عاد الاقتصاد الألماني خلال العام 2021م إلى النمو مسجلا نسبة 2.7 في المئة مقارنة بالعام السابق 2020م وذلك بحسب تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي، وتمثل هذه النسبة اقل من نسب النمو التي كانت تتوقعها الحكومة الألمانية والعديد من معاهد الأبحاث الاقتصادية حيث كانت مصادر حكومية تتوقع نموا بواقع 3.5 في المئة فيما دارت توقعات معاهد الأبحاث عند نسبة نمو 4 في المئة.

ويرجع السبب الأساسي لتباطؤ تعافي الاقتصاد من ازمة كورونا خلال العام الماضي الى الاختناقات في التسليم واستمرار النقص في الرقائق الالكترونية والمواد الخام التي اعاقت الإنتاج الصناعي، والتي تسببت كذلك في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من العام 2021م بنسبة تتراوح بين 0.5 الى 1 في المئة مقارنة بالربع الذي سبق والذي ساهمت فيه أيضا الموجة الرابعة من كورونا وتزايد القيود على النشاط الاقتصادي والتواصل الاجتماعي لمكافحة الجائحة وهو ما وضع ضغوطا على قطاع تجارة التجزئة وصناعة الضيافة والمطاعم. اما بالنسبة الى الربع الاول من العام الحالي 2022م فيتوقع كبير الاقتصاديين في البنك التجاري الألماني Commerzbank، Jörg Krämer استمرار تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي نتيجة المتحور اوميكرون وتزايد عدد الإصابات به والإجراءات المتخذة المرتبطة بمنع انتشاره مثل القيود على البيع بالتجزئة والتي ستؤدي في النهاية الى تراجع الاستهلاك الذي يعد من اهم روافع النمو الاقتصادي.

ووفقا لتقرير مكنب الإحصاء الاتحادي فقد استقر الإنفاق الاستهلاكي الخاص في عام 2021م عند نفس المستوى المنخفض للعام 2020م، وبالتالي لا يزال بعيدًا عن مستواه قبل أزمة كورونا، في المقابل استمر ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي الحكومي في عام 2021م، على الرغم من انه كان قد سجل ارتفاعا في العام السابق، حيث سجل زيادة بنسبة 3.4 في المئة مقارنة بالعام 2020م.  وذلك بسبب إنفاق الدولة المزيد من الأموال لشراء الاختبارات السريعة لفحص كورونا المجانية وكذلك تكلفة لقاحات كورونا الى جانب تكاليف تشغيل مراكز الاختبارات والفحص والتطعيم.

الا ان العديد من الخبراء الاقتصاديين يتوقعون ان يكتسب تعافي الاقتصاد زخماً كبيرا مع حلول الربيع معتمدا على التوقعات بتراجع الإصابات بكورونا وتزايد الرغبة في الاستهلاك، وفي هذا المجال يشير تقرير للبنك المركزي الألماني ان المواطنين الالمان سوف ينفقون اموالاً بنسب أكبر مما كانت عليه قبل الجائحة نتيجة توافر احتياطيات مالية كبيرة لديهم بعد ان تم الغاء وتأجيل أنماط استهلاكية تقليدية خلال الجائحة مثل الرحلات والإجازات وتقييد الأنشطة الترفيهية. وبناء على هذا يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يحقق الاقتصاد الألماني نموًا خلال العام 2022م يتراوح بين 3.5 و4 في المئة.

من جانبه حث اتحاد الصناعات الألمانية BDI على توخي الحذر في هذه التقديرات واشار رئيس الاتحاد Siegfried Russwurm الى ان ذروة عدوي فيروس كورونا لم تحدث بعد، (يتوقع وزير الصحة الألماني كارل لاوترباخ حدوثها في منتصف شهر فبراير القادم)، وهو ما سيؤدي الى تأخر انتعاش الاقتصاد الى الصيف، ويؤكد Russwurm أيضا ان هذا يعتبر سيناريو متفائل الى حد ما، اذ في حال ما تسبب المتحور اوميكرون في التأثير على بلد مثل الصين أو أسواق أخرى مهمة لألمانيا مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، فسيكون لذلك عواقب وتأثيرات سلبية اكبر على الاقتصاد الألماني.

