تحسّن مؤشر مناخ الأعمال ifo في شهر أبريل بشكل طفيف. فقد ارتفع المؤشر إلى 86.9 نقطة، بعد أن كان عند مستوى 86.7 نقطة في مارس الماضي. ونتج هذا التحسن عن تقييم الشركات وضعها الحالي بشكل أكثر إيجابية، لكن توقعاتها لمستوى أعمالها خلال الأشهر القادمة أصبحت أكثر تشاؤماً. كما ازداد مستوى القلق وعدم اليقين داخل الشركات، بسبب الرسوم الجمركية الامريكية واثارها السلبية على مجمل الاقتصاد الألماني.

     وقد أثرت حالة عدم اليقين هذه بشكل أكبر على قطاع الصناعة حيث انخفض مؤشر مناخ الاعمال في القطاع مجددًا بعد ارتفاع قوي في الشهر السابق، حيث سجل في أبريل مستوى ( -18.1 نقطة)، بعد ان كان عند مستوى ( -16.6 نقطة) في الشهر الماضي. ويرجع هذا الانخفاض إلى توقعات أكثر تشاؤمًا بشكل ملحوظ حول مستقبل اعمال الشركات خلال الفترة القادمة. في المقابل، تم تقييم الوضع الحالي للأعمال بشكل أفضل قليلًا، كما أن الطلبات لم تعد في تراجع.

     في قطاع الخدمات، تحسّن مناخ الأعمال حيث سجل المؤشر مستوى ( -0.8 نقطة)، في شهر ابريل مرتفعاً من مستوى ( -1.1 نقطة)، المسجل في مارس الماضي. وفي حين أبدت الشركات رضاً أكبر عن وضع أعمالها الحالي، بقيت التوقعات بخصوص الاعمال خلال الأشهر القادمة متشائمة قليلًا.   وقد تحسن مناخ الاعمال بشكل ملحوظ في قطاع الضيافة، بينما شهد قطاع النقل والخدمات اللوجستية تراجعًا.

     وانخفض مؤشر مناخ الاعمال الخاص بقطاع التجارة، حيث سجل في أبريل مستوى ( -27 نقطة)، بينما كان المؤشر في مارس الماضي عند مستوى ( -23.8 نقطة). ويعود هذا الانخفاض بشكل رئيسي الى ان توقعات الاعمال خلال الأشهر الستة القادمة متشائمة مرة أخرى، كما ان شركات القطاع قيّمت وضع أعمالها الحالي بشكل أسوأ قليلًا. وكان قطاع الجملة هو المحرك الأساسي لهذا التطور السلبي.

       وفي أتجاه مغاير سجل مؤشر مناخ الاعمال في قطاع البناء أعلى مستوى له منذ مايو 2023م، مسجلاً مستوى ( -21.9 نقطة)، بينما كان عند مستوى ( -24.3 نقطة) في مارس. ويعود ذلك إلى تحسّن واضح في التوقعات المستقبلية لأعمال الشركات. وبالرغم من توقع تحسن الأعمال إلا ان تقييم الشركات لوضع أعمالها الحالي جاء بشكل أكثر سلبية. ولا يزال نقص الطلبيات هو العقبة الكبرى، لا سيما وأن المشاريع التي سيتم تنفيذها من خلال صندوق الاستثمار في البنية التحتية لن تظهر نتائجها الا في فترة متأخرة.  

     في سياق متصل اصدرت الحكومة الاتحادية تقرير الربيع حول توقعات النمو الاقتصادي في ألمانيا والتي أعلنها وزير الاقتصاد الاتحادي في حكومة تصريف الاعمال روبرت هابيك والتي أظهرت ان الحكومة لم تعد تتوقع أي نمو في الناتج المحلي الإجمالي (BIP) لعام 2025م. وكانت الحكومة قد توقعت في يناير نمواً بنسبة 0.3 في المئة. وبهذا، ستكون هذه المرة الأولى في تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية التي لا يحقق فيها الاقتصاد الألماني نمواً لثلاث سنوات متتالية.

