شهد مناخ الاعمال للشركات الألمانية تحسنًا ملموسًا خلال شهر مايو، حيث ارتفع مؤشر مناخ الأعمال الصادر عن معهد ifo ليصل إلى 87.5 نقطة، مقارنة بـ 86.9 نقطة في شهر أبريل. ويُعزى هذا التحسن بشكل أساسي إلى انخفاض مستوى التشاؤم في توقعات الشركات بشأن مستقبل اعمالها خلال الأشهر القادمة. كما جاء هذا التحسن بالرغم من ان تقييم الشركات لأوضاع اعمالها الحالية جاء أقل تفاؤلًا مما كان عليه في الشهر السابق. ويُلاحظ أيضًا أن حالة عدم اليقين التي كانت قد تصاعدت في الفترة الأخيرة بين الشركات قد بدأت في التراجع، مما يشير إلى أن الاقتصاد الألماني بدأ يستعيد نشاطه تدريجيًا.

     في قطاع الصناعة، ارتفع المؤشر بشكل ملحوظ حيث سجل في مايو مستوى ( -13.8 نقطة)، بعد ان كان عند مستوى ( -18 نقطة)، في الشهر السابق. فقد قامت الشركات بمراجعة توقعاتها بإعمالها خلال الفترة القادمة صعودًا بشكل واضح، كما قيّمت أوضاع اعمالها الحالية بشكل أفضل. وشهدت الطلبات الجديدة نوعًا من الاستقرار. وكان التحسن في مناخ الاعمال واضحًا بشكل خاص في قطاع الصناعات الغذائية، في حين سجل قطاع الصناعات الكيميائية تراجعًا طفيفًا.

     كما واصل مناخ الأعمال في قطاع الخدمات تحسنه حيث ارتفع لمستوى ( -0.4 نقطة)، في شهر مايو مقابل ( -0.8 نقطة)، في ابريل الماضي، وجاء هذا الارتفاع بسبب تحسن التوقعات المستقبلية. إلا أن تقييم الوضع الراهن جاء أقل إيجابية مقارنة بالشهر السابق. وشهد قطاع النقل واللوجستيات تعافيًا ملحوظًا بعد تراجع التوقعات الذي سبّبته إعلانات فرض الرسوم الجمركية في الفترة الأخيرة.

     أما في قطاع التجارة، فقد ارتفع المؤشر بشكل واضح ووصل في مايو الى مستوى ( -20.3 نقطة)، من مستوى ( -27 نقطة)، في الشهر السابق، حيث تحسنت التوقعات بمستوى الاعمال في الأشهر المقبلة لدى الشركات بشكل كبير، سواء في قطاع الجملة أو قطاع التجزئة. كما عبّر التجار عن رضا أكبر تجاه أوضاعهم الراهنة مقارنة بالأشهر السابقة.

وفي قطاع البناء، تحسّن مناخ الأعمال للشهر الرابع على التوالي ووصل في مايو الى مستوى ( -18.5 نقطة)، مرتفعاً من مستوى (-21.9 نقطة) المسجل في ابريل. وقد قيّمت الشركات مستوى اعمالها الحالي بشكل أكثر إيجابية. إلا أن التوقعات بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة بدأت تميل إلى الحذر والانخفاض تدريجيًا.

 على صعيد النمو الاقتصادي، أفاد تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي أن الاقتصاد الألماني – وهو الأكبر في أوروبا – سجّل نمواً طفيفاً بنسبة 0.4 في المئة خلال الفترة من يناير إلى مارس 2025م، مقارنة بالربع السابق. دعمت الصادرات، خاصة السيارات والأدوية، الاقتصاد في الربع الأول. كما ارتفع الإنفاق الاستهلاكي الخاص بنسبة 0.5 في المئة، مدعومًا بانخفاض التضخم وزيادة الأجور في بعض القطاعات. كما نمت الاستثمارات في البناء (+0.5 في المئة) والمعدات (0.7 في المئة). وبذلك، تمكنت ألمانيا من تفادي الدخول في حالة ركود تقني، والتي تُعرف بحدوث انكماش اقتصادي خلال فصلين متتاليين. ويأتي هذا الأداء في ظل استمرار حالة عدم اليقين التي تهيمن على الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى تأثيرات السياسات الحمائية، ولا سيما تلك التي تنتهجها الولايات المتحدة. يُذكر أن الناتج المحلي الإجمالي الألماني كان قد شهد انكماشاً بنسبة 0.2 في المئة في الربع الأخير من عام 2024م.