وبشكل عام وبحسابات معهد كيل لدراسات الاقتصاد العالمي IfW فإن قيمة الخسائر المتوقعة للناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بسبب ازمة كورونا ستبلغ خلال الأعوام من 2020م الى 2022م نحو 320 مليار يورو. كذلك ووفقا للمعهد أيضا فان اختناقات التسليم ستكلف قطاع الصناعة خلال العامين 2021م و2022م حوالي 40 مليار يورو فيما يقدر اتحاد الصناعات الألمانية (BDI) حجم هذه الخسائر بأكثر من 50 مليار يورو.

في غضون ذلك ارتفع معدل التضخم في ألمانيا في شهر ديسمبر الماضي الى 5.3 في المئة بحسب تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي، وهو اعلى معدل تضخم في ألمانيا منذ العام 1992م عندما تسببت تكاليف إعادة الوحدة في ارتفاع معدلات التضخم. ووفقًا لبيانات مكتب الاحصاء، من المتوقع أن يبلغ متوسط ​​معدل التضخم السنوي في عام 2021م، 3.1 في المئة بينما بلغ معدل التضخم في العام 2020م، 0.5 في المئة فقط، وفي عام 2019م كان معدل التضخم السنوي عند مستوى 1.4 في المئة. كذلك ارتفع معدل التضخم في منطقة اليورو مرة أخرى في ديسمبر 2021م إلى مستوى قياسي، حيث بلغ معدل التضخم 5 في المئة بحسب مكتب الإحصاء الاوروبي Eurostat . ويمثل هذا المعدل أعلى معدل تضخم منذ اعتماد عملة اليورو.

في مالية الدولة اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي ان موازنات الدولة الألمانية المختلفة في 2021م، سجلت عجزاً قدره 153.9 مليار يورو، وهو ما يعد أكثر من العجز المسجل في عام الأزمة 2020م والذي بلغ 145.2 مليار يورو. ويمثل العجز في موازنات العام 2021م ثاني أعلى عجز منذ توحيد ألمانيا. وفي التفاصيل بلغ عجز ميزانية الحكومة الاتحادية 155.3 مليار يورو في عام 2021م، وهو ما يمثل عجزاً أعلى من العجز الحكومي العام ككل. في المقابل، سجلت ميزانيات حكومات الولايات الفيدرالية عجزا بواقع 1.6 مليار يورو فيما سجلت ميزانيات صناديق الضمان الاجتماعي عجزاً طفيفا بنحو 100 مليون يورو فقط، هذا فيما حققت ميزانيات البلديات فائضاً في نهاية السنة المالية 2021م بحوالي 3.1 مليار يورو.  وبهذا تبلغ نسبة عجز ميزانيات الدولة في العام 2021م 4.3 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

في جانب مناخ الاعمال والاستطلاع الذي يجريه معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعة ميونخ كل شهر لآراء وتوقعات المدراء التنفيذيين لأكثر من 9 الاف شركة ألمانية في مختلف قطاعات الاقتصاد، أظهرت نتائج الاستطلاع لشهر يناير الحالي تحسن مناخ الاعمال في بداية العام 2022م، حيث ارتفع مؤشر IFO لمناخ الأعمال إلى 95.7 نقطة في يناير، بعد ان كان عند مستوى 94.8 نقطة في ديسمبر.  اذ وبالرغم من ان الشركات قيمت الوضع الحالي إلى حد ما بشكل متحفظ، الا ان توقعاتها لمستوى الاعمال في الأشهر القادمة تحسنت بشكل كبير مع تعزز الآمال بانتعاش الاقتصاد الألماني بداية من الربيع القادم.

في قطاع الصناعة، حقق المؤشر ارتفاعا كبيراً حيث ارتفع المؤشر من مستوى 17.4 في شهر ديسمبر الى مستوى 19.9 في يناير ويعود ذلك الى ارتفاع مستوى رضا شركات القطاع بمستوى الاعمال الحالي، بالإضافة إلى ذلك، ازداد التفاؤل فيما يتعلق بالأشهر المقبلة، خصوصا مع التراجع النسبي فيما يتعلق باختناقات العرض للمنتجات الأولية والمواد الخام.

