تحسّن مناخ الاعمال للشركات الألمانية في شهر يوليو حيث ارتفع مؤشر ifo إلى 88.6 نقطة، بعد أن كان عند مستوى 88.4 نقطة في يونيو. ويرجع هذا التحسن المحدود الى ان الشركات أبدت رضا أكبر عن مستوى أعمالها الحالية، إلا أن توقعاتها لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة بقيت دون تغيير يُذكر، وذلك في مؤشر على ان تعافي الاقتصاد الألماني لا يزال بطيئًا.

     في قطاع الصناعة، ارتفع المؤشر في شهر يوليو بشكل ملحوظ حيث سجل مستوى ( -11.8 نقطة)، بعد ان كان عند مستوى ( -13.9 نقطة) في يونيو الماضي. ونتج هذا التحسن بسبب تقييم شركات القطاع لوضع اعمالها الحالي بشكل أفضل، كما تحسنت توقعاتها لمستوى اعمالها خلال الفترة القادمة بشكل أكبر. ومع ذلك ما تزال الشركات الصناعية تواجه نمو محدودا في الطلبات الجديدة.

      أما في قطاع الخدمات، فقد تراجع مناخ الأعمال حيث سجل المؤشر في يوليو مستوى 2.7 نقطة منخفضاً من مستوى 3.8 نقطة المسجل في يونيو، ويعود هذا التراجع الى تقييم الشركات للوضع الحالي لأعمالها بشكل أقل إيجابية، كما خفضت توقعاتها لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة. وبشكل تفصيلي فقد تراجعت الاعمال لدي الشركات العاملة في قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات، في حين تطوّر مستوى اعمال قطاع النقل واللوجستيات بشكل إيجابي.

     وشهد مؤشر الاعمال في قطاع التجارة هو الآخر تراجعاً محدوداً حيث سجل في شهر يوليو مستوى ( -20.2 نقطة)، بينما كان قد سجل في شهر يونيو مستوى ( -19.2 نقطة). وقد تسببت التوقعات بتراجع الاعمال في الفترة القادمة في تراجع المؤشر، ورغم تحسن تقييم الشركات لمستوى اعمالها الحالي، إلا أنه ظل غير مُرضٍ.

     على العكس من ذلك استمر تحسن مؤشر الاعمال في قطاع البناء في يوليو مسجلاً مستوى ( -14 نقطة)، مرتفعا من مستوى ( -15.1 نقطة) المسجل في يونيو. حيث تحسنت كل من تقييمات شركات القطاع للوضع الحالي لأعمالها والتوقعات بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة. ومع ذلك، ما تزال شركات البناء تعاني من نقص الطلبيات.

     من جانب اخر، أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، أن الناتج المحلي الإجمالي (BIP) في ألمانيا تراجع خلال الفترة من أبريل إلى يونيو مقارنة بالربع السابق بنسبة 0,1 في المئة، وهو الانخفاض الذي كان متوقعاً. وأوضح مكتب الاحصاء أن الاستثمارات في المعدات وقطاع البناء قد تراجعت في الربيع، بينما ارتفعت نفقات الاستهلاك الخاصة والعامة.

     وكان الاقتصاد الألماني قد حقق نمواً طفيفاً وغير متوقع في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، بنسبة 0.4 في المئة جرى تعديلها لاحقا من مكتب الإحصاء الاتحادي الى 0.3 في المئة. ويُرجع الخبراء هذا التذبذب في مسار الاقتصاد الألماني في جزء منه إلى النزاع التجاري مع الولايات المتحدة. وقال Ulrich Kater، كبير خبراء الاقتصاد في بنك “ديكا بنك”: “إن الربعين الأولين من العام تأثرا بشكل كبير بالسياسة الجمركية المثيرة للجدل التي تنتهجها الولايات المتحدة”. وأوضح أن الأمر بدأ بتأثيرات سابقة على الإنتاج بسبب الإسراع في الشحنات قبل فرض الرسوم، ثم في الربع الثاني ساد التريّث لمعرفة كيفية تطور الأوضاع الاقتصادية الخارجية.