     وفي حين تتوقع الحكومة نمواً بواقع ” واحد بالمئة”، في عام 2026م، كانت التوقعات في يناير تشير إلى نمو بنسبة 1.1 في المئة. كما خفّض صندوق النقد الدولي (IMF)، أيضاً توقعاته للنمو في ألمانيا مجددًا. ووفقاً لتوقعات الصندوق، فإن ألمانيا ستكون الدولة الوحيدة في مجموعة السبع (G7) التي لن تشهد نمواً اقتصادياً هذا العام، بعد أن كانت التوقعات في يناير تشير إلى نمو بنسبة 0.3 في المئة. أما بالنسبة لعام 2026م، فأصبح صندوق النقد أكثر تشاؤماً أيضاً، حيث يتوقع الآن نمواً بنسبة 0.9 في المئة فقط، بعد أن كانت توقعاته تشير الى نمو بواقع واحداً بالمئة في يناير الماضي.

     ويرى خبراء الاقتصاد انه وبحساب حجم التأثير الاقتصادي المتوقع للتعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستكون ألمانيا من أكثر الدول تضرراً. كما انه وسبب الرسوم الجمركية الامريكية أيضا يصعب، في الوقت الحالي، التنبؤ بتطور الاقتصاد الألماني خلال الأشهر الثمانية المتبقية من العام، وعلى الرغم من تعليق الرسوم الإضافية التي فرضها ترامب مؤخرًا على الاتحاد الأوروبي، إلا أن الرسوم الأساسية بنسبة 10 في المئة على جميع الواردات لا تزال سارية، إلى جانب الرسوم الخاصة على الصلب والألمنيوم والسيارات.

     وبحسب المصادر الحكومية، فإن هذا الوضع هو الأساس الذي بُنيت عليه التوقعات الحكومية الجديدة. ولم تأتِ التوقعات المتشائمة فقط بسبب الرسوم الأساسية، بل لأن الشركات الألمانية تعاني بالفعل من حالة من انعدام الثقة على المستوى المحلي والدولي. ويزيد الغموض بشأن ما سيقوم به ترامب في المستقبل من ميل هذه الشركات إلى تأجيل استثماراتها.

    ويرى الخبراء أنه في حال أعاد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 20 في المئة على واردات الاتحاد الأوروبي، فإن الاقتصاد قد يتعرض لمزيد من التباطؤ. وتشير تقديرات معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW) ومعهد ifo في ميونخ إلى أن تطبيق هذه الرسوم بشكل كامل خلال هذا العام قد يؤدي إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.3 نقطة مئوية، ما يعادل خسائر اقتصادية تُقدّر بحوالي 13 مليار يورو. وفي هذا السيناريو، قد يشهد الاقتصاد الألماني انكماشًا إضافيًا في عام 2025م، بعد أن سجل انخفاضًا بنسبة 0.2 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2024م.

     من جهة اخرى، من المتوقع أن يسهم تولّي الحكومة الألمانية الجديدة لمهامها في تقليل جزء من حالة عدم اليقين. كما أن هناك أملًا بحدوث انتعاش طفيف في عام 2026م، حين تبدأ آثار الانفاق الدفاعي والانفاق من صندوق الاستثمار في البنية التحتية في الظهور. وكان البرلمان الألماني (البوندستاج)، قد أقر في وقت سابق من شهر مارس الماضي استثناء نفقات الدفاع من قاعدة الحد الأقصى للديون (Schuldenbremse). كما تقرر إنشاء صندوق خاص بقيمة 500 مليار يورو للاستثمار في البنية التحتية وحماية المناخ. الى جانب السماح للولايات بزيادة ديونها بما يصل إلى 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا.

     وتوقعت أهم المعاهد الاقتصادية في تقييم مشترك أن يساعد صندوق الاستثمار خلال العام المقبل في تعويض تراجع الاستثمارات في قطاع البناء. فبعد أن ساهمت أزمة قطاع البناء خلال السنوات الماضية في تقليص الناتج المحلي الإجمالي، يُتوقع أن يُسهم القطاع في عام 2026م، بنسبة 0.3 نقطة مئوية في النمو. ومن المرجح أيضًا أن تُسهم الزيادات في نفقات التسلّح في نمو الناتج المحلي الاجمالي. ففي الربع الرابع من عام 2024م، شهدت الولايات الألمانية التي تتركّز فيها الصناعات الدفاعية انتعاشًا اقتصاديًا. فبينما انكمش الناتج المحلي الإجمالي الألماني بشكل عام، نما بنسبة 1.4 في المئة في ولاية سكسونيا السفلى، و1.1 في المئة في مكلنبورغ-فوربومرن، وبنسبة 1 في المئة في شليسفيغ-هولشتاين.