في قطاع الخدمات، عاد مؤشر مناخ الأعمال للارتفاع مرة أخرى بعد ثلاث تراجعات متتالية حيث ارتفع المؤشر من 4.6 في ديسمبر الى 7.7 في يناير، ويرجع ذلك الى تراجع التشاؤم بشأن توقعات الاعمال في الأشهر القادمة خصوصا في قطاع السياحة التي تتطلع الى الاعمال في أشهر الصيف بأمل. بالمقابل كان قطاع الضيافة والمطاعم غير راض عن مستوى الاعمال الحالي بسبب الإجراءات والقيود المرتبطة بكوفيد -19. كما تحسن مناخ الأعمال في قطاع التجارة، وارتفع المؤشر من -4.1 الى – 1.3، فبينما قامت الشركات بتقييم وضعها الحالي بشكل سيء إلى حد ما، إلا أن التوقعات للأعمال خلال الأشهر القادمة كانت أكثر تفاؤلاً بشكل ملحوظ. كذلك وعلى نفس المنوال ارتفع المؤشر في قطاع البناء والتشييد، حيث وصل المؤشر الى مستوى 8.7 في يناير بعد ان كان عند مستوى 7.6 في ديسمبر. وكانت شركات القطاع أكثر رضا إلى حد ما على مستوى الأعمال الحالية. كما ارتفع التوقعات بمستوى الاعمال خلال بقية العام الى جانب بدأ الاختناقات في تسليم المواد الاولية في التراجع.

 

سوق العمل: انخفاض معدل البطالة العام 2021م وتراجع في اعداد المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر

شهد سوق العمل في ألمانيا خلال العام 2021م تطورا جيدا على الرغم من استمرار تأثيرات ازمة كورونا والتدابير المتخذة لمكافحته.  ففي بداية العام كان سوق العمل لا يزال يتأثر بشكل ملحوظ بالجائحة قبل أن يبدأ الانتعاش في الصيف. في الوقت نفسه، أصبحت اختناقات التسليم أكثر أهمية وتأثيرا على سوق العمل خصوصا في قطاع الصناعة وصناعة السيارات على وجه التحديد، والتي أدت الى عودة اعداد العاملين والموظفين المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر الى الارتفاع.

وفي الاجمال بلغ متوسط ​​عدد العاطلين عن العمل عام 2021م، 2613000 شخص، ويمثل هذا العدد اقل بحوالي 82 ألف شخص مقارنة بالعام 2020م، كما تراجع متوسط معدل البطالة في العام 2021م الى 5.7 في المئة وهو ما يمثل أيضا اقل ب 0.2 في المئة من العام 2020م. ويُعزى ​​الانخفاض السنوي في البطالة بشكل أساسي إلى الانخفاضات القوية في البطالة في النصف الثاني من العام بعد تخفيف القيود على الأنشطة الاقتصادية والتواصل الاجتماعي في أوائل صيف 2021م.

وفي سياق متصل وبعد التراجع الكبير في الطلب على الموظفين الجدد خلال الإغلاق الأول لأزمة كورونا في ربيع 2020م، تعافى الطلب بعد ذلك خصوصا في أوائل صيف 2021م، كما تم تسجيل انتعاش قوي استمر حتى نهاية العام، حيث بلغ متوسط عدد الوظائف الشاغرة المسجلة في وكالة العمل الاتحادية في 2021م، نحو 706 ألف وظيفة، وهو ما يعني ان الطلب على العمالة الجديدة أعلى بمقدار 92 ألف وظيفة بالمقارنة بالعام 2020م.

كما انخفض نتيجة لذلك استخدام برنامج الدعم الحكومي المسمى برنامج العمل بدوام مختصر والذي يقضي بدفع الحكومة تعويضات لعمال الشركات التي تتوقف عن العمل تبدأ ب 70 في المئة من الراتب حتى تصل الى 85 في المئة منه حتى عودتهم للعمل. وبالمقارنة وبعد ان وصل عدد العمال المسجلين في البرنامج في شهر ابريل من العام 2020م الى ما يقرب من 6 ملايين عامل وموظف بلغ المتوسط السنوي لعدد العمال المسجلين في البرنامج خلال العام 2020م حوالي 3 ملايين موظف وعامل، بينما ووفقا لإحصائيات وكالة العمل الاتحادية تراجع المتوسط ​​السنوي للعاملين بدوام مختصر في عام 2021م الى نحو 1.85 مليون عامل وموظف.