     وعزا التقرير هذا النمو إلى زيادة في الإنفاق الاستهلاكي الخاص وكذلك ارتفاع حجم الاستثمارات مقارنة بالربع الأخير من العام السابق. ومع ذلك، أظهرت المقارنة السنوية بنفس الفترة من العام الماضي تراجعًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 في المئة ما يعكس استمرار ضعف الأداء الاقتصادي على مدى عام كامل.

     ورغم هذا التحسن الطفيف، تظل التوقعات المستقبلية للاقتصاد الألماني غير إيجابية، إذ من المرجح أن يشهد عام 2025م، ثبات الناتج المحلي الإجمالي بدون تحقيق أي نمو وهو ما يعني ان الاقتصاد الألماني لن يحقق أي نمو للعام الثالث على التوالي، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ ألمانيا. وقد خفضت العديد من المؤسسات الاقتصادية الرئيسية توقعاتها للنمو إلى مستويات قريبة من صفر في المئة او أقل، حيث تتوقع الحكومة الاتحادية الآن انكماش الاقتصاد أو على أفضل تقدير حالة من الجمود، بعد أن كانت تتوقع في يناير نموًا بنسبة 0.3 في المئة.

     كذلك لا يتوقع صندوق النقد الدولي (IMF)، تحقيق أي نمو للاقتصاد الألماني خلال العام الجاري. ويُعزى ذلك إلى توقعاته بحدوث تباطؤ في النمو العالمي نتيجة السياسات الجمركية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. من جانبه، صرح Joachim Nagel، رئيس البنك المركزي الألماني (Bundesbank)، أن أفضل السيناريوهات المحتملة لعام 2025م، هو حدوث جمود اقتصادي. لكنه أضاف أنه “لا يمكن استبعاد احتمال أن نسجل ركوداً بنسبة طفيفة”.

     وتشكل السياسات الجمركية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصدر ضغط كبير على الاقتصاد الألماني الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير. فقد أدت النزاعات التجارية المتصاعدة إلى تدهور الثقة العالمية وزيادة التقلبات في الأسواق. وقال Michael Grömling، رئيس قسم الاقتصاد في معهد الاقتصاد الألماني (IW)، إن “حرب الرسوم الجمركية تؤثر سلبًا على الأعمال اليومية”، مضيفًا أن التصرفات المتقلبة لترامب جاءت في توقيت سيئ للاقتصاد الألماني.

     ورغم هذه التحديات، لا تزال هناك بعض المؤشرات التي تمنح الأمل بتحسن محتمل في المستقبل القريب. فقد أوقفت المفوضية الأوروبية مؤقتًا تنفيذ رسوم جمركية مضادة، في خطوة تهدف إلى فتح المجال أمام مفاوضات مع الولايات المتحدة. وفي المقابل، أبدى الرئيس الامريكي استعدادًا لمنح بعض الاستثناءات الجمركية لشركات تصنيع السيارات، ما يعكس بوادر لخفض التوتر التجاري.

     على الصعيد الداخلي، من المتوقع أن تؤدي حزمة استثمارية حكومية ضخمة في مجالي الدفاع والبنية التحتية إلى دعم الاقتصاد، وإن لم تكن نتائجها فورية. وكانت الحكومة الاتحادية السابقة بقيادة المستشار اولاف شولتز قد صرحت أن هذه التوجهات المالية قد تُسهم في تحفيز النمو في السنوات القادمة، مع توقعات بأن يصل معدل النمو الاقتصادي إلى 1 في المئة بحلول عام 2026م. كما أعلن الائتلاف الحاكم الجديد، المكوّن من الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU/CSU)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، عن خطة واسعة لتحفيز الاقتصاد. وتشمل الإجراءات المرتقبة خفض تكاليف الطاقة، وتخفيض الضرائب على الشركات، بالإضافة إلى إصلاح قوانين العمل وتخفيف الأعباء البيروقراطية.