سوق العمل: انخفاض محدود لعدد العاطلين عن العمل وتراجع التوظيف في قطاع الصناعة

     انخفض عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في شهر مارس بنحو 22 ألف شخص، وهو ما يمثل عدداً اقل من المعتاد في هذا الوقت من العام والذي عادة ما يشهد انتعاشاً في سوق العمل. وبهذا الانخفاض يصل أجمالي عدد العاطلين عن العمل الى 2,967,000 شخص. ويضل هذا العدد أعلى بنحو 198 ألف شخص مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. وبقي معدل البطالة ثابتًا في مارس 2025م مقارنة بالشهر السابق عند 6.4 في المئة، لكنه ما يزال أعلى بمقدار 0.4 نقطة مئوية مقارنة بشهر مارس 2024م.

     في غضون ذلك صرحت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة الوكالة الاتحادية للعمل (BA)، في تعليقها على تطورات سوق العمل”في شهر مارس يبدأ ما يسمى بانتعاش الربيع في سوق العمل. ومع ذلك، فإن الركود الاقتصادي حد بشكل ملموس من هذا الانتعاش هذا العام أيضًا”.

     فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام جزئي فقد جرى خلال الفترة بين 1و24 مارس تسجيل 43 ألف موظف جديد. وبحسب أحدث بيانات وكالة العمل الاتحادية لشهر يناير 2025م، فقد تلقى نحو 240 ألف شخص تعويضات خلال هذا الشهر وهو ما يمثل عدداً أعلى من الشهر السابق ب 36 ألف شخص، وأعلى بحوالي 51 ألف شخص مقارنة بشهر يناير من العام 2024م. اما بالنسبة لعدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدى وكالة العمل الاتحادية (BA)، في شهر مارس فقد بلغت 643 ألف وظيفة شاغرة، أي أقل بما يقرب من 64,000 وظيفة شاغرة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

     في سياق متصل، وبحسب بيانات وكالة العمل الاتحادية انخفض عدد العاملين في قطاع الصناعة خلال العام 2024م، بنحو 120,000 شخص. ففي حين كان عدد العاملين في هذا القطاع 6.79 مليون شخص في يناير 2024م، تراجع العدد إلى 6.67 مليون شخص في يناير 2025م. وهذا التراجع مستمر منذ أغسطس 2023م، حيث يتركز الانخفاض بشكل أساسي في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يعمل بها أقل من 250 موظفًا.

     ويعد قطاع الصناعة أكثر تأثرًا بالتقلبات الاقتصادية مقارنة بالقطاعات الأخرى. فخلال جائحة كورونا 2020م، وكذلك بعد الأزمة المالية في 2009م، انخفض عدد العاملين في هذا القطاع أكثر من معظم القطاعات الأخرى. كما أن استمرار الركود الاقتصادي يزيد من الضغوط التي تواجها الشركات. وقد ارتفع عدد المسجلين كعاطلين عن العمل من قطاع الصناعة مقارنة بالسنوات السابقة، حيث بلغ عدد المسجلين كعاطلين من القطاع في عام 2024م، حوالي 285,000 شخص، وهو رقم أعلى بكثير من السنوات السابقة.

     يمر قطاع الصناعة الألماني في السنوات الأخيرة بأزمة عميقة تهدد بفقدان عشرات الآلاف من الوظائف. وتشير التقديرات إلى أن نحو 70,000 وظيفة في شركات مثل ZF، Continental، Thyssenkrupp Steel، وVolkswagen معرضة لخطر الإلغاء، مع إعلان شركات أخرى كـ Porsche وBosch وFord عن خطط مماثلة لتقليص القوى العاملة. ويُفقد حالياً أكثر من 10,000 وظيفة شهرياً، ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه هذا القطاع الحيوي، لا سيما وأن فرص العمل حتى للمهنيين المؤهلين بدأت بالتراجع، مع انخفاض نسبة الشركات الصناعية التي تعاني من نقص في العمالة المؤهلة إلى 18 في المئة فقط في يناير 2025م، مقارنة بـ 44.5 في المئة في 2022م. كما أن الرواتب بدأت بالتراجع أيضاً.