وفي نهاية العام 2021م عادت اعداد المسجلين في البرنامج الى الارتفاع مرة أخرى حيث أظهرت تقديرات معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعه ميونخ ifo، والذي اعتمد على استطلاعات المعهد وبيانات وكالة العمل الاتحادية، ان عدد المسجلين في البرنامج بلغ في شهر ديسمبر الماضي 879 ألف موظف وعامل، وهو ما يعني ان ما نسبته 2.6 في المئة من الموظفين في ألمانيا مسجلين في البرنامج بالمقارنة مع النسبة المسجلة في شهر نوفمبر والتي بلغت 2.1 في المئة، وذلك نتيجة للموجة الرابعة من كورونا. وتأثر الموظفون والعمال في قطاع صناعة السيارات بشكل خاص حيث بلغت نسبة العاملين المسجلين في البرنامج 17.6 في المئة من اجمالي الموظفين والعاملين في القطاع. وفي الصناعة ككل، ارتفع عدد المسجلين في البرنامج إلى 390 ألف موظف وهو ما يساوي 5.6 في المئة من اجمالي عدد العاملين في هذا القطاع. وأعاد باحثو معهد ifo ان ارتفاع عدد العمال المسجلين في برنامج الدوام المختصر في القطاع الصناعي الى اختناقات التسليم ونقص الرقائق الإليكترونية على الرغم من تزايد الطلبات بشكل قياسي.

بالإضافة الى ذلك عاد عدد الموظفين المسجلين في برنامج الدوام المختصر في قطاع الضيافة وفي قطاع تجارة التجزئة الى الارتفاع مرة أخرى بعد التراجع الذي شهده خلال الصيف نتيجة انتشار الإصابات بمتحور اوميكرون، حيث شهد قطاع الضيافة زيادة من 75 ألف موظف مسجلين في البرنامج في نوفمبر إلى 126 ألف موظف في ديسمبر. في تجارة التجزئة، ارتفع عدد العاملين بدوام مختصر من 23 ألف عامل في شهر نوفمبر إلى 53 ألف عامل في ديسمبر 2021م.

 

ارتفاع الأعباء التشغيلية والمالية على المستشفيات الألمانية

مع بدأ ازمة كورونا واستمرارها لعامين وتوالي المتحورات المختلفة من فيروس كورونا واجهت المستشفيات في ألمانيا أزمات واعباء جديدة الى جانب تفاقم الإشكاليات والاعباء التي كانت تعاني منها قبل الازمة. وتتمثل أحدث هذه الإشكاليات في زيادة الأعباء بشكل كبير على الاجنحة العامة في المستشفيات بسبب العدد الكبير من عدوى المتحور أوميكرون وذلك بعد ان أخذ العبء على وحدات العناية المركزة في المستشفيات في التناقص بحسب Gerald Gaß رئيس جمعية المستشفيات الألمانية (DKG). ويفاقم ارتفاع عدد المصابين المرقدين في العناية المركزة وفي اجنحة العناية العامة في المستشفيات من ازمة النقص في طواقم التمريض، حيث تعاني أربعة من أصل خمسة مستشفيات من مشاكل في شغل وظائف التمريض في وحدات العناية العامة والمركزة. فبحسب جمعية المستشفيات الألمانية هنالك حوالي 22300 وظيفة تمريض شاغرة على مستوى ألمانيا. ويعادل هذا الرقم ثلاثة أضعاف عدد الوظائف الشاغرة في قطاع التمريض بالمقارنة مع العام 2016م. كما تتوقع نصف المستشفيات أن يتدهور وضع طاقم التمريض على مدى السنوات الثلاث المقبلة.  واعتبر Gaß ان نقص طاقم التمريض هو “المشكلة الأكثر إلحاحًا في السياسة الصحية”، والتي يجب ان تكون محور اهتمام الحكومة الألمانية.

في الجانب المالي والتمويل وعلى الرغم من المساعدات الحكومية، فإن المستشفيات الألمانية تواجه صعوبات كبيرة حيث تتوقع 60 في المئة منها تسجيل خسائر في عام 2021م. فيما اشارت جمعية المستشفيات الألمانية الى ان عدد المستشفيات التي ستسجل خسائر مالية خلال العام 2021م ستبلغ الضعف مقارنة بالعام 2020م.  فيما تقيم حاليًا 11 في المئة فقط من المستشفيات وضعها الاقتصادي على أنه جيد. اما بالنسبة لعام 2022م، فتتوقع 22 في المئة من المستشفيات حدوث تحسن اقتصادي. ووفقا لتقرير صادر عن معهد المستشفيات الألمانية DKI يبدو الوضع الاقتصادي للمستشفيات في ألمانيا أسوأ مما كان عليه منذ 20 عامًا.