     وتستهدف الحكومة أيضًا تسريع وتيرة التوسع في مصادر الطاقة المتجددة مع تقليل التكاليف المرتبطة بها، في مسعى لتعزيز تنافسية الاقتصاد الألماني في ظل التحولات الجارية في أسواق الطاقة العالمية. وعلى الرغم من استمرار حالة عدم اليقين الناتجة عن النزاعات التجارية، فإن هذه المبادرات السياسية والمالية تشكّل بارقة أمل لمستقبل الاقتصاد الألماني الذي يعاني حاليًا من تباطؤ واضح.

سوق العمل: تراجع طفيف في البطالة والشركات الألمانية تبدي استعدادًا متزايدًا لدمج اللاجئين في سوق العمل

     قدرت الوكالة الاتحادية للعمل في ألمانيا (BA)، عدد العاطلين عن العمل في أبريل 2.932 مليون شخص، أي بانخفاض قدره 36 ألفًا مقارنة بشهر مارس. وبالمقارنة مع أبريل من العام الماضي، ارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 182 ألف شخص. كما تراجع معدل البطالة في ابريل بمقدار 0.1 نقطة مئوية ليبلغ 6.3 في المئة، لكن المعدل ما يزال أعلى بـ 0.3 نقطة مئوية مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. وتعليقاً على هذه الأرقام صرحت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة الوكالة، قائلة: “رغم تسجيل بعض التراجع في البطالة، إلا أن الانتعاش الربيعي هذا العام يظل ضعيفًا مقارنة بالسنوات السابقة”.

     وفيما يتعلق ببرامج العمل بدوام قصير (Kurzarbeit)، فقد تم تسجيل نحو 37 ألف موظف جديد في البرنامج في الفترة ما بين 1 و24 أبريل. وتشير أحدث البيانات المتوفرة من وكالة العمل الاتحادية إلى أن 244 ألف موظف وعامل تلقوا إعانات مالية من برنامج العمل بدوام قصير في فبراير 2025م، أي أقل بـ 14 ألفًا من الشهر السابق، ولكن أكثر بـ 43 ألفًا من فبراير 2024م. أما على صعيد الطلب على اليد العاملة، فقد تم تسجيل 646 ألف وظيفة شاغرة لدى الوكالة في أبريل، وهو رقم أقل بـ 55 ألف وظيفة مقارنة بالعام الماضي.

     من جانب أخر، كشفت دراسة ميدانية جديدة أجرتها وكالة العمل الاتحادية (BA)، بالتعاون مع الجمعية الألمانية لإدارة الموارد البشرية (DGFP)، عن ارتفاع ملحوظ في استعداد الشركات الألمانية لدمج اللاجئين في سوق العمل. وتُعد هذه الدراسة الثانية من نوعها في إطار هذا التعاون، حيث أُجريت الأولى في عام 2024م، وأعيد تنفيذها عام 2025م، بهدف رصد التغيرات ومتابعة التطورات في هذا المجال.

     وأظهرت النتائج أن أكثر من 66 في المئة من الشركات المشاركة في الاستطلاع خاضت تجارب مع توظيف لاجئين خلال العام الماضي، بعد أن كانت النسبة في العام السابق لا تتجاوز 50 في المئة. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، أشار 57 في المئة من الشركات إلى أنها قامت بتوظيف لاجئين في الأشهر الاثني عشر الأخيرة، وهي زيادة طفيفة مقارنة بالعام الماضي الذي سجل نسبة 56 في المئة. وعبّرت غالبية الشركات، بنسبة 55 في المئة، عن رضاها تجاه هذه التجارب، ووصفتها بالإيجابية، بينما لم تتجاوز نسبة الشركات التي أبلغت عن تجارب سلبية 6 في المئة فقط.

     وبحسب الدراسة، فإن قرابة 70 في المئة من الشركات المشاركة ترى في دمج اللاجئين وسيلة فعالة لمعالجة النقص المتزايد في اليد العاملة والمهارات المتخصصة داخل السوق الألمانية. غير أن هذه النظرة الإيجابية لا تعني غياب التحديات، حيث لا تزال الحواجز اللغوية تمثل العقبة الأكبر أمام هذا الاندماج، إلى جانب صعوبات في التعامل مع السلطات الإدارية، وتعقيد الإجراءات البيروقراطية، والاختلافات الثقافية، إضافة إلى الجهد الكبير الذي تحتاجه الشركات لمتابعة وتأهيل الموظفين الجدد. ورغم ذلك، فإن معظم الشركات ترى أن هذه التحديات قابلة للتجاوز، إذ لم تتعدَّ نسبة من اعتبروها غير قابلة للحل 5 في المئة.