     وقد اتضح الأمر منذ الاتفاق الجمركي بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي إذ نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مفاوضاته مع المفوضية الأوروبية في فرض رسوم جمركية “غير متكافئة”، أي أحادية الجانب، بنسبة 15 في المئة، على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي. وكانت الإدارة الأمريكية قد هددت سابقًا برسوم تصل إلى 30في المئة، وفرضت بالفعل نسبًا أعلى مسبقًا على بعض السلع مثل الصلب والألومنيوم والسيارات، ولا تزال بعض هذه الرسوم قائمة.

     وكانت صادرات السيارات إلى الولايات المتحدة، التي تُعد ذات أهمية كبيرة للاقتصاد الألماني، قد خضعت منذ أبريل لرسوم جمركية بنسبة 27,5 في المئة، وقد انخفضت هذه النسبة إلى 15 في المئة اعتبارًا من الأول من أغسطس. أما السيارات المُصنّعة في الولايات المتحدة، فمن المخطط أن تتمكّن مستقبلاً من دخول السوق الأوروبية دون أي رسوم جمركية. وتجدر الإشارة إلى أن نحو ثلثي هذه الصادرات تستفيد منها الشركات الألمانية التي تمتلك مصانع في الولايات المتحدة وتقوم بتصدير السيارات المنتجة هناك الى أوروبا.

     ومع ذلك، وكما هو الحال مع الشركاء التجاريين الآخرين للولايات المتحدة، يتعيّن على الألمان توقع خسائر بمليارات اليورو. حيث طرح المستشار الألماني فريدريش ميرتس مؤخرًا قائلاً: “إن الاقتصاد الألماني سيتعرض لضرر كبير جراء هذه الرسوم”. ووفقًا لحسابات معهد الاقتصاد العالمي (IfW)، في كيل، فإن الرسوم الجمركية على السيارات وحدها يمكن أن تخفّض الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0,15 في المئة، وبشكل عام، تؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادة أسعار السلع الأوروبية في السوق الأمريكية، ما من شأنه تقليل الطلب عليها، وبالتالي تُعتبر تهديدًا للنمو الاقتصادي.

     ويتوقع معهد الاقتصاد الألماني (IW)، آثارًا سلبية على الشركات التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية، مثل صناعة الأدوية، وصناعة السيارات، وصناعة الآلات والمعدات. وفي هذا السياق، تقول Lisandra Flach، مديرة مركز ifo للاقتصاد الخارجي في ميونخ: “قد يقلل الاتفاق التجاري من حالة عدم اليقين لدى الشركات قليلًا، لكن الرسوم الأمريكية بنسبة 15 في المئة تضر بالاقتصاد الألماني”، مقدّرةً الأثر السلبي على الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0,2 في المئة. 

     أما صندوق النقد الدولي (IWF)، فينظر بتفاؤل أكبر إلى النمو الاقتصادي في ألمانيا بعد اتفاق الرسوم الجمركية مقارنة بتوقعاته السابقة، إذ إن نسب الرسوم جاءت أقل مما كان متوقعًا، ما قد يمكّن ألمانيا خلال العام الجاري من تحقيق نمو طفيف يبلغ 0,1 في المئة، بعد أن كان الصندوق قد توقع سابقًا حالة من الجمود الاقتصادي.

     ويرى Jörg Krämer، كبير خبراء الاقتصاد في “كومرتس بنك”، أن الانكماش الطفيف في الربيع قد يعود أيضًا إلى عوامل خاصة، موضحًا: “إن توقيت عيد الفصح المتأخر، إضافة إلى التأثيرات المسبقة الناجمة عن الرسوم الجمركية، أفادت الربع الأول وأثرت سلبًا على الربع الثاني”. ومع ذلك، يبدي بعض التفاؤل الحذر تجاه العام المقبل بفضل خطط الاستثمار الحكومية، قائلاً: “نتوقع في عام 2026 حدوث نمو قوي نسبيًا بنسبة 1,4 في المئة”.