أحد الأسباب الرئيسية للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها المستشفيات هو في انخفاض الاشغال وإلغاء وتأجيل العمليات الجراحية لبقية المرضى وذلك من أجل تأمين القدرات العلاجية المجانية لمرضى كورونا. بالإضافة إلى ذلك، انخفض عدد الحالات التي تستقبلها المستشفيات من مختلف المرضى بشكل عام بسبب خشية المرضى من الإصابة بكورونا لدى زيارتهم للمستشفيات.

من الأسباب الرئيسية الأخرى التي تساهم في نقص التمويل الذي تواجهه المستشفيات يتمثل في تعقيد عملية تمويل المستشفيات الحكومية، حيث تتوزع مصادر تمويل المستشفيات على ثلاثة مصادر أساسية هي شركات التأمين الصحي وكذلك المرضى الذين يدفعون تكاليف العلاج من أموالهم الخاصة، الى جانب التمويل الاستثماري من حكومات الولايات، وتستخدم المستشفيات الأموال التي تحصل عليها من شركات التأمين ومرضى النفقة الخاصة في دفع نفقات التشغيل مثل رواتب الموظفين وقيمة الادوية والمستلزمات الطبية ونفقات الإدارة والصيانة.  اما تكاليف الاستثمار التي تشمل المباني الجديدة والأجهزة الطبية الجديدة فقد حدد القانون ان تكون حكومات الولايات مسؤوله عنها.

 وتنتج صعوبات التمويل عبر هذه المصادر بالطرق التالية: فأولا تتعاقد شركات التأمين الحكومية مع المستشفيات على أسعار ثابته لكل حاله مرضية وتتضمن هذه الأسعار تكلفة الأطباء وقيمة المستلزمات الطبية المختلفة والتي من ضمنها الادوية. وهنا تفاوض شركات التأمين للحصول على اقل الأسعار الى جانب انها تدفع بحسب عدد الحالات التي تقدم لها المستشفيات الرعاية الطبية وبالتالي عندما تقل الحالات تنخفض الأموال التي تتلقاها المستشفيات والتي تظل في نفس الوقت ملزمة بدفع نفقات التشغيل الثابتة مثل الرواتب. وبينما تمثل الحالات التي تدفع تكلفة العلاج بنفسها وفق أسعار أعلى من الأسعار التي تحسب لشركات التأمين، وبالتالي تعد ذات عائد وربحية اعلي، الا ان هذه الحالات قليلة جدا ولا تستفيد منها الا المستشفيات الكبرى في كبرى المدن.

وتعد تكاليف الاستثمار والتي تشمل أعمال بناء مباني جديدة أو شراء معدات باهظة الثمن، احدى الإشكاليات التي تعاني منها المستشفيات في ألمانيا منذ عقود، فوفقاً لمكتب التدقيق الاتحادي Bundesrechnungshof فأن الولايات الفيدرالية لم تفِ بالتزاماتها الاستثمارية “بشكل كافٍ” في تمويل المستشفيات لسنوات طويلة، وان هذا التمويل ثابت عند مستوى منخفض. وان كان التزام الولايات بتمويل هذه الاستثمارات مختلف باختلاف الولاية حيث تأتي ولاية بافاريا في مقدمة الولايات في تسديد التزاماتها وان كانت لم تتجاوز 60 في المئة. وبشكل عام وبينما دفعت الولايات ما يقرب من 3.9 مليار يورو للاستثمار في بناء وتجهيز المستشفيات في العام 1993م، بلغ ما دفعته في العام 2019م حوالي 3.2 مليار يورو فقط. وفي هذا الإطار أكد رئيس جمعية المستشفيات الألمانية Gerald Gaß ان “نقص التمويل المزمن الذي استمر لعقود، والعائد أساسًا إلى نقص الاستثمارات الكافية من قبل الولايات الفيدرالية، يهدد بتعريض مستوى الرعاية الصحية الجيدة في المستشفيات للخطر “.