     وبينما تتجه بعض الشركات الصناعية إلى تحويل الإنتاج نحو القطاع العسكري، ما يوفر فرصاً لخلق وظائف جديدة، إلا أن هذا التحول لا يناسب جميع العاملين. وبذلك، يبقى التحدي قائماً: كيف يمكن تعويض فقدان الوظائف في القطاع الصناعي، خاصة في ظل تراجع النمو في الصناعات الأساسية وبطء ظهور البدائل من الوظائف ذات الأجور المجزية والمنافسة الدولية حيث لم تعد التكنولوجيا المتقدمة حكراً على الدول الغربية ومنها ألمانيا.

 

اتفاق الائتلاف الحكومي بين أحزاب الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي

     توصل زعماء أحزاب الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU)، والحزب الاجتماعي المسيحي (CSU)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، الى اتفاق ائتلاف بينهم لتشكيل الحكومة الاتحادية القادمة ويتضمن الاتفاق الخطوط العريضة لعمل الحكومة خلال السنوات الأربع القادمة. وقد وصف رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس، الذي يُفترض أن يكون المستشار القادم، اتفاق الائتلاف بأنه “إشارة قوية” للمواطنين ولأوروبا، مؤكدًا أن الأحزاب التي تمثل الوسط قادره على حل مشاكل البلاد.

     وقد تضمنت الخطوط الرئيسية في الاتفاق تخفيض ضريبة الشركات بمقدار نقطة مئوية واحدة على خمس مراحل، ابتداءً من عام 2028م. في المقابل، ستظل ضريبة التضامن (Solidaritätszuschlag)، كما هي دون تغيير. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تخفيف الأعباء على الشركات والمستهلكين من خلال خفض ضريبة الكهرباء. وتعتزم الحكومة المقبلة إدخال تعرفة صناعية خاصة بالكهرباء للشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة. كما سيتم تخفيض ضريبة الكهرباء للجميع إلى “الحد الأدنى الأوروبي”، مع تقليل الرسوم الإضافية وتكاليف الشبكة.

     كما يسعى الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الى تقليل العبء الضريبي على أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط، حيث سيتم خفض ضريبة الدخل لهذه الفئات. ووفقًا لاتفاق الائتلاف، سيحدث هذا التخفيض في منتصف الدورة التشريعية، أي بعد حوالي عامين، دون الكشف عن التفاصيل الدقيقة حتى الآن.

     واتفقت الأحزاب ايضاً على إلغاء نظام اعانه البطالة المعروف باسم (Bürgergeld)، بصيغته الحالية وإعادة تصميمه ليصبح “نظام ضمان اجتماعي جديد للعاطلين عن العمل”. وسيُطلب من العاطلين عن العمل السعي بنشاط للحصول على وظيفة. كما تعتزم الحكومة المقبلة إزالة العقبات التي تعيق التوظيف وتشديد الالتزامات والمخالفات المرتبطة بهذا النظام. وسيتم سحب المساعدات بالكامل من الأشخاص القادرين على العمل في حال رفضهم مرارًا قبول عمل معقول. بالإضافة الى ذلك تم إقرار استقرار مستوى المعاشات التقاعدية.

     فيما يتعلق بسياسات الهجرة، اتفقت أحزاب الاتحاد المسيحي (CDU/CSU)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) على تنفيذ “حملة إعادة ترحيل واسعة”. كما ستتوقف برامج استقبال اللاجئين الطوعية التي تنظمها الحكومة الاتحادية “قدر الإمكان”. وسيتم إلغاء ما يسمى بالتجنيس السريع الذي أقرته حكومة تحالف أحزاب الاشتراكي -الخضر-الديمقراطي الحر والذي يسمح بالحصول على الجنسية بعد ثلاث سنوات فقط.

