تُعدّ تقنيات الذكاء الاصطناعي من أبرز الابتكارات التكنولوجية التي من المتوقع أن تُحدث تحولات جذرية في الحياة اليومية مستقبلاً. فمن خلال قدراتها على تحليل البيانات الهائلة بسرعة فائقة، وتعلّم الأنماط، واتخاذ قرارات شبه مستقلة، أصبحت هذه التقنيات قادرة على تطوير العديد من المجالات بطرق لم يكن من الممكن تصوّرها قبل عقد من الزمن. فمثلا يُستخدم الذكاء الاصطناعي في عمليات الإنتاج والتصنيع بشكل متزايد لتحسين الكفاءة والجودة. فهو يساعد على التنبؤ بالأعطال قبل حدوثها (الصيانة التنبؤية)، وتحسين خطوط الإنتاج من خلال تحليل البيانات الضخمة في الوقت الحقيقي، وتقليل الهدر وتحسين جودة المنتجات عبر أنظمة الرؤية الحاسوبية. كما يمكنه تحسين إدارة سلسلة التوريد من خلال التنبؤ بالطلب وتوزيع الموارد بكفاءة، مما يُسهم في تقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية بشكل كبير.

وتعد أبرز الأمثلة على استخدام تطبيقات الذكاء الصناعي في قطاع النقل، حيث ان السيارات ذاتية القيادة والمركبات الذكية لم تعد مجرد أفكار طموحة، بل هي نماذج ملموسة تُجرّب على أرض الواقع، وتَعِدُ بخفض معدلات الحوادث المرورية وتسهيل التنقل بشكل آمن وفعّال. كذلك الحال في مجالات التعليم والتدريب، إذ باتت منصات الذكاء الاصطناعي قادرة على توفير محتوى مخصص لكل متعلم بناءً على أسلوبه الخاص في التعلّم، ما يعزز الفهم العميق ويقلل من الفجوات التعليمية. ولا يقف الأمر عند هذه التطبيقات فحسب، بل يمتد إلى كل جانب من جوانب الحياة اليومية تقريبًا. ففي مجالات الأعمال، أصبحت الشركات تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل أسواقها، والتنبؤ باتجاهات المستهلكين، وتحسين عمليات الإنتاج والتوزيع بكفاءة أعلى وتكلفة أقل. وفي حين بدأت أعداد متزايدة من الشركات الألمانية في الاستفادة من إمكانيات هذه التكنولوجيا، لا تزال هناك فئة واسعة تتعامل معها بتردد واضح.

الولايات المتحدة والصين تتصدران مجال الذكاء الاصطناعي

يُعتبر الذكاء الاصطناعي (AI) من أكثر الابتكارات التكنولوجية إثارةً وتأثيرًا في العصر الحديث. وتتمتع تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، وتذهب التقديرات الى ان تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستسهم بما قيمته 15 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030م وفقًا لتحليل شركة PwC للخدمات والاستشارات الادارية. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين قطبي الريادة العالمية في هذا المجال، حيث تلعب كلٌ منهما دورًا حاسمًا في تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.

فمن جهة، تتمتع الولايات المتحدة ببيئة مثالية للابتكار والبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي. فهي موطن لأكبر شركات التكنولوجيا في العالم مثل Google، Microsoft، Apple، Amazon، وMeta، والتي تستثمر مبالغ ضخمة في تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي. كما تحتضن الولايات المتحدة نخبة من الجامعات والمراكز البحثية الرائدة مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعة ستانفورد، حيث تُجرى أبحاث متقدمة في تعلم الآلة، معالجة اللغة الطبيعية، ورؤية الحاسوب.

وتتجسد الريادة الأمريكية في مشاريع ضخمة مثل GPT من OpenAI وGemini من Google DeepMind. كما تُعد الولايات المتحدة أيضًا السوق الأكبر لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث تُوظف هذه التقنيات في مجالات متعددة منها الرعاية الصحية، النقل، التجارة الإلكترونية، والخدمات المالية. هذه التطبيقات تساهم في تعزيز الإنتاجية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي ملحوظة. وتستحوذ الولايات المتحدة على حوالي 44 في المئة من الاستثمارات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا الحجم الهائل من الاستثمار يعكس الثقة الكبيرة في قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق عوائد اقتصادية ضخمة، فضلاً عن دوره في تعزيز تنافسية الاقتصاد الأمريكي عالميًا.

