تراجع مناخ الاعمال للاقتصاد الألماني في شهر يونيو بشكل كبير حيث سجل مؤشر ifo مستوى 88.5 نقطة بعد ان كان قد سجل في الشهر السابق مستوى 91.5 نقطة. وقد قيمت الشركات مستوى اعمالها في الوقت الحاضر بشكل سلبي كما كانت توقعاتها لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة سلبية بشكل واضح. ويساهم ضعف الاعمال في قطاع الصناعة بشكل خاص في الأداء الضعيف لمجمل الاقتصاد الألماني. حيث تراجع مناخ الأعمال بشكل كبير وسجل المؤشر في شهر يونيو مستوى (-9.9 نقطة) منخفضا من مستوى (-0.6 نقطة) في الشهر السابق. وقد قيمت الشركات العاملة في القطاع مستوى اعمالها الحالي بشكل اسوء من الشهر السابق، وشمل هذا التقييم كل القطاعات الصناعية، كما تراجعت التوقعات بشأن مستوى الاعمال في الأشهر القادمة بشكل كبير، حيث انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ نوفمبر 2022م. وتقدر العديد من الشركات الآن أن تراكم الطلبات على منتجاتها منخفض.

     في قطاع الخدمات، انخفض مؤشر الاعمال في يونيو الى مستوى 2.7 نقطة متراجعاً من مستوى 6.8 نقطة في الشهر السابق. كما كانت الشركات العاملة في القطاع أقل رضا عن وضع اعمالها الحالي، وكانت توقعاتها أكثر تشاؤما بشكل ملحوظ بخصوص مستوى الاعمال خلال الاشهر القادمة. ويعاني قطاع النقل والخدمات اللوجستية على وجه الخصوص من التطور السلبي في قطاع الصناعة.

     كما انخفض المؤشر في قطاع التجارة حيث سجل المؤشر مستوى (-20.2 نقطة) في يونيو بينما كان عند مستوى (-19.1 نقطة) في مايو الماضي. وفي هذا القطاع أيضا كانت الشركات أقل رضا إلى حد ما عن أعمالها الحالية. وعلى الرغم من تحسن التوقعات بشكل طفيف، إلا أنها ظلت في العموم سلبية.

     في قطاع البناء، انخفض مؤشر مناخ الأعمال في يونيو الى مستوى (-20.1 نقطة) متراجعا عن مستوى (-18.5 نقطة) المسجل في الشهر السابق. وكان الرضا لدى الشركات عن مستوى الاعمال الحالية أقل كما تراجعت توقعات الأعمال للأشهر القادمة.

     في سياق متصل نشر معهد الدراسات الاقتصادية بجامعة ميونخ ifo تقريره الصيفي عن توقعاته لتطورات الاقتصاد الألماني خلال العام الحالي والعام القادم، أشار فيه الى ان الناتج المحلي الإجمالي سوف ينكمش هذا العام بنسبة 0.4 في المئة على ان يعود لتحقيق النمو في العام 2024م، بواقع 1.5 في المئة. كما يتوقع خبراء المعهد ان يتراجع التضخم خلال العام 2023م الى معدل 5.8 في المئة بعد ان كان قد وصل الى معدل 6.9 في المئة خلال العام الماضي وان يتراجع هذا المعدل خلال العام 2024م، الى 2.1 في المئة.

     ويرجع هذا الانكماش المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي الى معدل التضخم المرتفع والذي خفض الدخل الحقيقي للأسر وبالتالي أثر على القدرة الشرائية للمواطنين وأدى الى خفض الاستهلاك. هذا بالإضافة الى تأثير خفض النشاط الاقتصادي في قطاع البناء بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء وكذلك الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة على القروض العقارية وذلك بعد ان رفع البنك المركزي الأوروبي (ECB) سعر الفائدة الرئيسي ثماني مرات على التوالي منذ شهر يوليو في العام الماضي ووصل إلى مستوى أربعة في المئة حاليًا. وهنا يؤكد تقرير معهد ifo: ” أن أسعار الفائدة على القروض ستظل مرتفعة، بحيث يستمر الطلب على خدمات البناء في الانخفاض”.