     وضمن مساعي الحكومة القادمة لتقليل البيروقراطية وتسريع الرقمنة في أجهزة الدولة، أقرت اتفاقية التحالف إنشاء وزارة للتحول الرقمي وتحديث الدولة. كما تم التوافق على إلغاء قانون سلاسل التوريد وإلغاء قانون التدفئة المثير للجدل.

     وعلى الرغم من أن العديد من الاتحادات التي تمثل العديد من القطاعات الاقتصادية قد أشادت ببعض النقاط المحفزة في اتفاقية الائتلاف، إلا أن هناك أيضًا شكوكًا وانتقادات، حيث ان بعض خططها لا تلقى استحسانًا كاملًا من قبل اتحادات الأعمال، وبعض قطاعات الصناعة، والنقابات العمالية.

     وفي هذا السياق، صرّح Christian Sewing، رئيس اتحاد البنوك الألمانية قائلًا: اتفاق التحالف يتضمن نقاطًا مهمة للإصلاحات الهيكلية الضرورية، مثل إصلاح سوق العمل، وتخفيف البيروقراطية، وإصلاح النظام الضريبي.” لكنه أضاف: “كنا نتمنى المزيد في بعض الجوانب.” من جهته، طالب اتحاد الغرف التجارية والصناعية الألمانية (DIHK) بالمزيد من الشجاعة قائلًا: “البداية قد تمت، لكن يجب أن يكون هناك مزيد من الجرأة في الإصلاحات.”

     من جانبها رحبت العديد من اتحادات الأعمال بسرعة انجاز المفاوضات بين الأحزاب، ودعت الحكومة المقبلة إلى تنفيذ الإصلاحات بسرعة. كما أشاد اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية DIHK، واتحاد أصحاب العمل BDA، واتحاد الصناعة BDI، واتحاد صناعة السيارات VDA بخطوات تخفيف تكاليف الطاقة، والاستثمار في البنية التحتية، وتقليل البيروقراطية. وقال Rainer Dulger، رئيس اتحاد أصحاب العمل (BDA)، ” إلغاء قانون سلاسل التوريد خبر رائع”.  كما أشادت Hildegard Müller، رئيسة إتحاد صناعة السيارات (VDA)، ومؤسسة الشركات العائلية بحقيقة أن خطط الزيادات الضريبية الواسعة قد تم التخلي عنها.

     لكن بالمقابل، انتقدت الاتحادات الاقتصادية أن خفض ضرائب الشركات لن يبدأ حتى عام 2028م، مما يعني أنه سيأتي متأخرًا جدًا. وقالت Tanja Gönner، المديرة العامة التنفيذية لاتحاد الصناعة الألماني (BDI)، “السياسات الضريبية لهذا التحالف لا ترقى إلى المستوى المطلوب.”كما أعرب اتحاد أصحاب العمل (BDA)، عن خيبة أمله من عدم وجود إصلاح لنظام التأمينات الاجتماعية، محذرًا من أن ذلك سيؤدي إلى زيادة مساهمات التأمينات الاجتماعية في المستقبل. وقال Dulger “العواقب ستكون استمرار ارتفاع الاشتراكات الاجتماعية.”

     من جانبه وصف اتحاد الصناعات الرقمية (Bitkom)، إنشاء وزارة للتحول الرقمي وتحديث الدولة بأنه “نقطة تحول كبيرة لألمانيا وإشارة انطلاقة طال انتظارها من الحكومة الجديدة.” وأضاف الاتحاد:
“إذا تم تصميم هذه الوزارة بشكل صحيح، فستكون قادرة على جمع جميع القضايا الرقمية في يد واحدة، مما يجعلها قوة دافعة حقيقية للتحول الرقمي.”وأكد الاتحاد على أن ألمانيا بحاجة الآن إلى أن تصبح “أكثر قدرة على المنافسة، وأكثر ابتكارًا، وأكثر كفاءة رقميًا من أي وقت مضى.”

     في الجهة المقابلة، لم يكن قطاع صناعة السيارات راضية عن خطط الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. فقد انتقد اتحاد مصنعي السيارات الدوليين (VDIK) سياسات التحالف فيما يخص السيارات الكهربائية، مشيرًا إلى أن الحوافز الضريبية المذكورة لدعم مبيعات السيارات الكهربائية “غير واضحة بدرجة كافية.”