في المقابل، تُعد الصين منافسًا قويًا وطموحًا في مجال الذكاء الاصطناعي. ومنذ إعلان الحكومة العام 2017م، عن خطتها الاستراتيجية «صنع في الصين 2025» و»خطة تطوير الذكاء الاصطناعي الجديدة»، وضعت الصين الذكاء الاصطناعي في صميم استراتيجيتها الوطنية. وتتميز الصين بسرعة هائلة في تبني الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، وخاصةً في تطبيقات مثل التعرف على الوجوه، المدن الذكية، والخدمات الحكومية الإلكترونية. كما تُعد شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى مثل Baidu، Alibaba، وTencent من اللاعبين الأساسيين في تطوير ونشر حلول الذكاء الاصطناعي. كما تتفوق الصين عالميًا في تسجيل براءات اختراع الذكاء الاصطناعي، حيث تمثل أكثر من 70 في المئة من طلبات تسجيل براءات الاختراع العالمية في هذا المجال. كما ان الصين لا تكتفي فقط بالتطبيقات الاستهلاكية، بل تسعى إلى الريادة الصناعية عبر تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في سلاسل الإنتاج والتصنيع الذكي. ويُشكل هذا جزءًا من رؤيتها لتعزيز الاقتصاد القائم على الابتكار والتحول الرقمي.

ويُعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا للتقدم التكنولوجي عالميًا. من خلال سباق الابتكار والاستثمار، تدفع الدولتان حدود ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي، مما يساهم في تحقيق طفرات تقنية تعود بالنفع على الاقتصاد العالمي بأسره.

لا شك أن الولايات المتحدة والصين هما اللاعبان الرئيسيان في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم. بينما تتمتع الولايات المتحدة بأفضلية علمية وبحثية وبنية تحتية متقدمة، تستفيد الصين من سوقها الواسع ودعم حكومي قوي لتطبيق هذه التقنية على نطاق غير مسبوق. يفتح هذا التنافس الباب أمام فرص غير محدودة للابتكار.

مستوى توظيف الذكاء الصناعي في ألمانيا

تشير دراسة تحليلية صادرة عن معهد (ifo) في ميونخ، بالاستناد إلى بيانات وكالة الإحصاء الأوروبية «يوروستات»، إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يشكّل حتى الآن محوراً مركزياً في استراتيجيات معظم الشركات الألمانية. ففي عام 2023م، استخدم 12 في المئة فقط من الشركات في ألمانيا تطبيقات ذكاء اصطناعي، وكانت النسبة الأعلى بين الشركات الكبرى التي توظف أكثر من 250 عاملاً.

يُرجع البروفيسور Oliver Falck، مدير مركز اقتصاد الابتكار والتحول الرقمي في معهد ifo، هذا المستوى المحدود من استخدام الذكاء الصناعي من قبل الشركات الألمانية إلى عدة معوّقات، أهمها النقص الحاد في المهارات والمعرفة التقنية لدى الموظفين في التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويؤكد فالِك أن توظيف هذه التقنيات يتطلب فهماً عميقاً وقدرة على إدارتها وتشغيلها، وهو ما لا يتوفر بالضرورة في كافة المؤسسات. وتُستخدم حلول الذكاء الاصطناعي في الشركات الألمانية بشكل أساسي في مجالات محددة، مثل تكنولوجيا المعلومات ومعالجة النصوص في أنشطة التسويق. ومع ذلك، تبقى مظاهر الحذر واضحة، لا سيما لأسباب قانونية، إذ لايزال الإطار التنظيمي للذكاء الاصطناعي غير مكتمل، وتساور العديد من الشركات مخاوف بشأن كيفية تطبيق قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي في ألمانيا.