     من جانبه يتوقع البنك المركزي الألماني ايضاً ان يؤدي معدل التضخم المرتفع الى انكماش الاقتصاد الألماني والذي ما زال يعاني من أزمات السنوات الثلاث الماضية. وأوضح رئيس البنك Joachim Nagel “لا يزال الاقتصاد الألماني يعاني بشكل أساسي من عواقب ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يقلل من القوة الشرائية للمواطنين”. ويتوقع البنك أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة في العام 2023م، بأكمله بعد ان دخل الاقتصاد في مرحلة الركود التقني بعد تراجع الناتج المحلي لربيعين متتاليين. (الربع الأخير 2022م والربع الأول 2023م)

     ومع ذلك يتوقع خبراء البنك أن انخفاض التضخم وارتفاع الأجور وسوق العمل القوي سيعزز القوة الشرائية للأفراد في المستقبل القريب وأن الاستهلاك، وهو ركيزة مهمة للاقتصاد، سيزداد. وهو ما سيؤدي بحسب Nagel   الى ” ان يشهد الاقتصاد الألماني نمواً بواقع 1.2 في المئة و1.3في المئة خلال عامي 2024م و2025م على التوالي.

     كما يتوقع معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW) ومعهد لايبنز للبحوث الاقتصادية (RWI) انكماش الاقتصاد الألماني في العام 2023م، بنسبة 0.3 في المئة. كذلك يتوقع معهد الاقتصاد الكلي وأبحاث دورة الأعمال IMK ان يبلغ حجم التراجع في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 0.5 في المئة. بينما أشار اخر تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في شهر يونيو ان الاقتصاد الألماني سيسجل حالة “ثبات” في العام 2023م، حيث لن يحقق أي نمو او يسجل أي تراجع في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالعام الأسبق.

     على مستوى منطقة اليورو وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (Eurostat) سجل الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام 2023م، انخفاضاً غير متوقع بنسبة 0.1 في المئة بعد ان كان الخبراء يتوقعون نمواً حقيقاً لاقتصاد المنطقة بحدود 1 في المئة. هذا وكان الناتج المحلي في منطقة اليورو قد سجل تراجعاً أيضا في الربع الرابع من العام 2022م، بنسبة 0.1 في المئة كذلك. وبهذا يدخل اقتصاد منطقة اليورو، والتي تضم عشرين دولة أوروبية في حالة “الركود التقني”.

     ومع حالة الركود التي دخل فيها اقتصاد منطقة اليورو الا ان أداء اقتصاديات دول المنطقة كان متبايناً، فعلى سبيل المثال حقق اقتصاد لوكسمبورج نمواً حقيقيا في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 2 في المئة، كذلك ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في البرتغال في نفس الفترة بنسبة 1.6 في المئة. من ناحية أخرى سجل الناتج المحلي الإجمالي في ايرلندا تراجعا قويا في الربع الأول من العام 2023م، بنسبة (- 4.6 في المئة) كذلك في ليتوانيا بنسبة (-2.1 في المئة). فيما كان الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا قد تراجع في نفس الفترة بنسبة (-0.3 في المئة).

سوق العمل: تراجع معدل البطالة ونقص متزايد في العمالة المؤهلة في قطاع تكنولوجيا المعلومات

     اظهر تقرير وكالة العمل الاتحادية (BA)، تراجع عدد العاطلين عن العمل في شهر مايو 2023م، بنحو 42 ألف شخص مقارنة بالشهر السابق ليصل اجمالي عدد العاطلين إلى 2،544،000 شخص. ومع هذا الانخفاض يظل عدد العاطلين عن العمل أعلى بحوالي 248 ألف شخص مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، ويعود جزء من هذا الارتفاع في عدد العاطلين مقارنة بالعام الماضي الى تسجيل اللاجئين الأوكرانيين لدى وكالة العمل الاتحادية كعاطلين عن العمل. كما يعتبر هذا الانخفاض أضعف من المعتاد في هذا الوقت من العام بسبب حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد. وبذلك يكون معدل البطالة قد انخفض بمقدار 0.2 نقطة مئوية إلى 5.5 في المئة في مايو 2023م. اما بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، فان المعدل اعلى بمقدار 0.6 نقطة مئوية.

     فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر الحكومي فقد بلغ عدد المسجلين الجدد خلال الفترة من 1 إلى 24 مايو حوالي 45 ألف شخص.  وبلغ اجمالي المستفيدين من تعويضات البرنامج بسبب أحدث البيانات لدى وكالة العمل الاتحادية لشهر مارس 2023م، 133 ألف موظف بتراجع عن مستوى 140 ألف موظف المسجلين في شهر فبراير 2023م. من جانب أخر بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة في مكتب العمل الاتحادي في شهر مايو 767 ألف وظيفة أي أقل بـ 98 ألف وظيفة عن نفس الشهر في العام الماضي. وبالرغم من التراجع المستمر في الطلب على الوظائف منذ صيف العام الماضي الا ان عدد الوظائف الشاغرة ما يزال عند مستوى مرتفع نسبياً.

     في سياق متصل أظهرت دراسة لمعهد الاقتصاد الألماني (IW)، ان عدد الوظائف الشاغرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات في ألمانيا بلغ العام 2022م، 67924 وظيفة وهو الرقم الأعلى على الاطلاق منذ بدأ رصد الوظائف الشاغرة في هذا القطاع في العام 2010م.  بينما كان هنالك 27136 عاطلاً عن العمل مع مؤهل في تكنولوجيا المعلومات. ويتزامن ارتفاع الطلب على المتخصصين المؤهلين مع انخفاض عدد خريجي الجامعات في هذا التخصص.

     ووفقًا للدراسة، ادى التوسع في البنية التحتية الرقمية في جميع قطاعات الاقتصاد إلى زيادة الحاجة إلى متخصصي تكنولوجيا المعلومات المؤهلين. ومنذ العام 2015م، تزايد النقص في العمال المؤهلين في هذا الجانب بحيث تجاوز عدد الوظائف الشاغرة عدد المتخصصين المؤهلين الممكن توظيفهم والمتوفرين في سوق العمل في ألمانيا. وبالرغم من التراجع النسبي والمؤقت في عدد الوظائف الشاغرة في هذا المجال خلال جائحة كورونا الا ان النقص عاد ليتزايد بشكل كبير منذ عام 2021م.

     ويتركز النقص بشكل خاص في المتخصصين في تكنلوجيا المعلومات الحاصلين على مؤهل جامعي، حيث بلغ النقص في عددهم خلال العام الماضي وحدة نحو 34 ألف شخص، وظلت كل 8 وظائف شاغرة من كل 10 وظائف مخصصة للعمال الحاصلين على المؤهلات الجامعية. وأكدت الدراسة   انه لا يمكن سد هذه الفجوة بين عدد الوظائف الشاغرة وعدد المتخصصين الجامعيين على المدى القصير أو المتوسط نظرًا لأن عدد الطلاب الجدد الذين يلتحقون في مسارات دراسة تخصصات الرياضيات وعلوم الكمبيوتر والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا، ما يسمي بتخصصات (MINT)، قد انخفض في السنوات الأخيرة، فبحسب تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي انخفض عدد طلاب السنة الأولى في هذه المواد بشكل ملحوظ، على الرغم من الآفاق الوظيفية الجيدة للغاية. في الفصل الصيفي 2021م، والفصل الشتوي 2021/2022م، اختار حوالي 307000 طالب وطالبة أحد تخصصات MINT في الفصل الدراسي الأول. ويعد هذا أقل بنسبة 6.5 في المئة مما كان عليه في عام 2020م.

     ويعيد الخبراء هذا التراجع في عدد الدارسين لهذه التخصصات الى حقيقة أن عدد طلاب السنة الأولى في التعليم الجامعي ينخفض ​​بشكل عام منذ عام 2019م. حيث كان في عام 2021م، أقل بنسبة 4 في المئة مما كان عليه في العام السابق. في الوقت نفسه، ونتيجة للمتغيرات الديموغرافية، هنالك تراجع مستمر لشريحة الشباب تحت سن 22 عامًا في ألمانيا.

     في ظل هذا الوضع، تعتبر الشركات توظيف العمال المهرة من الخارج أحد الحلول الممكنة لمعالجة نقص المهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات. ومن الاستراتيجيات الواعدة أيضًا أعادة تأهيل المتخصصين في المجالات المهنية الأخرى القريبة من التخصص وكذلك رفع مستوى الموظفين من ذوي المؤهلات المنخفضة واعطائهم فرصة لشغل هذه الوظائف.