     على مستوى منطقة اليورو، حققت دول كبرى أخرى أداءً أفضل بكثير في الربع الثاني. فقد سجّلت فرنسا، وهي ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، نموًا بنسبة 0,3 في المئة، بينما حققت إسبانيا نموًا وصل إلى 0,7 في المئة. بينما انكمش الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا بنسبة 0,1 في المئة.

     وعلى مستوى منطقة اليورو ككل، حافظ الاقتصاد في الربيع على مسار نمو مفاجئ. فقد أعلن مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات”، أن الناتج المحلي الإجمالي في الدول العشرين الأعضاء في الاتحاد النقدي ارتفع في الربع الثاني بنسبة 0,1 في المئة مقارنة بالربع السابق، في حين كان خبراء الاقتصاد يتوقعون، في المتوسط، حالة من الجمود. ومع ذلك، كان اقتصاد منطقة اليورو قد نما بوتيرة أقوى بكثير في بداية العام، بنسبة 0,6 في المئة. 

سوق العمل: ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وخسارة 60 ألف وظيفة في قطاع الصناعات المعدنية والكهربائية

ارتفع عدد الأشخاص العاطلين عن العمل في يوليو مجددًا. ووفقًا لبيانات صادرة عن وكالة العمل الاتحادية (BA)، ارتفع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في شهر يوليو إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص. إذ سُجّل في يوليو وجود 2.979 مليون شخص بلا وظيفة على مستوى البلاد. وبالمقارنة مع الشهر السابق، يُمثّل هذا زيادة تُقدّر بحوالي 65 ألف عاطل عن العمل، أما بالمقارنة مع يوليو من العام الماضي، فقد زاد عدد العاطلين عن العمل بمقدار 171 ألف شخص. كما ارتفعت نسبة البطالة مقارنة بشهر يونيو من هذا العام بمقدار 0.1 نقطة مئوية لتصل إلى 6.3 في المئة.

وقالت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية: “ارتفعت البطالة بسبب بدء العطلة الصيفية. لا تزال الشركات متحفظة في الإعلان عن وظائف جديدة، كما أن التوظيف بالكاد يشهد زيادة.”

ويتوقع الخبراء ان يتجاوز عدد العاطلين عن العمل في شهر أغسطس ثلاثة ملايين شخص، وكانت آخر مرة تجاوز فيها عدد العاطلين عن العمل حاجز الثلاثة ملايين شخص في ألمانيا في فبراير 2015م. ويُعقد الأمل الآن على ما يُعرف بـ “انتعاش الخريف”، الذي يُتوقع انه سوف يعكس الاتجاه في سوق العمل.  غير أن هذا الانتعاش كان ضعيفًا جدًا في العام الماضي بسبب ضعف الوضع الاقتصادي العام.

اما في جانب برنامج العمل بدوام مختصر، فقد بلغ عدد الموظفين الجدد المسجلين في البرنامج خلال الفترة من 1 وحتى 27 يوليو 2025م، نحو 39 ألف. وبحسب أحدث بيانات وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ عدد المستفيدين من البرنامج في شهر مايو 2025م، حوالي 218,000 موظف. وهذا يُمثّل انخفاضًا بمقدار 12,000 شخص مقارنة بشهر مارس، ولكنه يُعد زيادة بمقدار 27,000 شخص مقارنةً بشهر مايو من العام الماضي. اما في مجال الوظائف الشاغرة المسجلة لدى وكالة العمل الاتحادية فبلغ في يوليو نحو 628 ألف وظيفة شاغرة، وهو ما يقل بـ 75 ألف وظيفة عن نفس الفترة من العام الماضي.

في سياق متصل لا يزال عدد العاملين في قطاع الصناعات المعدنية والكهربائية في تراجع مستمر. فقد أعلن اتحاد أرباب العمل في الصناعات المعدنية والكهربائية (Gesamtmetall)، استنادًا إلى مسح شمل عددًا من الشركات، أن هذا القطاع فقد منذ بداية العام نحو 60 ألف وظيفة.