وبالرغم من تردد الشركات الألمانية في استخدام الذكاء الصناعي في اعمالها، تُصنّف ألمانيا في المرتبة السابعة بين دول الاتحاد الأوروبي من حيث توظيف الذكاء الاصطناعي في مؤسساتها. وتتفوق عليها دول مثل الدنمارك وفنلندا ولوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا ومالطا. لكن على صعيد تطوير البنية التحتية للتقنيات الجديدة أو إنشاء نماذج ذكاء اصطناعي مبتكرة، تبقى أوروبا لاعباً ثانوياً. ويرى Chris-Oliver Schickentanz، عضو مجلس إدارة شركة «كابيتل» لإدارة الثروات، أن الولايات المتحدة، ولا سيما الشركات في وادي السيليكون، تمتلك موقع الريادة في هذا المجال، نتيجة لوجود شركات ضخمة ذات قدرات مالية عالية. فالذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات كبيرة في مراحله الأولى لتوفير القدرات الحسابية اللازمة لتدريب النماذج واختبارها.

وتتجلى الهيمنة الأمريكية بوضوح في أداء أسواق الأسهم. فبحسب تحليل أجرته شركة الاستشارات EY، أسهمت موجة الذكاء الاصطناعي في ارتفاع كبير في أسعار الأسهم العالمية، استفادت منه في الأساس الشركات الأمريكية. ومن بين الشركات المئة الأعلى قيمة سوقية عالمياً في منتصف عام 2024م، لم تُدرج سوى شركتين ألمانيتين: «سيمنز» الصناعية و»ساب» المتخصصة في البرمجيات. ومع ذلك، يرى Schickentanz فرصًا متزايدة أمام الشركات الأوروبية لدخول المنافسة، خصوصًا مع توسع الاهتمام في توظيف الذكاء الاصطناعي خارج قطاع التكنولوجيا البحتة. ويؤكد أن هناك شركات أوروبية في قطاعات كالصناعات الدوائية، بدأت فعلاً في استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن عمليات البحث والتطوير.

إن التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يتطلب حلولاً مُفصّلة وفقاً لاحتياجات كل شركة، وهي حلول تستلزم استثمارات ضخمة من حيث الوقت والموارد. وعلى الرغم من أن إمكانيات الذكاء الاصطناعي تبدو غير محدودة، فإن واقع تطبيقه في الحياة اليومية للشركات الألمانية لا يزال محدودًا نسبيًا. ورغم التقدم النسبي الذي أحرزته ألمانيا مقارنةً ببعض دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن حضورها لا يزال ضعيفًا على المستوى العالمي في مجال تطوير وتوظيف الذكاء الاصطناعي. فالنقص في الكفاءات والغموض القانوني وغياب بيئة استثمارية مرنة كلّها عوامل تحدّ من تسريع عملية التحول الرقمي في البلاد. ومع ذلك، تُبدي بعض الشركات الألمانية والأوروبية مؤشرات واعدة في الدخول إلى سباق التكنولوجيا العالمية، شرط توفير الدعم والتمويل والبيئة التشريعية المناسبة.

المشاريع والاستثمارات الألمانية والأوروبية في مجال الذكاء الصناعي

تشهد ألمانيا أوروبا تحركات واسعة لتعزيز بنيتها التحتية في مجال الذكاء الاصطناعي، في سياق تنافسي عالمي متسارع تقوده الولايات المتحدة بمشاريع عملاقة واستثمارات هائلة. وفي هذا الإطار، تتفاوض مجموعة من الشركات الألمانية الرائدة لتشكيل ائتلاف بهدف إنشاء مصنع عملاق للذكاء الاصطناعي (AI Gigafactory)، وهو مشروع يوصف بأنه الأكبر من نوعه على الإطلاق داخل ألمانيا، وقد يكون نقطة تحول في تطوير البنية التحتية الرقمية في البلاد.