نمو كبير في محطات الطاقة الشمسية في ألمانيا

سجل الطلب على أنظمة الطاقة الشمسية للمنازل ارتفعا كبيرا في العام الحالي 2023م، فوفقًا لاتحاد صناعة الطاقة الشمسية الألمانية (BSW)، تم تشغيل 159.000 نظام كهروضوئي للمنازل الخاصة في الربع الأول 2023م، في جميع أنحاء ألمانيا. وهو ما يساوي ارتفاعاً بنسبة 146 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.  وبالإضافة إلى نمو استخدام أنظمة الطاقة الشمسية من قبل أصحاب المنازل، تشير إحصاءات اتحاد صناعة الطاقة الشمسية أيضًا الى ارتفاع كبير في استخدام هذه الأنظمة من قبل مستثمرين آخرين مثل المزارعين الذين لديهم أنظمة شمسية مثبتة على الأراضي الزراعية. كما تشير هذه الإحصاءات الى ان عدد أنظمة تخزين الطاقة الشمسية الجديدة سيتجاوز بحلول نهاية يونيو 2023م، العدد الإجمالي للبطاريات الشمسية التي تم تركيبها في مجمل العام الماضي.

     وبلغ حجم الطاقة الكهربائية المولدة من الأنظمة الجديدة للطاقة الشمسية التي تم تركيبها في العام 2022م، حوالي 7.5 جيجاوات / ساعة وهو ما يمثل الزيادة الأكبر في الطاقة الشمسية المضافة منذ أكثر من عشر سنوات. كما ساهمت الطاقة الشمسية في العام 2022م، أيضا بما يزيد عن نسبة 10 في المئة من حجم الطاقة المولدة في ألمانيا، وهو ما يجعلها رابع أهم مصدر للطاقة بعد الفحم وطاقة الرياح والغاز الطبيعي. بالإضافة الى ذلك تمثل الطاقة الشمسية ثلثي الزيادة المتوقعة في الطاقات المتجددة، وهو الامر الذي يعود الى التكلفة المناسبة، فبحسب معهد فراونهوفر لأنظمة الطاقة الشمسية (ISE)، تظل الطاقة الشمسية أرخص أشكال توليد الكهرباء على الإطلاق، بتكلفة تتراوح بين ثلاثة وأربعة سنتات لكل كيلووات / ساعة من الكهرباء.

      ويرى Carsten Körnig الرئيس التنفيذي لاتحاد الطاقة الشمسية BSW، ان الطفرة في استخدام أنظمة الطاقة الشمسية الحالية ترجع إلى عدد من العوامل، من اهمها الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة في العام الماضي والناتجة عن الحرب في أوكرانيا الى جانب تأثير ازمة كورونا حيث “استثمر العديد من مالكي المنازل الكثير في منازلهم أثناء الجائحة”. فمع وجود نظام طاقة شمسية مثبت على أسطح المنازل او على الشرفات، يمكن للأسر الخاصة من ناحية تقليل كمية الكهرباء التي يحصلون عليها من الشبكة الرئيسية العامة وبالتالي توفير التكاليف. ومن ناحية أخرى، وفي حالة وجود انتاج زائد من الكهرباء فانه يتم عادةً تغذية الكهرباء الزائدة في الشبكة العامة ودفع قيمتها لمالك النظام من خلال تعريفة التغذية. وساهمت عدد من التغييرات في قانون مصادر الطاقة المتجددة (EEG) في رفع جاذبية امتلاك انظمة الطاقة الشمسية حيث نصت التعديلات على ان الأنظمة المثبتة حديثًا معفاة من ضريبة المبيعات، كما تمت زيادة تعريفة التغذية للأنظمة الجديدة.  

     اما في جانب التحديات التي تواجه نمو استخدام أنظمة الطاقة الشمسية فتتمثل في ارتفاع أسعار هذه الأنظمة والتي زادت في العام 2022م، بنحو 20 في المئة. وعلى الرغم من توقع تراجع الأسعار نوعا ما بسبب تحسن العرض بشكل عام الا ان انخفاض الأسعار الى مستوى ما قبل ازمة الطاقة غير متوقع. وتمثل أسعار الفائدة المتزايدة لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية التحدي الأكبر امام صناعة الطاقة الشمسية حاليًا، حيث ترى الشركات العاملة في القطاع انه حتى قرض بنك إعادة الاعمار الحكومي KfW لتمويل أنظمة الطاقة الشمسية، والذي يوصف بأنه منخفض الفائدة، قد ارتفع من 1.06 إلى 4.75 في المئة.