وفي شهر مايو، كان عدد العاملين أقل بنسبة 2.5 في المئة مقارنةً بنفس الشهر من العام الماضي، رغم بعض التحسن في حجم الطلبات. وبحسب بيانات الاتحاد، فإن عدد العاملين في هذا القطاع بلغ مع نهاية عام 2024م، نحو 3.9 مليون شخص. كما أن خطط تقليص العمالة آخذة بالازدياد بشكل ملحوظ من جديد، حيث ان واحدة من كل شركتين في قطاع صناعة السيارات تخطط لتسريح موظفين خلال الأشهر المقبلة.

ورغم أن الحكومة الاتحادية الجديدة قد اتخذت بالفعل بعض الإجراءات لتحسين الظروف التنافسية في ألمانيا، إلا أن اتحاد Gesamtmetall، يرى أن هذه الجهود غير كافية. وأشار Oliver Zander، المدير التنفيذي للاتحاد، إلى خفض ضريبة الكهرباء وبرنامج الاستثمار الفوري كمثالين على هذه الإجراءات، لكنه أضاف: “السرعة التي يتواصل بها تراجع العمالة في قطاع الصناعات المعدنية والكهربائية تُظهر أن الحكومة الاتحادية لا تملك وقتًا لالتقاط الأنفاس”. وشدّد على ضرورة مواصلة تقليص البيروقراطية.

اثار الاتفاق الجمركي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الاقتصاد الألماني 

     لا يزال الاتفاق الجمركي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يثير الكثير من الجدل. فعلى الرغم من أنه لم يتم التفاوض على جميع التفاصيل بشكل نهائي أو الإعلان عنها، فإن بعض الآثار المحتملة بدأت تلوح في الأفق، خصوصا ان الاتفاق قد تضمن فرض تعريفة جمركية أساسية بنسبة 15في المئة على معظم واردات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تكون لهذه الخطوة تأثيرات اقتصادية على مختلف القطاعات. 

     ويرى الخبير الاقتصادي Jürgen Matthes، من معهد الاقتصاد الألماني (IW) في كولونيا، أن الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الواردات الألمانية تُعدّ “ضربة قوية” للاقتصاد الألماني. ويؤكد أن هذه الرسوم سيكون لها تأثير سلبي بشكل خاص على الشركات التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية، مثل صناعة السيارات وصناعة الآلات والمعدات الى جانب شركات صناعة الأدوية، فالولايات المتحدة تُعدّ الشريك التجاري الأهم لألمانيا، حيث يُوجّه نحو ربع صادرات الأدوية الألمانية إلى هناك. وبسبب الاتفاق ستتعرض شركات صناعة الأدوية الألمانية الى أعباء وخسائر مالية، إذ تمثل الرسوم الجمركية الأمريكية البالغة 15 في المئة تحولًا جذريًا. فقد وصف اتحاد شركات الأدوية البحثية (vfa) ذلك بأنه “انتكاسة مؤثرة” لأنه يكسر مبدأ التجارة الحرة بالأدوية السائد منذ عقود. وشدد Han Steutel، رئيس الاتحاد، على ان “هذه الاتفاقية تعني أعباء بمليارات اليورو على موقع صناعة الأدوية في ألمانيا”. وأضاف: “ليست هذه أنباء جيدة للوظائف والاستثمارات”.

