “أوقات التجارة العادلة انتهت”، وأن ألمانيا والاتحاد الأوروبي باتا مطالبين بوضع آليات أكثر صرامة لحماية أسواقهما وصناعاتهما الاستراتيجية.

     وخلال الاجتماع، شدّد ممثلو الصناعة على ضرورة دعم الإنتاج الأوروبي ومنح الأفضلية للفولاذ المنتج داخل أوروبا، وهو ما تعهّد المستشار بالعمل على تحقيقه عبر الضغط داخل الاتحاد الأوروبي لرفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب من الصين، وتعزيز الأدوات الحمائية المسموح بها ضمن قواعد التجارة الدولية. كما أكد ميرتس أن بقاء صناعة الصلب مرتبط بشكل مباشر بتكاليف الطاقة، لافتاً إلى أن الصناعة لن تكون قادرة على الاستمرار دون خفض جذري لأسعار الكهرباء. وأشار إلى أن الحكومة الاتحادية تعمل على إقرار “سعر صناعي للطاقة” يضمن استدامة القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وأن القرار النهائي في هذا الشأن ينتظر موافقة من المفوضية الأوروبية. من جانبه، أكد وزير المالية لارس كلينغبايل أن حماية الصناعة الوطنية كانت محور النقاش الأبرز، مضيفاً أن ألمانيا لا يمكن أن تكون “الطرف المتضرر الوحيد” في نظام تجارة عالمي يفترض أنه قائم على قواعد عادلة، بينما تستمر دول أخرى في اتخاذ تدابير حمائية واسعة.

     وتعاني صناعة الصلب الألمانية بالفعل من منافسة شرسة من منتجات منخفضة التكلفة، خصوصاً من آسيا، إضافة إلى تأثير الرسوم الأمريكية على الصادرات الألمانية. كما تواجه الصناعة تحديات كبيرة في عملية التحول نحو الإنتاج باستخدام الطاقة الخضراء، وهي عملية مكلفة للغاية وتتطلب استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والبنية التحتية.

     ويعكس هذا التحرك الحكومي مستوى القلق المتزايد بشأن مستقبل صناعة الصلب، التي تعد إحدى ركائز الاقتصاد الألماني، ودوره الحيوي في سلاسل القيمة الأوروبية. حيث تشير دراسة اقتصادية جديدة صادرة عن مجموعة من الباحثين في جامعة مانهايم، إلى أن التخلي عن الإنتاج المحلي للصلب في ألمانيا قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية جسيمة في حال وقوع أزمات عالمية تمس توريد المادة الأساسية للصناعات الثقيلة.  ووفقاً للدراسة، فإن نقل إنتاج الصلب إلى الخارج قد يترتب عليه خسائر في القيمة المضافة تصل إلى 50 مليار يورو سنوياً إذا تعرضت الأسواق العالمية لما يسمى بـ”صدمة الصلب”، أي قيام الدول المصدرة الكبرى، وفي مقدمتها الصين، بخفض صادراتها إلى أوروبا بشكل حاد نتيجة توترات جيوسياسية أو اضطرابات في سلاسل التوريد.

     كما توضح الدراسة التي حملت عنوان “الصلب الأخضر كركيزة مركزية لاقتصاد مرن”، أن غياب الإنتاج المحلي سيجبر قطاعات حيوية مثل البناء وصناعة المعادن وصناعة الآلات والمعدات والصناعات الكهربائية وصناعة السيارات على دفع تكاليف أعلى بكثير للحصول على الصلب، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج والقيمة المضافة داخل هذه القطاعات. وتؤكد الدراسة أن التراجع التدريجي للصناعة سيُضعف بشكل خاص المناطق ذات الاعتماد الكبير على قطاع الصلب مثل Duisburg, Eisenhüttenstadt, Bremen, Saarland، وهي مناطق تشكل قلب الاقتصاد الصناعي الألماني. وتشير خبرات الولايات المتحدة وبريطانيا إلى أن انهيار القطاعات الصناعية في مناطق مشابهة غالباً ما يرتبط بصعود التيارات الشعبوية، ما يشكل تهديداً للاستقرار السياسي والديمقراطي.