     وفي هذا المجال يؤكد Tim Koenemann، رئيس قسم الطاقة المتجددة في مصرف Commerzbank: “بسبب التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية ومشاكل سلسلة التوريد، ارتفعت تكاليف الاستثمار في أنظمة الطاقة المتجددة بشكل كبير. هذا هو السبب في أن المردود في العديد من المشاريع أصبح الآن أقل “. من جانبه يرى Detlef Neuhaus رئيس شركة Solarwatt أن ارتفاع مستوى سعر الفائدة يسبب حالة من عدم اليقين العام “لقد تغير الإطار المالي، لذلك يجب إعادة حساب تنفيذ المشاريع، وهذا يؤثر على أصحاب المنازل وكذلك الشركات ومطوري المشاريع الكبيرة.”

     رئيس اتحاد الطاقة الشمسية الألماني Körnig أعتبر أن عبء الفائدة المتزايد لزيادة رأس المال قد أدى بشكل كبير إلى تمديد فترات الاسترداد للاستثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة. حيث يستغرق الأمر مزيدًا من الوقت لاسترداد تكاليف الاستثمار، إذ يستغرق في المتوسط حوالي نصف عام أطول لكل نقطة مئوية أعلى في معدل الفائدة. ويحذر Körnig من أن عبء الفائدة المرتفع يؤدي حاليًا إلى إبطاء بناء مشاريع الطاقة الشمسية التي ليس لديها دعم حكومي.

     وعلى العكس من هذه المخاوف لدي صناعة الطاقة الشمسية في ألمانيا، يتوقع الخبراء في شركة Rystad Energy، ان التوسع في بناء الطاقة الشمسية العالمية سيزداد بنسبة 13 في المئة هذا العام على الرغم من زيادة التكاليف، نظرًا لأن العديد من البلدان في العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، تعمل على تحسين الإطار السياسي للتوسع في الطاقة الشمسية بما في ذلك تقديم التسهيلات والدعم الحكومي.

تراجع عدد تراخيص بناء المساكن الجديدة

     أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي ان عدد تراخيص بناء وحدات سكنية جديدة في شهر ابريل 2023م، قد وصل الى 21200 ترخيص وهو ما يمثل تراجعاً بنحو 9900 ترخيص او ما نسبته 31.9 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. وهو ما يعتبر أكبر تراجع في عدد الموافقات لبناء مساكن جديدة منذ شهر مارس العام 2007م، عندما بلغ التراجع نسبة 46.5 في المئة.  وخلال الفترة ما بين يناير وحتى ابريل 2023م، تم اصدار إجمالي 89،900 ترخيص بناء لوحدات سكنية، وهو ما يمثل أيضا انخفاضاً بنسبة 27.3 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام 2022م. وتشمل هذه التراخيص كل من تراخيص البناء للوحدات السكنية في المباني الجديدة وللوحدات السكنية الجديدة في المباني القائمة.

     في المباني السكنية الجديدة المقرر بناؤها، تمت الموافقة على إجمالي 74،900 وحدة سكنية من يناير حتى أبريل 2023م. ويمثل ذلك انخفاضًا بنسبة 30.3 في المئة أو 32،600 وحدة سكنية مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ومن ضمن تراخيص هذه الوحدات السكنية تراجع عدد تراخيص بناء البيوت الفردية بنسبة تقترب من الثلث، (33.5 في المئة) لتصل الى 18300 وحدة سكنية بانخفاض بحدود 9200 وحدة سكنية. وانخفض عدد التراخيص الممنوحة للبيوت الثنائية (المكونة من شقتين) بأكثر من النصف، (52.1 في المئة) لتصل الى 5300 وحدة سكنية بتراجع بنحو 5800 وحدة سكنية. وفيما يتعلق بأكثر أنواع المباني الشائعة من حيث العدد، وهي المباني المتعددة الشقق، تراجع عدد الوحدات السكنية المعتمدة بشكل كبير بأكثر من الربع، (27.1 في المئة)، لتصل إلى 48،200 وحدة سكنية وبانخفاض يصل الى 17900 وحدة سكنية.  وبحسب المكتب الاتحادي للإحصاء ايضاً بلغ عدد الوحدات السكنية المكتملة في عام 2022م، حوالي 295,300 وحدة، وهو رقم يقل بشكل واضح عن خطط الحكومة الاتحادية الهادفة الى بناء 400,000 وحدة سكنية جديدة كل عام.