     في صناعة السيارات وبالرغم من انه تم إلغاء الرسوم الجمركية الامريكية التي بلغت مؤخرًا 27.5 في المئة على صادرات السيارات الأوروبية والألمانية الى الولايات المتحدة الأمريكية، تظل الرسوم الأمريكية الجديدة البالغة 15 في المئة بعيدة عن تحقيق مبدأ علاقات تجارية عادلة، لاسيما في ظل رسوم جمركية أوروبية لا تتجاوز 2.5 في المئة على الصادرات الامريكية. الا ان الامر الإيجابي في الاتفاق هو انتهاء فترة طويلة من عدم اليقين عاشها قطاع صناعة السيارات في المانيا، حيث أصبح هنالك الآن معطيات واقعية يمكن بناء الإنتاج والاستثمارات عليها. وقالت Hildegard Müller، رئيسة اتحاد صناعة السيارات الألمانية (VDA)، إن من “الجيد من حيث المبدأ” أن “تصعيد النزاع التجاري” قد تم تجنبه. لكنها أوضحت أيضًا أن الرسوم الأمريكية ستكلف القطاع “مليارات سنويًا” وستشكل عبئًا عليه “وسط عملية التحول الكبرى”.

     من جانبه يرى Ferdinand Dudenhöffer، الخبير في قطاع السيارات، بان صناعة السيارات الألمانية قد تستفيد من الاتفاق في حال ما اقر نوع من المقايضة، حيث انه إذا قام مصنع ألماني بإنتاج سيارات في الولايات المتحدة وتم تصديرها إلى أوروبا، فقد يُسمح له في المقابل بتصدير منتجات من ألمانيا إلى أمريكا دون رسوم جمركية. لكن Dudenhöffer يستدرك ويؤكد انه “إذا لم تحدث أي مقايضات، فإننا نتوقع أن تنقل صناعة السيارات ما يصل إلى 10 في المئة من وظائفها من ألمانيا إلى الولايات المتحدة على المدى المتوسط، وهو ما يعادل نحو 70,000 وظيفة”.

     بالإضافة الى ذلك يُعد منتجي الصلب والألمنيوم في ألمانيا الخاسرين الأكبر من الاتفاقية، إذ لا تزال واشنطن تطبق رسومًا جمركية تبلغ 50 في المئة على وارداتهم. وصرح اتحاد صناعة الصلب بأن الاتفاق التجاري “لم يغيّر شيئًا من الوضع الكارثي” الذي يعيشه هذا القطاع. فيما أشار متحدث باسم الحكومة الألمانية إلى ضرورة مواصلة المفاوضات بهذا الخصوص. كما سيتأثر سلباً قطاع الصناعات الدفاعية الأوروبية، بالنظر إلى التزامات الاستثمار الضخمة التي تعهد بها الأوروبيون في الصناعة الأمريكية.

     في الصورة العامة، وباعتبار أن ألمانيا دولة تعتمد على التصدير، حيث تحقق أكثر من 42 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي من الصادرات، فهي ستتأثر بشدة بنظام الرسوم الجديد.   ووفقًا لمعهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW)، فإن الرسوم الجديدة ستتسبب في تقليص الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.15 في المئة سنوياً، وهو ما يعادل خسارة بنحو 6.5 مليار يورو.

     ورغم أن الكثير من التفاصيل بشأن الرسوم الجمركية لا تزال بحاجة إلى توضيح، إلا أن الالتزامات الأوروبية بشراء الطاقة والاستثمار في الولايات المتحدة تمثل مشكلة شائكة بشكل خاص. فبحلول نهاية ولاية ترامب، أي خلال السنوات الثلاث المقبلة، من المفترض أن ينفق الاتحاد الأوروبي 750 مليار دولار على استيراد الطاقة الأمريكية، ويستثمر 600 مليار دولار إضافية داخل الولايات المتحدة.

وبصرف النظر عن أن أغلب قرارات الاستيراد من عدمه يجب أن تتخذها الشركات الخاصة، فإن استيراد الطاقة من الولايات المتحدة بقيمة 250 مليار دولار سنويًا تبدو غير قابلة للتحقيق.  ففي العام الماضي، استورد الاتحاد الأوروبي طاقة (نفط، مشتقاته، غاز، فحم) من الولايات المتحدة بقيمة نحو 77 مليار يورو، من إجمالي واردات طاقة بلغ نحو 376 مليار يورو.