 

الجدل حول احتمالات إيقاف امدادات الغاز الروسي واثارها على ألمانيا ودول الاتحاد الاوروبي

اظهرت التطورات المتتالية في الازمة الاوكرانية والمخاوف المتزايدة من اي عمل عسكري روسي باتجاه اراضي اوكرانيا وخيارات الرد المتوقع من الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف الناتو والاتحاد الاوروبي ان احتمالات انقطاع امدادات الغاز الروسي الى ألمانيا وبقية دول الاتحاد اصبحت أعلى من أي وقت مضى، سواء جاء هذا الوقف للإمدادات كموقف عقابي من دول الاتحاد تجاه روسيا او كان رداً انتقامياً من روسيا تجاه المواقف الألمانية او الأوروبية المتوقعة ضدها واحتمالات فرض عقوبات سياسية واقتصادية قاسية عليها. في جميع الحالات أصبح ضمان استمرار امدادات الغاز الطبيعي وتوافره في الأسواق الألمانية والأوروبية في خطر وبدأت المفوضية الاوروبية في وضع خطط للطوارئ في حالة توقف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا.

وتظهر مدى خطورة وقف امدادات الغاز الروسي في أنه يشكل أكثر من نصف كمية الغاز المسال الذي تستورده ألمانيا عبر الانابيب، حيث ومن كمية 102 مليار متر مكعب من الغاز المسال التي تستوردها ألمانيا سنويا يأتي 56.3 مليار متر مكعب من روسيا و31.2 مليار متر مكعب من النرويج و13 مليار متر مكعب من هولندا (بحسب ارقام العام 2020م). أما بقية دول الاتحاد الأوروبي فتأتي ثلث وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا. ولا يتوقف اعتماد ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بسبب حجم الواردات منه فقط ولكن أيضا بسبب وسيلة النقل والذي يتم عبر انابيب النقل التي تعتبر أكثر كفاءة وسرعة واقل تكلفة.

وتظهر أهمية انابيب نقل الغاز الطبيعي في ان الغاز الطبيعي يُنقل عادةً بطريقتين: إما عبر خط أنابيب أو في شكل مُسال عن طريق السفن. ووفقًا لشركة أبحاث السوق ICIS، تلقت أوروبا في ديسمبر الماضي ما يقرب من نصف وارداتها من الغاز عبر خطوط الأنابيب و22 في المئة فقط في شكل غاز طبيعي مسال (LNG).

وتنقل روسيا غازها الطبيعي الى ألمانيا بشكل مباشر، ومنها الى بقية دول الاتحاد، عبر خطين رئيسيين هما: Jamal-Europa الذي يمر عبر روسيا البيضاء وبولندا وNord Stream والذي يمر عبر بحر البلطيق وهو يتكون من انبوبين (1 Nord Stream) و (2 Nord Stream) والأول يعمل منذ العام 2011م بينما أكتمل بناء الأخير وأصبح جاهزاً للعمل لكن السلطات الألمانية المختصة لم تمنح التصريح لبدأ تشغيله بسبب عدم استكمال بعض الإجراءات والتصاريح حسب ما اُعلن. بالإضافة الى هذين الخطين هناك خط ثالث يمر عبر أوكرانيا ويصل ألمانيا أيضا وعدد أخر من الدول الأوروبية.

تعتمد خطط مواجه خطر إيقاف امدادات الغاز الروسي على عاملين أساسيين: الأول يتمثل في الاعتماد على احتياطيات الغاز الطبيعي المخزن، فيما يقوم الثاني على زيادة الواردات من الغاز الطبيعي المسال عبر السفن.  في ألمانيا والتي تمتلك أكبر قدرة تخزين غاز طبيعي في الاتحاد الأوروبي والرابع على مستوى العالم، أكدت وزارة الاقتصاد الاتحادية أن أمن الإمداد لا يزال مضمونًا على الرغم من أن مستويات تخزين الغاز أقل حاليًا مما كانت عليه في السنوات السابقة، فبينما كان يفترض ان يكون مستوى تعبئة الخزانات 60 في المئة بحلول الأول من فبراير، اكدت جمعية تخزين الغاز الطبيعي Ines، ان مرافق تخزين الغاز الألمانية ممتلئة حاليًا بنسبة 47 في المئة فقط، وإذا ما استمر استخراج الغاز بنفس المستوى الحالي دون تغيير، سينخفض ​​مستوى الملء في صهاريج التخزين إلى أقل من 40 في المئة بحلول الأول من فبراير. وتقوم المانيا حالياً باستهلاك متزايد للغاز الطبيعي من منشآت التخزين تحت الأرض لتعويض الندرة في السوق وما ينتج عن ذلك من ارتفاع الأسعار.