      وبحسب الخبراء ” فأن التكاليف المرتفعة لمواد البناء وظروف التمويل السيئة بشكل متزايد قد ساهمت في تراجع مشاريع البناء”. حيث ادى رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي (ECB) من اجل مكافحة التضخم المرتفع، الى ان تصبح قروض البناء أكثر تكلفة بشكل كبير وبنسبة تبلغ ثلاثة أضعاف تقريباً، كما أدى نقص العمال المهرة إلى تفاقم المشكلة. لهذه الأسباب، توقفت العديد من مشاريع البناء او تم الغاؤها سواء كانت هذه المشاريع متعلقة ببناء منزل خاص او كانت متعلقة بمشاريع سكنية كبيرة يملكها مستثمرون كبار.

     ويعكس هذا التراجع الكبير في تراخيص البناء حالة الركود وتراجع الاستثمارات الخاصة والتجارية التي يعاني منها قطاع بناء المساكن منذ أكثر من عام.  وهو ما دعا الاتحادات المهنية العاملة في القطاع لمطالبة الحكومة بتقديم الدعم بواسطة قروض بفوائد مناسبة من بنك إعادة الاعمار الحكومي KfW، الى جانب تعليق مؤقت للرسوم والمتطلبات الخاصة باستهلاك الطاقة وذلك لمنع تفاقم الركود الحاصل في القطاع. وحذر الاتحاد المركزي لقطاع البناء الألماني (ZDB) من احتمال حدوث عمليات تسريح واسعة للعمال او على الأقل تزايد حالات التسجيل في برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي بسبب قلة الاعمال.

     كما تخشى شركات البناء الألمانية من انخفاض إيراداتها الفعلية بنسبة خمسة في المئة في العام الجاري بسبب تراجع قطاع الإسكان. حيث أكد Marcus Nachbauer رئيس الرابطة الاتحادية لقطاع البناء (BVB)، وهي الرابطة التي تضم 13 رابطة واتحاد في قطاع البناء والتجديد والترميم واعمال التشطيب،”لا يمكن لقطاع التجديد والترميم وغيرها من القطاعات تعويض خسائر الإيرادات في قطاع بناء المساكن”. 

التحديات التي تواجه الصادرات الألمانية الى الصين

     تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لألمانيا بحجم تبادل سلع وبضائع وصل في العام 2022م، الى نحو 299 مليار يورو تقريباً وهو ما يفوق حجم التبادل التجاري بين ألمانيا والولايات المتحدة، ثاني اهم شريك تجاري، بحوالي 50 مليار يورو. وقد وصل العجز التجاري لألمانيا مع الصين إلى أكثر من 84 مليار يورو العام 2022م، وهو ما يمثل ضعف العجز المسجل في العام الذي سبق، حيث زادت الواردات من الصين في العام الماضي بنسبة 33 في المئة، في مقابل ارتفاع صادرات الشركات الألمانية الى الصين العام 2022م، بنسبة 3 في المئة فقط مقارنة بالعام الذي سبق.

     وعلى الرغم من هذا العجز التجاري مع الصين الا ان السوق الصيني يظل أحد اهم أسواق الصادرات الألمانية حيث بلغ حجم هذه الصادرات في العام الماضي 107 مليار يورو. وتمثل الصادرات الصناعية الجزء الأكبر من الصادرات الى الصين حيث تأتي السيارات وقطع غيارها في المركز الأول من حيث قيمة الصادرات. هذا الى جانب الاستثمارات الكبيرة التي تمتلكها الشركات الصناعية الألمانية وخصوصا شركات صناعة السيارات في الصين، فعلى سبيل المثال حققت مجموعة فولكس فاجن لصناعة السيارات نصف إيراداتها في العام الماضي من السوق الصيني.