 وفي هذا الجانب أوضحت Anne-Sophie Corbeau، من مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، ان هذا الاتفاق يعني أن على المفوضية الأوروبية أن تدفع الشركات الأوروبية لشراء ثلاثة أضعاف الكمية الحالية من وارداتها من الطاقة من الشركات الأمريكية، على حساب موردين آخرين ودون اعتبار للأسعار، ناهيك عن قدرة الولايات المتحدة أصلاً على توفير هذه الكميات للسوق الأوروبية. وتضيف Samina Sultan، الخبيرة الاقتصادية من معهد IW في كولونيا، أن زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري سيصطدم بأهداف الاتحاد الأوروبي المناخية. حيث تؤكد انه “إذا تم استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال والنفط من الولايات المتحدة، فإن ذلك يتعارض مع أهداف التحول إلى الطاقة المتجددة”.

     وفي حال لم تفِ الدول الأوروبية بالتزاماتها الاستثمارية الواردة في الاتفاق، فقد تحتفظ الولايات المتحدة بحق زيادة الرسوم الجمركية في المستقبل، كما جاء بالفعل في تصريحات من واشنطن. وهذا لا يبدو وكأنه نهاية حقيقية للنزاع.

تراجع سوق السيارات في ألمانيا في النصف الاول من العام 2025م

     لا يزال سوق السيارات الألماني يعاني من تراجع مستمر ففي شهر يونيو، انخفض عدد تسجيلات السيارات الجديدة، وفقًا لبيانات مكتب النقل الاتحادي (KBA)، بنسبة تقارب 14 في المئة مقارنةً بالشهر نفسه من العام الماضي ليصل إلى حوالي 256,000 سيارة. كما بلغ التراجع في النصف الأول من العام 4.7 في المئة مع تسجيل 1.4 مليون سيارة ركاب، بحسب ما أفاد به مكتب النقل. وتظهر مقارنة هذا العام بعام ما قبل كورونا 2019م، مدى التراجع الذي يشهده السوق حاليًا، إذ يشير اتحاد صناعة السيارات (VDA) إلى أن الانخفاض في النصف الأول من العام الحالي بلغ 24 في المئة مقارنة بالعام 2019م.

     وأرجعت شركة الاستشارات EY هذا الانخفاض الكبير في يونيو بشكل أساسي إلى عامل إضافي محدد، حيث أوضحت: “منذ بداية يوليو في العام الماضي 2024م، أصبحت بعض أنظمة المساعدة الإضافية إلزامية في الاتحاد الأوروبي للمركبات الجديدة المسجلة، كما دخلت لائحة جديدة للأمن السيبراني حيز التنفيذ “. وبحسب الشركة: “قام العديد من المصنعين والتجار بتسجيل سيارات قبل الموعد النهائي، وهي سيارات لم تعد تتوافق مع القواعد الجديدة. وقد أدت هذه التسجيلات المبكرة في يونيو 2024م إلى مستوى مبيعات مرتفع فوق المتوسط”.

     ووفقًا لمكتب النقل الاتحادي، ارتفع عدد السيارات الكهربائية الجديدة المسجلة في يونيو بنسبة 8.6 في المئة ليصل إلى 47,163 سيارة جديدة. أما خلال الأشهر الستة الأولى، فسجل المكتب زيادة بنسبة 35.1 في المئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل نصيبها من السوق إلى 17.7 في المئة. كما ارتفعت نسبة السيارات الهجينة بشكل أكبر، إذ زادت في يونيو بنسبة 12.5 في المئة وفي النصف الأول من العام بنسبة 18.8 في المئة.