اما في خيار زيادة الواردات من الغاز الطبيعي المسال، وعلى الرغم من أنه من المرجح أن تستمر حصة الغاز الطبيعي المسال في الواردات الأوروبية في الارتفاع في يناير، إلا أنها لا تغطي حتى ربع استهلاك الغاز في أوروبا. كما تكمن الإشكالية ان كمية الغاز التي تصل أوروبا عن طريق البحر لا يمكن زيادتها حسب الرغبة، حيث ان القدرات الإنتاجية لموردي الغاز الطبيعي المسال ليست كافية لهذا الغرض. ويوضح العديد من الخبراء ان المشكلة ليست في الأسعار فقط ولكنها أيضا مشكلة توافر مادة الغاز. فمن جهة تعاني أسواق الطاقة العالمية من حالة اضطراب، حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بسبب الطلب المرتفع على الغاز بعد عامين من جائحة كورونا وبعد فصول الشتاء الباردة ومنشآت التخزين الفارغة، بالإضافة الى ان النمو السريع في الاقتصاد العالمي تسبب ايضاً في نقص عالمي في مخزون الغاز الطبيعي وارتفاع قياسي في الأسعار. ومن جهة أخرى وبالرغم أيضا من زيادة الولايات المتحدة من صادراتها من الغاز الطبيعي المسال وتصدرها قائمة أكبر مصدري الغاز المسال في العالم في شهر ديسمبر الماضي متجاوزة قطر، وذلك بعد ان صدرت الولايات المتحدة 1043 سفينة شحن تحمل غازًا طبيعيًا مسالًا العام الماضي، ذهب نصفها إلى آسيا والثلث إلى أوروبا. الا ان زيادة الصادرات الامريكية الى أوروبا لن تكون قادرة على سد الفجوة في الاستهلاك إذا ما توقفت امدادات الغاز الروسي. ويؤكد باحثو مؤسسة Bruegel للبحوث الاقتصادية في بروكسل ان “أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.” وانه على الرغم من التسليم القياسي من الغاز الطبيعي المسال في الموانئ الأوروبية حالياً، لا تزال المخزونات في مرافق تخزين الغاز تتراجع.

ويشدد خبراء الطاقة أن ألمانيا وأوروبا بحاجة إلى خطة طوارئ في حالة توقف امدادات الغاز الروسي، يأخذ في الاعتبار العرض والطلب حيث يتعين عليهما استيراد أكبر قدر ممكن من الغاز الطبيعي المسال، ولكن أيضًا ترشيد الاستهلاك. من أجل حماية الأسر في فصل الشتاء، كما يتعين على الصناعة أن تتحمل وطأة تخفيضات العرض مع الاخذ في الحسبان احتمال حدوث عواقب اقتصادية كبيرة.

 

280 مليار دولار خسائر الكوارث الطبيعية في العالم العام 2021م ونصيب ألمانيا 33 مليار يورو

سجل العام 2021م العديد من الكوارث الطبيعية المختلفة التي بلغت قيمة الاضرار التي تسببت بها 280 مليار دولار امريكي وذلك وفقا لدراسة اعدتها شركة Re Munich للتأمين. ووفقا لهذه الدراسة ايضا فيعتبر العام الماضي واحداً من الاعوام الاكثر كلفة في التاريخ بالنسبة لخسائر الكوارث الطبيعية وعلى رأسها الفيضانات والاعاصير. حيث يحتل عام 2021م، المرتبة الرابعة في الترتيب الخاص بأكثر سنوات الكوارث الطبيعية تسجيلا للخسائر المادية. بينما لا يزال عام 2011م العام الاعلى تكلفة حتى الآن، عندما أدى الزلزال البحري والتسونامي الذي اصاب اندونيسيا وتايلاند وعدد أخر من الدول المجاورة لها الى جانب الانفجار الذي حصل في مفاعل فوكوشيما في اليابان وغيرها من الكوارث إلى خسارة الاقتصاد العالمي لأكثر من 355 مليار دولار.