     ويرى الباحثون أن ألمانيا تحتاج إلى إنتاج ما لا يقل عن 40 مليون طن من الصلب سنوياً لضمان تلبية حاجة السوق الوطنية بشكل مستقر، مقارنة بـ 37 مليون طن من إنتاج الصلب الخام في عام 2024م. ويُوصي التقرير بأن يتم إنتاج نصف الكمية عبر تكنولوجيا الاختزال المباشر باستخدام الهيدروجين، فيما يتم إنتاج النصف الآخر من خلال أفران كهربائية تعتمد على خردة الصلب. ويحذر خبراء جامعة مانهايم من فجوة استثمارية واسعة في مجال إنتاج الصلب الأخضر، إذ لا تتجاوز القدرة الإنتاجية المخطط لها 8 ملايين طن مقارنة بالحاجة المستقبلية المقدرة بـ 20 مليون طن سنوياً.

 

التبادل التجاري العربي الألماني يناير – سبتمبر 2025م

      بلغ حجم التبادل التجاري العربي الألماني خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر عام 2025م ما قيمته ( 46,2 ) مليار يورو، مســــــــــجلاً إرتفاعاً بنســـــــبة 7,7 ) ( في المئة مقارنة بالفترة نفســــــــها من العام الماضي 2024م، حيث إرتفعت قيمة الصادرات الألمانية الى الدول العربية خلال هذه الفترة بنســـــــــبة 9,84 ) ( في المئة لتصل قيمتها الى 27,2 مليار يورو، كما إرتفعت قيمــــــــة الواردات الألمانية من الدول العربية بنســــــبة ( 4,19 ) في المئة ووصلت قيمتها إلى 16,3 مليار يورو. وتصدّرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة مستوردي السلع الألمانية من الدول العربية (8186 مليون يورو)، تليها المملكة العربية السعودية (6570,83 مليون يورو)، فجمهورية مصر العربية (2907,14 مليون يورو)، في حين تصدّرت ليبيا قائمة الدول العربية المصدّرة إلى ألمانيا (4063,112 مليون يورو).

 

التبادل التجاري بين ألمانيا والدول العربية يناير ـ سبتمبر 2025م مقارنة بالفترة نفسها من

عام 2024م (مليون يورو)

الواردات الألمانية

الصادرات الألمانية

البلد

يناير ـ سبتمبر 

2025م

يناير ـ سبتمبر 

2024م

التغيير%

يناير ـ سبتمبر 

2025م

يناير ـ سبتمبر 

2024م

التغيير%

الأردن

101,604

61,527

65,14

609,066

612,593

-0,58

الإمارات

1541,031

1306,196

17,98

8186

6981,82

17,25

البحرين

228,4

203,597

12,18

277,133

453,559

-38,90

تونس

2457,568

2129,173

15,42

1573,058

1461,402

7,64

الجزائر

979,523

1015,254

-3,52

1547,035

1551,546

-0,29

جيبوتي

1,769

0,924

91,45

9,997

17,655

-43,38

السعودية

969,904

1562,77

-37,94

6570,832

6190,97

6,14

السودان

11,499

11,768

-2,29

25,438

12,676

100,68

سوريا

36,176

10,886

232,32

37,933

34,056

11,38

الصومال

2,666

1,779

49,86

10,193

20,291

-49,77

العراق

1211,722

1444,666

-16,12

1071,369

964,921

11,03

عمان

42,761

134,37

-68,18

690,242

619,46

11,43

فلسطين

5,078

3,58

41,84

79,415

73,898

7,47

قطر

430,038

474,127

-9,30

1111,265

884,065

25,70

جزر القمر

0,952

1,515

-37,16

0,638

1,794

-64,44

الكويت

292,933

313,588

-6,59

997,987

874,299

14,15

لبنان

53,735

32,099

67,40

412,886

433,91

-4,85

ليبيا

4063,112

3398,293

19,56

542,774

399,57

35,84

مصر

1214,66

1146,365

5,96

3173,449

2907,149

9,16

المغرب

2649,753

2361,881

12,19

2881,907

2609,244

10,45

موريتانيا

29,677

53,644

-44,68

56,663

76,772

-26,19

اليمن

1,128

1,742

-35,25

67,131

68,328

-1,75

المجموع

16325,689

15669,744

4,19

29932,411

27249,978

9,84

المصدر: مركز الإحصاء الاتحادي، فيزبادن