      وعلى الرغم من الزيادة في الطلب على السيارات الكهربائية، لم تستفد شركة تسلا الأمريكية والتي تصنع سياراتها في ألمانيا، من هذه الزيادة، فرغم طرح النسخة المحدثة من Model Y، انهارت مبيعات السيارات الجديدة لتسلا في يونيو بنسبة 60 في المئة، وفي النصف الأول من العام تقريبًا بنفس النسبة، ليبلغ عدد السيارات الجديدة المسجلة 8,890 فقط. وتراجع نصيبها في السوق إلى 0.6 في المئة بعد أن كان 1.4 في المئة قبل عام. وتعاني تسلا من مشاكل في صورتها العامة بسبب الانخراط السياسي المؤقت لرئيسها التنفيذي إيلون ماسك إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإعلانه العلني عن تعاطفه مع الأحزاب اليمينية الشعبوية.

    ووصف اتحاد تجارة السيارات في ولاية بادن-فورتمبيرغ ازدهار السيارات الكهربائية بأنه نجاح ظاهري. حيث أوضح Michael Ziegler، رئيس الاتحاد، أن النمو مدفوع جزئيًا بتسجيل السيارات الكهربائية من قبل المصنعين والتجار أنفسهم، بينما ما يزال الطلب الخاص ضعيف للغاية، وأضاف: “السبب بسيط: الأمر لا يزال غير مجدٍ ماليًا للأفراد”. وأشار إلى أن السعر المرتفع للكهرباء يعد عاملًا مثبطًا، مطالبًا بضرورة خفض ضريبة الكهرباء بشكل عاجل.

     في حين تعاني تسلا من أزمة، فإن الوضع أفضل قليلًا لبعض الشركات الألمانية الكبرى. فقد تمكنت بي إم دبليو من الحفاظ على زيادة طفيفة مع تسجيل 119,000 سيارة جديدة في النصف الأول من العام، وكذلك مرسيدس-بنز التي سجلت 127,000 سيارة. أما شركة فولكس فاجن، فتراجعت قليلًا حيث بلغت تسجيلاتها 286,000 سيارة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض مبيعاتها من السيارات الجديدة في يونيو بنحو الخُمس. كما تراجعت تسجيلات علامتيها المميزتين أودي وبورشه، بينما حققت الشركات التابعة لها في الخارج مثل سيات وسكودا نتائج أفضل.

      ويرجع Constantin M. Gall، من شركة EY: السبب وراء تراجع سوق السيارات في ألمانيا الى انه “لا تزال الطلبات على السيارات الجديدة ضعيفة جدًا. ويرجع ذلك إلى الركود الاقتصادي المستمر، الذي يؤدي إلى إحجام الشركات عن الاستثمار وقلق المستهلكين على وظائفهم. كما أن أسعار السيارات الجديدة المرتفعة، والتي تعود جزئيًا إلى زيادة اللوائح والقواعد التنظيمية، تلعب دورًا أيضًا”. وأضاف أن هناك حالة من عدم اليقين لدى الأفراد والشركات على حد سواء. “والقلق هو العامل الأكثر سلبية لسوق السيارات الجديدة”. ولهذا السبب لا يتوقع   Gall، انتعاشًا قريبًا في السوق، “لا في ألمانيا ولا في أوروبا”.

ألمانيا والطاقة المتجددة: سجل قياسي للطاقة الشمسية وتحديات أمام طاقة الرياح

     تشهد ألمانيا نمواً مستمراً في توليد الكهرباء عبر أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، حيث بلغت حصتها من إجمالي إنتاج الكهرباء العام الماضي نحو 14 في المئة، وهو رقم قياسي جديد. حيث يزداد عدد الشركات والمنازل التي تعتمد على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، بلغ عدد أنظمة الطاقة الشمسية المركبة في ألمانيا حتى مارس 2025م، حوالي 4,2 مليون نظام على الأسطح والأراضي بقدرة توليد كهرباء تبلغ نحو 98,3 جيجا وات، وقد ارتفع عدد هذه الأنظمة بنسبة 23,7 في المئة مقارنة بالعام السابق، بينما زادت القدرة على توليد الكهرباء بنسبة 21,9 في المئة. 