     وفي تعليقه على نتائج الدراسة، قال Daniel Terzenbach، عضو مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية، إن المقارنة بين نتائج عامي 2024م و2025م، توضح بشكل جلي أن عددًا متزايدًا من الشركات بات يمتلك تجارب إيجابية مع اللاجئين، ويرى في توظيفهم فرصة عملية لمعالجة أزمات نقص العمالة. وأكد أن النجاح في هذا المسار يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الشركات، والإدارة العامة، والمجتمعات اللاجئة.

     من جانبه، شدد Ralf Steuer، المدير التنفيذي للجمعية الألمانية لإدارة الموارد البشرية (DGFP)، على أن تطور موقف الشركات يعكس تحولًا استراتيجيًا في النظرة إلى اللاجئين، الذين لم يعودوا يُعتبرون حلاً مؤقتًا بل فرصة لتعزيز التنوع داخل أماكن العمل وضمان استمرارية الموارد البشرية المؤهلة. لكنه في الوقت ذاته نبه إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إطارًا قانونيًا واضحًا ودعمًا موجّهًا.

عدد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ألمانيا ينخفض للعام الثالث على التوالي

     انخفض عدد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ألمانيا للعام الثالث على التوالي. ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية أكبر المستثمرين في ألمانيا، تليها سويسرا والصين. جاء ذلك في تقرير صادر عن الوكالة الألمانية للتجارة والاستثمار “(GTAI) “Germany Trade & Invest، وأوضح التقرير أن عدد الاستثمارات الأجنبية الجديدة والتوسعات في الأعمال للشركات الأجنبية في ألمانيا بلغ عام 2024م، حوالي 1,724 مشروعًا. بينما كان عددها في عام 2023م، حوالي 1,759 مشروعًا، وفي عام 2022م، بلغ 1,783، بينما كان العدد في عام 2021م، نحو 1,806 مشاريع. ورغم هذا التراجع بنسبة 2 في المئة في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، أكد Robert Hermann، المدير التنفيذي لوكالة (GTAI)، “أن ألمانيا لا تزال موقعًا مرغوبًا ويحظى بتقدير كبير”.

     ومقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، تبدو ألمانيا في وضع أفضل إلى حد ما؛ إذ انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أوروبا العام الماضي بنسبة 4.6 في المئة، وفي أوروبا الغربية تحديدًا بنسبة تقارب 6 في المئة. ويأتي هذا في وقت سجل فيه الاقتصاد الألماني ركوداً للعام الثاني على التوالي. وكانت الشركات الأجنبية قد أعلنت في العام الماضي عن استثمارات بقيمة 23.2 مليار يورو. ورغم أن هذا الرقم أقل من الأرقام المسجلة في عامي 2023م (34.8 مليار يورو) و2022م (25.3 مليار يورو)، واللذين شهدا ارتفاعا في الاستثمارات كجزء من تعويض الاستثمارات التي الُغيت خلال جائحة كورونا، إلا أن هذا الرقم لا يزال يفوق إجمالي الاستثمارات في الفترة بين عامي 2019م و2021م مجتمعة. وأشار Hermann: الى ان هنالك ” عددًا كبيرًا من الاستثمارات الضخمة جدًا”. وأوضح أن “سبعة مشاريع على الأقل بلغ حجم كل منها أكثر من 500 مليون يورو”. كما أن حوالي 2 في المئة من إجمالي المشاريع كانت بقيمة لا تقل عن 100 مليون يورو.

     ومثل مشاريع شركة أمازون أكبر مشاريع فردية، حيث يستثمر العملاق الأمريكي 8.8 مليار يورو في البنية التحتية السحابية لخدمة Amazon Web Services (AWS) في منطقة Rhein-Main غرب ألمانيا، بالإضافة إلى 1.2 مليار يورو أخرى في مجالات اللوجستيات، والروبوتات، والمقارّ الإدارية. ويعتزم عملاق البرمجيات الأمريكي مايكروسوفت استثمار 3.2 مليار يورو في بنية تحتية للذكاء الاصطناعي وسعات الحوسبة السحابية، بينما تنفق شركة آبل مبالغ ضخمة على توسيع مركزها البحثي في ميونخ.