     وجاء في بيان الاتحاد “هذا الغموض سيؤدي إلى استمرار حالة عدم اليقين بين العملاء، وبالتالي لن يكون هناك تأثير إيجابي فوري على مبيعات السيارات الكهربائية.”كما انتقد اتحاد مستوردي السيارات أن التحول نحو التنقل الكهربائي لا يزال في مرحلة الانتظار، ودعا الاتحاد إلى توضيح السياسات بشكل أسرع.

 

الرسوم الجمركية الامريكية الجديدة تُهدد مستقبل صناعة السيارات الألمانية

     تدخل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا فصلًا جديدًا من التوتر مع فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية جديدة بنسبة 25 في المئة على واردات السيارات وقطع الغيار من الخارج بالإضافة إلى رسوم مماثلة ستُفرض على مكونات رئيسية مثل البطاريات والمحركات، في خطوة قد تكون لها تداعيات سلبية كبيرة على شركات السيارات الألمانية، التي تُعتبر من أعمدة الاقتصاد الألماني وأبرز ممثليه على الساحة العالمية.

وبالرغم من ان الإدارة الامريكية قد قررت تأجيل نفاذ هذه الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوماً، الا ان هذه المدة لا تتيح مجالاً كافياً للشركات للاستعداد وتُهدد بشكل مباشر عمالقة الصناعة مثل فولكسفاغن، وبي إم دبليو، ومرسيدس-بنز.

     تُظهر تحليلات شركة ” Deloitte ” الاستشارية أن مجرد فرض رسوم بنسبة 15 في المئة سيؤدي إلى تراجع صادرات السيارات الألمانية إلى أمريكا بنسبة 20 في المئة، أما الرسوم الجديدة (25 في المئة) فتُنذر بانخفاض أكبر قد يصل إلى أكثر من 30 في المئة. ووفقًا لتقديرات شركة ” Bernstein ” الأمريكية للتحليل الاقتصادي، فإن التكلفة الإجمالية للرسوم الجديدة على شركات فولكسفاغن، بي إم دبليو، ومرسيدس قد تصل إلى 11 مليار يورو. ولن تقتصر الخسائر فقط على المبيعات، بل تمتد إلى الأرباح والهامش التشغيلي. فقدّرت ” Bernstein ” أن هوامش أرباح بي إم دبليو قد تنخفض بنقطتين مئويتين، بينما قد تخسر مرسيدس ما يعادل 2.9 مليار يورو من أرباحها بناءً على نتائج عام 2024م. أما فولكسفاغن، التي تُعد من أكثر الشركات اعتمادًا على السوق الأمريكي، فقد تفقد ما يصل إلى 15 في المئة من أرباحها التشغيلية، وهو ما يعادل نحو 2.85 مليار يورو.

     وستكون الشركات التي لا تمتلك مصانع إنتاج داخل الولايات المتحدة الأكثر تضررًا. فماركات مثل بورشه وفيراري تعتمد بالكامل على تصدير السيارات من أوروبا، ما يعني أن أسعار منتجاتها سترتفع بشكل كبير، وقد تتأثر قدرتها التنافسية بشدة. ورغم أن بعض الشركات الألمانية مثل فولكسفاغن وبي إم دبليو تمتلك مصانع على الأراضي الأمريكية، إلا أن نسبة كبيرة من الطرازات الفاخرة لا تزال تُشحن من ألمانيا إلى الولايات المتحدة، خاصة من ماركات مثل أودي وبورشه ومرسيدس.

     من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة استوردت في العام الماضي سيارات ألمانية بقيمة تقارب 23 مليار يورو، أي نحو نصف واردات السيارات من الاتحاد الأوروبي، ما يوضح حجم الاعتماد الألماني على هذا السوق الحيوي.