     في عام 2024، ضخت أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية نحو 59,5 مليون ميجاوات/ساعة من الكهرباء في الشبكة، لتشكل بذلك 13,8 في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي، وهو أعلى مستوى يُسجل حتى الآن. ووفق الإحصاءات، شهد العام الماضي استيراد أنظمة طاقة شمسية بقيمة تزيد على 1,8 مليار يورو، وكانت الصين المصدر الأكبر بنسبة 86 في المئة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه البيانات تشمل الأنظمة التي تغذي شبكات الكهرباء العامة وتحتوي على عدادات قياس، فيما لا تُحتسب الأنظمة الصغيرة عادةً، مثل أنظمة الطاقة الشمسية المركبة على شرفات المنازل والتي يصل عددها الآن نحو مليون وحدة.

     وبهذا المستوى من انتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية تكون ألمانيا قد أنجزت نصف خطة التوسع بالطاقة الشمسية المقررة حتى عام 2030، حيث بلغت القدرة المركبة نحو 107,5 جيجا وات، ومن المستهدف الوصول إلى 215 جيجا وات. ويبلغ عدد الأنظمة الإجمالي على الأسطح والشرفات والأراضي المفتوحة وايضاً على المسطحات المائية، نحو 5,3 ملايين نظام، تغطي حوالي 15 في المئة من احتياجات الكهرباء في ألمانيا.

     ويشير Carsten Körnig، المدير التنفيذي للاتحاد الألماني لصناعة الطاقة الشمسية الكهروضوئية (BSW-Solar)، إلى أن الطاقة الشمسية تحولت خلال 25 عاماً من تقنية باهظة التكلفة كانت تُستخدم في الأقمار الصناعية إلى أرخص وسيلة لتوليد الكهرباء على الأرض. ومع ذلك، شهد توسع الطاقة الشمسية مؤخرًا بعض التباطؤ، وحذر Körnig من خفض الوتيرة، خصوصاً مع تزايد الطلب على الكهرباء. وبحسب الوكالة الاتحادية للشبكات (Bundesnetzagentur)، فإن معظم الأنظمة المركبة توجد على المباني والأسطح، تليها الأنظمة الأرضية المفتوحة، التي رغم عددها القليل البالغ نحو 20 ألف نظام، توفر قدرة إجمالية تبلغ نحو 33 جيجا وات. 

     وعلى عكس هذا النمو الكبير في انتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية شهد الربع الأول من هذا العام، لأول مرة منذ عامين، توليد المزيد من الكهرباء من مصادر الطاقة الأحفورية مقارنة بالطاقة المتجددة، ويرجع السبب الرئيسي إلى ضعف الرياح. ففي هذا الربع، هبت الرياح في ألمانيا بشكل ضعيف، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الكهرباء المتجددة إلى 49,5 في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي، مقابل 58,5 في المئة في نفس الفترة من عام 2024م. وفي المقابل، ارتفع إنتاج الكهرباء من المصادر الأحفورية مثل الفحم والغاز الطبيعي إلى 50,5 في المئة، بعد أن كان 41,5 في المئة في العام السابق. وكان نصيب طاقة الرياح من توليد الكهرباء منخفضًا بنفس القدر آخر مرة في العام 2021م، (24,2 في المئة). وقد تم تعويض الانخفاض بشكل رئيسي عبر تشغيل محطات توليد الكهرباء التقليدية العاملة بالوقود الاحفوري.

     ورغم التراجع العام في الطاقة المتجددة، بقيت طاقة الرياح المصدر الأكثر أهمية لتوليد الكهرباء في ألمانيا في الربع الأول من العام 2025م، بنسبة 27,8 في المئة، يليها الفحم بنسبة 27 في المئة، بينما ارتفع نصيب الغاز الطبيعي إلى 20,6 في المئة مقابل 15,8 في المئة في العام السابق 2024م.  كما ارتفعت واردات ألمانيا من الكهرباء في الربع الأول بنسبة 14,9 في المئة لتصل إلى 19,3 مليار كيلو وات/ ساعة، بينما انخفضت الصادرات بنسبة 3 في المئة لتصل إلى 16,2 مليار كيلو وات/ ساعة.