     وبسبب هذه المشاريع الثلاثة الكبرى، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحتل موقع المستثمر الأجنبي الأهم. ففي العام الماضي، جاءت 229 عملية استثمار أو توسعة من الولايات المتحدة. تلتها سويسرا في المرتبة الثانية بـ 202 مشروع، ثم الصين بـ 199 مشروعًا. وأعلن المستثمرون عن نيتهم خلق ما يصل إلى 31,000 فرصة عمل جديدة – وهو أعلى رقم منذ عام 2020م. وقال المدير التنفيذي لوكالة (GTAI)، “لكننا نتوقع أن يكون العدد الفعلي أعلى، لأن خطط التوظيف لا يُعلَن عنها دائمًا”. وتتركز معظم المشاريع في مجالات الرقمنة (17في المئة)، الطاقة والموارد (16في المئة)، والإلكترونيات والأتمتة (15 في المئة).  تجدر الإشارة الى الاستثمارات العربية المباشرة في ألمانيا قد شهدت نموا كبيرا ولعل أبرزها صفقة استحواذ شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك)، على غالبية أسهم شركة “كوفيسترو” الألمانية المتخصصة في صناعة البلاستيك، مقابل حوالي 16 مليار يورو. ومؤخراً أعطت هيئة مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي موافقتها غير المشروطة لإتمام الصفقة. كذلك أصبح جهاز قطر للاستثمار مساهماً اساسياً في شركة خدمات الكهرباء الألمانية “آر دبليو إي” باستثمار قدره 2.4 مليار يورو (2.5 مليار دولار).

     ورغم المخاوف من اندلاع حرب تجارية بسبب الرسوم الجمركية العقابية العالية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أنه وبحسب “GTAI”، ظل الاهتمام بموقع ألمانيا قويًا في الأشهر الأولى من عام 2025م. وقال Achim Hartig، المسؤول عن جذب المستثمرين في الوكالة: “الاهتمام لا يزال قائمًا، حتى من دول آسيوية كبرى”. وأكد أن من بين العوامل الجاذبة لألمانيا “الاستقرار السياسي والأمن القانوني”. وأضاف Hartig، أن هناك إدراكًا واسعًا بأن الحكومة الاتحادية الجديدة تخطط لاستثمار مئات المليارات من اليورو في البنية التحتية، وكذلك في الدفاع. وتابع: “نشهد اهتمامًا متزايدًا من شركات مبتكرة في قطاع الأمن والتسلح تنظر إلى ألمانيا كموقع استثماري واعد”.

     ومع استمرار اهتمام المستثمرين الأجانب، ما تزال هنالك مخاوف من تراجع القدرة التنافسية لألمانيا. فقد أظهرت دراسة حديثة لمعهد “ifo” أن الصناعة الألمانية بدأت تشعر بتراجع تنافسيتها عالميًا. فقد أفادت 24.4 في المئة من الشركات الألمانية في أبريل بأنها تواجه تراجعًا في القدرة التنافسية الدولية مقارنة بالدول خارج الاتحاد الأوروبي، بعدما كانت النسبة 23.9 في المئة في يناير. أما داخل الاتحاد الأوروبي، فقد تراجع عدد الشركات الألمانية التي ترى تدهورًا في قدرتها التنافسية من 20.9 في المئة إلى 13.4 في المئة.

     وقال Klaus Wohlrabe، مدير استطلاعات معهد ” ifo”: “الصناعة الألمانية تفقد تدريجيًا من زخمها على الساحة العالمية”، مضيفًا أن “التحديات في المنافسة الدولية لا تزال هائلة”. وأوضح أن “الخلافات الجمركية الأخيرة تعيد تشكيل موازين القوى في الأسواق العالمية”، في إشارة إلى الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلن عنها ترامب.

نتائج الكوتا النسائية بعد عشر سنوات من التطبيق

     منذ عشر سنوات، دخل قانون تعزيز مشاركة النساء في المناصب القيادية (الكوتا النسائية)، حيّز التنفيذ في قطاع الاقتصاد. وقد ظهرت الاثار الإيجابية للقانون في شكل ارتفاع نسبة شغل النساء للمناصب القيادية في الشركات الكبرى. الا انه ومع ذلك، لا تزال دول أخرى تتفوق على ألمانيا في هذا المجال، حتى دون ان تقر قانونا لدعم مشاركة المرأة بنظام الحصص.