     في ظل هذا التصعيد، بدأت بعض الشركات الألمانية باتخاذ خطوات احترازية. فعلى سبيل المثال، تنوي فولكسفاغن فرض “رسم استيراد” إضافي على سياراتها في السوق الأمريكي، فيما بدأت بالفعل تخزين السيارات القادمة من أوروبا في الموانئ بدلًا من نقلها مباشرة إلى السوق. في الوقت نفسه، تفكر شركات مثل أودي وبورشه بجدية في إنشاء مصانع داخل الولايات المتحدة لتفادي الرسوم الجديدة. وتنظر شركة أودي على وجه الخصوص في بناء منشأة إنتاج جديدة بالنظر إلى أنها تُعد من العلامات التجارية الأكثر مبيعًا في السوق الأمريكي مقارنة ببورشه، التي تركز أكثر على الفخامة والأداء. مرسيدس بدورها تدرس إمكانية إنتاج سياراتها الأكثر مبيعًا مثل الـ GLC في الولايات المتحدة بدءًا من 2026م، كما تفكر أيضاً في الإنتاج في جنوب إفريقيا كخيار مؤقت لتغطية السوق الأمريكي، مستفيدةً من اتفاقية تجارة حرة بين البلدين لا تشملها قرارات ترامب الأخيرة.

     ورغم أن بعض الحلول المحتملة مطروحة للتعامل مع الرسوم الجمركية الجديدة، مثل توسيع خطوط الإنتاج داخل الولايات المتحدة أو التوجه نحو أسواق بديلة في آسيا وأفريقيا، فإن هذه الاستراتيجيات تتطلب استثمارات ضخمة ووقتًا طويلًا للتنفيذ الفعلي، قد يمتد لعدة سنوات. فبناء منشآت إنتاج جديدة، وتدريب القوى العاملة، وتأسيس سلاسل توريد بديلة ليست أمورًا تُنجز بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى تخطيط دقيق وتنسيق عالي المستوى.

     وفي هذا السياق، تبرز ايضاً التحديات المرتبطة بسلوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عُرف بنهجه التصعيدي في التعامل مع الشركاء التجاريين، لا سيما في فرض الرسوم الجمركية وتهديد سلاسل الإمداد العالمية. هذا النهج يضيف بُعدًا من عدم الاستقرار ويُصعّب التنبؤ بإمكانية التوصل إلى حلول دبلوماسية سريعة ومستدامة. وبالتالي، فإن الأضرار الاقتصادية قصيرة المدى تبدو شبه مؤكدة، خصوصًا على الشركات التي تعتمد بشكل كبير على التصدير الى السوق الأمريكي.

 

تسجيل المزيد من براءات الاختراع في ألمانيا على المستوى المحلي والاوروبي

     ارتفع عدد براءات الاختراع التي سجلتها ألمانيا على المستوى الأوروبي وأيضا على المستوى المحلي. أوروبياً ووفقًا لما أعلنه المكتب الأوروبي لبراءات الاختراع (EPA)، سجّل الباحثون والباحثات من جمهورية ألمانيا الاتحادية خلال العام 2024م، ما مجموعه 25,033 براءة اختراع، ويشكّل ذلك زيادة بنسبة 0.4 في المئة مقارنة بالعام السابق. وبهذا تظل ألمانيا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث عدد براءات الاختراع.

     ولا تزال الولايات المتحدة هي الدولة الرائدة في تقديم طلبات براءات الاختراع في أوروبا، حيث سجلت 47,787 طلبًا. تلتها اليابان، وجمهورية الصين الشعبية، وكوريا الجنوبية في المراتب التالية. وبلغ العدد الإجمالي لطلبات براءات الاختراع التي سجلها مكتب البراءات الأوروبي 199,264 طلبًا.

     ويمثل تسجيل المزيد من براءات الاختراع مجددًا في ألمانيا إشارة إيجابية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب. وبوجه عام، تراجعت الطلبات الواردة من دول خارج أوروبا بنسبة 0.4 في المئة، في حين زادت الطلبات المقدمة من أوروبا بنسبة 0.3 في المئة. وأشار Antonio Campinos، رئيس المكتب الأوروبي لبراءات الاختراع، إلى أن هذه الزيادة الطفيفة تبرز “التفوق التكنولوجي والاستثمارات المستمرة في البحث والتطوير” من قبل الشركات والمخترعين والمخترعات في أوروبا.