     ولهذا تضع العديد من الشركات الألمانية آمالها على نمو الصادرات الى الصين خصوصا بعد نهاية سياسة “صفر كوفيد” الصارمة التي كانت تتبعها بكين في ديسمبر 2022م. الا ان الأربع الاشهر الأولى من العام 2023م، لم تعكس هذا التفاؤل حيث بلغت صادرات ألمانيا إلى جمهورية الصين الشعبية خلال الأشهر يناير-ابريل من العام الحالي، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاءات الاتحادي 32.5 مليار يورو، وهو أقل بنسبة 10 في المئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، كما تمثل أيضًا تراجعًا بنسبة 5.4 في المئة مقارنةً بالأربعة أشهر الأخيرة من عام 2022م.

     هذا الأداء الضعيف للصادرات يعزز المخاوف من أن الاقتصاد الألماني لن يخرج من دائرة الركود في الأشهر القادمة. وفي هذا الجانب يعتبر Klaus-Jürgen Gern، رئيس قسم التوقعات الاقتصادية العالمية في معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW): “ان التطور الضعيف جداً لصادرات ألمانيا إلى الصين في الأشهر الأخيرة قد أبطأ بشكل ملحوظ تطور الصادرات بشكل عام”. وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي دخل فيه الاقتصاد الألماني في حالة “الركود التقني” والناتج عن التراجع النسبي للناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين.

     الا ان الآمال بنمو الصادرات الألمانية الى الصين، وبالتالي التأثير الإيجابي على فرص نمو الاقتصاد الألماني لهذا العام لم تنتهي بعد، حيث نشرت سلطات الجمارك الصينية بيانات عن الواردات من ألمانيا في شهر مايو الماضي اظهرت ارتفاعاً بنسبة 7 في المئة تقريبًا مقارنة بالشهر السابق.  وأكدت Geraldine Dany-Knedlik، رئيسة قسم الاقتصاد في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW): ” ان أحدث أرقام التجارة الخارجية بين ألمانيا والصين تشير إلى أن تأثير اللحاق بالركب قد بدأ الآن في الربع الثاني”. حيث يمكن الآن تعويض العديد من الصادرات التي تأخرت او تم الغاؤها في وقت سابق بسبب سياسة صفر كوفيد.

     ومع هذا التطور الإيجابي في حجم الصادرات الألمانية الى الصين فان مسار تطور هذه الصادرات خلال الأشهر القادمة يواجه أربع تحديات أساسية:

     أولاً: تتعافى الصين ببطء من جائحة كورونا. فبعد نهاية سياسة صفر كوفيد أثرت الأعداد الكبيرة من الإصابات في البداية على النشاط الاقتصادي، وبالرغم من انتهاء تأثير هذه الإصابات إلى حد كبير، الا ان الاقتصاد الصيني يواصل النمو بشكل أضعف من المتوقع.

     ثانياً: الأزمة المستمرة التي يعاني منها قطاع العقارات في الصين، حيث كان القطاع محركًا رئيسيًا للنمو على مدى العقدين الماضيين، وعلى الرغم من التدابير التي اتخذتها الحكومة لضمان عودة الاستقرار لقطاع العقارات لكن من المتوقع أن يشهد القطاع نمواً محدوداً في المستقبل المنظور، حيث وبحسب Pia Hüttl الخبيرة الاقتصادية في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) فإن “مطوري العقارات مثقلون بالديون بشدة لذا فان الاستثمارات في القطاع ما تزال ضعيفة نتيجة لذلك”.

     ثالثًا: يعتبر Klaus-Jürgen Gern من معهد (IfW) انه ربما كانت آمال صناعة التصدير الألمانية مبالغًا فيها، حيث ان نهاية سياسة صفر-كوفيد الصينية ليست حافزًا اقتصاديًا له نفس التأثير في جميع القطاعات الاقتصادية. موضحا انه “خلال فترة كورونا، تم طلب المزيد من السلع في جميع أنحاء العالم من المنتجات الإلكترونية إلى المواد الصحية، بينما تراجع استهلاك الخدمات كثيفة الاتصال على وجه الخصوص.” وبالتالي فإن مرحلة ما بعد كورونا تشهد ارتفاع الطلب على الخدمات بينما يقل الطلب على السلع الصناعية، والتي تمثل الجزء الأكبر من الصادرات الألمانية.

     رابعًا: تراجع الطلب على السلع والبضائع الألمانية في السوق الصيني هو أيضًا نتيجة لاستراتيجية الحكومة في بكين والتي تعمل بشكل متزايد على تشجيع الشركات العاملة في الصين على الاستعانة بالموردين المحليين.