لا يزال الاتفاق الجمركي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يثير الكثير من الجدل. فعلى الرغم من أنه لم يتم التفاوض على جميع التفاصيل بشكل نهائي أو الإعلان عنها، فإن بعض الآثار المحتملة بدأت تلوح في الأفق، خصوصا ان الاتفاق قد تضمن فرض تعريفة جمركية أساسية بنسبة 15في المئة على معظم واردات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تكون لهذه الخطوة تأثيرات اقتصادية على مختلف القطاعات.

     ويرى الخبير الاقتصادي Jürgen Matthes، من معهد الاقتصاد الألماني (IW) في كولونيا، أن الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الواردات الألمانية تُعدّ “ضربة قوية” للاقتصاد الألماني. ويؤكد أن هذه الرسوم سيكون لها تأثير سلبي بشكل خاص على الشركات التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية، مثل صناعة السيارات وصناعة الآلات والمعدات الى جانب شركات صناعة الأدوية، فالولايات المتحدة تُعدّ الشريك التجاري الأهم لألمانيا، حيث يُوجّه نحو ربع صادرات الأدوية الألمانية إلى هناك. وبسبب الاتفاق ستتعرض شركات صناعة الأدوية الألمانية الى أعباء وخسائر مالية، إذ تمثل الرسوم الجمركية الأمريكية البالغة 15 في المئة تحولًا جذريًا. فقد وصف اتحاد شركات الأدوية البحثية (vfa) ذلك بأنه “انتكاسة مؤثرة” لأنه يكسر مبدأ التجارة الحرة بالأدوية السائد منذ عقود. وشدد Han Steutel، رئيس الاتحاد، على ان “هذه الاتفاقية تعني أعباء بمليارات اليورو على موقع صناعة الأدوية في ألمانيا”. وأضاف: “ليست هذه أنباء جيدة للوظائف والاستثمارات”.

     في صناعة السيارات وبالرغم من انه تم إلغاء الرسوم الجمركية الامريكية التي بلغت مؤخرًا 27.5 في المئة على صادرات السيارات الأوروبية والألمانية الى الولايات المتحدة الأمريكية، تظل الرسوم الأمريكية الجديدة البالغة 15 في المئة بعيدة عن تحقيق مبدأ علاقات تجارية عادلة، لاسيما في ظل رسوم جمركية أوروبية لا تتجاوز 2.5 في المئة على الصادرات الامريكية. الا ان الامر الإيجابي في الاتفاق هو انتهاء فترة طويلة من عدم اليقين عاشها قطاع صناعة السيارات في المانيا، حيث أصبح هنالك الآن معطيات واقعية يمكن بناء الإنتاج والاستثمارات عليها. وقالت Hildegard Müller، رئيسة اتحاد صناعة السيارات الألمانية (VDA)، إن من “الجيد من حيث المبدأ” أن “تصعيد النزاع التجاري” قد تم تجنبه. لكنها أوضحت أيضًا أن الرسوم الأمريكية ستكلف القطاع “مليارات سنويًا” وستشكل عبئًا عليه “وسط عملية التحول الكبرى”.

     من جانبه يرى Ferdinand Dudenhöffer، الخبير في قطاع السيارات، بان صناعة السيارات الألمانية قد تستفيد من الاتفاق في حال ما اقر نوع من المقايضة، حيث انه إذا قام مصنع ألماني بإنتاج سيارات في الولايات المتحدة وتم تصديرها إلى أوروبا، فقد يُسمح له في المقابل بتصدير منتجات من ألمانيا إلى أمريكا دون رسوم جمركية. لكن Dudenhöffer يستدرك ويؤكد انه “إذا لم تحدث أي مقايضات، فإننا نتوقع أن تنقل صناعة السيارات ما يصل إلى 10 في المئة من وظائفها من ألمانيا إلى الولايات المتحدة على المدى المتوسط، وهو ما يعادل نحو 70,000 وظيفة”.

     بالإضافة الى ذلك يُعد منتجي الصلب والألمنيوم في ألمانيا الخاسرين الأكبر من الاتفاقية، إذ لا تزال واشنطن تطبق رسومًا جمركية تبلغ 50 في المئة على وارداتهم. وصرح اتحاد صناعة الصلب بأن الاتفاق التجاري “لم يغيّر شيئًا من الوضع الكارثي” الذي يعيشه هذا القطاع. فيما أشار متحدث باسم الحكومة الألمانية إلى ضرورة مواصلة المفاوضات بهذا الخصوص. كما سيتأثر سلباً قطاع الصناعات الدفاعية الأوروبية، بالنظر إلى التزامات الاستثمار الضخمة التي تعهد بها الأوروبيون في الصناعة الأمريكية.

     في الصورة العامة، وباعتبار أن ألمانيا دولة تعتمد على التصدير، حيث تحقق أكثر من 42 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي من الصادرات، فهي ستتأثر بشدة بنظام الرسوم الجديد.   ووفقًا لمعهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW)، فإن الرسوم الجديدة ستتسبب في تقليص الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.15 في المئة سنوياً، وهو ما يعادل خسارة بنحو 6.5 مليار يورو.

     ورغم أن الكثير من التفاصيل بشأن الرسوم الجمركية لا تزال بحاجة إلى توضيح، إلا أن الالتزامات الأوروبية بشراء الطاقة والاستثمار في الولايات المتحدة تمثل مشكلة شائكة بشكل خاص. فبحلول نهاية ولاية ترامب، أي خلال السنوات الثلاث المقبلة، من المفترض أن ينفق الاتحاد الأوروبي 750 مليار دولار على استيراد الطاقة الأمريكية، ويستثمر 600 مليار دولار إضافية داخل الولايات المتحدة.

وبصرف النظر عن أن أغلب قرارات الاستيراد من عدمه يجب أن تتخذها الشركات الخاصة، فإن استيراد الطاقة من الولايات المتحدة بقيمة 250 مليار دولار سنويًا تبدو غير قابلة للتحقيق.  ففي العام الماضي، استورد الاتحاد الأوروبي طاقة (نفط، مشتقاته، غاز، فحم) من الولايات المتحدة بقيمة نحو 77 مليار يورو، من إجمالي واردات طاقة بلغ نحو 376 مليار يورو.

وفي هذا الجانب أوضحت Anne-Sophie Corbeau، من مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، ان هذا الاتفاق يعني أن على المفوضية الأوروبية أن تدفع الشركات الأوروبية لشراء ثلاثة أضعاف الكمية الحالية من وارداتها من الطاقة من الشركات الأمريكية، على حساب موردين آخرين ودون اعتبار للأسعار، ناهيك عن قدرة الولايات المتحدة أصلاً على توفير هذه الكميات للسوق الأوروبية. وتضيف Samina Sultan، الخبيرة الاقتصادية من معهد IW في كولونيا، أن زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري سيصطدم بأهداف الاتحاد الأوروبي المناخية. حيث تؤكد انه “إذا تم استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال والنفط من الولايات المتحدة، فإن ذلك يتعارض مع أهداف التحول إلى الطاقة المتجددة”.

     وفي حال لم تفِ الدول الأوروبية بالتزاماتها الاستثمارية الواردة في الاتفاق، فقد تحتفظ الولايات المتحدة بحق زيادة الرسوم الجمركية في المستقبل، كما جاء بالفعل في تصريحات من واشنطن. وهذا لا يبدو وكأنه نهاية حقيقية للنزاع.