     وقد حققت ألمانيا أداءً جيدًا بشكل خاص على المستوى الأوروبي في طلبات براءات الاختراع في مجال النقل، الذي يشمل إلى جانب صناعة السيارات مجالات السكك الحديدية والطيران والفضاء. وبوجه عام، كانت تكنولوجيا الحواسيب، التي تشمل مجالات الذكاء الاصطناعي مثل التعلم الآلي والتعرف على الأنماط، هي المجال الرائد. كما سُجِّلت زيادة بنسبة 8.6 في المئة في طلبات تسجيل الاختراعات المتعلقة بالآلات والأجهزة الكهربائية والطاقة، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى الابتكارات في مجال البطاريات. أما في مجال الاتصالات الرقمية، والذي يشمل شبكات الهاتف المحمول، فقد تم تسجيل انخفاض في طلبات تسجيل الاختراعات بنسبة 6.3 في المئة.

     وكانت شركة سامسونج الكورية هي الشركة الرائدة في عدد طلبات براءات الاختراع، تلتها هواوي وال جي، بينما احتلت سيمنس و(BASF)، الألمانيتان المرتبتين السادسة والسابعة على التوالي.

     على المستوي المحلي في ألمانيا أعلن المكتب الفيدرالي للبراءات والعلامات التجارية (DPMA)، في ميونيخ، والذي يعتبر أكبر هيئة براءات اختراع وطنية في أوروبا. أنه تم تقديم 40,064 طلب براءة اختراع في العام 2024م، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4 في المئة مقارنة بالعام السابق. بينما كانت الطلبات القادمة من الخارج قد انخفضت بنسبة تقارب 5 في المئة ووصلت إلى 19,196 طلبًا.

     وبحسب مكتب تسجيل براءات الاختراع الألماني، استمرت صناعة السيارات في صدارة القطاعات الصناعية في تسجيل براءات الاختراع، حيث ان الشركات العشر التي سجلت أكبر عدد من البراءات، كانت جميعها شركات تصنيع السيارات والشركات المصنعة والموردة لأجزاء السيارات. وقد تصدرت شركة “روبرت بوش” قائمة الشركات مع 4,496 طلبًا، تليها شركة “بي إم دبليو” بـ 2,297 براءة اختراع، وشركة “مرسيدس-بنز” بـ 2,138 طلبًا. جدير بالذكر أن شركة “سيمنز” لم تُدرج في هذه الإحصائيات، حيث تُفضل الشركة تقديم اختراعاتها مباشرة إلى المكتب الأوروبي للبراءات. وقالت Eva Schewior، رئيسة مكتب البراءات الألماني، “إنه أمر جيد أن الشركات الألمانية تستثمر بشكل قوي في البحث والتطوير على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، وأنها تركز على حماية ابتكاراتها.”  وبحسب مكتب البراءات فان دور المعاهد البحثية والمخترعين الأفراد في تسجيل براءات الاختراع كان دور ثانوي وهو الامر القائم منذ فترة طويلة، حيث أن معظم طلبات البراءات تأتي من أقسام التطوير في الشركات.

     وكان قطاع النقل، الذي يشمل صناعة السيارات، هو الأكثر ابتكارًا في العام الماضي، حيث تم تقديم 11,153 طلب براءة اختراع، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4.8 في المئة وقد ساهم في هذا بشكل رئيسي الاختراعات في مجال الإلكترونيات الترفيهية في السيارات الكهربائية. على سبيل المثال، شهدت الفئة المتعلقة بالأجهزة في السيارات، مثل الشاشات والتحكم الصوتي، زيادة بنسبة 33.4 في المئة. كما سجلت براءات الاختراع في قطاع المحركات الكهربائية زيادة بنسبة 14.4 في المئة.

     وفيما يتعلق بتوزيع عدد طلبات تسجيل براءات الاختراعات داخل ألمانيا بحسب الولايات الفيدرالية، ذكر مكتب البراءات، ان ولاية بادن-فورتمبورغ هي التي سجلت أكبر عدد من البراءات، حيث تم تقديم 137 طلب براءة اختراع لكل 100,000 نسمة. وجاءت ولاية بافاريا في المرتبة الثانية بـ 85 طلبًا، تليها ولاية ساكسونيا السفلى بـ 38 براءة اختراع لكل 100,000 نسمة. ويعود السبب في تفوق هذه الولايات الى ان المقرات الرئيسية لشركات تصنيع السيارات توجد في هذه الولايات الثلاث.