وفقًا لشركة إعادة التأمين Re Munich، تسببت الكوارث الطبيعية العام الماضي في خسائر أعلى بكثير في جميع أنحاء العالم مما كانت عليه في العامين الماضيين. “وفقًا للبيانات الأولية، دمرت العواصف أو الفيضانات أو حرائق الغابات أو الزلازل ممتلكات وبنى تحتية تصل قيمتها إلى 280 مليار دولار”، وبالمقارنة مع الاعوام السابقة كان حجم هذه الخسائر أكثر بحوالي 70 مليار دولار من عام 2020م، و114 مليار أكثر من عام 2019م. ومن ضمن الخسائر البالغة 280 مليار دولار، كانت قيمة الممتلكات المؤمن عليها فقط 120 مليار دولار. وفقد ما يقرب من 10000 شخص حياتهم في الكوارث الطبيعية.

وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية الدولة الاكثر تضررا في العام 2021م من الكوارث الطبيعية حيث بلغت الخسائر التي اصابت الاقتصاد الامريكي 145 مليار دولار. بالنسبة لأوروبا، كانت الفيضانات المفاجئة والمدمرة في الصيف الماضي في ألمانيا والدول المجاورة لها، والتي بلغت تكلفتها 54 مليار دولار أو 46 مليار يورو، بما في ذلك 33 مليار يورو في ألمانيا وحدها، من أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة على الإطلاق.

ويشير علماء المناخ الى ان احصائيات الكوارث الطبيعية توضح تواتر وشدة عدد من الظواهر الجوية المتطرفة خلال فترة العشر سنوات الماضية والناتجة عن تغير المناخ، مؤكدين ان “التكيف مع المخاطر المتزايدة من تغير المناخ سيكون تحديا”.

وفي قائمة أغلى الكوارث الطبيعية تكلفة في العام الماضي، يأتي إعصار إيدا الذي ضرب الولايات المتحدة الامريكية باعتباره الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة في العام الماضي. حيث وصل الاعصار في نهاية شهر أغسطس، إلى اليابسة جنوب ولاية نيو أورليانز مع سرعة رياح تبلغ حوالي 240 كيلومترًا في الساعة وتسبب في أضرار مدمرة. وقدرت شركات التأمين الضرر بمبلغ 65 مليار دولار، كان حجم الاضرار التي تم التأمين عليها حوالي 36 مليار دولار، أي ما نسبته 55 في المئة من حجم الاضرار الكلي.

وتأتي كارثة الفيضانات في ألمانيا وفي عدد من الدول المجاورة لها خلال الصيف الماضي باعتبارها ثاني كارثة طبيعية تكلفة في العالم حيث بلغ إجمالي الأضرار 54 مليار دولار أمريكي، وقد استأثرت ألمانيا وحدها بـ 40 مليار دولار أمريكي (33 مليار يورو). كان الجزء المؤمن عليه في ألمانيا ما يقرب من 10 مليار دولار فقط بسبب الانخفاض النسبي في عدد التأمينات من الفيضانات. كما تعد هذه الفيضانات أغلى كارثة طبيعية في المنطقة منذ عام 1970م، وثاني أكثر كوارث الفيضانات تكلفة في العالم خلال العشر سنوات الماضية، بعد فيضانات تايلاند عام 2011م.

وتصنف موجة تساقط الثلوج والبرد القارس الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة في شهر فبراير من العام الماضي والذي أدى الى انقطاع الكهرباء في مناطق عديدة وتضرر المباني والبنية التحتية التي لم يتم انشائها لتحمل درجات حرارة دون الصفر، باعتبارها ثالث كارثة طبيعية كلفة في العام 2021م، حيث بلغت قيمة الأضرار 30 مليار دولار، وكانت نصف المباني والمنشآت المتضررة مؤمن عليهم.  هذا فيما جاءت كارثة الفيضانات التي اصابت مقاطعة خنان الصينية في المركز الرابع في قائمة أكثر الكوارث الطبيعية كلفة في العام 2021م، حيث قُدرت كلفة الضرر الإجمالي بحوالي 16.5 مليار دولار أمريكي. كانت حوالي 10 في المئة من المنشآت المتضررة مؤمن عليها.