     وبالرغم من ان الكثيرين في قطاع الاعمال رأوا ان إقرار قانون يضع معايير لتشكيل مجالس الإدارات لكبرى الشركات يعد تدخلاً مفرطاً. لكن هذا بالضبط ما اتفقت عليه أحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في اتفاق التحالف الحكومي لعام 2013م. وكانت Nadine Schön، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، قد بررت موافقة حزبها على هذا القانون بقولها إن “زمن الالتزامات الطوعية قد ولّى”. كما كانت Manuela Schwesig، وزيرة الأسرة حينها، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، قد قدمت مشروع القانون باعتباره “خطوة تاريخية”.

     وقد نص قانون المناصب القيادية الذي دخل حيز التنفيذ عام 2015م، على تحديد حصة دنيا تبلغ 30 في المئة للنساء في مجالس الإدارة في الشركات الكبرى. وفي عام 2021م، تم إقرار شرط إضافي بشأن تشكيل مجالس الإدارة، إذ يتعين أن يُشغل أحد مقاعد مجلس الإدارة من قبل امرأة إذا كان المجلس في شركة مدرجة في البورصة ويتكوّن من أكثر من ثلاثة أعضاء.

     منذ ذلك الحين، حدث بالفعل الكثير من التغيرات: فبحسب جمعية “FidAR” (جمعية النساء في مجالس الإدارة)، تشكل النساء حالياً 37.5 في المئة من أعضاء مجالس الإدارة في شركات القطاع الخاص بشكل عام، في حين كانت النسبة في عام 2015م، نحو 20 في المئة فقط. وترى Anja Seng، رئيسة جمعية FidAR، أن الكوتا النسائية شكلت الانطلاقة الحاسمة لتحقيق المشاركة المتساوية في المناصب القيادية في الاقتصاد، مؤكدة أنه قبل ذلك “لم يكن هناك عملياً أي تقدم”.

     من جانب أخر، وبحسب Wiebke Ankersen، المديرة التنفيذية لمؤسسة AllBright، التي تدعم زيادة عدد النساء والتنوع في القطاع الاقتصادي، كانت نسبة النساء في مجالس الإدارة في الشركات المدرجة في البورصة في عام 2015م، تبلغ 6 في المئة فقط، أما اليوم فتصل إلى نحو 20 في المئة. كما أن هنالك أربع نساء من أصل أربعين رئيس تنفيذي لكبرى الشركات الألمانية المدرجة على مؤشر سوق الأوراق المالية في فرانكفورت (DAX)، Belén Garijo (شركة ميرك)، Helen Giza (Fresenius Medical Care)، Bettina Orlopp (Commerzbank)، وKarin Radström (Daimler Trucks). وتقول Ankersen، إن تطوراً قد حدث بالفعل، “لكن ألمانيا لا تزال متأخرة”. فعلى المستوى الدولي، حققت دول أخرى تقدماً أكبر وبوتيرة أسرع، رغم أن عدداً منها لم تعتمد نظام الحصص. فعلى سبيل المثال تبلغ نسبة النساء في المناصب القيادية في الشركات في فرنسا 45 في المئة وفي ايسلندا 44 في المئة، كما تبلغ في النرويج 42 في المئة وفي السويد 40 في المئة.

     وترى المديرة التنفيذية لمؤسسة AllBright، أن البيئة المجتمعية تلعب دوراً حاسماً في تعزيز مشاركة النساء في المناصب القيادية. وتشدد على ضرورة توفير عدد كافٍ من مرافق رعاية الأطفال، إلى جانب إحداث تغيير في النظرة المجتمعية للأدوار التقليدية بين الجنسين. وتوضح: “إذا أردنا رؤية المزيد من النساء في مواقع القيادة، فعلينا أيضاً أن نرى المزيد من الرجال يعملون بدوام جزئي، وأن يكونوا مستعدين للبقاء في المنزل لرعاية أطفالهم “. كما تؤكد Ankersen، أن للشركات دوراً مهماً في دعم هذا التحول، من خلال إرسال رسائل واضحة ومحفزة، مثل تشجيع الآباء على أخذ إجازة أبوة أطول من الشهرين المعتادين، والإعلان بوضوح: “يسعدنا أن تتولى نصف مدة إجازة الأبوة”. وبهذه الطريقة، يمكن للشركات أن تساهم بفعالية في تغيير الثقافة المجتمعية وتعزيز المساواة.