وتجري شركات كبرى مثل SAP، دويتشه تيليكوم، Ionos، مجموعة شفارز (المالكة لشبكة Lidl)، وشركة سيمنز، مفاوضات متقدمة لتقديم ملف مشترك إلى الاتحاد الأوروبي من أجل استضافة أحد مراكز البيانات العملاقة المزمع إنشاؤها لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويُنتظر أن تكون هذه المنشآت، والتي أطلقت عليها المفوضية الأوروبية اسم «Gigafactorys»، بمثابة بنية تحتية أساسية لدعم البحوث والمؤسسات الناشئة والشركات الكبرى على حد سواء.

والمشروع جزء من مبادرة أوروبية تهدف إلى إنشاء خمسة مصانع عملاقة للذكاء الاصطناعي على مستوى القارة، وذلك باستعمال ما لا يقل عن 100,000 من وحدات المعالجة الرسومية المتقدمة (GPUs) في كل منشأة. وتستهدف هذه المصانع توفير القدرة الحوسبية اللازمة لتدريب نماذج اللغة الكبيرة، على غرار تلك التي تعتمدها شركات مثل OpenAI لتشغيل أدوات (ChatGPT).

تمتلك ألمانيا حالياً مراكز بيانات تحتوي على حوالي 25,000 وحدة GPU، ما يجعل هذا المشروع بمثابة نقلة نوعية نحو تحقيق «بنية تحتية من الطراز العالمي»، على حد تعبير المفوضية الأوروبية.

وتأتي هذه التحركات الأوروبية كرد فعل استراتيجي على مبادرة «Stargate» في الولايات المتحدة، التي أعلنت عنها شركات مثل Softbank وOpenAI وOracle، والتي تهدف إلى ضخ استثمارات تصل إلى 500 مليار يورو في بنية الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأربع القادمة. وتشير التقديرات إلى أن هذه المبادرة ستنتج 20 مركز بيانات عملاق و100,000 وظيفة جديدة. هذا التقدم الأمريكي أثار مخاوف بين الخبراء الأوروبيين من ترسيخ الهيمنة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي وتعميق التبعية الرقمية لأوروبا. وقد حذر Bernhard Rohleder، المدير التنفيذي الاتحاد الألماني لصناعة المعلومات والاتصالات Bitkom، من أن عدم تحرك الاتحاد الأوروبي بجدية سيؤدي إلى «تثبيت قيادة الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي وتكريس تبعيتنا الرقمية». وتتمتع هذه المبادرة بدعم سياسي كبير، سواء على مستوى المفوضية الأوروبية أو الحكومات الوطنية. في ألمانيا، أبدت الحكومة الاتحادية، ضمن اتفاقها الائتلافي، رغبتها في استضافة إحدى هذه المنشآت على الأراضي الألمانية. كما أكد Karsten Wildberge، وزير الرقمنة الألماني اهتمام الحكومة بالمشروع، رغم أنه أشار إلى وجود «أسئلة لا تزال مفتوحة» في مرحلة التفاوض. من جهة أخرى، أعلنت Henna Virkkunen، مفوضة التكنولوجيا في المفوضية الأوروبية، أن عدد التحالفات المهتمة بالمشاركة في مشاريع المصانع العملاقة بلغ نحو اثني عشر ائتلافاً حتى الآن، ما يعكس الاهتمام المتزايد على مستوى القارة.

التحديات التي تواجه تطوير البينة التحتية للذكاء الصناعي في المانيا والاتحاد الأوروبي

في إطار الجهود الأوروبية الرامية إلى بناء بنية تحتية رقمية سيادية في مجال الذكاء الاصطناعي، برزت مسألة التمويل كعنصر حاسم في إنجاح مبادرة إنشاء مصانع الذكاء الاصطناعي العملاقة (AI Gigafactories). فبينما تسعى الشركات الأوروبية إلى تقليص الفجوة التكنولوجية بينها وبين المنافسين العالميين، تُطرح تساؤلات جدية حول الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع، في ظل التكاليف الباهظة اللازمة لبنائها وتشغيلها.