     من جانبها دعت Lisa Paus، وزيرة الأسرة السابقة في حكومة المستشار اولاف شولتز، القطاع الاقتصادي إلى تسهيل وصول النساء إلى المناصب الإدارية، إذ يجب تقديم الدعم اللازم مسبقاً لكي تتمكن النساء من الوصول إلى المناصب القيادية. وتشير Paus إلى الحاجة لتطوير مفاهيم تدريب وتطوير مهنية خاصة بالنساء، “حيث يمكن بالفعل بذل المزيد من الجهد”.

      في المقابل تحذّر Helena Melnikov، المديرة العامة لاتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية (DIHK)، من فرض المزيد من القواعد على الاقتصاد وعلى الشركات، وتشير إلى المبادرات الذاتية التي تهدف إلى تمكين النساء في المناصب الإدارية “نحن نخاطب النساء تحديداً من خلال الشبكة الخاصة بنا (IHK Business Women)، لتعريفهن بريادة الأعمال، وتأسيس المشاريع، وكذلك إمكانية العمل الحر”.  وتؤكد Melnikov، أن هنالك شرطين أساسيين لزيادة عدد النساء في مواقع المسؤولية هما: توفير أماكن رعاية الأطفال، كقضية تخص الآباء والأمهات على حد سواء. الى جانب مرونة أوقات العمل.   فالمتفق عليه بين السياسيين والاقتصاديين هو أن على النساء أن يصبحن أكثر حضوراً في جميع مستويات الشركات، حتى وإن كان قانون المناصب القيادية يقتصر على الوظائف العليا في القطاع الاقتصادي.

صناعة تكرير النفط في ألمانيا: تحديات اقتصادية وقانونية متزايدة

     تعد ألمانيا أكبر موقع لتكرير النفط في أوروبا، حيث يُعالج سنويًا أكثر من 106 ملايين طن من النفط الخام في 12 مصفاة موزعة على أراضيها. وتخدم هذه المصافي ليس فقط قطاع الطاقة، بل تعد عصبًا حيويًا لسلاسل القيمة في الصناعات الكيماوية الثقيلة. وترى وزارة الاقتصاد الاتحادية أن المصافي “عنصر لا غنى عنه” للحفاظ على القيمة الصناعية المضافة في البلاد، خاصة في المواقع الكيميائية المتكاملة.

     لكن صناعة تكرير النفط في ألمانيا تشهد أزمة غير مسبوقة، قد تهدد مستقبلاً أحد أهم أركان البنية التحتية الصناعية في البلاد. إذ تواجه المصافي الألمانية تحديات معقدة تتداخل فيها العوامل الاقتصادية، والتشريعية، والبيئية، مما ينذر بإمكانية إغلاق بعض مواقع التكرير الحيوية، بما يهدد أمن الطاقة في الدولة الأكبر صناعيًا في أوروبا. حيث تعاني المصافي من انخفاض القدرة على التنبؤ بالطلب على المنتجات البترولية، مثل الديزل والكيروسين، بالإضافة إلى تأخر الاستثمارات طويلة الأجل، وزيادة الواردات الرخيصة من الديزل من دول مثل الهند. كما أن تعقيد الملكيات وتزايد التكاليف المرتبطة بحماية المناخ، مثل تكلفة شهادات انبعاثات الكربون، يزيد من الأعباء التشغيلية على هذه المنشآت الحيوية.

     حول ذلك حذر Christoph Michel، الخبير الاقتصادي، من مجموعة بوسطن الاستشارية، من العواقب الوخيمة لأي إغلاق محتمل لعدد من المصافي، مؤكدًا أن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على توافر البنزين والديزل وزيوت التدفئة، إضافة إلى المنتجات الأساسية لصناعة الكيماويات. فمن دون هذه المصافي، يصبح من الصعب ضمان أمن الطاقة، خصوصًا في ظل محدودية قدرات النقل البحري والسكك الحديدية لاستيراد المنتجات المكررة.