حيث تُعتبر مراكز البيانات المخصصة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي من أكثر المشاريع التقنية تكلفة، وذلك بسبب الحاجة إلى معالجات متخصصة عالية الأداء (GPUs) تُستخدم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتشغيلها. وتشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن تكلفة إنشاء منشأة واحدة قد تتراوح بين 3 و5 مليارات يورو، بينما يقدّر بعض ممثلي القطاع أن التكلفة قد تصل إلى 6 مليارات يورو. وتقترح المفوضية الأوروبية نموذج «الشراكة بين القطاعين العام والخاص» (PPP) كإطار تمويلي للمشروع، بحيث تتكفل الدولة بما يصل إلى 35 في المئة من الاستثمارات، فيما يقع العبء المتبقي على عاتق الشركات المشاركة وصناديق الاستثمار، على أن تتولى الشركات الخاصة تشغيل المصانع بالكامل.

وعلى الرغم من الإغراء الاستراتيجي للمشروع، يبقى العديد من الفاعلين في القطاع متحفظين، لا سيما فيما يتعلق بالجدوى الاقتصادية. فوفقًا لمصادر من داخل الصناعة، فإن الطلب الحالي على قدرات الحوسبة الفائقة في ألمانيا لا يزال دون عتبة 100,000 وحدة GPU، ما يضع المشروع في خانة الاستثمارات ذات المخاطر العالية، إذا ما أُطلق في الظروف الحالية.

في هذا السياق، شدد Thomas Saueressig، عضو مجلس إدارة شركة SAP، على أهمية خوض نقاش اقتصادي معمق، واقترح إنشاء المصنع على مراحل، بحيث يتم توسيع القدرة الاستيعابية تماشياً مع نمو الطلب، ما من شأنه أن يقلل من التكلفة الإجمالية لكل وحدة إنتاج. كما دعا إلى أن تلعب الدولة دور «العميل الرئيسي» (Ankerkunde)، بما يضمن حجم مبيعات أساسي يدعم استدامة المشروع. أما Oliver Menzel، الرئيس التنفيذي لشركة Maincubes المتخصصة في بناء مراكز البيانات، فقد أشار إلى أن التكاليف التشغيلية، وخصوصاً المتعلقة بالطاقة، تُعد من أكبر التحديات في ألمانيا، داعياً إلى توفير بيئة تنظيمية مستقرة ومستدامة بدلاً من الاعتماد على دعم مالي مؤقت. وتُطرح أيضاً عدة أسئلة تتعلق بالبنية المؤسسية للمشروع وتوزيع الأدوار بين الأطراف المشاركة. ففي حين يشير الاتفاق الائتلافي للحكومة الألمانية إلى ضرورة أن يؤدي القطاع العام دوراً قيادياً في دعم الاقتصاد الرقمي، لم تُحسم بعد تفاصيل كيفية توجيه العقود الحكومية لدعم المصانع العملاقة.

كذلك، يُتداول سيناريو لتقاسم استخدام البنية التحتية بين عدة شركات، ما قد يُحسن من معدلات الإشغال والعائد الاستثماري. وتُعد شركة سيمنز من بين الجهات المرشحة للاستفادة من قدرات هذه المصانع، خاصة بعد إعلانها نيتها تطوير نموذج ذكاء اصطناعي خاص بالصناعة.

تعتبر ألمانيا من أبرز الدول الصناعية والتكنولوجية في العالم، ولكنها تواجه تحدياً كبيراً في اللحاق بركب تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل الهيمنة الأمريكية على هذا المجال. لذلك، من الضروري لألمانيا تعزيز استثماراتها في البحث والتطوير وتبني استراتيجيات واضحة لدعم الابتكار في الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على دمج هذه التقنيات في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية. الاستثمار في تطوير قطاع الذكاء الاصطناعي سيساهم دون شك في الحفاظ على مكانة ألمانيا كمركز تكنولوجي متقدم، ويعزز من قدراتها التنافسية على الصعيد العالمي، ويضمن عدم الوقوع في تبعية تكنولوجية قد تضر بأمنها الاقتصادي والسياسي في المستقبل.