    ولا تقتصر الضغوط على المنافسة والأسعار فقط، بل تشمل أيضًا عبء التحول في الطاقة، فبحسب الخطط المناخية الأوروبية، يتعيّن على مصافي النفط في ألمانيا التحول تدريجيًا من استخدام النفط الخام إلى مصادر نظيفة مثل الكتلة الحيوية أو المنتجات المصنعة باستخدام الهيدروجين الأخضر. ورغم أهمية هذا التحول، يرى خبراء الصناعة أن ألمانيا ليست في موقع تنافسي بالمقارنة مع دول مثل المملكة المتحدة أو إسبانيا، التي سبقتها بخطوات ملموسة في مجال التشريعات والبنية التحتية. ففي إسبانيا، على سبيل المثال، تم بالفعل إطلاق استثمارات في مصافي الطاقة المتجددة بفضل انخفاض أسعار الكهرباء المتجددة وتركيبة سوق تكرير النفط المحلي المبسط والذي يضم شركتين فقط، ما يعزز الكفاءة ويشجع على الابتكار.

     على أرض الواقع، بدأت شركات نفط كبرى مثل ” BP” و” Shell ” و” Esso ” باتخاذ خطوات فعلية للتخلي عن أصولها في قطاع التكرير الألماني. فقد أعلنت ” BP”، نيتها بيع جزء من مصفاتها في جيلسنكيرشن، والتي تعد الأكبر في البلاد، وتقليص الطاقة الإنتاجية فيها بنسبة الثلث بنهاية العام. كما أعلنت ” Shell” عن وقف إنتاج الوقود في مصفاتها بويسلينغ وتبحث عن مشترٍ لحصصها في مصفاتي PCK Schwedt و”MiRO” في كارلسروه.

أما شركة ” Esso”، فتسعى لبيع حصتها البالغة 25 في المئة في مصفاة تكرير النفط   “MiRO” إلى مجموعة ” Alcmene/Liwathon “، لكن الصفقة تواجه اعتراضات من الشركاء الآخرين وتحقيقًا مطولًا من وزارة الاقتصاد الألمانية، وسط شكوك حول ملاءمة المشتري الجديد.

     ويحذر الخبراء من السماح بدخول فاعلين صغار يفتقرون إلى الخبرة، لما يحمله ذلك من مخاطر على أمن الطاقة. ويقترح بعضهم أن تتدخل الدولة كضامن ومستثمر، مستشهدين بنموذج “صندوق التخلص من النفايات النووية”، الذي أنشئ لضمان إدارة النفايات بعد خروج مشغلي الطاقة النووية من السوق.

     من بين المصافي الألمانية، تبقى مصفاة PCK Schwedt القضية الأكثر تعقيدًا. حيث تقع المصفاة في مدينة شفيت/أودر بولاية براندنبورغ، وتُعد واحدة من أكبر وأهم مصافي النفط في ألمانيا، إذ تبلغ طاقتها الإنتاجية السنوية نحو 11.5 مليون طن من النفط الخام. وتُسهم هذه المصفاة بشكل كبير في تلبية احتياجات العاصمة برلين وولاية براندنبورغ من الوقود، حيث تؤمن جزءً حيوياً من استهلاكهما من البنزين والديزل والكيروسين وزيت التدفئة. غير أن اغلبية أسهم الشركة تعود ملكيتها لشركة Rosneft Deutschland، التابعة لشركة Rosneft الروسية، والتي تخضع منذ عام 2022م، لإشراف الحكومة الألمانية عبر الوكالة الفيدرالية للشبكات. ويجدد قرار الاشراف كل ستة أشهر، ما يحول دون أي استثمار بعيد المدى. وفي ظل غياب حل دائم، طُرحت مقترحات غير رسمية تقضي بمقايضة أصول بين روسيا وألمانيا، بحيث تستحوذ الحكومة الألمانية على المصفاة، إلا أن وزارة الاقتصاد تنفي وجود أي توجه رسمي في هذا الاتجاه حتى اللحظة.

     ومن الواضح أن قطاع التكرير الألماني يمر بمرحلة من الانكماش البنيوي، وسط ضبابية وعدم وضوح اللوائح التنظيمية وضغوط مناخية واقتصادية معقدة. وفيما تعمل الدول الأخرى لضخ استثمارات كبيرة في الهيدروجين الأخضر والتكرير النظيف، تقف ألمانيا أمام تحدٍّ أساسي، إما الإسراع بوضع الأطر القانونية والاستثمارية اللازمة، أو مواجهة فقدان أحد أعمدة أمن الطاقة لديها.